سورة النحل
{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوۤاْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱتَّقُونِ } * { خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } * { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }
شرح الكلمات:
{ أتى أمر الله }: أي دنا وقرب أمر الله بعذابكم ايها المشركون فلا تستعجلون. { ينزل الملائكة بالروح }: أي بالوحي الذي به حياة الأرواح والمراد من الملائكة جبريل. { خلق الإنسان من نطفة }: أي من قطرة المني. { دفء ومنافع }: أي ما تستدفئون به، ومنافع من العسل واللبن واللحم والركوب. { حين تريحون }: أي حين ترونها من مراحها. { وحين تسرحون }: أي وحين إخراجها من مراحها الى مسارحها أي الأماكن التي تسرح فيها. { الا بشق الأنفس }: أي بجهد الأنفس ومشقة عظيمة. { معنى الآيات }: لقد استعجل المشركون بمكة العذاب وطالبوا به غير مرة فأنزل الله تعالى قوله: { أتى أمر الله } أي بعذابكم أيها المستعجلون له. لقد دنا منكم وقرب فالنضر بن الحارث القائل:
{ اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، أو أئتنا بعذاب أليم }
جاءه بعد سُنيات قلائل فهلك ببدر صبراً، الى جهنم، وعذاب يوم القيامة لمن استعجله قد قرب وقته ولذا عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه مجيئه فلا معنى لاستعجاله فلذا قال الله تعالى: { فلا تستعجلوه } وقوله { سبحان وتعالى عما يشركون } أي تنزه وتقدس عما يشكرون به من الآلهة الباطلة اذ لا اله الا هو: وقوله { ينزل الملائكة بالروح من أمره } أي بإرادته وإذنه { على من يشاء من عباده }. أي ينزل جبريل عليه السلام بالوحي على من يشاء من عباده وهو محمد صلى الله عليه وسلم وقوله { أن أنذروا انه لا إله الا أنا فاتقون } أي بأن انذروا اي خوفوا المشركين عاقبة شركهم فإن شركهم باطل سيجر عليهم عذاباً لا طاقة لهم به، لأنه لا اله الا الله، وكل الآلهة دون باطلة. أذ فاتقوا الله بترك الشرك والمعاصي والا تعرضتم للعذاب الأليم. في هاتين الآيتين تقرير للوحي والنبوة للنبي صلى الله عليه وسلم وتقرير التوحيد أيضاً وقوله تعالى في الآيات التالية: { خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون } استدلال على وجوب التوحيد وبطلان الشرك فالذي خلق السموات والأرض بقدرته وعمله وحده دون ما معين له ولا مساعد حق ان يعبد، لا تلك الآلهة الميتة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنطق { تعالى عما يشركون } أي تنزه وتقدس تعالى عما يشركون به من أصنام وأوثان. وقوله: { خلق الانسان من نطفة } أي من أضعف شيء واحقره قطرة المني خلقه في ظلمات ثلاث وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئاً حتى إذ رباه وأصبح رجلاً إذا هو خصيم لله يجادل ويعاند، ويقول من يحيى العظام وهي رميم. وقوله تعالى { والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون } فهذه مظاهر القدرة الإلهية والعلم والحكمة والرحمة وهي الموجبة لعبادته تعالى وترك عبادة ما سواه.
فالأنعام وهي الإبل والبقر والغنم خلقها الله تعالى لبني آدم ةلم يخلقها لغيرهم، لهم فيها دفء إذ يصنعون الملابس والفرش والأغطية من صوف الغنم ووبر الإبل ولهم فيها منافع كاللين والزبدة والسمن والجبن والنسل جيث تلد كل سنة فينتفعون بأولادها. ومنا يأكلون اللحوم المختلفة فالمنعم هو الواجب العبادة دون غيره من سائر. مخلوقاته وقوله: { ولكم فيها جمال } أي منظر حسن جميل حين تريحونها عشية من المرعى الى المراح { وحين تسرحون } اي تخرجونها صباحاً من مراحها الى مراعيها، فهذه لذة روحية ببهجة المنظر. وقوله (وتحمل أثقالكم الى بلدٍ لم تكونوا بالغيه الا بشق وبذل الجهو والطاقة، لولا الإبل سفن الصحراء ومثل الإبل الخيل والبغال والحمير في حمل الأثقال. فالخلق لهذه الأنعام هو ربكم لا اله الا هو فاعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وقوله تعالى: { إن ربكم } أي خالقكم ورازقكم ومربيكم وإلهكم الحق الذي لا اله لكم غير لرؤوف رحيم، ومظاهر رحمته ورأفته ظاهره في كل حياة الإنسان فلولا لطف الله بالانسان ورحمته له لما عاش ساعة في الحياة الدنيا فلله الحمد وله المنة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- قرب يوم القيامة فلا معنى لاستعجاله فإنه آتٍ لا محالة، وكل أتٍ قريب.
