۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞
ܔ҉ೋܔ ¨°o.O ( اعضاؤنا الكرام)¨°o.O ܔ҉ೋܔ
تواجدكم ومشاركتكم معنا هو مايدفعنا دائما إلى الأمام
وإلى أن نحقق ما ينال رضا الله ورضاكم عنا
أدعوك للمشاركة والوقوف بجانبنا فنحن نحتاجك كعضو مشارك أكثر من كونك عضو مسجل
فعضو يفيد ويستفيد خير من 1000 عضو يأخذ فقط دون أن يعطى ولو معلومة اوموضوع واحد
ننتظركم من جديد وننتظركم دائما
عليك بعد التسجيل بتفعيل الاشتراك من ايميلك
وكل عام وأنتم بخير
ولكم خالص تحياتى ღॐணॐೋ أداره المنتدى ღॐணॐೋ
۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞
ܔ҉ೋܔ ¨°o.O ( اعضاؤنا الكرام)¨°o.O ܔ҉ೋܔ
تواجدكم ومشاركتكم معنا هو مايدفعنا دائما إلى الأمام
وإلى أن نحقق ما ينال رضا الله ورضاكم عنا
أدعوك للمشاركة والوقوف بجانبنا فنحن نحتاجك كعضو مشارك أكثر من كونك عضو مسجل
فعضو يفيد ويستفيد خير من 1000 عضو يأخذ فقط دون أن يعطى ولو معلومة اوموضوع واحد
ننتظركم من جديد وننتظركم دائما
عليك بعد التسجيل بتفعيل الاشتراك من ايميلك
وكل عام وأنتم بخير
ولكم خالص تحياتى ღॐணॐೋ أداره المنتدى ღॐணॐೋ
۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞

عسر قراءة-عسركتابة-عسراملاء-صعوبات تعلم-صعوبات اكاديميه -ديسلكسيا
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» مكارم الأخلاق في القرآن الكريم
سورة آل عمران Emptyالجمعة أكتوبر 21, 2011 10:49 pm من طرف hany1

» تفسيرسورة الإسراء
سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 7:05 pm من طرف hany1

» سورة النحل
سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:53 pm من طرف hany1

» سورة الحجر
سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:43 pm من طرف hany1

» سورة إبراهيم
سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:37 pm من طرف hany1

» تفسيرسورة الرعد
سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:33 pm من طرف hany1

» تفسيرسورة يوسف
سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:24 pm من طرف hany1

» تفسيرسورة هود
سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:19 pm من طرف hany1

» سورة يونس
سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:07 pm من طرف hany1

» سورة التوبة
سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:00 pm من طرف hany1

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
hany1
سورة آل عمران Vote_rcapسورة آل عمران Voting_barسورة آل عمران Vote_lcap 
مديرة المنتدى
سورة آل عمران Vote_rcapسورة آل عمران Voting_barسورة آل عمران Vote_lcap 
mahany2011
سورة آل عمران Vote_rcapسورة آل عمران Voting_barسورة آل عمران Vote_lcap 
rasha
سورة آل عمران Vote_rcapسورة آل عمران Voting_barسورة آل عمران Vote_lcap 
soso
سورة آل عمران Vote_rcapسورة آل عمران Voting_barسورة آل عمران Vote_lcap 
مصريه بجد
سورة آل عمران Vote_rcapسورة آل عمران Voting_barسورة آل عمران Vote_lcap 
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
مواضيع مماثلة
المواضيع الأكثر شعبية
مراتب الحديث الضعيف
الكذب وعواقبه
اهميه الزكاه وفضلها
مكارم الأخلاق في القرآن الكريم
سورة البقرة
سورة التوبة
سورة يونس
سورة الأنعام
القول الفصيح فى معرفه مراتب الحديث الصحيح
تفسيرسورة الإسراء
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط ۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞ على موقع حفض الصفحات
مايو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
  12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031  
اليوميةاليومية

 

 سورة آل عمران

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: سورة آل عمران   سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 4:03 pm

سورة آل عمران
{ الۤمۤ } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ } * { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } * { مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

شرح الكلمات:

{ آلم }: تقدم الكلام على مثله من سورة البقرة فليرجع إليه هناك.

{ الله }: المعبود بحق.

{ لا إله إلا هو }: لا معبود بحق سواه.

{ الحيّ }: ذو الحياة المستلزمة للارادة والعلم والسمع والبصر والقدرة.

{ القيّوم }: القيِّم على كل مخلوقاته بالتربية والرعاية والحفظ.

{ الكتاب }: القرآن.

{ بالحق }: متلبِّساً به إذا كل ما فيه حق وصدق لا باطل فيه بأي وجه من الوجوه.

{ مصدقاً لما بين يديه }: من الكتب السابقة لا يخالفها ولا يبطلها لأن مصدر الجميع واحد وهو الله.

{ التوراة }: كتاب موسى عليه السلام ومعناه بالعبرية الشريعة.

{ الإنجيل }: كتاب عيسى عليه السلام ومعناه باليونانية: التعليم الجديد.

{ الفرقان }: ما فرق الله بين الحق والباطل من الحجج القرآنية والمعجزات الإِليهة والعقول النيّرة البشرية التي لم يغلب عليها التقليد والجمود والهوى.

{ يصوركم في الأرحكام }: التصير إيجاد الصورة للشيء لم تكن له من قبل، والأرحام جمع رحم: مستودع الجنين.

معنى الآيات:

أخرج ابن جرير الطبري بأسانيد صحيحة أن وفد نجران والمكون من ستين راكبا فيهم أشرافهم وأهل الحلِّ والعَقْد منهم، وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاجّون في أمر المسيح عليه السلام ويريدون أن يثبتوا الهيّته بالادعاء الباطل فأنزل الله تعالى نيِّفاً وثمانين آية من فاتحة السورة آلم إلى ما يقرب الثمانين. وذلك رداً لباطلهم، وإقامة للحجة عليهم، وسيلاحظ هذا المتدبر للآيات ويراه واضحاً جليّاً في السياق القرآنى في هذه الآيات.

فقد قال تعالى آلم، الله لا إله إلا هو فأخبر أنه تعالى لا معبود بحق إلا هو، فأبطل عبادة المسيح عليه السلام وعبادة كل معبود سوى الله تعالى من سائر المعبودات، وقال الحيّ القيوم فذكر بهان استحقاقه للعبادة دون غيره وهو كونه تعالى حيّاً أزلاً وأبداً وكل حيّ غيره مسبوق بالعدم ويلحقه الفناء، فلذا لا يستحق الألوهية إلا هو عز وجل والمسيح عليه السلام مسبوق بالعدم ويلحقه الفناء فكيف يكون إلهاً؟ وقال تعالى القيوم أى القائم على كل الخلق بالتربية والرعاية والحفظ والتدبير والرزق، وما عداه فليس له ذلك بل هو مربوب مرزوق فكيف يكون إلهاً مع الله؟ ودليل ذلك أنه نزل عليك الكتاب: القرآن بالحق مصحوباً به ليس فيه من الباطل شيء فآياته كلها مثبتة للألوهية لله نافية لها عما سواه، فكيف يكون المسيح إلهاً مع الله أو يكون هو الله، أو ابن الله كما يزعم نصارى نجران وغيرهم من نصارى اليونان والرومان وغيرهم نزله مصدقا لما بين يديه من الكتب التى سبقته لا يخالفها ولا يتناقض معها فدل ذلك أنه وحى الله، وأنزل من قبله التوراة والإِنجيل هدىً للناس وأنزل الفرقان ففرق به بين الحق والباطل ى كل ما يلبس أمره علىالناس فتبين أن الرب الخالق الرازق المدبر للحياة المحييى المميت الحى الذى لا يموت هو الإِله الحق وما عداه مربوب مخلوق لا حق له في الألوهية والعبادة وإن شفى مريضاً أو أنطق أبكم أو أحيا ميتاً بإّن الله تعالى فإن ذلك لا يؤهله لأن يكون إلهاً مع الله كعيسى بن مريم عليه السلام فإن ما فعله من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء بعض الموتى كان بقدرة الله وإذنه بذلك لعيسى وإلا لما قدر على شيء من ذلك شأنه شأن كل عباد الله تعالى، ولما رد الوفد ما حاجهم به الرسول وأقام به الحجة عليهم تأكذ بذلك كفرهم فتوعدهم الرب تعالى بقوله: { إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد، والله عزيز ذو انتقام } وهذا وعيد شديد لكل من كذب بآيات الله وجحد بالحق الذى تحمَّله من توحيد الله تعالى ووجوب طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: { إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء } فلو كان هناك من يستحق الألوهية معه لعلمه وأخبر عنه، كما قرر بهذه الجملة أن عزته تعالى لا ترام وأنه على الانتقام من أهل الكفر به لقدير.

وذكر دليلاً آخر على بطلان ألوهية المسيح فقال: { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } وعيسى عليه السلام قد صُوِّر في رحم مريم فهو قطعاً ممن صور الله تعالى فكيف يكون إذاً إلهاً مع الله أو إبناً لله كما يزعم النصارى؟ وهنا قرر الحقيقة فقال: { لا إله لا هو العزيز الحكيم } العزّة التى لا ترام والحكمة التى لا تخطىء هما مقتضيات أولهيته الحقة التى لا يجادل فيها إلا مكابر ولا يجاحد فيها إلا معاند كوفد نصارى نجران ومَنْ على شاكلتهم من أهل الكفر والعناد.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- تقرير ألوهية الله تعالى بالبراهين ونفي الألوهية عن غيره من سائر خلقه.

2- ثبوت رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بإنزال الله تعالى الكتاب عليه.

3- إقامة الله تعالى الحجة على عباده بإنزال كتبه والفرقان فيها ببيان الحق والباطل في كل شؤون الحياة.

4- بطلان ألوهية المسيح لأنه مخلوق مصور في الأرحام كغيره صوره الله تعالى ما شاء فكيف يكون بعد ذلك إلها مع الله أو ابناً له تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } * { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

شرح الكلمات:

{ محكمات }: الظاهر الدلالة البيّنة المعنى التي لا تحتمل إلا معنى واحداً، وذلك كآيات الأحكام من حلال وحرام وحدود، وعبادات، وعبر وعظات.

{ متشابهات }: غير ظاهرة الدلالة محتملة لمعان يصعب على غير الراسخين في العلم القول فيها وهي كفواتح السور، وكأمور الغيب. ومثل قول الله تعالى في عيسى عليه السلام:
{ .... وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.. }
وكقوله تعالى:
{ ..إن الحكم إلا الله،.. }
{ في قلوبهم زيغ }: الزيغ: الميل عن الحق بسبب شبهة أو شهوة أو فتنة.

{ ابتغاء الفتنة }: أي طلباً لفتنة المؤمنين في دينهم ومعتقداتهم.

{ ابتغاء تأويله }: طالباً لتأوليه ليوافق معتقداتهم الفاسدة.

{ وما يعلم تأوليه إلا الله }: وما يعلم ما يؤول إليه أمر المتشابه إلا الله منزله.

{ الراسخون في العلم }: هم أهل العلم اليقيني في نفوسهم الذين رسخت أقدامهم في معرفة الحق فلا يزلّون ولا يَشْتَطّون في شبهة أو باطل.

{ كلٌّ من عند ربنا }: أي المحكم والمتشابه فنؤمن به جميعاً.

{ أولو الألباب }: أصحاب العقول الراجحة والفهوم السليمة.

{ ربنا لا تزغ قلوبنا }: أي لا تُمل قلوبنا عن الحق بعدما هديتنا إليه وعرّفتنا به فعرفناه.

{ هب لنا من لدنك }: أعطنا من عندك رحمة.

معنى الآيات:

ما زال تعالى يقرر ربوبيته وألوهيته ونبوّة رسوله ويبطل دعوى نصارى نجران في ألوهية المسيح عليه السلام فيقول: هو أي الله الحي القيوم الذي أنزل عليك الكتاب، أي القرآن، منه آيات محكمات، لا نسخ فيها ولا خفاء في معناها ولا غموض في دلالتها على ما نزلت فيه وهذه معظم آي الكتاب وهي أمّه وأصله، ومنه آيات أخر متشابهات وهي قليلة والحكمة من إنزالها كذلك الامتحان والاختبار كالامتحان بالحلال والحرام، وبأمور الغيب ليثبت على الهداية والإِيمان من شاء الله هدايته، ويزيغ في إيمانه ويضل عن سبيله من شاء الله تعالى ضلاله وعدم هدايته. فقال تعالى: { فأمَّا الذين في قلوبهم زَيْغ.. } أي ميل عن الحق { فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } للخروج به عن طريق الحق وهداية الخلق كما فعل النصارى حيث ادعوا أن الله ثالث ثلاثة لأنه يقول نخلق ونحيي، ونميت وهذا كلام جماعة فأكثر، وكما قالوا في قوله تعالى في شأن عيسى:
{ .. وروح منه.. }
أنه جزء منه متحد به وكما قال الخوارج في قوله تعالى
{ .. إن الحكم إلا الله.. }
فلا يجوز لأحد أن يحكم في شيء وكفروا عليّا وخرجوا عنه لتحكيمه أبا موسى الأشعري في حقيقة الخلاف بين على ومعاوية وهكذا يقع الزيغ في الضلال حيث يتعبون المتشابه ولا يردونه إلى المحكم فيظهر لهم معناه ويفهمون مراد الله تعالى منه. وأخبر تعالى أنه لا يعلم تأويله إلا هو سبحانه وتعالى. وأن الراسخين في العلم يُفَوِّضُون أمره إلى الله منزله فيقولون: {.. آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب } ، ويسألون ربهم الثبات على الحق فيقولون:

{ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة.. } ترحمنا بها في دنيانا وأخرانا إنك أنت وحدك الوهاب، لا إله غيرك ولا ربّ سواك، ويقررون مبدأ المعاد والدار الآخرة فيقولون سائلين ضارعين { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه } لمحاسبتهم ومجازاتهم على أعمالهم فاغفر لنا وارحمنا يؤمئذ حيث آمنا بك وبرسولك وبكتابك محكم آية متشابهه، إنم لا تخلف الميعاد.

هداية الآيات

{ من هداية الآيات }:

1- في كتاب الله المحكم والمتشابه، فالمحكم يجب الإِيمان به والعمل بمقتضاه، والمتشابه يجب الإِيمن ويفوض أمر تأويله إلى الله منزله ويقال: {.. آمنا به كلّ من عن ربّنا.. }.

2- أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه يجب هجرانهم والإِعراض عنهم لأنهم مبتدعة وأهل أهوء.

3- استحباب الدعاء بطلب النجاة عن ظهور الزَّيغ ورؤية الفتن والضلال.

4- تقرير مبدأ المعاد والدار الآخرة.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

شرح الكلمات:

{ إن الذين كفروا }: هم وفد نجران ويهود المدينة والمشركون والمنافقون.

{ لن تغني عنهم }: لن تجزي عنهم ولن تقيهم عذاب الله إذا حلّ بهم.

{ وقود النار }: الوقود ما توقد به النار من حطب أو فحم حجري أو غاز.

{ كدأب آل فرعون }: كعادتهم وسنتهم في كفرهم وتكذيبهم وما حل بهم من عذاب في الدنيا والآخرة.

{ قل للذين كفروا }: هم يهود المدينة بنو قَيْنُقَاع.

{ آية في فئتين }: علامة واضحة والفئتان: المسلمون وقريش إلتقتا في بدر.

{ يؤيد بنصره }: يُقوِّى.

{ عبرة لأولي الأبصار }: العبرة العظة وما يَعْبُر به ذو البصيرة مواضع الخطر فينجو.

معنى الآيات:

لما أصرَّ وفد نجران على الكفر والتكذيب واتباع المتشابه من آي الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل من الحق والخروج عنه. توعّد الرب تعالى جنس الكافرين من نصارى اليهود وعرب وعجم فقال { إن الذين كفروا... } بالحق لما جاءهم وعرفوه معرفة لا لبس فيها ولا غموض ولكن منعهم من قبوله الحفاظ على المناصب والمنافع هؤلاء جميعهم سيعذبهم الله تعالى في نار جهنم ولن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا، واعلم أنهم وقود النار، التي مهدوا لها بكفرهم وبئس المهاد مهدوه لأنفسهم. ثم اخبر تعالى أنهم في كفرهم وعنادهم حتى يأتيهم العذاب كدأب وعادة آل فرعون والذين من قبلهم من الأمم التي كذبت رسلها كقوم نوح وقوم هود وقوم صالح حتى أخذهم الله بالعذاب في الدنيا بالهلاك والدمار، وفي الآخر بعذاب النار وبئس المهاد، وكان ذلك بذنوبهم لا بظلم الله تعالى ثم أمر الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول ليهود المدينة الذين قالوا للرسول لا يغرنك أنك قاتلت من لا يحسن الحرب فانتصرت عليهم يريدون قريشاً في موقعة بدر، إنك إن قابلتنا ستعلم أنا نحن الناس، لما قالوا قولتهم هذه يهددون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أمره أن يقول لهم { ستغلبون } يريدون في المعركة وتنهزمون وتموتون، وبعد موتكم تحشرون إلى جهنم وبئس المهاد جهنم مهدتموها لأنفسكم بكفركم وعنادكم وجحودكم للحق بعد معرفته. وفَتَح أعينهم على حقيقة لو تأملوها لما تورطاو في حرب الرسول حت هزمهم وقتل من قتل منهم وأجلى من أجلاهم. وهي أن المسلمين الذي قاتلوا المشركين في دبر وانتصروا عليهم كانوا أقلّ عدد وأنقص عدة، ومع ذلك انتصروا لأنهم يقاتلون في سبيل الله والكافرون يقاتلون في سبيل الطاغوت والشرك والظلم والطغيان ونصر الله الفئة القليلة المسلمة وهزم الفئة الكافرة الكثيرة فلو اعتبر اليهود بهذه الحقيقة لما تورطوا في حرب مع الرسول صلى الله عليه وسلم أبداً. ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وهي البصائر. فقال تعالى لهم: { قد كان لكم آية في فئتين التقتا } -في بدر- فئة- جماعة- تقاتل في سبيل الله -إعلاء لكلمته- وأخرى فئة كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت { يرونهم مثيلهم رَأْيَ العين } لقربهم منهم.

ومع هذا نصر الله الأقلية المسلمة وهزم الأكثرية المسلمة وهزم الأكثرية الكافرة، وذلك لأن الله تعالى يؤيد بنصره من يشاء، فأيد اولياءه وهزم أعداءه، وإن في هذه الحادثة لعبرة وعظة متفكر ولكن لمن كان ذا بصيرة، أما من لا بصيرة له فإنه لا يرى شيئاً حتى يقع في الهاوية قال تعالى: { إن في ذلك } المذكور لهم: {.. لعبرة لأولى الأبصار }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- الكفر مورِّث لعذاب يوم القيامة والكافر معذَّب قطعاً.

2- الأموال والأولاد والرجال والعتاد مهما كثروا لن يغنوا من بأس الله شيئاً إذا أراده بالكافرين في الدنيا والآخرة.

3- الذنوب بريد العذاب العاجل والآجل.

4- ذم الفخر والتعالي وسوء عاقبتهما.

5- العاقل من اعتبر بغيره، ولا عبرة لغير أولى الأبصار أى البصائر.

6- صدق خبر القرآن فى ما أخبر به اليهود من هزيمتهم، فكان هذا دليل صدق على أن القرآن وحى الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الاسلام دين الله الحق.

{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ }

شرح الكلمات:

{ زيّن للناس حب الشهوات }: جعل حبها مستحسناً فى نفوسهم لا يرون فيه قبحا ولا دمامة.

{ الشهوات }: جمع شهوة بمعنى المشتهى طبعاً وغريزة كالطعام والشراب اللذيذين.

{ القناطير المقنطرة }: القنطار الف ومائة أوقية فضة والمقنطرة الكثيرة بعضها فوق بعض.

{ الخيل المسومة }: ذات السمات الحسان والمعدة للركوب عليها للغزو والجهاد.

{ الانعام }: الابل والبقرة والغنم وهى الماشية.

{ الحرث }: أي ذلك المذكور من النساء والبنين الخ متاع الحياة الدنيا يريد يستمتع به فيها ويموت صاحبها ويتركها.

معنى الآية الكريمة:

لما ذكر تعالى من كفر من النصارى، واليهود، والمشركين، وجحودهم، وكفرهم، ذكر علة الكفر وبيّن سببه ألا وهو ما زينه تعالى لبنى البشر عامة ليفتنهم فيه ويمتحنهم به وهو حب الشهوات أى المشتهيات بالطبع البشرى من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وهو كلما يحرث من سائر الحبوب والنباتات الغذائية والعطرية وغيرها. هذا الذى جعل تلك الجماعات ترفض الحق وتدفعه لأنه يحول بينهم وبين هذه المشتهيات غالباً فلا يحصلون عليها، ولم يعلوا انها مجرد متاع زائل فلا يبيعوا بها لجنة دار الخلد والسلام ولذا قال تعالى ذلك اى ما ذكر من أصناف المحبوبات متاع الحياة الدنيا لا غير اما الآخرة فلا ينفع فيها شيء من ذلك بل لا ينفع فيها الا الزهد فيه والإِعراض عنه إلا ما لا بد منه لِلْبُلْغَةِ بهِ إلى عمل الدار الآخرة وهو الإِيمان وصالح الأعمال، والتخلى عن الكفر والشرك وسائر الذنوب والمعاصى.

وختم تعالى الآية بقوله مرغبا في العمل للدار الآخرة داعيا عباده الى الزهد فى المتاع الفانى للتعلق قلوبهم بالنعيم الباقى فقال: { والله عنده حسن المآب } ،أي المرجع الحسن، والنزل الكريم والجوار الطيب السعيد.

هداية الآية:

1- يزين الله تعالى بمعنى يجعل الشىء زَيْناً محبوباً للناس للابتلاء والاختبار قال تعالى:
{ انا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً }
ويزين الشيطان للاضلال والاغواء، فالله يزين الزين ويقبح القبيح، والشيطان يزين القبيح، ويقبح الزين. فانظر الفرق وتأمل.

2- المزنات فى هذه الآية من تزيين الله تعالى للابتلاء، وكلها زينة فى الواقع وليس فيها قبيح إلا إذا طلبت من غير حلِّها وأخذت بِشَرة ونهم فأفسدت أخلاق آخذها أو طغت عليه محبتها فأنسته لقاء الله وما عنده فهلك بها كاليهود والنصارى والمشركين.

3- كل ما في الدنيا مجرد متاع والمتاع دائما قليل وزائل فعلى العاقل ان ينظر اليه كما هو فلا يطلبه بما يَحْرِمُه حسن المآب عند الله. اللهم لا تحرمنا حسن مآبك يا الله يا رحمن يا رحيم.

{ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }

شرح الكلمات:

{ أؤنبئكُم }: أخبركم بنبأ عظيم لأن النبأ لا يكون إلا بالأمر العظيم.

{ بخير من ذلكم }: أى المذكور فى الآية السابقة من النساء والبنين الخ.

{ اتقوا }: خافوا ربهم فتركوا الشرك به ومعصيته ومعصية رسوله.

{ من تحتها الأنهار }: من خلال قصورها وأشجارها أنهار الماء، وأنهار اللبن وأنهار العسل وأنهار الخمر.

{ خالدين فيها أبدا }: مقيمين فيها اقامة لا يرحلون بعدها أبدا.

{ أزواج مطهرة }: زوجات هى الحور العين نقيات من دم الحيض والبول وكلِّ أذى وقدر.

{ الصابرين }: على الطاعات لا يفارقونها وعلى المكروه لا يتسخطون، وعن المعاصى لا يقارفونها.

{ الصادقين }: في إيمانهم وأقوالهم وأعمالهم.

{ القانتين }: العابدين المحسنين الداعين الضارعين.

{ والمنفقين }: المؤدين الزكاة والمتصدقين بفضول أموالهم.

{ المستغفرين بالأسحار }: السائلين ربهم المغفرة فى آخر الليل وقت السحور.

معنى الآيات:

لما بيّن تعالى ما زينه للناس من حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة إلى آخر ما ذكر تعالى، وبين أن حسن المآب عنده سبحانه وتعالى فلْيُطْلَبْ منه بالايمان والصالحات أمر رسوله أن يقول للناس كافة اؤنبئكم بخير من ذلكم المذكور لكم. وبينه بقوله: { للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطرة ورضوان من الله... } وهو رضاه عز وجل عنهم وهو أكبر من النعيم المذكور قبله قال تعالى فى آية أخرى: { ورضوان من الله أكبر.. }.