2- تسمية الوحي بالروح من أجل أنه يحيى القلوب، كما تحيى الأجسام بالأرواح.
3- تقرير التوحيد والنبوة والبعث الآخر بذكر مظاهر القدرة الإلهية والعلم والحكمة والرأفة والرحمة.
{ وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } * { يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ ٱلزَّرْعَ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ }
شرح الكلمات:
{ ويخلق ما لا تعلمون }: من سائر الحيوانات ومن ذلك السيارات والطائرات والقطر.
{ وعلى الله قصد السبيل }: أي تفضلاً وامتناناً ببيان السبيل القاصده وهي الإسلام.
{ ومنها جائر }: أي عادل عن القصد وهو سائر الملل كاليهودية والنصرانية.
{ ومن شجر }: أي وبسببه يكون الشجر وهو هنا عام في سائر النباتات.
{ فيه تسيمون }: ترعون مواشكيم.
{ مسخرات بأمره }: أي بإذنه وقدرته.
{ وما ذرأ لكم في الأرض }: أي خلق لكم في الأرض من الحيوان والنباتات المختلفة.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد بذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته إذ قال تعالى: { والخيل والبغال والحمير } أي خلقها وهو خالق كل شيء لعله ركوبهم إياها اذ قال: { لتركبوها وزينة } أي ولأجل أن تكون زينة لكم في حياتكم وقوله { ويخلق مالا تعلمون } أي مما هو مركوب وغير مركوب من مخلوقات عجيبة ومن المركوب هذه السيارات على اختلافها والطائرات والقطر السريعة والبطيئة هذا كله إفضاله وإنعامه على عباده فهل يليق بهم أن يكفوره ولا يشكروه؟ وهل يليق بهم أن يشركوا في عبادته سواه. وقوله { وعلى الله قصد السبيل } ومن إفضاله وإنعامه الموجب لشكره ولعبادته دون غيره أن بين السبيل القاصد الموصل الى رضاه وهو الإسلام، في حبن أن ما عدا الإسلام من سائر الملل كاليهودية والنصرانية والمجوسية وغيرها سبل جائره عن العدل والقصد سالكوها ضالون غير مهتدين الى كمال ولا الى إسعاد هذا معنى قوله تعالى { وعلى الله قصد السبيل } وقوله { ولو شاء لهداكم أجمعين } أي لو تعلقت بإرادته هداية الناس أجمعين لهداهم أجمعين وذلك لكمال قدرته وعلمه، الا أن حكمته لم تقتض هداية لكل الناس فهدئ من رغب في الهداية وأضل من رغب في الضلال. ومن مظاهر ربوبيته الموجبة لألوهيته أي عبادته ما جاء في الآيات التالية (10،11،12،13،14، 15) إذ قال تعالى: { هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب } تشربون منه وتطهرون، { ومنه } اي من الماء الذي أنزل من السماء شجر لأن الشجرة والمراد هنا سائر النباتات يتوقف وجوده على الماء وقوله { فيه تسيمون } أي في ذلك النبات ترعون مواشيكم. يقال سام الماشية أي ساقها الى المرعى وسامت الماشية أي رعت بنفسها. وقوله تعالى: { ينبت لكم به } أي بما أنزل من السماء من ماء { الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات } كالفواكه والخضر على اختلافها إذ كلها متوقفة على الماء. وقوله { إن في ذلك } أي المذكور من نزول الماء وحصول المنافع الكثيرة به { لآية } أي علامة واضحة على وجود الله وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته وهي مقتضية لعبادته وترك عبادة غيره. ولكن { لقوم يتفكرون } فيتعظون. أما اشباه البهائم الذين لا يفكرون في شيء فلا يجدون آية ولا شبه آية في الكون كله وهو يعشيون فيه.