ثم أخبر تعالى أنه بصير بعباده يعلم المؤمن الصادق والمنافق الكاذب، والعامل المحسن والعامل المسيىء وسيجزى كلا بعدله وفضله، ثم ذكر صفات المتقين التي ورثوا بها ما وصف من النعيم فقال: { الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } فذكر صفة الايمان والخشية والضراعة والدعاء لهم ذم ذكر باقى الصفات الكمالية فقال: { الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار } ، يهجدون آخر الليل وقبيل طلوع الفجر يكثرون من الاستغفار وهو طلب المغفرة.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- نعيم الآخرة خير من نعيم الدنيا مهما كان.

2- نعيم الآخرة خاصّ بالمتقين الأبرار، ونعيم الدنيا غالباً ما يكون للفجَّار.

3- التقوى وهى ترك الشرك والمعاصى هي العالم الوراثي لدار السلام.

4- استحباب الضراعة والدعاء والاستغفار فى آخر الليل.

5- الصفات المذكورة لأهل التقوى هنا كلها واجبة فى الجملة لا يحِلُّ ان لا يتصف بها مؤمن ولا مؤمنة فى الحياة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران   سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 4:05 pm

{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ }

شرح الكلمات:

{ شهد }: أخبر عن علم بحضوره الأمر المشهو به.

{ لا إله إلا هو }: لا معبود بحق فى الأرض ولا في السماء إلا الله تبارك وتعالى.

{ أولو العلم }: أصحاب العلم الصحيح المطابق للواقع وهم الأنبياء والعلماء.

{ القسط }: العدل في الحكم والقول والعمل.

{ العزيز الحكيم }: الغالب ذو العزة التي لا تغلب، الحكيم في خلقه وفعله وسائر تصرفاته.

{ الدين }: ما يدان لله تعالى به أي يطاع فيه ويخضع له به من الشرائع والعبادات.

{ الإِسلام }: الإِنقياد لله بالطاعة والخلوص من الشرك والمراد به هنا ملة الإِسلام.

{ بغياً }: ظلما وحسداً.

{ حاجوك }: جادلوك وخاصموك بحجج باطلة واهية.

{ أسلمت وجهي لله }: أخلصت كل أعمالي القلبية والبدنية لله وحده لا شريك له.

{ ومن اتبعن }: كذلك اخلصوا لله كل أعمالهم له وحده لا شريك له.

{ أوتوا الكتاب }: اليهود والنصارى.

{ الأميين }: العرب المشركين سُمُّوا بالأميين لِقِلة مَنْ يقرأ ويكتب فيهم.

{ أأسلمتم }: الهمزة الأولى للإستفهام والمراد به الأمر أي أسلموا خيراً لكم لظهور الحق وانبلاج نوره بينكم بواسطة كتب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

{ فإن أسلموا }: فإن أجابوك وأسلموا فقد اهتدوا إلى سبيل النجاة.

{ وإن تولوا }: أدبروا عن الحق بعد رؤيته وأعرضوا عنه بعد معرفته فلا يضرك أمرهم إذ ما عليك الا البلاغ وقد بلّغت.

معنى الآيات:

يخبر الجبار عز وجل أنه شهد أنه لا إله إلا هو وأن الملائكة وأولى العلم يشهدون كذلك شهادة علم وحق قامت على مبدأ الحضور الذاتى والفعلى وأنه تعالى قائم في الملكوت كله، علويّه وسفليّه، بالعدل، فلا رب غيره ولا إله سواه، العزيز في ملكه وخلقه الحكيم في تدبيره وتصريفه فلا يضع شيئاً في غير موضعه اللائق به. فرد بهذه الشهادة على باطل نصارى نجران، ومكر اليهود، وشرك العرب، وأبطل كلّ باطلهم سبحانه وتعالى، ثم أخبر أيضاً أن الدين الحق الذي لا يقبل تعالى ديناً سواه، هو الاسلام، القائم على مبدأ الانقياد الكامل لله تعالى بالطاعة، والخلوص التامّ من سائر أنواع الشرك فقال: { إن الدين عند الله } في حكمه وقضائه الإسلام، وما عداه فلا يقبله ولا يرضاه. ثم أخبر تعالى عن حال نصارى نجران، المجادلين لرسوله، في شأن تأليه عيسى بالباطل فقال { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم } يريد أن خلاف أهل الكتاب لم يكن عن جهل منهم بالحق ومعرفته ولكن كان عن علم حقيقى وإنما حملهم على الخلاف المسبب للفتن. والحروب وضياع الدين البغير والحسد إذ كل فرقة تريد الرئاسة والسلطة الدينية الدنيوية لها دون غيرها، وبذلك يفسد أمر الدين الدنيا، وهذه سنة بشرية تورط فيها المسلمون بعد القرون المفضلة أيضاً، والتاريخ شاهد. ثم قال تعال { ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب } يتوعد تعالى ويهدد كل من يكفر بآياته الحاملة لشرائعه فيجحدها ويعرض عنها فإنه تعالى يحصي عليه ذنوب كفره وسيآت عصيانه ويحاسبه ويجزيه وإنه لسريع الحساب لأنه لا يشغله شيء عن آخر ولا يعييه إحصاء ولا عدد ثم يلتفت بالخطاب إلى رسوله قائلا له فإن حاجوك يريد وفد نجران النصراني فاختصر الحجاج معهم بإظهار موقفك المؤيس لهم داعياً إياهم إلى الإِسلام الذي عرفوه وأنكروه حفاظاً على الرئاسة والمنافع بينهم فقل لهم: { أسلمت وجهي لله ومن اتبعن } أيضاً أسلم وجهه لله فليس فينا شيء لغير الله وقلوبنا وأعمالنا وحياتنا كلها لله فلا يضرك إعراضهم، إذ ما كلفت إلا البلاغ وقد بلغت، أما الحساب والجزاء فهو إلى الله تعالى البصير بأعمال عباده العليم بنياتهم وسوف يجزيهم بعلمه ويقضى بينهم بحكمه وهو العزيز الحكيم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- اعتبار الشهادة والأخذ بها إن كانت قائمة على العلم وكان الشاهد أهلاً لذلك بأن كان مسلماً عدلاً.

2- شهادة الله أعظم شهادة تثبت بها الشرائع والأحكام وتليها شهادة الملائكة وأولي العلم.

3- بطلان كل دين بعد الإِسلام وكل ملة غير ملته لشهادة الله تعالى بذلك وقوله:
{ ... ومن يبتغ غير الإِسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }
الآية (85) من هذه السورة والآتي تفسيرها إن شاء الله تعالى.

4- الخلاف بين أهل العلم والدين يتم ندما يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فيتورطون في المطاعم والمشارب، ويتشوقون إلى الكراسى والمناصب، ويرغبون فى الشرف يومئذ يختلفون بغياً بينهم وحسداً لبعضهم بعضاً.

5- من أسلم قلبه لله وجوارحه وأصبح وقفاً في حياته على الله فقد اهتدى إلى سبيل النجاة والسلام.

6- من علق قلبه بالحياة الدنيا وأعرض عما يصرفه عنها من العبادات ضل في حياته وسعيه وحسابه على الله وسيلقى جزاءه.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

شرح الكلمات:

{ يكفرون }: يجحدون يوكذِّّبون.

{ النبيين }: جمع نبي وهو ذكر من بني آدم أوحيى إليه الله تعالى.

{ القسط }: العدل والحق والخير والمعروف.

{ بشرهم بعذاب أليم }: أخبرهم إخباراً يظهر أثره على بشرة وجوههم ألماً وحسرة.

{ حبِطت أعمالهم }: بَطَلت وذهبت لم يجنوا منها شيئاً ينفعهم، ويهلكون بذلك ويعدمون الناصر لهم لأن الله خذلهم وأراد إهلاكم وعذابه في جهنم.

معنى الآيتين:

ما زال السياق هَتْك أستار الكفرة من أهل الكتابين اليهود والنصارى فذكر تعالى هنا ان الذين يكفرون بآيات الله وهي حججه وأعلام دينه، وما بعث بها رسله، ويقتلون مع ذلك النبيين بغير حق ولا موجب للقتل، ويقتلون الذين يأمرونهم بالعدل من أتباع الأنبياء المؤمنين الصالحين، هذه جرائم بعض أهل الكتاب فبشرهم بعذاب أليم، ثم أخبر أن أولئك البعداء في مهاوي الشر والفساد والظلم والعناد حبطت أعمالهم في الدنيا فلا يجنون منها عاقبة حسنة ولا مدحاً ولا ثناءً بل سُجلت لهم بها عليهم لعنات في الحياة والممات، والآخرة كذلك وليس لم فيها من ناصرين ينصرونهم فيخلصونهم من عذاب الله وهيهات هيهات أن يوجد من دون الله ولي أو نصير.

هداية الآيتين

من هدية الآيتين:

1- الكفر والظلم من موجبات هلاك الدنيا ولزوم عذاب الآخرة.

2- قتل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر كقتل الأنبياء في عِظَم الجُرْم.

3- الشرك محبط للأعمال مفسد لها في الدنيا والآخرة.

4- من خذله الله تعالى لا ينصره أحد، ومن ينصره الله لا يغلبه أحد.

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

شرح الكلمات:

{ أوتوا نصيباً من الكتاب }: اعطا حظا وقِسْطا من التوراة.

{ يدعون }: يُطْلب إليهم أن يتحاكموا فيما اختلفوا فيه من الحق إلى كتابهم الذي يؤمنون به وهو التوراة فيأبون ويعرضون.

{ يتولى }: يرجع وهو مصمم على عدم العودة إلى الحق.

{ ياما معدودات }: هذا قول اليهود ويعنون بالأيام الأربعين يوماً تلك التي عبدوا فيها العجل بعد غياب موسى عليه السلام عنه.

{ يفترون }: يكذبون.

{ ليوم لا ريب فيه }: هو يوم القيامة.

{ ما كسبت }: ما عملت من خير أو شر.

{ لا يظلمون }: بأن يعذبوا بدون المقتضي لعذابهم من الشرك والكفر ولمعاصي.

معنى الآيات:

ما زال السياق فى فضح أهل الكتاب بذكر ذنوبهم وجرائمهم فيقول تعالى لرسوله حاملاً له على التعجب من حال اليهود ألم تر يا رسولنا الى الذين أوتوا نصباً من الكتاب أي ألم ينته إلى علمك أمرهم حيث يدعو إلى التحاكم الى كتاب الله تعالى فيما انكروه واختلفوا فيه من صفاتك وشأن نبُوَّتك ورسالتك، ثم يتولى عدد منهم وهم مصممون على عدم العودة وطلب الحق والإِقرار به. إنها حال تدعو الى التعجب حقاً، وصارفهم عن قبول الحق. ومراجعته هو اعتقادهم الفاسد بأن النار لا تمسهم إذا ألقوا فيها إلا مدة أربعين يوما وهي المدة التى عبد فيها أسلافهم العجل يوم غاب موسى عنهم لمناجاته ربه تعالى في جبل الطور. وهذه الدعوى باطلة لا أساس لها من الصحة بل يُخلدون في النار لا بعبادة أسلافهم العجل أربعين يوماً بل بكفرهم وظلمهم وجحودهم وعنادهم. ويبين تعالى الحقيقة لرسوله والمؤمنين وهي أن هذه الدعوى اليهودية ما هى إلا فرية افتراها علماؤهم ليهونّوا عليهم ارتكاب الجرائم وغشيان عظائم الذنوب، كما حصل للمسلمين فى القرون المظلمة من تاريخ الإِسلام حيث أصبح مشايخ التصوف يُدَجِّلون على المريدين بأنهم سيستغفرون لهم ويغفر لهم. ثم قال تعالى مستعظماً حالهم مهوِّلاً موقفهم: فكيف أي حالهم. إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه وهو يوم القيامة كيف تكون حالهم انها حال يعجز الوصف عنها، { ووفيت كل نفس ما كسبت } من خير أو شر وهم لا يظلمون بنقص حسناتهم إن كانت لهم حسنات، ولا بالزيادة في سيئآتهم وما لهم إلا السَّيئات.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- من الإعراض عن الدين والكفر به رفض التحاكم إليه قال تعالى:
{ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينم، ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }
سورة النساء/ 65.

2- أفسد شيء للأديان بعقائدها وشرائعها وعباداتها الافتراء فيها والإبتداع عليها والقول فيها بغير علم.

3- مضرّة الإِغترار بما يقوله بعض المفسرين والمحشين على الكتب الدينية من الحكايان الأباطيل بحجة الترغيب أو الترهيب فيغتر بها لناس فيضلوا ويهلكوا.

4- فضيلة ذكر أهول يوم القيامة وما يلاقى فيها أهل الظلم والشر والفساد وفي القرآن { إنا اخلصناهم بخالصة ذكرى الدار } سورة ص/ 46.

{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

شرح الكلمات:

{ اللهم }: يا الله حذف حرف الناء " يا " وعوِّض عنه الميم المشدَّدة وهو خاصّ بنداء الله تعالى.

{ مالك }: المالك: الحاكم المتصِّرف يفعل في الملك ما يشاء ويحكم ما يريد لعظم سلطانه وقوة إرادته.

{ الملك }: المملوك: والمقصو به ما سوى المالك عز وجل، من سائر الكائنات.

{ تؤتي الملك }: السلطان والتصرف فى بعض الملكوت.

{ تولج الليل في النهار }: تدخل الليل في النهار فلا يبقى ليل، وتولج النهار في الليل فلا يبقى نهار.

{ تخرج الي من الميت }: أي تخرج جسماً حياً من جسم ميت فى المحسوسات كالدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة، ومن المعنويات تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

{ بغير حساب }: بغير عدد ولا لواسع فضله وغناه عما سواه.

معنى الآيتين:

من المناسبات التى قيلت في نزول هاتين الآيتين: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبر أصحابه أن ملك أمته سيبلغ كذا وكذا فى أحايث صحاح سخر اليهود والمنافقون من إخبار الرسول بذلك مستبدعين له غاية البعد لجهلهم وكفرهم فأنزل الله تعالى هاتين الآيتين ضمن الرد على نصارى نجران فأمره أن يوقل: { الله مالك الملك تؤت الملك من تشاء.. } الخ.. أمره أن يقول ذلك ليعطيه ما وعده به من إتساع ملك أمته حتى يشمل ملك فارس والروم، وليرد على ضلال النصارى في تأليه عيسى عليه السلام، إذ المعبود بحق المستق للعبادة والتأليه دون سواه مَنْ هو مالك الملك كله، ويتصرف فيه وحده يؤتي منه ما يشاء لمن يشاء، ينزع ممن أعطاهم ما شاء ومتى شاء لا يحول دون تصرفه حائل، ولا يقف دون إعطائه أو نزعه واقف. يعز الذليل متى شاء ويذل العزيز متى شاء. بيده الخير لا بيد غيره يُفِيضه على من يشاء، ويمنعه عمنّ يشاء وهو على كل شيء قدير. يولج النهار في الليل فلا يبقى نهار، ويولج الليل في النهار فلا يبقى ليل، مظهر من مظاهر القدرة الموجبة لألوهيته وطاعته ومحبته، ويدخل ساعات من الليل فى النهار فيقصر الليل ويطول النهار، ويدخل ساعات من النهار في الليل فيطونل، مظهر من مظاهر الحكمة والقدرة والرحمة، يخرج الحي من الميت الانسان من النطفة والنبتة من الحبة ويخرج الميت من الحي النطفة من الإِنسان الحي، والبيضة من الدجاجة، والكافر الميت من المؤمن الحي، والعكس كذلك، هذه مظاهر ربوبيته المستلزمة لألوهيته فتقرر أنه الإِله الحق، لا رب غيره ولا إله سواه، وبذلك تأكد أمران: الأول: أن الله قادر على اعطاء رسوله ما وعده لأمته، وقد فعل، والثاني: أن عيسى لم يكن إلا عبدا مربوباً لله بالعبودية وشرفه بالرسالة وأيده بالمعجزات.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- فضل الدعاء بهاتين الآيتين بأن يقرأهما العبد ثم يقول: (رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها تعطي منهما من تتشاء، وتمنع من تشاء اقض عنى ديني، فإنه يقضى بإذن الله تعالى ويعطى إن سأل حاجة له من حوائج الدنيا والآخرة.

2- استجابة الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وإنجازه ما وعده في أمته.

3- بطلان ألوهية عيسى عليه السلام وثبوت عبوديته ورسالته وكرامته.

{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } * { قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

شرح الكلمات:

{ لا يتخذ }: لا يجعل.

{ أولياء }: جمع وليّ يتولّونهم بالنصر والمحبة والتأييد.

{ فليس من الله في شيء }: أي بريء الله تعالى منه، ومن برىء الله منه هلك.

{ تقاة }: وقاية باللسان وهى الكلمة الملينة للجانب، المبعدة للبغضاء.

{ محضراً }: حاضراً يوم القيامة.

{ أمداً بعيداً }: أي يخوفكم عقابه إن عصيتموه.

معنى الآيات:

ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين أي أعواناً وانصاراً يبادلونهم المحبة والمناصرة على إخوانهم المؤمنين، وأعلمهم تعالى أن من يفعل ذلك فقد برىء الله تعالى منه وذلك لكفره ورَّدته حيث والى أعداء الله وعادى أولياءه، فقال تعالى { لا يتخذ المؤمنين الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء } أي برىء الله تعالى منه وانقطعت صلته وانبتَّ حبل الولاية بينه وبين الله تعالى، ويا هلاكه ثم رخص تعالى للمؤمنين المستضعفين الذين يعيشون تحت سلطان الكافرين في أن يعطوهم حلاوة لسانهم دون قلوبهم وأعمالهم فيتقون بذلك شرهم وأذاهم، وذلك بكلمة المصانعة والمجاملة قال تعالى: { إلا أن تتقوا منهم تقاة... } ولما كان أمر البراء والولاء ذا خطر عظيم قال تعالى: { ويحذركم الله نفسه } أي في أن تتخذوا أعداءه أولياء ضد اوليائه وأخبرهم أن المصير إليه لا إلى غيره فليحذر العصاة من وقوفهم بين يدي الله فقال: { وإلى الله المصير } ، هذا ما تضمنته الآية الأولى (28) وأما الآية الثانية (29) فقد أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ان يقول للناس مؤمنهم وكافرهم {.. ان تخفوا ما في صدوركم.. } من حب أو بغض، من رضىً أو سخط فلا تنطقوا به ولا تظهروه بحال من الأحوال، أو أن تظهروه بقول أو عمل أو حال فإنه تعالى يعلمه ويعلم ما في السموات وما في الأرض، ويحاسب به ويجزي عليه وهو على كل شيء قدير. ألا فليراقب الله العاقل وليتقه، فلا يقدم على معصيه خاصة مولاة أعدائه على أوليائه. وأما الآية الثالثة (30) { يوم تجد كل نفس.. } فيها ذكر تعالى عباده بيوم القيامة ليقصروا عن الشر ويرعَوُوا من الظلم والفساد فيقول أذكروا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً أي حاضراً تجزى به، وما عملت من سوء وشر حاضراً أيضاً يسوءها مرآه فتود بكل قلبها لو ان بينها وبينه غاية من المسافة لا تدرك وينهي تعالى تذكيره وإرشاده سبحانه وتعالى قوله { ويحذركم الله نفسه } مؤكدً التحذير الأول به، ويختم الآية بقوله والله رؤوف بالعباد، ونعم ما ختم به إذ لولاه لطارت قلوب العالمين فزعاً وخوفاً فذو الرأفة بعباده لا يُوأس من رحمته.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- حرمة موالاة الكافريت مطلقاً.

2- مولاة الكافرين على المؤمين ردة وكفر وبراءة من الله تعالى.

3- جواز التقيّة في حال ضعف المؤمنين وقوة الكافرين.

4- وجوب الحذر من عذاب الله تعالى وذلك بطاعته تعالى.

5- خطورة الموقف يوم القيامة ووجوبا لاستعداد له بالإِيمان والتقوى.

{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }

شرح الكلمات:

{ تحبون الله }: لكمال ذاته وإنعامه عليكم.

{ يحببكم الله }: لطاعتكم إيّاه وطهارة أرواحكم بتقواه.

{ يغفر لكم ذنوبكم }: يسترها عليكم ولا يؤاخذكم بها.

{ فإن تولوا }: أعرضوا عن الإِيمان والطاعة.

معنى الآيتين:

لما ادعى وفد نصارى نجران أن تعظيمهم المسيح وتقديسهم له ولأمه إنما هو من باب طلب حب الله تعالى بحب ما يحب وتعظيم ما يعظم أمر الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أن يقول لهم: غن كنتم تحبون الله تعالى ليحبكم فاتبعونى على ما جئت به من التوحيد والعبادة يحببكم الله تعالىن ويغفر لكم ذنوبكم أيضاً وهو الغفور الرحيم. وبهذا أبطل دعواهم في أنهم ما ألّهوا المسيح عليه السلام الا طلباص لحب الله تعالى والحصول عليه. وأرشدهم إلى أمثل طريق للحصول على حب الله تعالى وهو متابعة الرسول على ما جاء به من الإِيمان والتوحيد والعبادة المزكية للروح المورثة لحب الله تعالى وهذا ما تضمنته الآية الأولى (31). وأما الآية الثانية (32) فقد أمر تعالى رسوله أن يأمر وفد نصارى نجران وغيرهم من إهل الكتاب والمشركين بطاعته وطاعة رسوله إذ هما طريق الكمال والإِسعاد في الدنيا والآخرة. فإن أبوا وأعرضوا تولوا فقد باءوا بغضب الله وسخطه عليهم لأنهم كافرون والله لا يحب الكافرين هذا معنى قوله تعالى { قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين }.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- محبة العبد للرب تعالى واجب وإيمان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " أحبوا لله تعالى لما يغذوكم به، من النعم وأحبونى بحب الله تعالى ". وقوله صلى الله عليه وسلم " ا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ".

- محبة الله تعالى للعبد هي غاية ما يسعى إليه أولوا العلم في الحياة.

3- طريق الحصول على محبّة الله تعالى للعبد هو اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالإِيمان بما جاء به واتباع شرعه وطاعته في المَنْشَط والمكره، للآية { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } إذ ليس الشأن أن يُحبَّ العبد، وإنما الشأن أن يُحبّ!

4- دعوى محبة الله ورسوله مع مخالفة أمرهما ونهيهما دعوى باطلة وصاحبها خاسر لا محالة.

{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } * { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

شرح الكلمات:

{ اصطفى آدم }: اختار، وآدم هو أبو البشر عليه السلام.

{ آل إبراهيم }: آل الرجل أهله وأتباعه على دينه الحق.

{ عمران }: حنّة وأبو مريم عليهم السلام.

{ العالمين }: هم الناس المعاصرون لهم.

{ إمرأة عمران }: حَنّة

{ نذرت لك ما في بطني }: ألزمت نفسها أن تجعله لله يعبده ويخدم بيته الذي هو بيت المقدس.

{ محرّراً }: خالصاً لا شركة فيه لأحد غير الله بحيث لا تنتفع به أبداً.

{ مريم }: خادمة الرب تعالى.

{ أعيذها بك }: احصّنها واحفظها بجانبك من الشيطان.

{ وكفلها زكريا }: زكريا أبو يحيى عليهما السلام وكانت امرأته أختاً لحنّة.

{ المحراب }: مقصورة ملاصقة للمسجد.

{ أنّى لك هذا }؟: من أين لك هذا، أي من أين جاءك.