وقوله تعالى: { وسخر لكم الليل والنهار } الليل للسكون والراحة، والنهار للعمل ابتغاء الرزق وتسخيرهما كونهما موجودين باستمرار لا يفترقان أبداً الى أن ياذن الله بانتهائهما وقوله: { والشمس والقمر } أي سخرهما كذلك للانتفاع بضوء الشمس وحرارتها، وضوء القمر لمعرفة عدد السنين والحساب، وقوله { والنجوم مسخرات بأمره } كذلك ومن فؤائد النجوم الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر وكونها زينة وجمالاً للسماء التي هي سقف دارنا هذه. وقوله { إن في ذلك } المذكور من تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم { لآيات } عدة يستدل بها على الخالق وعلى وجوب عبادته وعلى توحيده فيها، ولكن { لقوم يعقلون } أي الذين يستخدمون طاقة عقولهم في فهم الأشياء وإدراك اسرارها وحقائقها أما أشباه البهائم والمجانين الذين لا يفكرون ولا يتعقلون ولا يعقلون، فليس لهم في الكون كله آية واحدة يستدلون بها على ربهم ورحمته بهم وواجب شكره عليهم وقوله تعالى: { وما ذرأ لكم في الأرض } أي وما خلق لكم في الأرض من إنسان وحيوان ونبات { مختلفاً ألوانه } وخصائصه وشيانه ومنافعه وآثاره { إن في ذلك } الخلق العجيب { لآية } أي دلالة واضحة على وجود الخالق عز وجل ووجوب عبادته وترك عبادة غيره ولكن { لقومٍ يذكرون } فيتعظون فينتبهون الى ربهم فيعبدونه وحده بامتثال أمره واجتناب نهيه فيكملون على ذلك ويسعدون في الحياتين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- كون الخيل والبغال والحمير خلقت للركوب والزينة لا ينفي منفعة اخرى فيها وهي أكل لحوم الخيل لثبوت السنة بإباحة لحوم الخيل، ومنع لحوم البغال والحمير كما في الصحيحين.
2- الإسلام هو السبيل التي بينها تعالى فضلاً منه ورحمة وما عداه فهى سبل جائرة عن العدل والحق.
3- فضيلة التفكر والتذكر والتعقل وذم أضدادها لأن الايات الكونية كالآيات القرآنية إذا لم يتفكر فيها العبد لا يهتدي الى معرفة الحق المنشود وهو معرفة الله تعالى ليعبده بالذكر والشكر وحده دون سواه.
{ وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } * { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } * { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ }
شرح الكلمات:
{ حلية تلبسونها }: هي اللؤلؤ والمرجان.
{ مواخر فيه }: أي تشقه بجريها فيه مقبلة ومدبرة بريح واحدة وبالبخار اليوم.
{ من فضله }: أي من فضل الله تعالى بالتجارة.
{ ان تميد بكم }: أي تميل وتتحرك فيخرب ما عليها ويسقط.
{ لا تحصوها }: أي عداً فتضبطوها فضلاً عن شكرها للمنعم بها عز وجل.