معنى الآيات:

لما ادعى نصارى وفد نجران ما ادعوه فى المسيح عليه السلام من تأليهه وتأليه أمّّه أنزل الله تعالى هذه الآيات يبينّ فيها مبدأ أمر عيسى وأمه وحقيقة أمرهما فأخبر تعالى أنه اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران اصطفاهم لدينه واختارهم لعبادته ففضلهم بذلك على الناس وأخبر أنهم ذريّة بعضهم نم بعض لم تختلف عقائدهم، ولم تتباين فضائلهم وكمالاتهم الروحيّة وذلك لحفظ الله تعالى لهم وعنايته بهم. وأخبر تعالى أنه سميع عليم أي سميع لقول إمرأة عمران عليم بحالها لما قالت: {.. رب إنى نذرت لك ما في بطني محرراً.. } وذلك أنها كانت لا تلد فرأت في حديقة منزلها طائراً يطعم أفراخه فحنّت إلى الولد وسألت ربها أن يرزقها ولداً وتجلعه له يعبده ويخدم بيته فاستجاب الله تعالى لها فحملت ومات زوجها وهى حبلى وقالت ما قص الله تعالى عنها في قولها: إذ قالت امرأة عمران رب إنى نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل منى إنك أنت السميع العليم } وحان وقت الولاد فولدت ولكن انثى لا ذكراً فتحسرت لذلك، وقالت: { رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت } وكيف لا يعلم وهو الخلاق العليم. وقالت: {.. وليس الذكر كالأنثى.. } في باب الخدمة في بيت المقدس فلذا هي آسفة جداً، وأسمت مولدتها مريم أي خادمة الله، وسألت ربها أن يحفظها السلام فلم يقربه شيطان قط. وتقبل الله تعالى ما نذرته له وهو مريم فأنبتها نباتاً حسناً فكانت تنموا نماء عجيباً على خلاف المواليد، وكفلها زكريا فتربت في بيت خالتها وذلك أن حنة لما وضعتها أرضعتها ولفّتها في قِمَاطها وبعثت بها الى صلحاء بنى إسرائيل يسندونها إلى من يرون تربيتها في بيته، لأن أمها نذرتها لله تعالى فلا يصح منها أن تبقيها في بيتها ووالدها مات أيضا، فأحب كل واحد أن يكفلها فكفلها زكريا وأصبحت في بيت خالتها بتدبير الله تعالى لها، ولما كبرت أدخلها المحراب لتتعبد فيه، وكان يأتيها بطعامها، فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف فيعجب لذلك ويسألها قائلا: { يا مريم أنى لك هذا؟ } فتجيبه قائلة { هو من عند الله } وتعلل لذلك فتقول: { إ‘ن الله يرزق من يشاء بغير حساب }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان إفضال الله تعالى وإنعامه على من يشاء.

2- بيان أن عيسى عليه السلام ليس بابن الله ولا هو الله، ولا ثالث ثلاثة بل هو عبد الله ورسوله أمه مريم، وجدته جنّة، وجده عمران من بيت شرف وصلاح في بني إسرائيل.

3- استجابة الله تعالى لدعاء أوليائه كما استجاب لحنّة ورزقها الولد وأعاذ بنتها وولدها من الشيطان الرجيم.

4- مشروعية النذر لله تعالى وهو التزام المؤمن الطاعة تقربا إلى الله تعالى.

5- بيان فضل الذَّكر على الأنثى فى باب النهوض بالأعمال والواجبات.

6- جواز التحسّر والتأسف لما يفوت العبد من الخير الذى كان يأمله.

7- ثبوت كرامات الأولياء كما تم فى محرابها.

8- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إذ مثل هذه القصص لا يتأتَّى لأُميّ أن يقصه إلا أن يكون رسولاً يوحى إليه. ولهذا ختمه بقوله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران   سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 4:06 pm

{ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك. }

{ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } * { فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ }

شرح الكلمات:

{ هنالك }: ثَمَّ عندما رأى كرامة الله لمريم عليها السلام.

{ زكريا }: أحد أنبياء بني إسرائيل ورسلهم.

{ هب لي }: أعطني.

{ من لدنك }: من عندك.

{ ذريّة طيبة }: أولاداً أطهاراً صالحين.

{ بكلمة من الله }: هى عيسى عليه السلام، لأنه كان بكلمة الله تعالى " كُن ".

{ وسيداً وحصوراً }: شريفاً ذا عِلْم وحلم، ولا رغبة له في النساء لقلة مائه.

{ غلام }: ولد ذكر.

{ عاقر }: عقيم لا تلد لعُقْمها وعُقْرها.

{ آية }: علامة استدل بها على بداية الحمل لأشكر نعمتك.

{ إلا رمزاً }: إلا إشارة بالرأس أو باليد يفهم منا ما يفهم من الكلام.

{ الإبكار }: أول النهار، والعشي آخره.

معنى الآيات:

لما شاهد زكريا من كرامات الله لمريم أنها تُؤْتَى بفاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف ذكر أن الله تعالى قد يعطي ما شاء لمن يشاء على غير نظام السنن الكونيّة فكبر سِنّه وعُقم امرأته لا يمنعان أن يعْطه الله تعالى ولداً، فسأل ربّه الولد فاستجاب له ربّه فبشرته الملائكة بالولد وهو قائم يصلى في محرابه قائلة إن الله يبشرك بولد اسمه يحيى مصدّقاً بكلمة من الله يريد أن يصدق بعيسى بن مريم ويكون على نهجه، لأن عيسى هو الكلمة إذ كان بقول الله تعالى له " كُن " فكان، ووصفه بأنّه سيد ذو علمي وحِلم وتقىً وحصور لا يأتي النساء، ونبيُّ من الصالحين. فلما سمع البشارة من الملائكة جاءه الشيطان وقال له: إن الذي سمعته من البشى هو من الشيطان ولو كان من الرحمن لأوحاه إليك وحياً، وهنا أراد زكريا أن يثبت من الخبر فقال: { ربّ أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتى عاقر؟ } فأوحى إليه: أن هذا فعل الله والله يفعل ما يشاء. وهنا قال زكريا رب اجعل لي آية يريد علامة يستدل بها على وجود الحمل ليستقبل النعمة بالشكر فأجابه ربه قائلا: { آيتك: أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام } يريد أنك تصبح وأنت عاجزع عن الكلام لمدة ثلاثة أيام، فلا تقدر أن تخاطب أحداً إلا بالإشارة وهي الرمز فيفهم عنك، وأمره تعالى أن يقابل هذا الإِنعام بالشرك التام فقال له { واذكر ربك كثيرا وسبّح } يريد صلِّ بالعشي آخر النهار والإِبكار أوله.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- الاعتبار بالغير، إذ زكريا دعا بالولد لما رأى كرامة الله تعالى لمريم.

2- مشروعية الدعاء وكونه سراً أقرب إلى الإِجابة، وكونه فى الصلاة كذلك.

3- جواز تلبيس إبليس على المؤمن، ولكن الله تعالى يذهب كيده ووسوسته.

4- جواز سؤال الولد الصالح.

5- كرامات الله تعالى لأوليائه - باستجابة دعاءهم.

6- فضل الإِكثار من الذكر، وفضيلة صلاتى الصبح والعصر وفي الحديث: " من صلى البردين دخل الجنة ".

{ وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاَئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَالَمِينَ } * { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } * { ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }

شرح الكلمات:

{ واذا قالت الملائكة }: أذكر لوفد نصارى نران ما قالت الملائكة فإن ذلك دليل على صحة نبوّتك، وصدقك فى أمر التوحيد، وعدم ألوهية عيسى.

{ اصطفاك }: اختارك لعبادته وحسن طاعته.

{ وطهّرك }: من اذنوب وسائر النقائص المخلة بالولاية لله تعالى.

{ واصطفاك على نساء العالمين }: أي فضلك على نساء العالمين بما أهّلك له من كرامة ولادة عيسى من غير أب.

{ اقنتي }: أطيعي ربك واقتنتي له واخشعي.

{ واركعى مع الركعين }: اشهدى صلاة الجماعة في بيت المقدس.

{ ذلك من انباء الغيب }: أي ما ذكرت من قصة مريم وزكريا من أخبار الغيب.

{ لديهم }: عندهم وبينهم.

{ إذ يُلْقُون أقلامهم }: جمع قلم وهو ما يكتب به وإلقاؤها لأجل الاقتراع بها على كفالة مريم.

{ يختصمون }: فى شأن كفالة مريم عليها وعليهم السلام.

معنى الآيات:

يقول تعالى لنبيه اذكر لوفد نجران الذين يحاجونك فى ألوهية المسيح إذ قالت الملائكة مخاطبة مريم أم المسيح أهلَّها الله تعالى له وأكرمها به من اصطفاء الله تعالى لها لتكون من صاحلى عباده، وتطهيره إياها من سائر الذنوب النقائص والعيوب مفضلا لها على نساء عالمها حيث برأها وأكرمها وأظهر آية قدرته فيها فولدت عيسى بكلمة الله وليس على سنته تعالى فى تناسل البشر من ذكر وأنثى، وأمرها بمواصلة الطاعة والخبات والخشوع لله تعالى فقال: { يا مريم الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا مريم اقتنى لربك واسجدي واركعى مع الراكعين } ، وخص الصلاة بالذكر لأهميتها وذكرها بأعظم أركانها وهو السجود والركوع وفى بيت المقدسر مع الراكعين.

هذا معنى الآيتين الأولى (42) والثانية (43) أما الآية الثالثة (44) فقد خاطب الرب تبارك وتعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم مُشِيراً إلى ما سبق في هذا القصص المتعلق بآل عمران حنة ومريم وزكريا ويحيى ومريم أخيراً بأنه كله من انباء الغيب واخباره يوحيه تعالى إليه فهو بذلك نبيّه ورسوله، وما جاء به من الدين هو الحق، وما عداه فهو باطل، وبذلك تقرر مبدأ التوحيد، وأنه لا إله إلا الله وإنما هو عبد الله ورسول الله. ثم تقريراً لمبدأ الوحي وتأكيداً له قال تعالى لرسوله أيضاً، وما كنت لديهم أي عند علماء بني اسرائيل وصلحائهم وفي حضرتهم، وهم يقترعون على النذيرة " مريم " من يكفلها فرموا بأقلامهم في النهر فمن وقف قلمه في الماء كان كافلها بإذن الله فألقا أقلامهم تلك الأقلام التي كانت تكتب الحق والهدى لا الباطل والضلال كما هي أغلب أقلام أرباب الصحف والمجلات اليوم فوقف قلم زكريا ففاز الكتاب وغيرهم بأنه إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الدين الحق هو الاسلام.

وما عداه فباطل وضلال!.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- فلض مريم عليها السلام وأنها وليّة صديقة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من كمّل النساء ففي الصحيحح " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية إمرأة فرعون، ومريم بنت عمرا، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ".

- أهل القرب من الله هم أهل طاعته القانتون له.

3- الصلاة سلم العروج إلى الملكوت الأعلى.

4- ثبوت الوحي المحمدي وتقريره.

5- مشروعية الاقتراع عند الاختلاف وهذه وإن كانت في شرع من قبلنا إلا أنها مقررة في شرعنا والحمد الله.

{ إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ ٱسْمُهُ ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }

شرح الكلمات:

{ يبشرك }: يخبرك بخبر سار مفرح لك.

{ بكلمة منه }: هو المسيح عليه السلام وسمي كلمة لأنه كان بكلمة الله تعالى { كن }.

{ المسيح }: لقب عيسى عليه السلام ومن معانيه الصديق.

{ الوجيه }: ذو الجاه والقدر والشرف بين الناس.

{ في المهد }: المهد مضجع الصبي وهو رضيع.

{ وكهلاً }: الكهولة سنّ ما بين الشباب والشيخوخة.

{ ولم يمسسنى بشر }: تريد لم يقربها ذكر لا للوقاع ولا لغيره، وذلك لعقمها وبعدها عن الرجال الأجانب.

{ قضى أمراً }: أراده وحكم بوجوده.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في حِجَاج وفد نصارى نجران إذ قال الله تعالى لرسوله واذكر لم إذ قالت الملائكة يا مريم { إن الله يبشرك بكلمة منه } الآية، حيث أخبرتها الملائكة أي جبريل عليه السلام بأن الله تعالى يبشرها بولد يكون بكلمة الله تعالى اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وأنه ذو جاه وشرف في الدنيا وفي الآخر ومن المقربين، وأنه يكلم الناس وهو في مهده وقت رضاعه، كما يكلمهم في شبابه وكهولته، وأنه من الصالحين الذين يؤدون حقوق الله تعالى وحقوق عباده وافية غير منقوصة فردت مريم قائلة: { رب أنَّى يكون لي ولد } أي كيف يكون لي ولد ولم يَغْشَنى بشر بجماع وسنة الله فيخلق الولد الغشيان فأجابها جبريل قائلا: الأم رهكذا سيخلق الله منك ولداً من غير أب، وهو سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء وإذا حكم بوجود شيء من غير ذوات الأسباب فإنما يقول له كن فهو يكون كما قضى الله تعالى وأراد.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان شرف مريم وكرامتها على ربها إذ كلمها جبريل وبشرها بعد أن تمثل لها بشراً.

2- بيان شرف عيسى عليه السلام ووجاهته في الدنيا والآخرة وأنه من القربين والصالحين.

3- تكلم عيسى في المهد من آيات الله تعالى حيث لم تجر العادة أن الرضيع يتكلم في زمانه رضاعه.

4- جواز طلب الإِستفسار عما يكون مخالفاً للعادة لمعرفة سرّ ذلك أو علته أو حكمته.

{ وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } * { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }

شرح الكلمات:

{ الكتاب }: الخط والكتابة.

{ الحكمة }: العلم الصحيح والإِصابة في الأمور وفهم أسرار التشريع الإِلهي.

{ ورسولاً }: أي وابعثه رسولاً.

{ آية }: علامة دالة على رسالته وصدق نبوته.

{ أخلق لكم }: أي أصور لكم، لا الخلق الذي هو الإِنشاء والاختراع إذ ذاك لله تعالى.

{ كهيئة الطير }: كصورة الطير.

{ الأكمه }: الذي ولد أعمى.

{ الأبرص }: ذو البرص وهو مرض عَياء عجز عنه الطب القديم والحديث، والبرص بياض يصيب الجلد البشري.

{ تدّخرون }: تحبسونه وتخفونه عن أطفالكم من الطعام وغيره.

{ لما بين يدي }: من قبلي.

{ إن الله ربي وربكم }: إلهي وإلهكم فاعبدوه.

معنى الآيات:

ما زال السياق في بيان حقيقة عيسى عليه السلام، وأنه عبد الله ورسوله وليس بابن الله ولا بإله مع الله فأخبر تعالى أنه يخلقه بكلمة كن ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإِنجيل وقد فعل، وأنه يبعثه رسولاً إلى بني إسرائيل وقد فعل فأخبرهم عيسى أنه قد جاءهم بآية من ربهم تدل على صدق رسالته وهذه الآية هي أنه يخلق لهم من الطين على صورة الطير وينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله، وأنه يبرىء الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله وفعلاً كان يمسح على ذي العاهة المستعصاة كالبرص فيبرأ صاحبها فوراً، وطلبوا منه أن يحي لهم سام بن نوح فأحياه بإذن الله، وأنه يخبرهم بما يأكلون في بيوتهم، وما يدخرون فما يخطىء أبداً، ثم قال لهم: إن في ذلك المذكور لآية لكم دالة على صدقي إن كنتم مؤمنين فآمنوا بي ولا تكذبوني وقد جئتكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة، ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم، وفي ذلكم خير لكم ورحمة فآمنوا بي، فكذبوه فقال لهم: اتقوا الله واطيعوني تنجوا وتسعدوا وأعلمهم أخيراً أن الله تعالى هو ربّه وربهم وأن عليهم أن يعبدون ليكملوا ويسعدوا وأن عبادة الله تعالى وحده وبما شرع هي الصراط المستقيم المفضي بالسالكين إلى الكمال والإِسعاد في الحياتين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- شرف الكتابة وفضلها.

2- فضل الحكمة وهي الفقه في أسرار الشرع والإِصابة في الأمور.

3- الغيب لله، ويعلم أنبياءه منه ما يشاء.

4- ثبوت معجزات عيسى عليه السلام.

5- لا إله إلا الله، ومحمد رسول الله، وعيسى كلمة الله وروح منه ورسول إلى بني اسرائيل.

6- الأمر بالتقوى وطاعة الرسول لتوقف السعادة والكمال عليهما.

{ فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } * { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ }

شرح الكلمات:

{ أحس منهم الكفر }: علم منهم الكفر وبما جاء به، وهمهم بأذيتّه.

{ الحواريون }: جمع حواري، والمراد بهم أصفياؤه وأصحابه.

{ مسلمون }: منقادون لأمر الله ورسوله مطيعون.

{ الشاهدين }: الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، ويعبدونه بما يجب أن يعبد به.

{ مكروا }: دبروا القتل للمسيح عليه السلام.

{ ومكر الله }: دبر تعالى لإِنجائه وخيَّبهم فيما عزموا عليه.

{ خير الماكرين }: أحسن المدبرين لإِنقاذ أوليائه وإهلاك أعدائه.

{ متوفيك }: متمم لك ما كتبت لك من أيام بقائك مع قومك.

{ ورافعك إلّي }: إلى جواري في الملكوت الأعلى.

{ ومطهرك }: منزهك ومبعدك من رجسهم وكفرهم.

{ ذلك نتلوه عليك }: ذلك المذكور من أمر عيسى نقرؤه عليك من جملة آيات القرآن الحكيم.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في الحِجَاج مع وفد نصارى نجران فذكر تعالى من شأنه أنه لما علم عيسى بكفر قومه وهمِّهم بقتله غيلة استصرخ المؤمنين قائلا: { من أنصاري إلى الله } فأجابه الحواريون وهم أصفياؤه وأحباؤه قائلين: { نحن أنصار الله } آمنا بالله واشهد يا روح الله بأنّا مسلمون { ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين } لك بالوحدانية ولرسلك بالرسالة. قال تعالى ونفذ اليهود مكرهم في محاصرتهم منزل عيسى ليأخذوه ويصلبوه، ومكر الله تعالى وهو خير الماكرين إذ قال لعبده ورسوله عيسى إني متوفيك أي قابضك ورافعك إلى جواري فقبضه تعالى فأخرجه من رَوزنَة المنزل ورفعه إليه وألقى الشبه على رئيس شرطة المهاجمين فظنوه هو المسيح فقتلوه وصلبوه فسبحان المدبر الحكيم، وهكذا { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } وقوله له ومطهرك من الذين كفروا يريد منزهه من تهم اليهود الباطلة إذ قالوا ساحر وابن زنى، ومبعده من ساحة مجتمعهم الذي تعفن بكفرهم والخبث والشر والفساد وواعده بأنه سيجعل الذين اتبعوه فيما جاء به من الإِيمان والاسلام والإحسان فوق الذين كفروا بذلك إلى يوم القيامة وقد أنجز الله تعالى وعده فأعز أهل الإِسلام ونصرهم، وأذل اليهود والكفار وأخزاهم. كما واعده أيضاً أن يرد الجميع إليه يوم القيامة ويحكم بينهم فيما اختلفوا فيه في الدنيا من الإِيمان والكفر، والصلاح والفساد ويجزي كل فريق بما كسب من خير أو شر فقال: { ثم إلّي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذاباً شديداً } في الدنيا بالقتل والسباء والذلة والمسكنة، وفي الآخرة بعذاب النار، وما لهم من ناصرين يخلصونهم من عذابهم، وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيفيهم أجور إيمانهم وصالح أعمالهم في الدنيا نصراً وتمكيناً وفي الآخرة جنّات ونعيماً، والله عز وجل لا يحب الظالمين فكيف يظلم عباده إذ جازاهم بأعمالهم؟ إنه لا يظلم أحداً من عباده مؤمنهم وكافرهم مثقال ذرة بل يجزي بعدله ويرحم بفضله.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- قيام الحجّة على نصارى نجران إذ أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالوحي فقرَّر به بطلان ألوهية عيسى عليه السلام بذكر أوصافه وأحواله مع قومه، وكرامة الله تعالى له، ولأتباعه معه ومن بعده في الدنيا والآخرة.

2-الإِسلام دين الأنبياء وسائر الأمم البشرية ولا دين حق غيره فكل دين غيره باطل.

3- تقرير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في أن لكل نبيّ حواريين وأنصاراً.

4- فضل أهل لا إله إلا الله إذ هم الشاهدون بالحق والناطقون به.

5- تقرير قبض الله تعالى لعيسى ورفعه إليه حياً. ونزوله في آخر الدنيا ليحكم زمناً ثم يموت الموتة التي كتب الله على كل إنسان، فلم يجمع الله تعالى له بين موتتين. هذا دليل أنه رفع إلى السماء حيّاً لا ميّتاً.

6- صادق وعد الله تعالى بعزة أهل الإِسلام، وذلة اليهود على مدى الحياة.

{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } * { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ }

شرح الكلمات:

{ المثل }: الصفة المستغربة البديعة.

{ الحق من ربك }: أي ما قصصناه عليك في شأن عيسى هو الحق الثابت من ربك.

{ الممترين }: الشاكين، إذ الأمتراء: الشك.

{ حاجك }: جادلك بالحجج.

{ نبتهل }: نلتعن أي نلعن الكاذب منا.

{ القصص الحق }: ما قصه الله تعالى هو القصص الحق الثابت الذى لا شك فيه.

{ المفسدون }: الذين يعملون بمعاصي الله تعال في الأرض من الشرك وكبائر الذنوب.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير عبوديّة عيسى ورسالته دون ربوبيتّه وألوهيته، فقد روي أن وفد نجران قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم فيما قالوا: كل آدمي له أبٌ فما شأن عيسى لا أب له؟ فأنزل الله تعالى على رسوله: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن } فإذا هو كائن فأيّ داع لاتخاد عيسى إلهاً، ألكونه خلقه الله من غير أب فآدم كذلك خلق بدون أب ولا أم، وإنما كان بكلمة الله، فكذلك عيسى خُلق بكلمة الله التي هي " كُنْ " فكان، هذا هو الحق الثابت من الله تعالى في شأن عيسى عليه السلام فلا تكونن من الشاكين فيه، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يشك. ولما أكثروا عليه صلى الله عليه وسلم من التردد والمجادلة أرشده ربه تعالى إلى طريق التخلص منهم وهو المباهلة بأن يجتمعوا ويقول كل فريق: اللهم العن الكاذب منا، ومن كان كاذباً منهم يهلك على الفور فقال له ربّه تعالى: { فإن حاجوك فقل: تعالوا.. } (هلموا) ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين وخرج في الغد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين إلا أن النصارى عرفوا الحق وخافوا إن لاعنوا هلكوا فهربوا من الملاعنة، ودعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإِسلام فأبوا ورضوا بالكفر إبقاء على زعامتهم ودنياهم ورضوا بالمصالحة فالتزموا بأداء الجزية للمسلمين والبقاء على دينهم الباطل، ثم قال تعالى { إن هذا لهو القصص الحق } بالذي قصصناه عليك في شأن عيسى عليه السلام، وإنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأنه لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا هو تعالى، وإن الله لهو العزيز الغالب الذي لا يمانع في شيء أراده، الحيكم في خلقه وتدبيره ثم توعد نصارى نجران وغيرهم من أهل الفساد في الأرض بأنه عليم بهم وسوف يحل نقمته بهم، وينزل لعنته عليهم وهو على كل شيء قدير.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- ولاية الله تعالى لرسوله بإرشاده إلى الطريقة التي أنهى بها جدال النصارى الذي آلمه وأتعبه.

2- مشروعية المباهلة غير أنها تكون في الصالحين الذين يستجاب لهم.

3- تقرير ألوهية الله تعالى دون سواه وبطلان دعوى النصارى في تأليه عيسى عليه السلام.

4- تهديد الله تعالى لأهل الفساد في الأرض وهم الذين يعملون بالشرك والمعاصي.

{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { هٰأَنْتُمْ هَؤُلاۤءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

شرح الكلمات:

{ أهل الكتاب }: اليهود والنصارى لأن اليهود عندهم التوراة والنصارى عندهم الإنجيل.

{ إلى كلمة سواء }: الكلمة السَّواء هي العادلة وهي أن نعبد الله وحده لا شريك له ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله.

{ أرباباً }: الأرباب جمع ربّ وهو المألوه المطاع بغير طاعة الله تعالى.

{ فإن تولوا }: أعرضوا عن التوحيد.

{ اشهدوا }: اعلموا علم رؤية ومشاهدة بأنا مسلمون.

{ تحاجّون }: تجادلون بحجج باطلة.

{ يهودياً ولا نصرانياً }: لم يكن إبراهيم على ملة اليهود، ولا على ملة النصارى.

{ كان حنيفاً مسلماً }: مائلاً عن الملل الباطلة إلى ملة الحق وهي الإسلام.

{ أولى الناس بإبراهيم }: أحق بالنسبة إلى إبراهيم وموالاته الذي اتبعوه على التوحيد.