{ ما تسرون وما تلعنون }: عن المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن أذاه علانية هذا بالنسبة الى اهل مكة، إذ الخطاب يتناولهم أولاً ثم اللفظ عام فالله يعلم كل سرٍ وعلانية في أي أحد.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته ورحمته تلك المظاهر الموجبة لتوحيده وعبادته وشكره وذكره قال تعالى: { وهو الذي سخر لكم البحر } وهو كل ماء غمر كثير عذباً كان او ملحاً وتسخيره تيسير الغوص فيه وجرى السفن عليه. وقوله { لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } بيان لعلة تسخير البحر وهي ليصيد الناس منه السمك يأكلونه، ويستخرجون اللؤلؤ والمرجان حيلة لنسائهم. وقوله: { وترى الفلك مواخر فيه } أي وترى أيها الناظر الى البحر ترى السفن تمخر الماء أي تشقه ذاهبة وجائية. وقوله: { ولتبتغوا } أي سخر البحر والفلك لتطلبوا الرزق بالتجارة بنقل البضائع والسلع من إقليم الى إقليم وذلك كله من فضل الله وحوله { لعلكم تشكرون } أي كي تشكروا الله تعالى. أي سخر لكم ذلك لتحصلوا على الرزق من فضل الله فتأكلوا وتشكروا الله على ذلك والشكر يكون بحمد الله والاعتراف بنعمته وصرفها في مرضاته وقوله: { وألقى في الأرض رواسي } أي ألقى في الأرض جبالاً ثوابت { أن تميد بكم } كي لا تميد بكم، وميدانها ميلها وحركتها إذ لو كانت تتحرك لما استقام العيش عليها والحياة فيها. وقوله { وأنهاراً } أي وأجرى لكهم أنهاراً في الأرض كالنيل والفرات وغيرهما { وسبلاً } أي وشق لكم طرقاً { لعلكم تهتدون } الى منازلكم في بلادكم وقوله { وعلامات } أي وجعل لكم علامات للطرق وأمارات كالهضاب والأودية والأشجار وكل ما يستدل به على الطريق والناحية، وقوله { وبالنجم } أي والنجوم { هم يهتدون } فركاب البحر لا يعرفون وجهة سيرهم في الليل الا النجوم وكذا المسافرون في الصحارى والوهاد لا يعرفون وجهة سفرهم الا بالنجوم وذلك قبل وجود آلة البوصلة البحرية ولم توجد الا على ضوء النجم وهدايته وقوله في الآية (17) { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } هذا تأنيب عظيم لأولئك الذين يصرون على عبادة الأصنام ويجادلون عليها ويجالدون فهل عبادة من يخلق ويرزق ويدبر حياة الإنسان وهو الله رب العالمين كعبادة من لا يخلق ولا يرزق ولا يدير؟ فمن يسوي من العقلاء بين الحي المحيي الفعال لما يريد واهب الحياة كلها وبين الأحجار والأوثان؟ فلذا وبخهم بقوله { أفلا تذكرون } فتذكرون فتعرفون ان عبادة الأصنام باطلة وان عبادة الله حق فتتوبوا الى ربكم وتسلموا له قبل أن يأتيكم العذاب.
وقوله تعالى: { وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها } بعدما عدد في هذه الآيات من النعم الكثيرة أخبر أن الناس لو أرادوا أن يعدوا نعم الله ما استطاعوا عدها فضلاً عن شكرها، ولذا قال { إن الله لغفور رحيم } ولولا ان كذلك ليؤاخذهم على تقصيرهم في شكر نعمه عليهم ولسلبها منهم عند كفرها وعدم الاعتراف بالمنعم بها عز وجل وقوله تعالى: { والله يعلم ما تسرون وما تعلنون } هذه آخر مظاهر القدرة والعلم والحكمة والنعمة في هذا السياق الكريم فالله وحده يعلم سر الناس وجهرهم فهو يعلم إذا حاجاتهم وما تتطلبه حياتهم، فإذا عادوه وكفروا به فكيف يأمنون على حياتهم ولما كان الخطاب في سياق دعوة مشركي مكة الى الايمان والتوحيد فالآية اخطار لهم بان الله عليم بمكرهم برسوله وتبييت الشر له وأذاهم له بالنهار. فهي تحمل التهديد والوعيد لكفار مكة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان العلة في الرزق وانها الشكر لله سبحانه وتعالى يرزق لِيُشكر.
2- إباحة أكل الحوت وكل دواب البحر.
3- لا زكاة في اللؤلؤ والمرجان لأنه من حيلة النساء.
4- المقارنه بين الحي الخلاق العليم، وبين الأصنام الميتة المخلوقة لتقرير بطلان عبادة غير الله تعالى لأن من يَخلُق ليس كمن يَخلَق.
5- عجز الإنسان عن شكر نعم الله تعالى يتطلب منه أن يشكر ما يمكنه منها وكلمة (الحمد لله) تعد رأس الشكر والاعتراف بالعجز عن الشكر من الشكر، والشكر صرف النعم فيما أجله أنعم الله تعالى بها.