{ والله ولي المؤمنين }: متولي أمرهم وناصرهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في إبطال باطل أهل الكتابين إذ قال تعالى لرسوله قل لهم يا أهل الكتاب من يهود ونصارى تعالوا ارتفعوا من وهدة الباطل التي أنتم واقعون فيها الى كلمة سواء كلمة عدل نصف بيننا وهي أن نعبد الله وحده لا نشرك به سواه وأن لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فيفرض طاعته على غيره ويلزمه بالسجود تعظيماً وتقديساً فإن أبوا عليك ذلك وتولوا عنه فقولوا أيها المؤمنون: اشهدوا أيها المتولون عن الحق بأنا مسلمون. وفي هذا تعريض بل تصريح بأن غيرهم ليسوا مسلمين.

هذا معنى الآية الأولى (64) أما الآية الثانية (65) فيأمر تعالى رسوله أيضاً أن يقول للمتولين عن الحق يا أهل الكتاب لم تحاجون في شأن إبراهيم وتدَّعي كل طائفة منكم أن إبراهيم كان على دينها مع أن اليهودية ما كانت إلا بعد نزول التوراة، والنصرانية ما كانت إلا بعد نزول الإِنجيل، وإبراهيم كان قبل نزول الكتابين بمئات السنين، ما لكم تقولون بما لا يقبل ولا يعقل أفلا تعقلون؟ ثم وبخهم بما هم أهله قائلا لم: اسمعوا يا هؤلاء أنتم جادلتم فيما لكم به علم فى شأن دينكم وكتابكم فلم تجادلوا فيما ليس لكم به علم في شأن إبراهيم وملته الحنيفية التي قامت على مَبْدءِ التوحيد وإخلاص العبادة الله وحد، والله يعلم بعد أن وبخهم فقال ما كان ابراهيم يهودياً ولا نصرانياً وإنما كان حنيفاً موّحداً مطيعاً لربه مسلماً له ولم يكن من المشركين. وبعد أن وبخ تعالى المجادلين لرسوله وكذبهم في دعواهم أن إبراهيم على دينهم قرر حقيقة كبرى ينبغي أن يعلموها ويقرّوا بها وهي أن أحق الناس بالنسبة الى إبراهيم والانتماء اليه هم الذين اتبعوه على ملة التوحيد وعبادة الله تعالى بما شرع وهذا النبي الكريم العظيم محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا معه واتبعوا الهدى الذي جاء به، والله تعالى وليّ المؤمنين، وعدو الكافرين المشركين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- لا يَصْلُح حال البشرية ولا يستقيم أمره اإلا إذا أخذت بمبدأ: الكلمة السواء وهي أن تعبد ربها وحده لا تشرك به سواه، وأن لا يعلو بعضها على بعض تحت أيّ قانون أو شعار.

2- حجيّة التاريخ وبيان الحاجة إليه، إذ رد الله تعالى على أهل الكتاب في دعواهم أن إبراهيم كان على دينهم بأن التوراة والإِنجيل لم ينزلا الا بعد وفاته فكيف يكون يهودياً أو نصرانياً.

3- ذم من يجادل فيما لا علم له به، ولا شأن له فيه.

4- اليهودية كالنصرانية لم تكن دين الله تعالى، وإنما هما بدعتان لا غير.

5- المؤمنون بعضهم أولياء بعض وإن تناءت ديارهم وتباعدت أقطارهم والله وليّ المؤمنين.

{ وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

شرح الكلمات:

{ ودت طائفة }: أحبَّت فرقةٌ وهم الأحبار والرؤساء فيهم.

{ لو يضلونكم }: أي تمنَّوا إيقاعكم في الضلال لتشقوا وتهلكوا مثلهم.

{ وما يشعرون }: أي وما يدرُون ولا يعلمون بأنهم بمحاولة إضلال المؤمنين إنما هم يضلون أنفسهم حيث يتوغلون في الشر فيضاعف لهم العذاب.

{ لبس الحق بالباطل }: خلطه به كأنما كسا الباطل ثوب الحق وكسا الحق ثوب الباطل حتى لا يُعرف فيؤخذ به، ويهتدى عليه.

معنى الآيات:

يخبر تعالى عباده المؤمنين أن فرقة من أهل الكتاب تمنّت لو توقعكم في الضلال لتهلكوا والغالب أن هذه الطائفة تكون في رؤسائهم من أحبار وقسس وإن كان أغلب اليهود والنصارى يودون إضلال المسلمين حسداً لهم على الحق الذي هم عليه، وأخبر تعالى أنهم بتمنيهم هلاك المسلمين إنما يهلكون أنفسهم وما يدرون ذلك ولا يعلمون به وقال عز وجل: { وما يضلون الا أنفسهم وما يشعرون }

هذا معنى الآية (69) أما الآية (70) فقد نادى الرب تعالى أهل الكتاب ليوبخهم وينعي عليهم ضلالهم فقال: { يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله } أي لم تجحدون الآيات التي بها نعت الرسول وصفته لله في التوراة والإِنجيل والحال أنكم تشهدون أنها صفات الرسول ونعوته وأنها منطبقة عليه؟ أليس هذا قبحاً منكم وشراً تعود عاقبته عليكم؟ وفي الآية (71) وبخهم أيضاً على خلطهم الحق بالباطل حتى لا يعرف ويؤخذ به ويهتدى عليه فقال تعالى: { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل } وشنع عليهم بكتمانهم الحق الذي هو نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم المبينّة في كتبه وعلى ألسنة رسلهم فقال: { وتكتمون الحق وأنتم تشهدون } أنه الحق من الله.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان رغبة كثير من اليهود والنصارى في إضلال المسلمين وإهلاكهم.

2- عاقبة الشر والفساد تعود على صاحبها في نهاية الأمر.

3- قبح من يكتم الحق وهو يعرفه.

4- حرمة التدليس والتلبيس في كل شيء لا سيما في دين الله تعالى لابعاد الناس عنه.

5- حرمة كتمان الحق في الشهادة وغيرها.

{ وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

شرح الكلمات:

{ وجه النهار وآخره }: أوله وهو الصباح وآخره وهو المساء.

{ ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم }: أي لا تصدقوا إلا من كان على ملتكم.

{ الهدى هدى الله }: البيان الحق والتوفيق الكامل بيان الله وهداه لا ما يخلط اليهود ويلبسون تضليلاً للناس.

{ أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم }: أن يعطى أحد نبوة ودينا وفضلا.

{ أو يحاجوكم عند ربكم }: يخاصموكم يوم القيامة عند ربكم.

{ قل إن الفضل بيد الله }: قل إن التوفيق للإِيمان والهداية للإِسلام بيد لاله لا بيد غيره.

{ والله واسع عليم }: ذو سعة بفضله، عليم بمن يستحق فضله فيمُن عليه.

معنى الآيات:

يخبر تعالى عن كيد اليهود ومكرهم بالمسلمين فيقول: { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون } وذلك أن كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف عليهما لعائن الله قالا لبعض إخوانهم صلوا مع المسلمين صلاة الصبح إلى الكعبة، وصلوا العصر الى الصخرة بيت المقدس فإن قيل لكم لم عدلتم عن الكعبة بعد ما صليتم إليها؟ قولوا لهم قد تبينّ لنا أن الحق هو استقبال الصخرة لا الكعبة. هذا معنى قوله تعالى فيهم { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا } يعني في شأن القبلة، { وجه النهار } أي صباحاً، { واكفروا آخره } أي واجحدوا به مساءً، { لعلهم يرجعون } أي إلى استقبال الصخرة بدلاً عن الكعبة، والغرض هو بلبلة أفكار المسلمين وإدخال الشك عليهم وقوله تعالى عنهم { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } يريد أنهم قالوا لبعضهم بعضاً لا تصدقوا أحداً إلا من تبع دينكم من أهل ملتكم وهذا صرف من رؤسائهم لليهود عن الإِسلام وقبوله، أي لا تصدقوا المسلمين فيما يقولون لكم، وهنا رد تعالى عليهم بقوله قل يا رسولنا إن الهدى هدى الله، لا ما يحتكره اليهود من الضلال ويزعمون أنه الحق والهدى وهو البدعة اليهودية وقوله تعالى: { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو يحاجوكم عند ربكم }. هو قول اليهود معطوف على قولهم: { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } أما لقوله تعالى { قل إن الهدى... } فهو كلام معترض بين كلام اليهود الذي قُدِّم قبلكم بأن محمداً نبيّ حق وأن دينه حق فيتابعه اليهود والمشركون عليه فيسلمون، أو على الأقل يثبت المسلمون عليه، ونحن نريد زلزلتهم وتشكيكهم حتى يعودوا الى دين آبائهم، أو يحاجوكم عند ربكم يوم القيامة وتكون لهم الحجة عليكم إن أنتم اعترفتم لهم اليوم بأن نبيهم حق ودينهم حق، فلذا واصلوا الإِصرار أنه لا دين حق إلا اليهودية وأن ما عداها باطل. وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول لهم مبكِّتاً لهم: { إن الفضل بيد الله } ، لا بيد اليهود { يؤتيه } أي الفضل الذى هو النبوة والهدى والتوفيق وما يتبع ذلك من خير الدنيا والأخرة، { من يشاء } من عباده ويحرمه من يشاء، وهو الواسع الفضل العليم بمن يستأهله ويحق له { يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- تسجيل المرك والخداع على اليهود وأنه صفة من صفاتهم اللازمة لهم إلى يوم القيامة.

2- الكشف عن التعصب اليهودي وأساليب التمويه والتضليل، والإِعلام العالمي اليوم مظهر من مظاهر التضليل اليهودي.

3- سذاجة اليهود المتناهية في فهم مسائل الدين والاعتقاد توارثوها الى اليوم، وإلا فأي مؤمن بالله واليوم الآخر يقول: لا تعترفوا للمسلمين بأنهم على حق حتى لا يحتجوا عليكم باعترافكم يوم القيامة؟.

إن الله تعالى يعلم أن اليهود يجحدون الاسلام وهو الحق ويكفرون به وهو الحق من ربهم وسيعذبهم في نار جهنم يخلدون فيها، فكونهم لا يصرحون للمسلمين بأنهم على حق وهم يعلمون أنهم على الحق في دنيهم ينجيهم هذا من عذاب الله على كفرهم بالإِسلام؟ اللهم لا. فما معنى قولهم لا تعترفوا بالإِسلام حتى لا يحتج عليكم المسلمون باعترافكم يوم القيامة؟؟ إنه الجهل والسذاجة في الفهم. وسبحان الله ماذا في الخلق من عجائب!!

{ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } * { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

شرح الكلمات:

{ إن تأمنه }: ائتمنه على كذا وضعه عنده أمانة وأمنه عليه فلم يخفه.

{ قنطار }: وزن معروف والمراد هنا أنه من ذهب بدليل الدينار.

{ إلا ما دمت عليه قائماً }: أي ملازماً له تطالبه به ليل نهار.

{ الأمّيين }: العرب المشركين.

{ سبيل }: أي لا يؤاخذنا الله إن نحن أكلنا أموالهم لأنهم مشركون.

{ بلى }: أي ليس الأمر كما يقول يهود من أنه ليس عليهم حرج ولا إثم في أكل أموال العرب المشركين بل عليهم الإِثم والمؤاخذة.

{ لا خلاق لهم }: أي لاحظ ولا نصيب لهم في خيرات الآخرة ونعيم الجنان.

{ لا يزكيهم }: لا يطهرهم من ذنوبهم ولا يكفرهم عنهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في هتك أستار أهل الكتاب وبيان نفسيّاتهم والمريضة وصفاتهم الذميمة ففي هذه الآية (75) يخبر تعالى أن فى اليهود من إن منته على أكبر مال أداه إليك وافياً كاملاً، ومنهم من إذا أمنته على دينا فأقل خانك فيه وأنكره عليك فلا يؤديه إليك إلا بمقاضاتك له وملازمتك إياه.. فقال تعالى في خطاب رسوله: { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك، ومنهم من إن تأمنه بدنيار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً } ويعلل الرب تعالى سلوكهم هذا بأنهم يقولون { ليس علينا في الأميين السبيل } أي لا حرج علينا ولا إثم في أكل أموال العرب لأنهم مشركون فلا نؤاخذ بأكل أموالهم وكذّبهم الله تعالى في هذه الدعوة الباطلة فقال تعالى: { ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون } أي أنه كذب على الله ولكن يكذبون ليسوِّغوا كذبهم وخيانتهم.

وفي الآية الثانية (76) يقول تعتالى: { بلى } أي ليس الأمر كما يدعون بل عليهم الإِثم والحرج والمؤاخذة، وإنما لا إثم ولا حرج ولا مؤاخذة على من أوفى بعهد الله تعالى فآمن برسوله وبما جاء به، واتقى الشرك والمعاصي فهذا الذي يحبه الله فلا يعذبه لأنه عز وجل يحب المتقين. وأما الآية الأخيرة (77) فيتوعد الرب تعالى بأشد أنواع العقوبات أولئك الذين يعاهدون ويخونون ويحلفون ويكذبون من أجل حطام الدنيا ومتاعها القليل فيقول { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة } أى لا حظ ولا نصيب لهم في نعيم الدار الآخرة ولا يكلمهم تشريفاً لهم وإكراماً، ولا يزكيهم بالثناء عليهم ولا بتطهيرهم من ذنوبهم، ولهم عذاب مؤلم في دار الشقاء عذاب دائم مقيم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- يجب أن لا يُغْتَّر بالهيود ولا يوثف فيهم لما عرفوا به من الخيانة.

2- من كذب على الله أحرى به أن يكذب على الناس.

3- بيان اعتقاد اليهود في أن البشرية غير اليهود نجس وأن أموالهم وأعراضهم مباحة لليهود حلال لهم؛ لأنهم المؤمنون في نظرهم وغيرهم الكفار.

4- عظم ذنب من يخون عهده من أجل المال، وكذا من يحلف كاذباً لأجل المال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين يستحق بها مالاً وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان ".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران   سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 4:10 pm


{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

شرح الكلمات:

{ وإن منهم لفريقاً }: طائفة من اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة النبويّة.

{ يلوون ألسنتهم }: يحرفون ألسنتهم بالكلام كأنهم يقرأون الكتاب.

{ وما هو من الكتاب }: وليس هو من الكتاب.

{ ويقولون على الله الكذب }: أي يكذبون على الله لأغراض ماديّة.

معنى الآية:

ما زال السياق في اليهود وبيان فضائحهم فأخبر تعالى أن طائفة منهم يلوون ألسنتم بمعنى يحرفون نطقهم بالكلام تمويهاً على السامعين كأنهم يقرأون التوراة وما أنزل الله فيها، وليس هو من الكتاب المنزل في شيء بل هو الكذب البَحْت، ويقولون لكم إنه من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب لأجل الحفاظ على الحطام الخسيس والرئاسة الكاذبة.

هداية الآية

من هداية الآية:

1- بيان مكر اليهود وتضليلهم للناس وخداعهم لهم باسم الدين والعلم.

2- جرأة اليهود على الكذب على الناس وعلى الله مع علمهم بأنهم يكذبون وهو قبح أشدّ وظلم أعظم.

3- التحذير للمسلم من سلوك اليهود في التضليل والقول على الله والرسول لأجل الأغراض الدنيويّة الفاسدة.

{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } * { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }

شرح الكلمات:

{ ما كان لبشر }: لم يكن من شأن الإِنسان الذى يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة.

{ الكتاب والحكم والنبوة }: الكتاب: وحي الله المكتوب والحكم: بمعنى الحكمة وهي الفقه في أسرار الشرع، والنّبُوة: ما يشرّف الله تعالى به عبده من إنبائه بالغيب وتكليمه بالوحي.

{ ربانيين }: جمع ربّانى: من ينسب إلى الربّ لكثرة عبادته وغزارة علمه، أو إلى الربان وهو الذي يربّ الناس فيصلح أمورهم ويقوم عليها.

{ أرباباً }: جمع ربّ بمعنى السيد المعبود.

{ أيأمركم بالكفر }: الإِستفهام للإِنكار، والكفر هنا الردة عن الإِسلام.

معنى الآيتين:

ما زال السياق فى الرد عل أهل الكتاب وفي هذه الآية (79) الرد على وفد نصارى نجران خاصة وهم الذين يؤلهون المسيح عليه السلام. قال تعالى: ليس من شأن أي إنسان يعطيه الله الكتاب أي نزل عليه كتاباً ويعطيه الحكم فيه وهو الفهم والفقه في أسراره ويشرفه بالنبوة فيوحى اليه، ويجعله فى زمرة أنبيائه، ثم يدعو الناس الى عبادة نفسه فيقول للناس كونوا عباداً لى من دون الله. إن هذا منا كان ولن يكون أبداً. ولا مما هو متصور الوقوع مثل هذا الكمال لا يقول للناس كونوا عباداً لى ولكن يقول لهم كونوا ربانيين تصلحون الناس وتهدونهم الى ربهم ليكملوا بطاعته ويسعدوا عليها، وذلك بتعليمهم الكتاب وتدريسه ودراسته.

هذا معنى الآية (79) أما الآية (80) فإن الله تعالى يخبر عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه لا يأمر الناس بعبادة غير ربّه تعالى سواء كان ذلك الغير ملكاً مكرماً أو نبيّاً مرسلا، وينكر على من نسبوا ذلك إليه صلى الله عليه وسلم فيقول: { أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } فهذ لا يصح منه ولا يصدر عنه بحال.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- لم يكن من الممكن لمن آتاه الله الكتاب والحكمة وشرفه بالنبوة أن يدعو الناس لعبادة نفسه فضلاً عن عبادة غيره.

2- سادات الناس هم الربانيون الذين يربون الناس بالعلم والحكمة فيصلحونهم ويهدونهم.

3- عظماء الناس من يعلمون الناس الخير ويهدونهم إليه.

4- السجود لغير الله تعالى كفر لما ورد أن الآية نزلت رداً على ما أرادوا أن يسجدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: { أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون }؟!

{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

شرح الكلمات:

{ الميثاق }: العهد المؤكد باليمين.

{ لما آتيتكم }: مهما آتيتكم.

{ لتؤمنُنّ }: لتصدقن برسالته.

{ أأقررتم }: الهمزة الأولى للاستفهام التقريري وأقررتم بمعنى اعترفتم.

{ إصري }: عهدي وميثاقي.

{ فمن تولى }: رجع عما اعترف به وأقرّ.

{ الفاسقون }: الخارجون عن طاعة الله ورسوله.

{ أفغير دين الله يبغون }: الاستفهام للإِنكار، ويبغون بمعنى يطلبون.

{ وله أسلم }: انقاد وخضع لمجاري أقدار الله وأحكامه عليه.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الرد على نصارى نجارن فيقول تعالى لرسوله أذكر لهم ما أخذ الله على النّبيين وأممهم من ميثاق أنه مهما آتاهم من كتاب وحكمة ثم جاءهم رسول مصدق لما معهم من النور والهدى ليؤمننّ به ولينصرنه على أعدائه ومناوئيه من أهل الكفر وأنه تعالى قررهم فأقروا واعترفوا ثم استشهدهم على ذلك فشهدوا وشهد تعالى فقال: { وأنا معكم من الشاهدين } ثم أكد تعالى ذلك مرة أخرى بأن من يعرض عن هذا الميثاق ولم يف به يعتبر فاسقاً ويلقى جزاء الفاسقين فقال تعالى: { فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } وقد نقض هذا الميثاق كلٌّ من اليهود والنصارى، إذ لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به وقد أخذ عليهم الميثاق بالإِيمان به، وبنصره، فكفروا به، وخذلوه، فكانوا بذلك الفاسقين المستوجبين لعذاب الله.

ثم وبخ تعالى أهل الكتاب قائلا: { أفغير دين الله -يريد الاسلام- يبغون } أي يطلبون، ولله أسلم أي انقاد وخضع من في السموات من الملائكة والأرض من سائر المخلوقات الأرضية طوعاً أو طرها: طائعين أو مكريهن وفوق هذا أنّكم ترجعون إليه فيحاسبكم، ويجزيكم بأعمالكم.

هذا ما تضمنته الآية الأخيرة (83) إذ قال تعالى { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى في الأنبياء السابقين وهي أن يؤمن بعضهم ببعض وينصر بعضهم بعضاً.

2- كفر أهل الكتاب وفسقهم بنقضهم الميثاق وتوليهم عن الإِسلام وإعراضهم عنه بعد كفرم بالنبيّ محمد صلى الله عليه وسلم وقد أخذ عليهم الميثاق بأن يؤمنوا به ويتبعوه.

3- بيان عظم شأن العهود والمواثيق بأن يؤمنوا به ويتبعوه.

4- الإِنكار على مَنْ يَعْرِض عن دين الله الإِسلام. مع أن الكون كلّه خاضع منقاد لأمر الله ومجاري أَقداره مسلم له.

{ قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

شرح الكلمات:

{ الأسباط }: جمع سِبْط والسِّبط الحفيد، والمراد بالأسباط هنا أولاد يعقوب الانثا عشر والأسباط في الهيود كالقبائل فى العرب.

{ يبْتغ }: يطلب ويريد ديناً غير الدين الإِسلامي.

{ الخاسرين }: الهالكين بالخلد في نار جهنم والذين خسروا كل شيء حتى أنفسهم.

معنى الآيات:

ما زال السايق في حجاج أهل الكتاب فبعد أن وبخهم تعالى بقوله في الآيات السابقة أفغير دين الله تبتغون يا معشر اليهود والنصارى؟ فإن قالوا: نعم فقل أنت يا رسولنا آمنا بالله وما أنزل علينا من وحيٍ وشرع وأمنا بما أنزل على إبراهيم خليل الرحمن وما أنزل على ولديه اسماعيل واسحق، وما أنزل على يعقوب واولاده الاسباط، وآمنا بما أوتي موسى من التوراة وعيسى من الإِنجيل، وما أوتى النبيّون من ربهم لا نفرق بين أحدهم من أنبيائه بل نؤمن بهم وبما جاءوا به فلا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما هي حالكم يا معشر اليهود والنصارى. ونحن لله تعالى مسلمون أي منقادون مطيعون لا نعبده بغير ما شرع ولا نعبد معه سواه. هذا معنى الآية الأولى (84). أما الآية الثانية (85) فإن الله تعالى يقرر أن كل دين غيره الاسلام باطل، وان من يطلب ديناً غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه بحال ويخسر في الآخرة خسراناً كبيراً فقال تعالى: { ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين } الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وذلك هو الخسران المبين. هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- لا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض، كما لا يصح ايمان عبد يؤمن ببعض ما أنزل الله تعالى على رسله ويكفر ببعض.

2- الإِسلام: هو الإِنقياد ولخضوع لله تعالى وهو يتنافى مع التخيير بين رسل الله ووحيه اليهم.

3- بطلان سائر الأديان والملل سوى الدين الإِسلامى وملة محمد صلى الله عليه وسلم.

{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

شرح الكلمات:

{ كيف يهدى الله قوما }: الاستفهام هنا للاستبعاد، والهداية الخروج من الضلال.

{ البينات }: الحجج من معجزات الرسل وآيات القرآن المبيّنة للحق فى المعتقد والعمل.

{ الظالمين }: المتجاوزين الحد في الظلم المسرفين فيه حتى أصبح الظلم وصفاً لازماً لهم.

{ لعنة الله }: طرد الله لهم من كل خير، ولعنة الملائكة والناس دعاؤهم عليهم بذلك.

{ ولا هم ينظرون }: ولا هم يمهلون من أَنْظَره إذا أمهله ولم يعجِّل بعذابه.

{ أصلحوا }: أصلحوا ما أفسدوه من أنفسهم ومن غيرهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في أهل الكتاب وإن تناولت غيرهم ممن ارتد عن الإِسلام من بعض الأنصار ثم عاد إلى الإِسلام فأسلم وحسن إسلامه ففي كل هؤلاء يقول تعالى: { كيف يهدى الله قوماً كفرا بعد إيمانهم } فقد كفر اليهود بعيسى عليه السلام، وشهدوا أن الرسول محمداً حق وجاءتهم الحجج والبراهين على صدق نبوته وصحة ما جاء به من الدين الحق، والله حسب سنته في خلقه لا يهدي من أسرف في الظلم وتجاوز الحد فيه فأصبح الظلم طبعاً من طباعه فلهذا كانت هداية من هذه حاله مستبعدة للغاية، وإن لم تكن مستحيلة ثم أخبر تعالى عنهم متوعداً لهم فقال: { أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } { خالدين فيها } أي في تلك اللعنة الموجبة لهم عذاب النار { لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون } أي ولا يمهلون ليعتذروا، أولا يخفف عنهم العذاب. نثم لم لم تكن توبتهم مستحيلة ولأن الله تعالى يحب توبة عباده ويقبلها منهم قال تعالى فاتحاً باب رحمته لعباده مهما كانت ذنوبهم { إلا الذين تابوا من بعد ذلك } الكفر والظلم، { وأصلحوا } نفوسهم بالإِيمان وصالح الأعمال { فإن الله غفور رحيم } فكان هذا كالوعد منه سبحانه وتعالى بأن يغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم بدخول الجنة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- التوغل في الشر والفساد أو الظلم والكفر قد يمنع العبد من التوبة. ولذا وب على العبد إذا أذنب ذنباً أن يتوب منه فوراً، ولا يواصله مصراً عليه خشية أن يحال بينه وبين التوبة.

2- التوبة مقبولة متى قامت على أسسها واستوفت شروطها ومن ذلك الإِقلاع عن الذنب فوراً، والندم على ارتكابه، والاستغفار والعزم على العودة إلى الذنب الذي تاب منه، وإصلاح ما أفسده مما يمكن إصلاحه.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

شرح الكلمات:

{ الكفر }: الجحود لله تعالى والتكذيب لرسوله وما جاء به من الدين والشرع.

{ بعد إيمانهم }: أي ارتدوا عن الإِسلام إلى الكفر.

{ الضالون }: المخطئون طريق الهدى.

{ ملء الأرض }: ما يملأها من الذهب.

{ ولو افتدى به }: ولو قدمه فداء لنفسه من النار ما قبل منه.

معنى الآيتين:

ما زال السياق في أهل الكتاب وهو هنا في اليهود خاصة إذ أخبر تعالى عنهم أنهم كفروا بعد إيمانهم كفروا بعيسى والإِنجيل بعد إيمانهم بموسى والتوراة. ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن فلن تقبل توبتهم إلا إذا تابوا بالإِيمن بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن لكنهم مصرون على الكفر بهما فكيف تقبل توبتهم إذاً مع اصرارهم على الكفر، ولذا أخبر تعالى أنهم هم الضالون البالغون أبعد الحدود في الضلال ومن كانت هذه حاله فلا يتوب ولا تقبل توبته، ثم قرر مصيرهم بقوله عز وجل: { إن الذين كفروا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } يريد يوم القيامة مع أنه لا مال يومئذ ولكن من باب الفرض والتقدير لا غير: فلو أن لأحدهم ملء الأرض ذهباً وقبل منه فداء لنفسه من عذاب الله لافتدى، ولكن هيهات هيهات إنه يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ولكن من جاء ربّه بقلب سليم من الشرك والشك وسائر أمراض القلوب نجا من النار ودخل الجنة بإذن الله تعالى.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- سنة الله فيمن توغل في الكفر أو الظلم أو الفسق وبلغ حداً بعيداً أنه لا يتوب.

2- اليأس من نجاة من مات كافراً يوم القيامة.

3- لا فدية تقبل يوم القيامة من أحد ولا فداء لأحد فيه.

{ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

شرح الكلمات:

{ لن تنالوا }: لن تحصلوا عليه وتظفرا به.

{ البرّ }: كلمة جامعة لكل خير، والمراد به هنا ثوابه وهو الجنة.

{ تنفقوا }: تتصدقوا.

{ مما تحبون }: من المال الذي تحبونه لأنفسكم وهو أفضل أمولكم عندكم.

{ من شيء }: يريد قَلَّ أو كثر.

{ فإن الله به عليم }: لازمه أن يجزيكم به بحسب كثرته أو قلته.

معنى الآية الكريمة:

يخبر تعالى عباده المؤمنين الراغبين في بره تعالى وإفضاله بأن ينجيهم من النار ويدخلهم الجنة بأنهم لن يظفروا بمطلوبهم من برّ ربهم حتى ينفقوا من أطيب أموالهم وأنفسها عندهم وأحبّها إليهم. ثم أخبرهم مطمئناً لهم على أنفاقهم أفضل أموالهم بأن ما ينفقونه من قليل أو كثير نفيس أو خسيس هو به عليم وسيجزيهم به، وبهذا حبّب إليهم الإِنفاق ورغبهم فيه فجاء أبو طلحة رضى الله عنه يقول يا رسول الله ان الله تعالى يقول: { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } ، وإن من أحب أموالي إليّ بيرحا (حديقة) فاجعلها حيث أراك الله يا رسول الله، فقال له صلى الله عليه وسلم مال رابح و رائج اجعلها في أقربائك فجعلها في أقربائه حسان بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم أجمعين.

هداية الآية

من هداية الآية:

1- البر وهو فعل الخير يهدي إلى الجنّة.

2- لن يبلغ العبد برّ الله وما عنده من نعيم الآخرة حتى ينفق من أحب أمواله اليه.

3- لا يضيع المعروف عند الله تعالى قل أو كثر طالما أريد به وجهه تعالى.

{ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } * { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ }

شرح الكلمات:

{ الطعام }: اسم لكل ما يطعم من أنواع المأكولات.

{ حِلٌّ }: الحِل: الحلال، وسمي حلالاً لانحلال عقدة الحظر عنه.

{ بني إسرائيل }: أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل المنحدرون من أبنائه الأثني عشر إلى يومنا هذا.

{ حرّم }: حظر ومنع.

{ التوراة }: كتاب أنزل على موسى عليه السلام وهو من ذريّة إسرائيل.

{ فاتلوها }: اقرأوها على رؤوس الملأ لنتبين صحة دعواكم من بطلانها.

{ افترى الكذب }: اختلقه وزوره وقاله.

{ ملة إبراهيم }: دينه وهي عبادة الله تعالى بما شرع، ونبذ الشرك والبدع.

{ حنيفاً }: مائلا عن الشرك إلى التوحيد.

{ ببكة }: مكة.

{ للعالمين }: للناس أجمعين.

{ مقام إبراهيم }: آية من الآيات وهو الحجر الذي قام عليه أثناء بناء البيت فارتسمت قدماه وهو صخر فكان هذا آية.

{ من دخله }: الحرم الذى حول البيت بحدوده المعروفة.

{ آمناً }: لا يخاف على نفس ولا مال ولا عرض.

{ الحج }: قصد البيت للطواف به وأداء بقية المناسك.

{ سبيلاً }: طريقاً والمراد القدرة على السير إلى البيت والقيام بالمناسك.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحجاج مع أهل الكتاب فقد قال يهود للنبي صلى الله عليه وسلم كيف تدعى أنك على دين إبراهيم، وتأكل ما هو محرم فى دينه من لحوم الإِبل وألبانها فرد الله تعالى على هذا الزعم الكاذب بقوله: كل الطعا كان حلاً أي حلالاً لبني إسرائيل وهم ذرية يعقوب الملقب بإسرائيل، ولم يكن هناك شيء محرم عليهم في دين إبراهيم اللهم إلا ما حرم اسرائيل " يعقوب " على نفسه خاصة وهو لحوم الإِبل وألبانها لنذر نذره وهو أنه مرض مرضاً آلمه فنذر لله تعالى إن شفاه تَرَكَ أحب الطعام والشراب إليه، وكانت لحوم الإِبل وألبانها من أحب الأطعمة والأشربة إليه فتركها لله تعالى، هذا معنى قوله تعالى: { كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } من قبل أن تنزل التوراة، إذ التوراة نزلت على موسى بعد إبراهيم ويعقوب بقورن عدة، فكيف تدعون أن إبراهيم كان لا يأكل لحوم الإِبل ولا يشرب ألبانها فأتوا بالتوراة فاقرؤوها فسوف تجدون أن ما حرم الله تعالى على اليهود دائماً كان لظلمهم واعتدائهم فحرم عليهم أنواعاً من الأطعمة، وذلك بعد إبراهيم ويعقوب بقرون طويلة. قال تعالى في سورة النساء:
{ فبظلم من الذين هادوا (اليهود) حرمنا عليهم طيبات أُحِلَّت لهم }
وقال في سورة الأنعام:
{ وعلى الذين هادو حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها }
الآية.

ولما طُولبوا بالإِتيان بالتوراة وقراءتها بهتوا ولم يفعلوا فقامت الحجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم.

وقوله تعالى: فمن افترى على الله الكذب بعد قيام الحجة بأن الله تعالى لم يحرم على إبراهيم ولا على بني إسرائيل شيئاً من الطعام والشراب إلا بعد نزول التوراة باستثناء ما حرم إسرائيل على نفسه من لحمان الإِبل وألبانها، فأولئك هم الظالمون بكذبهم على الله تعالى وعلى الناس.

ومن هنا أمر الله تعالى رسوله أن يقول: صدق الله فيما أخبر به رسوله ويخبره به وهو الحق من الله، إذا فاتبعوا يا معشر اليهود ملة إبراهيم الحنيف الذي لم يكن أبداً من المشركين.

هذ ما تضمنته الآيات الثلاث: 93- 94- 95 وأما قوله تعالى: { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين } فإنه متضمن الرّد على اليهود الذين قالوا إن بيت المقدس هي أول قبلة شرع للناس استقبالها فَلِمَ يعدل محمد وأصحابه عنها إلى استقبال الكعبة؟ وهي متأخرة الوجود فأخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس هو الكعبة لا بيت المقدس وأنه جعله مباركاً يدوم بدوام الدنيا والبركة لا تفارقه فكل من يلتمسها بزيارته وحجه والطواف به يجدها ويحظى بها، كما جعله هدى للعالمين فالمؤمنون يأتون حجاجاً وعماراً فتحصل لهم بذلك أناع من الهداية، والمصلون في مشارق الأرض ومغاربها يستقبلونه في صلاتهم، وفي ذلك من الهداية للحصول على الثواب وذكر الله التقرب إليه أكبر هداية وقوله تعالى فيه آيات بينات يريد: في المسجد الحرام دلائل واضحات منها مقام إبراهيم وهو الحجر الذي كان يقوم عليه أثناء بناء البيت حيث بقي أثر قدميه عليه مع أنه صخرة من الصخور ومنها زمزم والحِجْر والصفا والمروة وسائر المشاعر كلها آيات ومنها الأمن التام لمن دخله فلا يخاف غير الله تعالى. قال تعالى: { ومن دخله كان آمناً } ثم هذا الأمن له والعرب يعيشون في جاهلية جهلاء وفوضى لا حد لها، ولكن الله جعل في قلوبهم حرمة الحرم وقدسيته ووجوب آمن كل من يدخله ليحجه أو يعتمره، وقوله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } ، لمَّا ذكر تعالى البيت الحرام وما فيه من بركات وهدايات وآيات ألزم عباده المؤمنين به وبرسوله بحجة ليحصل لهم الخير والبركة والهداية، ففرضه بصيغة ولله على الناس وهي أبلغ صيغ الإِيجاب، واستثنى العاجزين عن حجه واعتماره بسبب مرض أو خوف أو قلة نفة للركوب والإِنفاق على النفس والأهل أيام السفر.

وقوله تعالى في آخر الآية: { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } فإنه خبر منه تعالى بأن من كفر بالله ورسوله وحج بيته بعد ما ذكر من الآيات والدلائل الواضحات فإنه لا يضر إلا نفسه أما الله تعالى فلا يضره شيء وكيف وهو القاهر فوق عباده والغنى عنهم أجمعين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- ثبوت النسخ في الشرائع الإِلهية، إذ حرم الله تعالى على اليهود بعض ما كان حِلاً لهم.

2- إبطال دعوى اليهود أن إبراهيم كان محرماً عليه لحوم الإِبل وألبانها.

3- تقرير النبوة المحمدية بتحدي اليهود وعجزهم عن دفع الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

4- البيت الحرام كان قبل بيت المقدس وأن البيت الحرام أول بيت وضع للتعبد بالطواف به، 5- مشروعية طلب البركة بزيارة البيت وحجه والطواف به والتعبد حوله.

6- وجوب الحج على الفور لمن لم يكن له مانع يمنعه من ذلك.

7- الإِشارة إلى كفر من يترك الحج وهو قادر عليه، ولا مانع يمنعه منه غير عدم المبالاة.

{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

شرح الكلمات:

{ الكفر }: الجحود.

{ آيات الله }: ما أنزل تعالى من الحجج والبينات في القرآن المقررة لنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزله تعالى في التوراة والإِنجيل من صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونعوته الموجبة للإِيمان به واتباعه على دين الحق الذي جاء به وهو الإِسلام.

{ شهيد على ما تعملون }: عليم به مطلع عليه، وما يعملونه وهو الكفر والشر والفساد.

{ تصدون عن سبيل الله }: تصرفون الناس ممن آمن منكم ومن العرب عن الإِسلام الذي هو سبيل الله تعالى المفضي بأهله إلى سعادة الدارين.

{ تبغونها عوجاً }: تطلبون لها العِوج حتى تخرجوا بها عن الحق والهدى فيضل سالكها وذلك بالتحريف والتضليل.

{ وأنتم شهداء }: بعلمكم بأن الإِسلام حق، وأن ما تبغونه له من الإِضلال لأهله والتضليل هو كفر وباطل.

معنى الآيتين:

بعد أن دحض الله تعالى شبه أهل الكتاب وأبطلها في الآيات السابقة أمر تعالى رسوله أن يقول لهم موبخاً مسجلاً عليهم الكفر يا أهل الكتاب لم تكفرون بحجج الله تعالى وبراهينه لنبوة نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الإِسلام تلك الحجج والبراهين التي جاء بها القرآن والتوراة والإِنجيل معاً؟ والله جل جلاله مطلع على كفركم عليم به، أما تخافون عقابه أما تخشون عذابه؟.

كما أمر تعالى رسوله أيضاً أن يقول لهم مؤنبّاً موبخاً لهم على صرفهم المؤمنين عن الإِسلام بأنواع الحيل والتضليل: يا أهل الكتاب أي يا أهل العلم الأول لم تصرفوا المؤمنين عن الإِسلام الذي هو سبيل الله بما تثيرونه بينهم من الشكوك والأوهام تطلبون للإِسلام العوج لينصرف المؤمنون عنه، مع علمكم التام بصحة الإِسلام وصدق نبيّه محمد عليه الصلاة والسلام أما تخافون الله، أما تخشونه تعالى وهومطلع على سوء تدبيركم غير غافل عن مكركم وغشكم وخداعكم.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- شدة قبح كفر وظلم من كان عالماً من أهل الكتاب بالحق ثم كفره وجحده بغياً وحسداً.

2- حرمة صرف الناس عن الحق والمعروف بأنواع الحيل وضروب الكذب والخداع.

3- عليم الله تعالى بكل أعمال عباده من خير وشر وسيجزيهم بها فضلاً منه وعدلاً.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } * { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

شرح الكلمات:

{ فريقاً }: طائفة من الحاقدين على الإِسلام العاملين على الكيد له والمكر به وبأهله.

{ يردوكم }: يرجعوكم إلى الكفر بعد إيمانكم.

{ وكيف تكفرون }: الاستفهام للإِنكار والتعجب من كفرهم بعد إيمانهم.

{ آيات الله }: آيات القرآن الكريم.

{ يعتصم }: يتمسك بشدة.

{ حق تقاته }: باستفراغ الوسع في إمتثال أمره، واجتناب نهيه، وتقاته هي تقواه.

{ حبل الله }: كتابه القرآن ودينه الإِسلام، لأن الكتاب والدين هما الصلة التي تربط المسلم بربه، وكل ما يربط ويشد شيئاً بآخر هو سبب وحبل.

{ ألف بين قلوبكم }: جمعها على أخوة الإِيمان ووحد بينها بعد الاختلاف والنفرة.

{ شفا حفرة }: شفا الحفرة حافتها وطرفها بحيث لو غفل الواقف عليها وقع فيها.

{ أنقذكم منها }: بهدايتكم إلى الإِسلام وبذلك أنجاكم من النار.

معنى الآيات:

بعد أن وبخ تعالى اليهود على خداعهم ومكرهم وتضليلهم للمؤمنين وتوعدهم على ذلك، نادى المؤمنين محذراً إياهم من الوقوع في شباك المضللين من اليهود فقال: { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } وذلك أن نفراً من الأوس والخزرج كانوا جالسين في مجلس يسودهم الود والتصافي ببركة الإِسلام الذي هداهم الله تعالى إليه فمرّ بهم شاس بن قيس اليهودي فآلمه ذلك التصافي والحابب وأحزنه بع أن كان اليهود يعيشون في منجاة من الخوف من جيرانهم الأوس والخزرج لما كان بينهم من الدمار والخراب فأمر شاس شاباً أن يذكرهم بيوم بعاث فذكروه وتناشدوا الشعر فثارت الحميّة القبلية بينهم فتاسبوا وتشاتموا حتى هموا بالقتال فأتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرهم بالله تعالى وبمقامه بينهم فهدأوا، وذهب الشر ونزلت هذه الآيات: { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } فحذرهم من مكر أهل المكر من اليهود والنصارى، وأنكر عليهم ما حدث منهم حاملا لهم على التعجب من حالهم لو كفروا بعد إيمانهم فقال عز وجل: وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله صباح مساء في الصلوات وغيرها، وفيكم رسوله هادياً ومبشراً ونذيراً وأرشيدهم إلى الاعتصام بدين الله وبشر المعتصمين بالهداية إلى طريق السعادة والكمال فقال: ومن يعتصم بالله أي بكتابة وسنة نبيّه فقد هدي إلى صراط مستقيم ثم كرر تعالى نداءه لهم بعنوان الإِيمان بامتثال أمره واجتناب نهيه حاضاً لهم على الثبات على دين الله حتى يموتوا عليه فلا يبدلوا ولا يغيروا فقال: { يا أيها الذين آمنوا أتقوال الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } وأمرهم بالتمسك بالإِسلام عقيدة وشريعة ونهاهم عن التفرق والاختلاف وأرشدهم إلى ذكر نعمته تعالى عليهم بالألفة والمحبة التي كانت ثمرة هدايتهم للإِيمان والإِسلام، وبعد أن كانوا أعداء متناحرين مختلفين فألّف بين قلوبهم فأصبحوا به إخواناً متحابين متعاونين، كما كانوا نعمة الهداية إلى الإِيمان على شفا جهنم لو مات أحدهم يومئذ لوقع فيها خالداً أبداً، وكما أنعم عليهم وأنقذهم من النار ما زال يبين لهم الآيات الدالة على طريق الهداية الداعية إليه ليثبتهم على الهداية ويكلمهم فيها فقال تعالى: { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- طاعة كثير من علماء اليهود والنصارى بالأخذ بنصائحهم وتوجيهاتهم وما يشيرون به على المسلم تؤدي بالمسلم إلى الكفر شعر بذلك أم لم يشعر فلذا وجب الحذر كل الحذر منهم.

2- العصمة في التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن تمسك بهما لم يضل.

3- الأخذ بالإِسلام جملة والتمسك به عقيدة وشريعة أمان من الزيغ والضلال وأخيراً من الهلاك والخسران.

4- وجوب التمسك بشدة بالدين الإِسلامي وحرمة الفرقة والاختلاف فيه.

5- وجوب ذكر النعم لأجل شكر الله تعالى عليها بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

6- القيام على الشرك والمعاصي وقوف على شفير جهنم فمن مات على ذلك وقع في جهنم حتماً بقضاء الله وحكمه.

{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

شرح الكلمات:

{ الأمة }: أفراد من البشر أو غيرهم تربطهم رابطة جنس أو لغة أو دين ويكون أمرهم واحداً والمراد بالأمة هنا المجاهدون وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

{ الخير }: الإِسلام وكل ما ينفع الإِنسان في حياته الأولى والآخرة من الإِيمان والعمل الصالح.

{ المعروف }: المعروف كل ما عرفه الشرع فأمر به لنفعه وصلاحه للفرد أو الجماعة.

{ المنكر }: ضد المعروف، وهو ما نهى عنه الشرع لضرر وإفساد، للفرد أو الجماعة.

{ الذين تفرقوا }: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

{ يوم تبيض وجوه }: هذا يوم القيامة.

{ ففي رحمة الله }: رحمة الله هنا: الجنّة جعلنا الله تعالى من أهلها، آمين.

{ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق }: هذه آياتنا نقرأها عليك متلبسة بالحق، لا باطل أبداً.

{ وإلى الله ترجع الأمور }: إلى الله تصير الأمور فيقضي فيها بما يشاء ويحكم ما يريد فضلاً وعدلاً.

معنى الآيات:

بعدما أمر الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين بتقواه والتمسك بدينه ونهاهم عن الفرقة والاختلاف وحضهم على ذكر نعمه ليشكروها بطاعته أمرهم في هذه الآية (104) بأن يوجدوا من أنفسهم جماعة تدعوا إلى الإِسلام وذلك بعرضه على الأمم والشعوب ودعوتهم إلى الدخول فيه، كما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في ديار الإِسلام وبين أهله فقال تعالى مخاطباً إياهم، ولتكن منكم أي يجب أن تكون منكم طائفة يدعون إلى الخير أي الإِسلام، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وبشرهم بأن الأمة التي تنهض بهذا الواجب هي الفائزة بسعادة الدنيا والآخرة فقال: فأولئك هم المفلحون الفائزون بالنجاة من العار والنار، وبدخول الجنة مع الأبرار.

وفي الآيات (105) (106) (107) نهاهم أن يسلكوا طريق أهل الكتاب في التفرق في السياسة والاختلاف في الدين فيهلكوا هلاكهم فقال تعالى: مخاطباً إياهم: { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } فلا ينبغي أن يكون العلم والمعرفة بشرائع الله سبباً في الفرقة والخلاف، وهما أداة الواحدة والائتلاف، وأعلمهم بجزاء المختلفين من أهل الكتاب ليعتبروا فلا يختلفوا فقال تعالى: وأولئك لهم عذاب عظيم لا يقادر قدره ولا يعرف مداه، وأخبرهم عن موعد حلول هذا العذاب العظيم بهم وأنه يوم القيامة حينما تبيض وجوه المؤمنين المؤتلفين القائمين على الكتاب والسنة، وتسود وجوه الكافرين المختلفين القائمين على البدع والأهواء، فقال تعالى: { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } وبيّن جزاء الفريقين فقال: فأما الذين اسودت وجوههم من سوء ما عاينوه من أهوال الموقف وما أيقنوا أنهم صائرون إليه من عذاب النار فيقال لهم تقريعاً وتوبيخاً: أكفرتم بعد إيمانكم؟ إذ هذه وجوه من تلك حالهم، فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون بالله وشرائعه.

وأما الذين ابيضت وجوههم فلم يطل فى الهول موقفهم حتى يدخلوا جنة ربهم قال تعالى: { ففي رحمة الله هم فيها خالدون }.

وفي الآية (108) شرف الله تعالى نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم بخطابه والوحي إليه فقال: { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق } أي هذه الآيات المتضمنة للهدى والخير نقرأها عليك بالحق الثابت الذي لا مرية فيه، ولا شك يعترية فبلغها عنا وادع بها إلينا فمن استجاب لك نجا ومن أعرض هلك، وما الله يريد ظلماً للعالمين. فلا يعذب إلا بعد الإِعلام والإِنذار.

وفي الآية الأخيرة (109) يخبر تعالىأنه له ملك السموات والأرض خلقاً وتصرفاً وتدبيراً، وأن مصير الأمور إليه وسيجزى المحسن بالحسنى والمسيء بالسُّوأى.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- وجوب وجود طائفة من أمة الإِسلام تدعوا الأمم والشعوب إلى الإِسلام وتعرضه عليهم وتقاتلهم إن قاتلوهم عليه، ووجوب وجود هيآت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مدن وقرى المسلمين.

2- حرمة الفرقة بين المسلمين والاختلاف في دين الله.

3- أهل البدع والأهواء يعرفون في عرصات القيامة باسوداد وجوههم.

4- أهل السنة والجماعة وهم الذين يعيشون عقيدة وعبادة علىما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعرفون يوم العرض بابيضاض وجوههم.

5- كرامة الرسول على ربّه وتقرير نبوّته. وشرف من آمن به واتبع ما جاء به.

6- مرد الأمور إلى الله تعالى في الدنيا والآخرة فيجب على عقلاء العباد أن يتخذوا لهم عند الله عهداً بالإِيمان به وتوحديه في عبادته بتحقيق لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

شرح الكلمات:

{ كنتم خير أمة }: وُجدتم أفضل وأبرك أمة وجدت على الأرض.

{ أخرجت للناس }: أظهرت وأبرزت لهداية الناس ونفعهم.

{ أذىّ }: الأذى الضرر اليسير.

{ يولوكم الأدبار }: ينهزمون فيفرون من المعركة مولينكم أدبارهم أي ظهورهم.

{ ضربت عليهم الذلة }: أحاطت بهم المذلة ولصقت بهم حتى لا تفارقهم.

{ وباءوا بغضب }: رجعوا من رحلتهم الطويلة في الكفر وعمل الشر بغضب الله.

{ ذلك بأنهم.. الخ }: ذلك: إشارة إلى ما لصق بهم من الذلة والمسكنة وما عادوا به من غضب الله تعالى وما تبعه من عذاب. (فالباء) في بأنهم سببيه أي بسبب فلعهم كذا وكذا والمسكنة هي ذلة الفاقة والفقر.

{ يعتدون }: الاعتداء مجاوزة الحد في الظلم والشر والفساد.

معنى الآيات:

لما أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والاعتصام بحبله فامتثلوا وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون إلى الإِسلام ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا ذكرهم بخير عظيم فقال لهم: { كنتم خير أمة أخرجت للناس } كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كنتم خير الناس للناس.. " ووصفهم بما كانوا به خير أمة فقال تأمرون بالمعروف وهو الإِسلام وشرائع الهدى التي جاء بها نبيّه صلى الله عليه وسلم وتنهون عن المنكر وهو الكفر والشرك وكبائر الإِثم والفواحش، وتؤمنون بالله. وبما يتضمنه الإِيمان بالله من الإِيمان بكل ما أمر تعالى بالإِيمان به من الملائكة والكتب والرسل والبعث الآخر والقدر. ثم دعا تعالى أهل الكتاب الى الإِيمان الصحيح المنجي من عذاب الله فقال عز وجل، ولو آمن أهل الكتاب بالنبي محمد وما جاء به من الإِسلام لكان خيراً لهم من دعوى الإِيمان الكاذبة التي يدعونها. وأخبر تعالى عنه بأن منهم المؤمنين الصادقين في إيمانهم كعبد الله بن سلام وأخيه، وثعلبة بن سعيد وأخيه، وأكثرهم الفاسقون الذين لم يعملوا بما جاء في كتابهم من العقائد والشرائع من ذلك أمر الله تعالى بالإِيمان بالنبي الأميّ واتباعه على ما يجيء به من الاسلام ثم أخبر المسلمين أن فساق أهل الكتاب لن يضروهم إلا أذىً يسيراً كإسماعهم الباطل وقولهم الكذب. وأنهم لو قاتلوهم ينهزمون أمامهم مولينهم ظهورهم فارّين من القتال ثم لا ينصرون على المسلمين في أي قتال يقع بين الجانبين.

كما أخبر تعالى في الآية (112) أنه تعالى ضرب عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا وفي أيّ البلاد وجدوا لن تفارقهم الذلة والمسكنة في حال من الأحوال إلا في حال دخولهم في الإسلام وهو حبل الله، أو معاهد وارتباط بدولة قوية وذلك هو حبل الناس. كما أخبر تعالى عنهم أنهم رجعوا من عنادهم وكفرهم بغضب من الله، وما يستتبعه من عذاب في الدنيا بحالة الفاقة والفقر المعبر عنها بالمسكنة، وفي الآخرة بعذاب جهنم كما ذكر تعالى علة عقوبتهم وأنها الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء بغير حق وعصيانهم المستمر واعتداؤهم الذي لا ينقطع فقال تعالى { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون }.

هداية الآيات

من هداية الآيات: 1- إثبات خيرية أمة الإِسلام وفي الحديث: " أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ".

- بيان علة خيرية أمة الإِسلام وهي الإِيمان بالله والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3- وعد الله تعالى لأمة الإِسلام -ما تمسكت به- بالنصر على اليهود في أي قتال يقع بينهم.

4- صدق القرآن في إخباره عن اليهود بلزوم الذلة والمسكنة لهم أينما كانوا.

5- بيان جرائم اليهود التي كانت سبباً في ذلتهم ومسكنتهم وهي الكفر المستمر، وقتل الأنبياء بغير حق والعصيان والاعتداء على حدود الشرع.

{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } * { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ }

شرح الكلمات:

{ ليسوا سواء }: غير متساوين.

{ أمة قائمة }: جماعة قائمة ثابتة على الإِيمان العمل الصالح.

{ يتلون آيات الله }: يقرأون القرآن.

{ آناء الليل }: ساعات الليل جمع إني وَإِني.

{ وهم يسجدون }: يصلون

{ يسارعون في الخيرات }: يبتدرونها خشية الفوات.

{ فلن يكفروه }: فلن يجحدوه بل يعترف له به ويجزون به وافياً.

معنى اللآيات:

بعد أن ذكر تعالى حال أهل الكتاب وأنه فريقان مؤمن صالح، وكافر فاسد، ذكر هنا في هذه الآيات الثلاث: (113- 114- 115) أن أهل الكتاب ليسوا سواء أي غير متساوين في الحال، وأثنى على أهل الصلاح منهم فقال جل ذكره { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة } أي على الإِيمان الحق الدين الصحيح وهم الذين أسلموا: يتلون آيات الله يقرأونها في صلاتهم آناء الليل أي ساعات الليل في صلاة العشاء وقيام الليل وهم يسجدون وهذا ثناء عليهم بالسجود إذ هو أعظم مظاهر الخضوع لله تعالى كما أثنى تعالى عليهم بالإِيمان الصادق والأمر بالمعروف وهو الدعو إلى عبادة الله تعالى بعد الإِيمان به، والإِسلام الظاهر الباطن له. وينهون عن المنكر وهو الشرك بعبادة الله تعالى والكفر به وبرسوله فقال عز وجل: { يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات } أي يبادرون إليها قبل فواتها والخيرات هي كل قول وعمل صالح من سائر القربات. وشهد تعالى لهم بالصلاح فقال: { وأولئك من الصالحين }.

وأخيراً في الآية الأخيرة (115) أن ما يفعلونه من الصالحات وما يأتونه من الخيرات لن يجحدوه بل يعترف لهم به ويجزون عليه أتم الجزاء، لأنهم متقون والله عليم بالمتقين فلن يضيع أجرهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- فل الثبات على الحق والقيام على الطاعات.

2- فضل تلاوة القرآن الكريم في صلاة الليل.

3- فضل الإِيمان والدعوة إلى الإِسلام.

4- فضل المسابقة في الخيرات والمبادرة إلى الصالحات.

5- فضيلة الكتابي إذا أسلم وحسن إسلامه، وفي الصحيحين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران " الحديث..

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

شرح الكلمات:

{ كفروا }: كذبوا بالله ورسوله وشرعه ودينه.

{ لن تغني عنهم }: لن تجزى عنهم يوم القيامة أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا، إذ لا مال يومئذ ينفع، ولا بنون.

{ مثل }: أي صفة وحال ما ينفقونه لإِبطال دعوة الإِسلام، أو للتصدق به.

{ الصرّ }: الريح الباردة الشديدة البر التي تقتل الزرع وتفسده.

{ الحرث }: ما تحرث له الأرض وهو الزرع.

{ ظلموا أنفسهم }: حيث دنسوها بالشرك والمعاصي فعرضوها للهلاك والخسار.

معنى الآيتين:

لما ذكر تعالى حال مؤمني أهل الكتاب وأثنى عليهم بما وهبهم من صفات الكمال ذكر هنا في هاتين الآيتين ما توعد به أهل الكفر من الكتابين وغيرهم من المشركين على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب ليهتدي من هيأه الله تعالى للهداية فقال: إن الذين كفروا أي كذبوا الله ورسوله فلم يؤمنوا ولم يوحّدوا لن تغني عنه أموالهم ولا أولادهم أي في الدنيا والآخرة مما أراد الله تعالى بهم شيئاً من الإِغناء، لأن الله تعالى غالب على أمره عزيز ذو انتقام، وقوله تعالى: { وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }. فيه بيان حكم الله تعالى فيهم وهو أن أولئك البعداء في الكفر والضلال المتوغلين في الشر والفساد هم أصحاب النار الذين يعيشون فيها لا يفارقونها أبداً ولن تغني عنهم أموالهم التي كانوا يفاخرون بها، ولا أولادهم الذين كانوا يع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران   سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 4:14 pm


{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

شرح الكلمات:

{ وإن منهم لفريقاً }: طائفة من اليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة النبويّة.

{ يلوون ألسنتهم }: يحرفون ألسنتهم بالكلام كأنهم يقرأون الكتاب.

{ وما هو من الكتاب }: وليس هو من الكتاب.

{ ويقولون على الله الكذب }: أي يكذبون على الله لأغراض ماديّة.

معنى الآية:

ما زال السياق في اليهود وبيان فضائحهم فأخبر تعالى أن طائفة منهم يلوون ألسنتم بمعنى يحرفون نطقهم بالكلام تمويهاً على السامعين كأنهم يقرأون التوراة وما أنزل الله فيها، وليس هو من الكتاب المنزل في شيء بل هو الكذب البَحْت، ويقولون لكم إنه من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب لأجل الحفاظ على الحطام الخسيس والرئاسة الكاذبة.

هداية الآية

من هداية الآية:

1- بيان مكر اليهود وتضليلهم للناس وخداعهم لهم باسم الدين والعلم.

2- جرأة اليهود على الكذب على الناس وعلى الله مع علمهم بأنهم يكذبون وهو قبح أشدّ وظلم أعظم.

3- التحذير للمسلم من سلوك اليهود في التضليل والقول على الله والرسول لأجل الأغراض الدنيويّة الفاسدة.

{ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } * { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }

شرح الكلمات:

{ ما كان لبشر }: لم يكن من شأن الإِنسان الذى يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة.

{ الكتاب والحكم والنبوة }: الكتاب: وحي الله المكتوب والحكم: بمعنى الحكمة وهي الفقه في أسرار الشرع، والنّبُوة: ما يشرّف الله تعالى به عبده من إنبائه بالغيب وتكليمه بالوحي.

{ ربانيين }: جمع ربّانى: من ينسب إلى الربّ لكثرة عبادته وغزارة علمه، أو إلى الربان وهو الذي يربّ الناس فيصلح أمورهم ويقوم عليها.

{ أرباباً }: جمع ربّ بمعنى السيد المعبود.

{ أيأمركم بالكفر }: الإِستفهام للإِنكار، والكفر هنا الردة عن الإِسلام.

معنى الآيتين:

ما زال السياق فى الرد عل أهل الكتاب وفي هذه الآية (79) الرد على وفد نصارى نجران خاصة وهم الذين يؤلهون المسيح عليه السلام. قال تعالى: ليس من شأن أي إنسان يعطيه الله الكتاب أي نزل عليه كتاباً ويعطيه الحكم فيه وهو الفهم والفقه في أسراره ويشرفه بالنبوة فيوحى اليه، ويجعله فى زمرة أنبيائه، ثم يدعو الناس الى عبادة نفسه فيقول للناس كونوا عباداً لى من دون الله. إن هذا منا كان ولن يكون أبداً. ولا مما هو متصور الوقوع مثل هذا الكمال لا يقول للناس كونوا عباداً لى ولكن يقول لهم كونوا ربانيين تصلحون الناس وتهدونهم الى ربهم ليكملوا بطاعته ويسعدوا عليها، وذلك بتعليمهم الكتاب وتدريسه ودراسته.

هذا معنى الآية (79) أما الآية (80) فإن الله تعالى يخبر عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه لا يأمر الناس بعبادة غير ربّه تعالى سواء كان ذلك الغير ملكاً مكرماً أو نبيّاً مرسلا، وينكر على من نسبوا ذلك إليه صلى الله عليه وسلم فيقول: { أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } فهذ لا يصح منه ولا يصدر عنه بحال.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- لم يكن من الممكن لمن آتاه الله الكتاب والحكمة وشرفه بالنبوة أن يدعو الناس لعبادة نفسه فضلاً عن عبادة غيره.

2- سادات الناس هم الربانيون الذين يربون الناس بالعلم والحكمة فيصلحونهم ويهدونهم.

3- عظماء الناس من يعلمون الناس الخير ويهدونهم إليه.

4- السجود لغير الله تعالى كفر لما ورد أن الآية نزلت رداً على ما أرادوا أن يسجدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: { أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون }؟!

{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }

شرح الكلمات:

{ الميثاق }: العهد المؤكد باليمين.

{ لما آتيتكم }: مهما آتيتكم.

{ لتؤمنُنّ }: لتصدقن برسالته.

{ أأقررتم }: الهمزة الأولى للاستفهام التقريري وأقررتم بمعنى اعترفتم.

{ إصري }: عهدي وميثاقي.

{ فمن تولى }: رجع عما اعترف به وأقرّ.

{ الفاسقون }: الخارجون عن طاعة الله ورسوله.

{ أفغير دين الله يبغون }: الاستفهام للإِنكار، ويبغون بمعنى يطلبون.

{ وله أسلم }: انقاد وخضع لمجاري أقدار الله وأحكامه عليه.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الرد على نصارى نجارن فيقول تعالى لرسوله أذكر لهم ما أخذ الله على النّبيين وأممهم من ميثاق أنه مهما آتاهم من كتاب وحكمة ثم جاءهم رسول مصدق لما معهم من النور والهدى ليؤمننّ به ولينصرنه على أعدائه ومناوئيه من أهل الكفر وأنه تعالى قررهم فأقروا واعترفوا ثم استشهدهم على ذلك فشهدوا وشهد تعالى فقال: { وأنا معكم من الشاهدين } ثم أكد تعالى ذلك مرة أخرى بأن من يعرض عن هذا الميثاق ولم يف به يعتبر فاسقاً ويلقى جزاء الفاسقين فقال تعالى: { فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } وقد نقض هذا الميثاق كلٌّ من اليهود والنصارى، إذ لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به وقد أخذ عليهم الميثاق بالإِيمان به، وبنصره، فكفروا به، وخذلوه، فكانوا بذلك الفاسقين المستوجبين لعذاب الله.

ثم وبخ تعالى أهل الكتاب قائلا: { أفغير دين الله -يريد الاسلام- يبغون } أي يطلبون، ولله أسلم أي انقاد وخضع من في السموات من الملائكة والأرض من سائر المخلوقات الأرضية طوعاً أو طرها: طائعين أو مكريهن وفوق هذا أنّكم ترجعون إليه فيحاسبكم، ويجزيكم بأعمالكم.

هذا ما تضمنته الآية الأخيرة (83) إذ قال تعالى { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى في الأنبياء السابقين وهي أن يؤمن بعضهم ببعض وينصر بعضهم بعضاً.

2- كفر أهل الكتاب وفسقهم بنقضهم الميثاق وتوليهم عن الإِسلام وإعراضهم عنه بعد كفرم بالنبيّ محمد صلى الله عليه وسلم وقد أخذ عليهم الميثاق بأن يؤمنوا به ويتبعوه.

3- بيان عظم شأن العهود والمواثيق بأن يؤمنوا به ويتبعوه.

4- الإِنكار على مَنْ يَعْرِض عن دين الله الإِسلام. مع أن الكون كلّه خاضع منقاد لأمر الله ومجاري أَقداره مسلم له.

{ قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

شرح الكلمات:

{ الأسباط }: جمع سِبْط والسِّبط الحفيد، والمراد بالأسباط هنا أولاد يعقوب الانثا عشر والأسباط في الهيود كالقبائل فى العرب.

{ يبْتغ }: يطلب ويريد ديناً غير الدين الإِسلامي.

{ الخاسرين }: الهالكين بالخلد في نار جهنم والذين خسروا كل شيء حتى أنفسهم.

معنى الآيات:

ما زال السايق في حجاج أهل الكتاب فبعد أن وبخهم تعالى بقوله في الآيات السابقة أفغير دين الله تبتغون يا معشر اليهود والنصارى؟ فإن قالوا: نعم فقل أنت يا رسولنا آمنا بالله وما أنزل علينا من وحيٍ وشرع وأمنا بما أنزل على إبراهيم خليل الرحمن وما أنزل على ولديه اسماعيل واسحق، وما أنزل على يعقوب واولاده الاسباط، وآمنا بما أوتي موسى من التوراة وعيسى من الإِنجيل، وما أوتى النبيّون من ربهم لا نفرق بين أحدهم من أنبيائه بل نؤمن بهم وبما جاءوا به فلا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما هي حالكم يا معشر اليهود والنصارى. ونحن لله تعالى مسلمون أي منقادون مطيعون لا نعبده بغير ما شرع ولا نعبد معه سواه. هذا معنى الآية الأولى (84). أما الآية الثانية (85) فإن الله تعالى يقرر أن كل دين غيره الاسلام باطل، وان من يطلب ديناً غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه بحال ويخسر في الآخرة خسراناً كبيراً فقال تعالى: { ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين } الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وذلك هو الخسران المبين. هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- لا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعض، كما لا يصح ايمان عبد يؤمن ببعض ما أنزل الله تعالى على رسله ويكفر ببعض.

2- الإِسلام: هو الإِنقياد ولخضوع لله تعالى وهو يتنافى مع التخيير بين رسل الله ووحيه اليهم.

3- بطلان سائر الأديان والملل سوى الدين الإِسلامى وملة محمد صلى الله عليه وسلم.

{ كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوۤاْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقٌّ وَجَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

شرح الكلمات:

{ كيف يهدى الله قوما }: الاستفهام هنا للاستبعاد، والهداية الخروج من الضلال.

{ البينات }: الحجج من معجزات الرسل وآيات القرآن المبيّنة للحق فى المعتقد والعمل.

{ الظالمين }: المتجاوزين الحد في الظلم المسرفين فيه حتى أصبح الظلم وصفاً لازماً لهم.

{ لعنة الله }: طرد الله لهم من كل خير، ولعنة الملائكة والناس دعاؤهم عليهم بذلك.

{ ولا هم ينظرون }: ولا هم يمهلون من أَنْظَره إذا أمهله ولم يعجِّل بعذابه.

{ أصلحوا }: أصلحوا ما أفسدوه من أنفسهم ومن غيرهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في أهل الكتاب وإن تناولت غيرهم ممن ارتد عن الإِسلام من بعض الأنصار ثم عاد إلى الإِسلام فأسلم وحسن إسلامه ففي كل هؤلاء يقول تعالى: { كيف يهدى الله قوماً كفرا بعد إيمانهم } فقد كفر اليهود بعيسى عليه السلام، وشهدوا أن الرسول محمداً حق وجاءتهم الحجج والبراهين على صدق نبوته وصحة ما جاء به من الدين الحق، والله حسب سنته في خلقه لا يهدي من أسرف في الظلم وتجاوز الحد فيه فأصبح الظلم طبعاً من طباعه فلهذا كانت هداية من هذه حاله مستبعدة للغاية، وإن لم تكن مستحيلة ثم أخبر تعالى عنهم متوعداً لهم فقال: { أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين } { خالدين فيها } أي في تلك اللعنة الموجبة لهم عذاب النار { لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون } أي ولا يمهلون ليعتذروا، أولا يخفف عنهم العذاب. نثم لم لم تكن توبتهم مستحيلة ولأن الله تعالى يحب توبة عباده ويقبلها منهم قال تعالى فاتحاً باب رحمته لعباده مهما كانت ذنوبهم { إلا الذين تابوا من بعد ذلك } الكفر والظلم، { وأصلحوا } نفوسهم بالإِيمان وصالح الأعمال { فإن الله غفور رحيم } فكان هذا كالوعد منه سبحانه وتعالى بأن يغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم بدخول الجنة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- التوغل في الشر والفساد أو الظلم والكفر قد يمنع العبد من التوبة. ولذا وب على العبد إذا أذنب ذنباً أن يتوب منه فوراً، ولا يواصله مصراً عليه خشية أن يحال بينه وبين التوبة.

2- التوبة مقبولة متى قامت على أسسها واستوفت شروطها ومن ذلك الإِقلاع عن الذنب فوراً، والندم على ارتكابه، والاستغفار والعزم على العودة إلى الذنب الذي تاب منه، وإصلاح ما أفسده مما يمكن إصلاحه.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

شرح الكلمات:

{ الكفر }: الجحود لله تعالى والتكذيب لرسوله وما جاء به من الدين والشرع.

{ بعد إيمانهم }: أي ارتدوا عن الإِسلام إلى الكفر.

{ الضالون }: المخطئون طريق الهدى.

{ ملء الأرض }: ما يملأها من الذهب.

{ ولو افتدى به }: ولو قدمه فداء لنفسه من النار ما قبل منه.

معنى الآيتين:

ما زال السياق في أهل الكتاب وهو هنا في اليهود خاصة إذ أخبر تعالى عنهم أنهم كفروا بعد إيمانهم كفروا بعيسى والإِنجيل بعد إيمانهم بموسى والتوراة. ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن فلن تقبل توبتهم إلا إذا تابوا بالإِيمن بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن لكنهم مصرون على الكفر بهما فكيف تقبل توبتهم إذاً مع اصرارهم على الكفر، ولذا أخبر تعالى أنهم هم الضالون البالغون أبعد الحدود في الضلال ومن كانت هذه حاله فلا يتوب ولا تقبل توبته، ثم قرر مصيرهم بقوله عز وجل: { إن الذين كفروا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } يريد يوم القيامة مع أنه لا مال يومئذ ولكن من باب الفرض والتقدير لا غير: فلو أن لأحدهم ملء الأرض ذهباً وقبل منه فداء لنفسه من عذاب الله لافتدى، ولكن هيهات هيهات إنه يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ولكن من جاء ربّه بقلب سليم من الشرك والشك وسائر أمراض القلوب نجا من النار ودخل الجنة بإذن الله تعالى.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- سنة الله فيمن توغل في الكفر أو الظلم أو الفسق وبلغ حداً بعيداً أنه لا يتوب.

2- اليأس من نجاة من مات كافراً يوم القيامة.

3- لا فدية تقبل يوم القيامة من أحد ولا فداء لأحد فيه.

{ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

شرح الكلمات:

{ لن تنالوا }: لن تحصلوا عليه وتظفرا به.

{ البرّ }: كلمة جامعة لكل خير، والمراد به هنا ثوابه وهو الجنة.

{ تنفقوا }: تتصدقوا.

{ مما تحبون }: من المال الذي تحبونه لأنفسكم وهو أفضل أمولكم عندكم.

{ من شيء }: يريد قَلَّ أو كثر.

{ فإن الله به عليم }: لازمه أن يجزيكم به بحسب كثرته أو قلته.

معنى الآية الكريمة:

يخبر تعالى عباده المؤمنين الراغبين في بره تعالى وإفضاله بأن ينجيهم من النار ويدخلهم الجنة بأنهم لن يظفروا بمطلوبهم من برّ ربهم حتى ينفقوا من أطيب أموالهم وأنفسها عندهم وأحبّها إليهم. ثم أخبرهم مطمئناً لهم على أنفاقهم أفضل أموالهم بأن ما ينفقونه من قليل أو كثير نفيس أو خسيس هو به عليم وسيجزيهم به، وبهذا حبّب إليهم الإِنفاق ورغبهم فيه فجاء أبو طلحة رضى الله عنه يقول يا رسول الله ان الله تعالى يقول: { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } ، وإن من أحب أموالي إليّ بيرحا (حديقة) فاجعلها حيث أراك الله يا رسول الله، فقال له صلى الله عليه وسلم مال رابح و رائج اجعلها في أقربائك فجعلها في أقربائه حسان بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهم أجمعين.

هداية الآية

من هداية الآية:

1- البر وهو فعل الخير يهدي إلى الجنّة.

2- لن يبلغ العبد برّ الله وما عنده من نعيم الآخرة حتى ينفق من أحب أمواله اليه.

3- لا يضيع المعروف عند الله تعالى قل أو كثر طالما أريد به وجهه تعالى.

{ كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } * { قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } * { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ }

شرح الكلمات:

{ الطعام }: اسم لكل ما يطعم من أنواع المأكولات.

{ حِلٌّ }: الحِل: الحلال، وسمي حلالاً لانحلال عقدة الحظر عنه.

{ بني إسرائيل }: أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل المنحدرون من أبنائه الأثني عشر إلى يومنا هذا.

{ حرّم }: حظر ومنع.

{ التوراة }: كتاب أنزل على موسى عليه السلام وهو من ذريّة إسرائيل.

{ فاتلوها }: اقرأوها على رؤوس الملأ لنتبين صحة دعواكم من بطلانها.

{ افترى الكذب }: اختلقه وزوره وقاله.

{ ملة إبراهيم }: دينه وهي عبادة الله تعالى بما شرع، ونبذ الشرك والبدع.

{ حنيفاً }: مائلا عن الشرك إلى التوحيد.

{ ببكة }: مكة.

{ للعالمين }: للناس أجمعين.

{ مقام إبراهيم }: آية من الآيات وهو الحجر الذي قام عليه أثناء بناء البيت فارتسمت قدماه وهو صخر فكان هذا آية.

{ من دخله }: الحرم الذى حول البيت بحدوده المعروفة.

{ آمناً }: لا يخاف على نفس ولا مال ولا عرض.

{ الحج }: قصد البيت للطواف به وأداء بقية المناسك.

{ سبيلاً }: طريقاً والمراد القدرة على السير إلى البيت والقيام بالمناسك.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحجاج مع أهل الكتاب فقد قال يهود للنبي صلى الله عليه وسلم كيف تدعى أنك على دين إبراهيم، وتأكل ما هو محرم فى دينه من لحوم الإِبل وألبانها فرد الله تعالى على هذا الزعم الكاذب بقوله: كل الطعا كان حلاً أي حلالاً لبني إسرائيل وهم ذرية يعقوب الملقب بإسرائيل، ولم يكن هناك شيء محرم عليهم في دين إبراهيم اللهم إلا ما حرم اسرائيل " يعقوب " على نفسه خاصة وهو لحوم الإِبل وألبانها لنذر نذره وهو أنه مرض مرضاً آلمه فنذر لله تعالى إن شفاه تَرَكَ أحب الطعام والشراب إليه، وكانت لحوم الإِبل وألبانها من أحب الأطعمة والأشربة إليه فتركها لله تعالى، هذا معنى قوله تعالى: { كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه } من قبل أن تنزل التوراة، إذ التوراة نزلت على موسى بعد إبراهيم ويعقوب بقورن عدة، فكيف تدعون أن إبراهيم كان لا يأكل لحوم الإِبل ولا يشرب ألبانها فأتوا بالتوراة فاقرؤوها فسوف تجدون أن ما حرم الله تعالى على اليهود دائماً كان لظلمهم واعتدائهم فحرم عليهم أنواعاً من الأطعمة، وذلك بعد إبراهيم ويعقوب بقرون طويلة. قال تعالى في سورة النساء:
{ فبظلم من الذين هادوا (اليهود) حرمنا عليهم طيبات أُحِلَّت لهم }
وقال في سورة الأنعام:
{ وعلى الذين هادو حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها }
الآية.

ولما طُولبوا بالإِتيان بالتوراة وقراءتها بهتوا ولم يفعلوا فقامت الحجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم.

وقوله تعالى: فمن افترى على الله الكذب بعد قيام الحجة بأن الله تعالى لم يحرم على إبراهيم ولا على بني إسرائيل شيئاً من الطعام والشراب إلا بعد نزول التوراة باستثناء ما حرم إسرائيل على نفسه من لحمان الإِبل وألبانها، فأولئك هم الظالمون بكذبهم على الله تعالى وعلى الناس.

ومن هنا أمر الله تعالى رسوله أن يقول: صدق الله فيما أخبر به رسوله ويخبره به وهو الحق من الله، إذا فاتبعوا يا معشر اليهود ملة إبراهيم الحنيف الذي لم يكن أبداً من المشركين.

هذ ما تضمنته الآيات الثلاث: 93- 94- 95 وأما قوله تعالى: { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين } فإنه متضمن الرّد على اليهود الذين قالوا إن بيت المقدس هي أول قبلة شرع للناس استقبالها فَلِمَ يعدل محمد وأصحابه عنها إلى استقبال الكعبة؟ وهي متأخرة الوجود فأخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس هو الكعبة لا بيت المقدس وأنه جعله مباركاً يدوم بدوام الدنيا والبركة لا تفارقه فكل من يلتمسها بزيارته وحجه والطواف به يجدها ويحظى بها، كما جعله هدى للعالمين فالمؤمنون يأتون حجاجاً وعماراً فتحصل لهم بذلك أناع من الهداية، والمصلون في مشارق الأرض ومغاربها يستقبلونه في صلاتهم، وفي ذلك من الهداية للحصول على الثواب وذكر الله التقرب إليه أكبر هداية وقوله تعالى فيه آيات بينات يريد: في المسجد الحرام دلائل واضحات منها مقام إبراهيم وهو الحجر الذي كان يقوم عليه أثناء بناء البيت حيث بقي أثر قدميه عليه مع أنه صخرة من الصخور ومنها زمزم والحِجْر والصفا والمروة وسائر المشاعر كلها آيات ومنها الأمن التام لمن دخله فلا يخاف غير الله تعالى. قال تعالى: { ومن دخله كان آمناً } ثم هذا الأمن له والعرب يعيشون في جاهلية جهلاء وفوضى لا حد لها، ولكن الله جعل في قلوبهم حرمة الحرم وقدسيته ووجوب آمن كل من يدخله ليحجه أو يعتمره، وقوله تعالى { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } ، لمَّا ذكر تعالى البيت الحرام وما فيه من بركات وهدايات وآيات ألزم عباده المؤمنين به وبرسوله بحجة ليحصل لهم الخير والبركة والهداية، ففرضه بصيغة ولله على الناس وهي أبلغ صيغ الإِيجاب، واستثنى العاجزين عن حجه واعتماره بسبب مرض أو خوف أو قلة نفة للركوب والإِنفاق على النفس والأهل أيام السفر.

وقوله تعالى في آخر الآية: { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } فإنه خبر منه تعالى بأن من كفر بالله ورسوله وحج بيته بعد ما ذكر من الآيات والدلائل الواضحات فإنه لا يضر إلا نفسه أما الله تعالى فلا يضره شيء وكيف وهو القاهر فوق عباده والغنى عنهم أجمعين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- ثبوت النسخ في الشرائع الإِلهية، إذ حرم الله تعالى على اليهود بعض ما كان حِلاً لهم.

2- إبطال دعوى اليهود أن إبراهيم كان محرماً عليه لحوم الإِبل وألبانها.

3- تقرير النبوة المحمدية بتحدي اليهود وعجزهم عن دفع الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

4- البيت الحرام كان قبل بيت المقدس وأن البيت الحرام أول بيت وضع للتعبد بالطواف به، 5- مشروعية طلب البركة بزيارة البيت وحجه والطواف به والتعبد حوله.

6- وجوب الحج على الفور لمن لم يكن له مانع يمنعه من ذلك.

7- الإِشارة إلى كفر من يترك الحج وهو قادر عليه، ولا مانع يمنعه منه غير عدم المبالاة.

{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ } * { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَآءُ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

شرح الكلمات:

{ الكفر }: الجحود.

{ آيات الله }: ما أنزل تعالى من الحجج والبينات في القرآن المقررة لنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وما أنزله تعالى في التوراة والإِنجيل من صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونعوته الموجبة للإِيمان به واتباعه على دين الحق الذي جاء به وهو الإِسلام.

{ شهيد على ما تعملون }: عليم به مطلع عليه، وما يعملونه وهو الكفر والشر والفساد.

{ تصدون عن سبيل الله }: تصرفون الناس ممن آمن منكم ومن العرب عن الإِسلام الذي هو سبيل الله تعالى المفضي بأهله إلى سعادة الدارين.

{ تبغونها عوجاً }: تطلبون لها العِوج حتى تخرجوا بها عن الحق والهدى فيضل سالكها وذلك بالتحريف والتضليل.

{ وأنتم شهداء }: بعلمكم بأن الإِسلام حق، وأن ما تبغونه له من الإِضلال لأهله والتضليل هو كفر وباطل.

معنى الآيتين:

بعد أن دحض الله تعالى شبه أهل الكتاب وأبطلها في الآيات السابقة أمر تعالى رسوله أن يقول لهم موبخاً مسجلاً عليهم الكفر يا أهل الكتاب لم تكفرون بحجج الله تعالى وبراهينه لنبوة نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الإِسلام تلك الحجج والبراهين التي جاء بها القرآن والتوراة والإِنجيل معاً؟ والله جل جلاله مطلع على كفركم عليم به، أما تخافون عقابه أما تخشون عذابه؟.

كما أمر تعالى رسوله أيضاً أن يقول لهم مؤنبّاً موبخاً لهم على صرفهم المؤمنين عن الإِسلام بأنواع الحيل والتضليل: يا أهل الكتاب أي يا أهل العلم الأول لم تصرفوا المؤمنين عن الإِسلام الذي هو سبيل الله بما تثيرونه بينهم من الشكوك والأوهام تطلبون للإِسلام العوج لينصرف المؤمنون عنه، مع علمكم التام بصحة الإِسلام وصدق نبيّه محمد عليه الصلاة والسلام أما تخافون الله، أما تخشونه تعالى وهومطلع على سوء تدبيركم غير غافل عن مكركم وغشكم وخداعكم.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- شدة قبح كفر وظلم من كان عالماً من أهل الكتاب بالحق ثم كفره وجحده بغياً وحسداً.

2- حرمة صرف الناس عن الحق والمعروف بأنواع الحيل وضروب الكذب والخداع.

3- عليم الله تعالى بكل أعمال عباده من خير وشر وسيجزيهم بها فضلاً منه وعدلاً.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } * { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } * { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

شرح الكلمات:

{ فريقاً }: طائفة من الحاقدين على الإِسلام العاملين على الكيد له والمكر به وبأهله.

{ يردوكم }: يرجعوكم إلى الكفر بعد إيمانكم.

{ وكيف تكفرون }: الاستفهام للإِنكار والتعجب من كفرهم بعد إيمانهم.

{ آيات الله }: آيات القرآن الكريم.

{ يعتصم }: يتمسك بشدة.

{ حق تقاته }: باستفراغ الوسع في إمتثال أمره، واجتناب نهيه، وتقاته هي تقواه.

{ حبل الله }: كتابه القرآن ودينه الإِسلام، لأن الكتاب والدين هما الصلة التي تربط المسلم بربه، وكل ما يربط ويشد شيئاً بآخر هو سبب وحبل.

{ ألف بين قلوبكم }: جمعها على أخوة الإِيمان ووحد بينها بعد الاختلاف والنفرة.

{ شفا حفرة }: شفا الحفرة حافتها وطرفها بحيث لو غفل الواقف عليها وقع فيها.

{ أنقذكم منها }: بهدايتكم إلى الإِسلام وبذلك أنجاكم من النار.

معنى الآيات:

بعد أن وبخ تعالى اليهود على خداعهم ومكرهم وتضليلهم للمؤمنين وتوعدهم على ذلك، نادى المؤمنين محذراً إياهم من الوقوع في شباك المضللين من اليهود فقال: { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } وذلك أن نفراً من الأوس والخزرج كانوا جالسين في مجلس يسودهم الود والتصافي ببركة الإِسلام الذي هداهم الله تعالى إليه فمرّ بهم شاس بن قيس اليهودي فآلمه ذلك التصافي والحابب وأحزنه بع أن كان اليهود يعيشون في منجاة من الخوف من جيرانهم الأوس والخزرج لما كان بينهم من الدمار والخراب فأمر شاس شاباً أن يذكرهم بيوم بعاث فذكروه وتناشدوا الشعر فثارت الحميّة القبلية بينهم فتاسبوا وتشاتموا حتى هموا بالقتال فأتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرهم بالله تعالى وبمقامه بينهم فهدأوا، وذهب الشر ونزلت هذه الآيات: { يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين } فحذرهم من مكر أهل المكر من اليهود والنصارى، وأنكر عليهم ما حدث منهم حاملا لهم على التعجب من حالهم لو كفروا بعد إيمانهم فقال عز وجل: وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله صباح مساء في الصلوات وغيرها، وفيكم رسوله هادياً ومبشراً ونذيراً وأرشيدهم إلى الاعتصام بدين الله وبشر المعتصمين بالهداية إلى طريق السعادة والكمال فقال: ومن يعتصم بالله أي بكتابة وسنة نبيّه فقد هدي إلى صراط مستقيم ثم كرر تعالى نداءه لهم بعنوان الإِيمان بامتثال أمره واجتناب نهيه حاضاً لهم على الثبات على دين الله حتى يموتوا عليه فلا يبدلوا ولا يغيروا فقال: { يا أيها الذين آمنوا أتقوال الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } وأمرهم بالتمسك بالإِسلام عقيدة وشريعة ونهاهم عن التفرق والاختلاف وأرشدهم إلى ذكر نعمته تعالى عليهم بالألفة والمحبة التي كانت ثمرة هدايتهم للإِيمان والإِسلام، وبعد أن كانوا أعداء متناحرين مختلفين فألّف بين قلوبهم فأصبحوا به إخواناً متحابين متعاونين، كما كانوا نعمة الهداية إلى الإِيمان على شفا جهنم لو مات أحدهم يومئذ لوقع فيها خالداً أبداً، وكما أنعم عليهم وأنقذهم من النار ما زال يبين لهم الآيات الدالة على طريق الهداية الداعية إليه ليثبتهم على الهداية ويكلمهم فيها فقال تعالى: { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- طاعة كثير من علماء اليهود والنصارى بالأخذ بنصائحهم وتوجيهاتهم وما يشيرون به على المسلم تؤدي بالمسلم إلى الكفر شعر بذلك أم لم يشعر فلذا وجب الحذر كل الحذر منهم.

2- العصمة في التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن تمسك بهما لم يضل.

3- الأخذ بالإِسلام جملة والتمسك به عقيدة وشريعة أمان من الزيغ والضلال وأخيراً من الهلاك والخسران.

4- وجوب التمسك بشدة بالدين الإِسلامي وحرمة الفرقة والاختلاف فيه.

5- وجوب ذكر النعم لأجل شكر الله تعالى عليها بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

6- القيام على الشرك والمعاصي وقوف على شفير جهنم فمن مات على ذلك وقع في جهنم حتماً بقضاء الله وحكمه.

{ وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ }

شرح الكلمات:

{ الأمة }: أفراد من البشر أو غيرهم تربطهم رابطة جنس أو لغة أو دين ويكون أمرهم واحداً والمراد بالأمة هنا المجاهدون وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

{ الخير }: الإِسلام وكل ما ينفع الإِنسان في حياته الأولى والآخرة من الإِيمان والعمل الصالح.

{ المعروف }: المعروف كل ما عرفه الشرع فأمر به لنفعه وصلاحه للفرد أو الجماعة.

{ المنكر }: ضد المعروف، وهو ما نهى عنه الشرع لضرر وإفساد، للفرد أو الجماعة.

{ الذين تفرقوا }: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

{ يوم تبيض وجوه }: هذا يوم القيامة.

{ ففي رحمة الله }: رحمة الله هنا: الجنّة جعلنا الله تعالى من أهلها، آمين.

{ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق }: هذه آياتنا نقرأها عليك متلبسة بالحق، لا باطل أبداً.

{ وإلى الله ترجع الأمور }: إلى الله تصير الأمور فيقضي فيها بما يشاء ويحكم ما يريد فضلاً وعدلاً.

معنى الآيات:

بعدما أمر الحق تبارك وتعالى عباده المؤمنين بتقواه والتمسك بدينه ونهاهم عن الفرقة والاختلاف وحضهم على ذكر نعمه ليشكروها بطاعته أمرهم في هذه الآية (104) بأن يوجدوا من أنفسهم جماعة تدعوا إلى الإِسلام وذلك بعرضه على الأمم والشعوب ودعوتهم إلى الدخول فيه، كما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في ديار الإِسلام وبين أهله فقال تعالى مخاطباً إياهم، ولتكن منكم أي يجب أن تكون منكم طائفة يدعون إلى الخير أي الإِسلام، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وبشرهم بأن الأمة التي تنهض بهذا الواجب هي الفائزة بسعادة الدنيا والآخرة فقال: فأولئك هم المفلحون الفائزون بالنجاة من العار والنار، وبدخول الجنة مع الأبرار.

وفي الآيات (105) (106) (107) نهاهم أن يسلكوا طريق أهل الكتاب في التفرق في السياسة والاختلاف في الدين فيهلكوا هلاكهم فقال تعالى: مخاطباً إياهم: { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } فلا ينبغي أن يكون العلم والمعرفة بشرائع الله سبباً في الفرقة والخلاف، وهما أداة الواحدة والائتلاف، وأعلمهم بجزاء المختلفين من أهل الكتاب ليعتبروا فلا يختلفوا فقال تعالى: وأولئك لهم عذاب عظيم لا يقادر قدره ولا يعرف مداه، وأخبرهم عن موعد حلول هذا العذاب العظيم بهم وأنه يوم القيامة حينما تبيض وجوه المؤمنين المؤتلفين القائمين على الكتاب والسنة، وتسود وجوه الكافرين المختلفين القائمين على البدع والأهواء، فقال تعالى: { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } وبيّن جزاء الفريقين فقال: فأما الذين اسودت وجوههم من سوء ما عاينوه من أهوال الموقف وما أيقنوا أنهم صائرون إليه من عذاب النار فيقال لهم تقريعاً وتوبيخاً: أكفرتم بعد إيمانكم؟ إذ هذه وجوه من تلك حالهم، فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون بالله وشرائعه.

وأما الذين ابيضت وجوههم فلم يطل فى الهول موقفهم حتى يدخلوا جنة ربهم قال تعالى: { ففي رحمة الله هم فيها خالدون }.

وفي الآية (108) شرف الله تعالى نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم بخطابه والوحي إليه فقال: { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق } أي هذه الآيات المتضمنة للهدى والخير نقرأها عليك بالحق الثابت الذي لا مرية فيه، ولا شك يعترية فبلغها عنا وادع بها إلينا فمن استجاب لك نجا ومن أعرض هلك، وما الله يريد ظلماً للعالمين. فلا يعذب إلا بعد الإِعلام والإِنذار.

وفي الآية الأخيرة (109) يخبر تعالىأنه له ملك السموات والأرض خلقاً وتصرفاً وتدبيراً، وأن مصير الأمور إليه وسيجزى المحسن بالحسنى والمسيء بالسُّوأى.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- وجوب وجود طائفة من أمة الإِسلام تدعوا الأمم والشعوب إلى الإِسلام وتعرضه عليهم وتقاتلهم إن قاتلوهم عليه، ووجوب وجود هيآت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مدن وقرى المسلمين.

2- حرمة الفرقة بين المسلمين والاختلاف في دين الله.

3- أهل البدع والأهواء يعرفون في عرصات القيامة باسوداد وجوههم.

4- أهل السنة والجماعة وهم الذين يعيشون عقيدة وعبادة علىما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعرفون يوم العرض بابيضاض وجوههم.

5- كرامة الرسول على ربّه وتقرير نبوّته. وشرف من آمن به واتبع ما جاء به.

6- مرد الأمور إلى الله تعالى في الدنيا والآخرة فيجب على عقلاء العباد أن يتخذوا لهم عند الله عهداً بالإِيمان به وتوحديه في عبادته بتحقيق لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } * { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

شرح الكلمات:

{ كنتم خير أمة }: وُجدتم أفضل وأبرك أمة وجدت على الأرض.

{ أخرجت للناس }: أظهرت وأبرزت لهداية الناس ونفعهم.

{ أذىّ }: الأذى الضرر اليسير.

{ يولوكم الأدبار }: ينهزمون فيفرون من المعركة مولينكم أدبارهم أي ظهورهم.

{ ضربت عليهم الذلة }: أحاطت بهم المذلة ولصقت بهم حتى لا تفارقهم.

{ وباءوا بغضب }: رجعوا من رحلتهم الطويلة في الكفر وعمل الشر بغضب الله.

{ ذلك بأنهم.. الخ }: ذلك: إشارة إلى ما لصق بهم من الذلة والمسكنة وما عادوا به من غضب الله تعالى وما تبعه من عذاب. (فالباء) في بأنهم سببيه أي بسبب فلعهم كذا وكذا والمسكنة هي ذلة الفاقة والفقر.

{ يعتدون }: الاعتداء مجاوزة الحد في الظلم والشر والفساد.

معنى الآيات:

لما أمر الله تعالى المؤمنين بتقواه والاعتصام بحبله فامتثلوا وأمرهم بتكوين جماعة منهم يدعون إلى الإِسلام ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فامتثلوا ذكرهم بخير عظيم فقال لهم: { كنتم خير أمة أخرجت للناس } كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كنتم خير الناس للناس.. " ووصفهم بما كانوا به خير أمة فقال تأمرون بالمعروف وهو الإِسلام وشرائع الهدى التي جاء بها نبيّه صلى الله عليه وسلم وتنهون عن المنكر وهو الكفر والشرك وكبائر الإِثم والفواحش، وتؤمنون بالله. وبما يتضمنه الإِيمان بالله من الإِيمان بكل ما أمر تعالى بالإِيمان به من الملائكة والكتب والرسل والبعث الآخر والقدر. ثم دعا تعالى أهل الكتاب الى الإِيمان الصحيح المنجي من عذاب الله فقال عز وجل، ولو آمن أهل الكتاب بالنبي محمد وما جاء به من الإِسلام لكان خيراً لهم من دعوى الإِيمان الكاذبة التي يدعونها. وأخبر تعالى عنه بأن منهم المؤمنين الصادقين في إيمانهم كعبد الله بن سلام وأخيه، وثعلبة بن سعيد وأخيه، وأكثرهم الفاسقون الذين لم يعملوا بما جاء في كتابهم من العقائد والشرائع من ذلك أمر الله تعالى بالإِيمان بالنبي الأميّ واتباعه على ما يجيء به من الاسلام ثم أخبر المسلمين أن فساق أهل الكتاب لن يضروهم إلا أذىً يسيراً كإسماعهم الباطل وقولهم الكذب. وأنهم لو قاتلوهم ينهزمون أمامهم مولينهم ظهورهم فارّين من القتال ثم لا ينصرون على المسلمين في أي قتال يقع بين الجانبين.

كما أخبر تعالى في الآية (112) أنه تعالى ضرب عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا وفي أيّ البلاد وجدوا لن تفارقهم الذلة والمسكنة في حال من الأحوال إلا في حال دخولهم في الإسلام وهو حبل الله، أو معاهد وارتباط بدولة قوية وذلك هو حبل الناس. كما أخبر تعالى عنهم أنهم رجعوا من عنادهم وكفرهم بغضب من الله، وما يستتبعه من عذاب في الدنيا بحالة الفاقة والفقر المعبر عنها بالمسكنة، وفي الآخرة بعذاب جهنم كما ذكر تعالى علة عقوبتهم وأنها الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء بغير حق وعصيانهم المستمر واعتداؤهم الذي لا ينقطع فقال تعالى { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون }.

هداية الآيات

من هداية الآيات: 1- إثبات خيرية أمة الإِسلام وفي الحديث: " أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ".

- بيان علة خيرية أمة الإِسلام وهي الإِيمان بالله والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3- وعد الله تعالى لأمة الإِسلام -ما تمسكت به- بالنصر على اليهود في أي قتال يقع بينهم.

4- صدق القرآن في إخباره عن اليهود بلزوم الذلة والمسكنة لهم أينما كانوا.

5- بيان جرائم اليهود التي كانت سبباً في ذلتهم ومسكنتهم وهي الكفر المستمر، وقتل الأنبياء بغير حق والعصيان والاعتداء على حدود الشرع.

{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } * { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ }

شرح الكلمات:

{ ليسوا سواء }: غير متساوين.

{ أمة قائمة }: جماعة قائمة ثابتة على الإِيمان العمل الصالح.

{ يتلون آيات الله }: يقرأون القرآن.

{ آناء الليل }: ساعات الليل جمع إني وَإِني.

{ وهم يسجدون }: يصلون

{ يسارعون في الخيرات }: يبتدرونها خشية الفوات.

{ فلن يكفروه }: فلن يجحدوه بل يعترف له به ويجزون به وافياً.

معنى اللآيات:

بعد أن ذكر تعالى حال أهل الكتاب وأنه فريقان مؤمن صالح، وكافر فاسد، ذكر هنا في هذه الآيات الثلاث: (113- 114- 115) أن أهل الكتاب ليسوا سواء أي غير متساوين في الحال، وأثنى على أهل الصلاح منهم فقال جل ذكره { ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة } أي على الإِيمان الحق الدين الصحيح وهم الذين أسلموا: يتلون آيات الله يقرأونها في صلاتهم آناء الليل أي ساعات الليل في صلاة العشاء وقيام الليل وهم يسجدون وهذا ثناء عليهم بالسجود إذ هو أعظم مظاهر الخضوع لله تعالى كما أثنى تعالى عليهم بالإِيمان الصادق والأمر بالمعروف وهو الدعو إلى عبادة الله تعالى بعد الإِيمان به، والإِسلام الظاهر الباطن له. وينهون عن المنكر وهو الشرك بعبادة الله تعالى والكفر به وبرسوله فقال عز وجل: { يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات } أي يبادرون إليها قبل فواتها والخيرات هي كل قول وعمل صالح من سائر القربات. وشهد تعالى لهم بالصلاح فقال: { وأولئك من الصالحين }.

وأخيراً في الآية الأخيرة (115) أن ما يفعلونه من الصالحات وما يأتونه من الخيرات لن يجحدوه بل يعترف لهم به ويجزون عليه أتم الجزاء، لأنهم متقون والله عليم بالمتقين فلن يضيع أجرهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- فل الثبات على الحق والقيام على الطاعات.

2- فضل تلاوة القرآن الكريم في صلاة الليل.

3- فضل الإِيمان والدعوة إلى الإِسلام.

4- فضل المسابقة في الخيرات والمبادرة إلى الصالحات.

5- فضيلة الكتابي إذا أسلم وحسن إسلامه، وفي الصحيحين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران " الحديث..

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

شرح الكلمات:

{ كفروا }: كذبوا بالله ورسوله وشرعه ودينه.

{ لن تغني عنهم }: لن تجزى عنهم يوم القيامة أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا، إذ لا مال يومئذ ينفع، ولا بنون.

{ مثل }: أي صفة وحال ما ينفقونه لإِبطال دعوة الإِسلام، أو للتصدق به.

{ الصرّ }: الريح الباردة الشديدة البر التي تقتل الزرع وتفسده.

{ الحرث }: ما تحرث له الأرض وهو الزرع.

{ ظلموا أنفسهم }: حيث دنسوها بالشرك والمعاصي فعرضوها للهلاك والخسار.

معنى الآيتين:

لما ذكر تعالى حال مؤمني أهل الكتاب وأثنى عليهم بما وهبهم من صفات الكمال ذكر هنا في هاتين الآيتين ما توعد به أهل الكفر من الكتابين وغيرهم من المشركين على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب ليهتدي من هيأه الله تعالى للهداية فقال: إن الذين كفروا أي كذبوا الله ورسوله فلم يؤمنوا ولم يوحّدوا لن تغني عنه أموالهم ولا أولادهم أي في الدنيا والآخرة مما أراد الله تعالى بهم شيئاً من الإِغناء، لأن الله تعالى غالب على أمره عزيز ذو انتقام، وقوله تعالى: { وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }. فيه بيان حكم الله تعالى فيهم وهو أن أولئك البعداء في الكفر والضلال المتوغلين في الشر والفساد هم أصحاب النار الذين يعيشون فيها لا يفارقونها أبداً ولن تغني عنهم أموالهم التي كانوا يفاخرون بها، ولا أولادهم الذين كانوا يع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران   سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 4:21 pm


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } * { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

شرح الكلمات:

{ بطانة }: بطانة الرجل الذي يطلعهم على باطن أمره الذي يخفيه على الناس للمصلحة.

{ من دونكم }: من غيركم أي من غير المسلمين كالكفار وأهل الكتاب.

{ لا يألونكم }: لا يقصرون في إفساد الأمور عليكم.

{ خبالاً }: فساداً في أمور دينكم وديناكم.

{ ودوا ما عنتم }: أحبّوا عنتكم أي مشقتكم.

{ بدت البغضاء }: ظهرت شدة بغضهم لكم.

{ أولاء }: هؤلاء حذفت منه هاء التنبيه لوجودها في ها أنتم قبلها.

{ بالكتاب كله }: أي بالكتب الإِلهية كلها.

{ عضوا عليكم الانامل من الغيظ }: من شدة الغيظ عليكم، لأن المغتاظ إذا اشتد به الغيظ بعض أصبعه على عادة البشر، والغيظ: شدة الغضب.

{ حسنة }: ما يحسن من أنواع الخير كالنصر والتأييد والقوة والخير.

{ سيئة }: ما يسوءكم كالهزيمة أو الموت أو المجاعة.

{ كيدهم }: مكرهم بكم وتبييت الشر لكم.

{ بما يعملون محيط }: علماً وقدرة عليه، إذ هم واقعون تحت قهره وعظيم سلطانه.

معنى الآيات:

لما أخبر تعالى عن مصير الكافرين في الآخرة، وأنذلك المصير المظلم كان نتيجة كفرهم وظلمهم حذر المؤمنين من موالاته دون المؤمنين وخاصة أولئك الذين يحملون في صدورهم الغيظ والبغضاء للمسلمين الذي لا يقصرون في العمل على إفساد أحوال المسلمين والذين يسوءهم أن يروا المسلمين متآلفين متحابين أقوياء ظاهرينمنصورين على أهل الشرك والكفر، ويسرهم أيضا أن يروا المسلمين مختلفين أو ضعفاء منكسرين مغلوبين. فقال تعالى -وقوله تعالى- { يا أيها الذين آمنوا } أي بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً.

{ لا تتخذوا بطانة } أي أفراداً من دونكم أي من غير أهل دينكم، كاليهود والنصارى والمنافقين والمشركين تستشيرونهم وتطلعونهم على أسراركم وبواطن أموركم. ووصفهم تعالى تعريفاً. بهم فقال: { لا يألونكم خبالاً } يعني لا يقصرون في إفساد أموركم الدينية والدنيوية.

{ ودوا ما عنتم } أي أحبوا عنتكم ومشقتكم، فلذا هم لا يشيرون عليكم إلا بما يفسد عليكم أموركم ويسبب لكم الكوارث ولامصائب في حياتكم وقوله تعالى { قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر } وصف آخر مشخص لهؤلاء الأعداء المحرم اتخاذهم بطانة، ألا وهو ظهور البغضاء من أفواههم بما تنطق به ألسنتهم من كلمات الكفر والعداء للإِسلام وأهله، وما يخفونه من ذلك في صدورهم وهو أكبر مما يتفلت من ألسنتهم. ويؤكد عز وجل تحذيره للمؤمنين فيقول: { قد بينّا لكم الآيات } المتضمنة لبيان أعدائكم وأحوالهم وصفاتهم لتعتبروا { إن كنتم تعقلون } أي الخطاب وما يتلى عليكم ويقال لكم. ثم يقول تعالى معلماً محذراً أنتم أيها المسلمون تحبونهم ولا يحبونكم. قد علم الله أن من بين المؤمنين من يحب بعض الكافرين لعلاقة الإِحسان الظاهرة بينهم فأخبر تعالى عن هؤلاء كما أن رحمة المؤمن وشفقته قد تتعدى حتى لأعدائه لفذا ذكر تعالى هذا وأخبر به وهو الحق، وقال: { تؤمنون بالكتاب كله } أي وهم لا يؤمنون بكتابكم فانظروا إلى الفرق بينكم وبينهم فكيف إذاً تتخذونهم بطانة تفضون إليهم بأسراركم.

وأخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا لقوا المؤمنين قالوا إنا مؤمنون وإذا انفردوا عنهم وخلوا بأنفسهم ذكروهم وتغيظوا عليهم حتى يعضوا أطراف أصابعهم من شدة الغيظ. فقال تعالى { وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ } وهنا أمر رسوله أن يدعوا عليهم بالهلاك فقال له: قل يا رسولنا لهم { موتوا بغيظكم،إن الهل عليم بذات الصدور } فلذا أخبر عنهم كاشفاً الغطاء عما تكنه نفوسهم ويخفونه في صدورهم.

هذا ما تضمنته الآيتان الأولى (118) والثانية (119) وأما الثالثة (120) فقد تضمنت أيضا بيان صفة نفسيّة للكافرين المنهى عن اتخاذهم بطانة وهو استياؤهم وتألمهم لما يرونه من حسن حال المسلمين كإتلافهم واجتماع كلمتهم ونصرهم وعزتهم وقوتهم وسعة رزقهم، كما هو أيضاً فرحهم وسرورهم بما قد يشاهدونه من خلاف بين المسلمين أو وقوع هزيمة لجيش من جيوشهم، أو تغير حال عليهم بما يضر ولا يسر وهذه نهاية العداوة شدة البغضاء فهل مثل هؤلاء يتخذون أولياء؟ اللهم لا. فقال تعالى: { إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة يفرحوا به }. ولما وصف تعالى هؤلاء الكفرة بصفات مهيلة مخيفة قال لعبادة المؤمنين مبعداً الخوف عنهم: وإن تصبروا على ما يصيبكم وتتقوا الله تعالى في أمره ونهيه وفي سننه في خلقه لا يضركم كيدهم شيئاً، لأن الله تعالى وليّكم مطلع على تحركاتهم وسائر تصرفاتهم وَسَيُحْبِطُها كلها، دل على هذا المعنى قوله في الجملة التذيلية { إن الله بما يعملون محيط }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- حرمة اتخاذ مستشارين وأصدقاء من أهل الكفر عامّة وحرمة إطلاعهم على أسرار الدولة الإِسلامية، والأمور التي يخفيها المسلمون على أعدائهم لما في ذلك من الضرر الكبير.

2- بيان رحمة المؤمنين وفضلهم على الكافرين.

3- بيان نفسيات الكافرين وما يحملونه من إرادة الشر الفساد للمسلمين.

4- الوقاية من كيد الكفار ومكرهم تكمن في الصبر والتجلد وعدم إظهار الخوف للكافرين ثم تقوى الله تعالى بإقامة دينه ولِزوم شرعه والتوكل عليه، والأخذ بسننه في القوة والنصر.

{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

شرح الكلمات:

{ وإذ غدوت }: أي واذكر إذ غدوت، والغدوّ: الذهاب أول النهار.

{ من أهلك }: أهل الرجل زوجه وأولاده. ومن لابتدء الغاية إذ خرج صلى الله عليه وسلم صباح السبت من بيته إلى أحد حيث نزل المشركون به يوم الأربعاء.

{ تبوّىء المؤمنين }: تنزل المجاهدين الأماكن التي رأيتها صالحة للنزول فيها من ساحة المعركة.

{ هَمَّتُ }: حدثت نفسها بالرجوع إلى المدينة وتوجّهت إرادتها إلى ذلك.

{ طائفتان }: هما بنو سلمة، وبنو حارثة من الأنصار.

{ تفشلا }: تضعفا وتعودا إلى ديارهما تاركين الرسول ومن معه يخوضون المعركة وحدهم.

{ والله وليهما }: متولي أمرهما وناصرهما ولذا عصمهما من ترك السير إلى المعركة.

{ ببدر }: بدر اسم رجل وسمي المكان به لأنه كان له فيه ماء وهو الآن قرية تبعد عن المدينة النبويّة بنحو من مائة وخمسين ميلاً " كيلو متر ".

{ وأنتم أذلة }: لقلة عَدَدكم وعُدَدِكُمْ وتفوّق العدو عليكم.

معنى الآيات:

لما حذر الله تعالى المؤمنين من اتخاذ بطانة من أهل الكفر والنفاق، وأخبرهم أنهم متى صبروا واتقوا لا يضرهم كيد أعدائهم شيئاً ذكرهم بموقفين أحدهما لم يصبروا فيه ولم يتقوا فأصابتهم الهزيمة وهو غزوة أحد، والثاني صبروا فيه واتقوا فانتصروا وهزموا عدوهم وهو غزوة بدر، فقال تعالى: { وإّ غدوت من أهلك تبوّىء المؤمنين مقاعد للقتال } أي اذكر يا رسولنا لهم غدوّك صباحاً من بيتك الى ساحة المعركة بأحد، تبوّىء المؤمنين مقاعد للقتال أي تنزلهم الأماكن الصالحة للقتال الملائمة لخوض المعركة، والله سميع لكل الأقوال التي دارت بينكم في شأن الخروج إلى العدو، أو عدمه وقتاله داخل المدينة عليم بنياتكم وأعمالكم ومن ذلك هَمَّ بني سلمة وبين حارثة بالرجوع من الطريق لولا أن الله سلم فعصمهما من الرجوع لأنه وليهما. هذا معنى قوله تعالى: { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } أي تجبْنا وتُحْجمَا عن ملاقاة العدو، والله وليهما فعصمهما من ذنب الرجوع وترك الرسول صلى الله عليه وسلم يخوض المعركة بدون جناحيها وهما بنو حارثة وبنوا سلمة { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } فتوكلت الطائفتان على الله وواصلتا سيرهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمهما الله من ذر ذنب وأقبحه. والحمد الله.

هذا موقف والمقصود منه التذكير بعدم الصبر وترك التقوى فيه حيث أصاب المؤمنين فيه شر هزيمة واستشهد من الأنصار سبعون ومن المهاجرين أربعة وشج رأس النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته واستشهد عمه حمزة رضي الله عنه.

والموقف الثاني هو غزوة بدر حيث صبر فيها المؤمنون واتقوا أسباب الهزيمة فنصرهم الله وأنجز لهم ما وعدهم لأنهم صبروا واتقوا، فقتلوا سبعين رجلاً وأسروا سبعين وغنموا غنائم طائلة قال تعالى: { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم إذلة } فاتقوا الله بالعمل بطاعته، ومن ذلك ترك اتخاذ بطانة من اعدائكم لتكونوا بذلك شاكرين نعم الله عليكم فيزيدكم، فذكر تعالى في هذا الموقف النصر لأنه خير، فقال { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } ولم يقل في الموقف الأول ولقد هزمكم الله بأحد وأنتم أعزة، لأنه تعالى حَيِي كريم فاكتفى بتذكيرهم بالغزوة فقط وهم يذكرون هزيمتهم فيها ويعملون أسبابها وهي عدم الطاعة وقلة الصبر.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- فضيلة الصبر والتقوى وأنهما عدة الجهاد في الحية.

2- استحسان التذكير بالنعم والنقم للعبرة والاتعاظ.

3- ولاية الله تعالى للعبد تقيه مصارع السوء، وتجنبه الأخطار.

4- تقوى الله تعالى بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه هى الشكر الواجب على العبد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران   سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 4:22 pm


{ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } * { بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاۤفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ }

شرح الكلمات:

{ ألن يكفيكم }: الاستفهام انكاري أي ينكرعدم الكفاية: ومعنى يكفيكم يسد حاجتكم.

{ أن يمدكم }: أي بالملائكة عوناً لكم على قتال أعدائكم المتفوقين عليكم بالعدد والعتاد.

{ الملائكة }: واحدهم ملاك وهم عابد الله مكرمون مخلوقون من نور لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.

{ بلى }: حرف إجابة أي يكفيكم.

{ من فورهم هذا }: أي من وَجْهِهمِ في وقتهم هذا.

{ مسومين }: معلمين بعلامات تعرفونهم بها.

{ إلا بشرى لكم }: البشرى: الخبر السار الذي يتهلل له الوجه بالبشر والطلاقة.

{ ولتطمئن به قلوبكم }: اطمئنان القلوب سكونها وذهاب الخوف والقلق عنها.

{ ليقطع طرفاً }: الطرف الطائفة، يريد ليهلك من جيش العدو طائفة.

{ أو يكبتهم }: أي يخزيهم ويذلهم.

{ فينقلبوا خائبين }: يرجعوا إلى ديارهم خائبين لم يحرزوا النصر الذي أمّلوه.

معنى الآيات:

ما زال السياق في تذكير الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما تم لهم من النصر في موقف الصبر والتقوى في بدر فقال: { إذ تقول للمؤمنين } عندما بلغهم وهم حول المعركة أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين برجاله يقاتلون معهم فشق ذلك على أصحابك فقلت: { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } بلى: أي يكفيكم. { إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا } أي من وجههم ووقتهم هذا { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } بعلامات وإشارات خاصة بهم، ولما انهزم كرز قبل تحركه وقعد عن إمداد قريش بالمقاتلين لم يمد الله تعالى رسوله والمؤمنين بما ذكر من الملائكة فلم يزدهم على الألف الأولى التي أمدهم بها لمنا استغاثوه في أول المعركة جاء ذلك في سورة الأنفال في قوله تعالى:
{ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة }
فهذه الألف هي التي نزلت فعلاً وقاتلت مع المؤمنين وشوهد ذلك وعلم به يقيناً، أما الوعد بالإِمداد الأخير فلم يتم لأنه كان مشروطاً بإمداد كرز لقريش فلما لم يمدهم، لم يمد الله تعالى المؤمنين، فقال تعالى: { وما جعله الله } أي الامداد المذكور { إلا بشرى للمؤمنين } تطمئن به قلوبهم وتسكن له نفوسهم فيزول القلق والاضطراب الناتج عن الخوف من إمداد كرز المشركين بالمقاتلين، ولذا قال تعالى { وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم } العزيز أي الغالب، الحكيم الذي يضع النصر في موضعه فيعطيه مستحقه من أهل الصبر والتقوى { ليقطع طرفا من الذين كفروا } وقد فعل فأهلك من المشركين سبعين، أو يكبتهم أي يخزيهم ويذلهم إذ أُسِرَ منهم سبعون { وانقلبوا خائبين } لم يحققوا النصر الذي أرادوه.

هداية الآيات

من هداية الآيات: 1- بيان سبب هزيمة المسلمين في أحد وهو عدم صبرهم وإخلالهم بمبدأ التقوى إذ عصى الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا من البل يجرون وراء الغنيمة هذا على تفسير أن الوعد بالثلاثة آلاف وبالخمسة كان بأحد، وكان الوعد مشروطاً بالصبر والتقوى فلما لم يصبروا لم يتقوا لم يمدهم بالملائكة الذين ذكر لهم.

2- النصر وإن كانت له عوامله من كثرة العدد وقوة العدة فإنه بيد الله تعالى فقد ينصر الضعيف ويخذل القوى، فلذا وجب تحقيق ولاية الله تعالى أولاً قبل إعداد العدد. وتحقيق الولاية يكون بالإِيمان والصبر والطاعة التامة لله ولرسوله ثم التوكل على الله عز وجل.

3- ثبوت قتال الملائة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر قتالاً حقيقياً، لأنهم نزلوا في صورة بشر يقاتلون على خيول، وعليهم شاراتهم وعلاماتهم، ولا يقولنّ قائل: الملك الواحد يقدر على أن يهزم ملايين البشر، فكيف يعقل اشتراك ألف ملك في قتال المشركين وهم لا يزيدون عن الألف رجل، وذلك أن الله تعالى أنزلهم في صورة بشر فأصبحت صورتهم وقوتهم قوة البشر، ويدل على ذلك ويشهد له أنّ ملك الموت لما جاء موسى في صورة رجل يريد أن يقبض روحه ضربه موسى عليه السلام ففقأ عينه، وعاد إلى ربّه تعالى ولم يقبض روح موسى عليهما معاً السلام. من رواية البخارى.

{ لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يَآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

شرح الكلمات:

{ الأمر }: الشأن والمراد هنا توبة الله على الكافرين أو تعذيبهم.

{ شيء }: شيء نكرة متوغلة في الإِبهام. وأصل الشيء: ما يعلم ويخبر به.

{ أو }: هنا بمعنى حتى أي فاصْبِرْ حتى يتوب عليهم أو يعذبهم.

{ لله ما في السموات... }: أي ملكاً وخلقاً وعبيداً يتصرف كيف يشاء ويحكم كما يريد.

{ لا تأكلون الربا }: لا مفهوم للأكل بل كل تصرف بالربا حرام سواء كان أكلاً أو شرباً أو لباساً.

{ الربا }: لغة: الزيادة، وفي الشرع نوعان: ربا فضل وربا نسيئة ربا الفضل: يكون في الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح فإذا بيع الجنس بمثله يحرم الفضل أي الزيادة ويحرم التأخير، وربا النسيئة: هو أن يكون على المرء دين الى أجل فيحل الأجل ولم يجد سدادا لدينه فيقول له أخرني وزد في الدين.

{ أضعافاً مضاعفة }: لا مفهوم لهذا لأنه خرج مخرج الغالب، إذ الدرهم الواحد حرام كالألف، وإنما كانوا في الجاهلية يؤخرون الدين ويزيدون مقابل التأخير حتى يتضاعف الدين فيصبح أضعافاً كثيرة.

{ تفلحون }: تنجون من العذاب وتظفورن بالنعيم المقيم في الجنة.

{ أعدت للكافرين }: هيئت وأحضرت للمكذبين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

{ لعلكم ترحمون }: لترحموا فلا تُعذَّبوا بما صدر منكم من ذنب المعصية.

معنى الآيات:

صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد دعا على أفراد من المشركين بالعذاب، وقال يوم أحد لما شج رأسه وكسرت رباعيته: " كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم؟ " فأنزل الله تعالى عليه قوله: { ليس لك من الأمر شيء } أي فاصبر حتى يتوب الله تعالى عليهم أو يعذبهم بظلمهم فإنهم ظالمون ولله ما في السموات وما في الأرض ملكاً وخلقاً يتصرف كيف يشاء ويحكم ما يريد فإن عذب فبعد له وإن رحم فبفضله، وهو الغفور لمن تاب الرحيم بمن أناب.

نهذا ما تضمنته الآيتان الأولى (128) والثانية (129) وأما الآية الثالثة (130) فإن الله تعالى نادى عباده المؤمنين بعد أن خرجوا من الجاهلية ودخلوا في الإِسلام بأن يتركوا أكل الربا وكل تعامل به فقال { يا أيها الذين آمنوا } أي بالله رباً وبالإِسلام ديناً وبمحمد رسولاً { لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة } إذ كان الرجل يكون عليه دين ويحل أجله ولم يجد ما يسدد به فيأتي إلى دائنه ويقول أخِّر ديني وزد علّي وهكذا للمرة الثانية والثالثة حتى يصبح الدين بعدما كان عشراً عشرين وثلاثين. وهذا معنى قوله أضعافاً مضاعفة، ثم أمرهم بتقواه عز وجل وواعدهم بالفلاح فقال عز وجل { واتقوا الله لعلكم تفلحون } أي كي تفلحوا بالنجاة من العذاب والحصول على الثواب وهو الجنة.

وفي الآية الرابعة (131) أمرهم تعالى باتقاء النار التي أعدها للكفرين فهي مهيئة محضرة لهم، واتقاؤها يكون بطاعته تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل: { واتقوا النار التي أعدت للكافرين } ، أي المكذبين بالله ورسوله فلذا لم يعملوا بطاعتهما لأن التكذيب مانع من الطاعة، وفي الآية الأخيرة (132) أمرهم تعالى بطاعته وطاعة رسوله ووعدهم على ذلك بالرحمة في الدنيا والآخرة وكأنه يشير إلى الذين عصوا رسول الله في أحد وهم الرماة الذين تخلوا عن مراكزهم الدفاعية فتسبب عن ذلك هزيمة المؤمنين أسوأ هزيمة فقال تعالى: { وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون } أي كي يرحمكم فيتوب عليكم ويغفر لكم ويدخلكم دار السلام والنعيم المقيم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- استقلال الرّب تعالى بالأمر كله فليس لأحد من خلقه تصرف في شيء إلا ما أذن فيه للعبد.

2- الظلم مستوجب للعذاب ما لم يتدارك الرب العبد بتوبة فيتوب ويغفر له ويعفو عنه.

3- حرمة أكل الربا مطلقا ً مضاعفاً كان أو غير مضاعف.

4- بيان ربا الجاهلية إذ هو هذا الذي نهى الله تعالى عنه بقوله: { لا تأكلوا الربا }.

5- وجوب التقواى لمن أراد الفلاح في الدنيا والآخرة.

6- وجوب اتقاء النار ولو بشق تمرة.

7- وجوب طاعة الله ورسوله للحصول على الرحمة الإِلهية وهي العفو والمغفرة ودخول الجنة.

{ وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ }

شرح الكلمات:

{ وسارعوا }: المسارعة إلى الشيء المبادرة إليه بدون توانٍ ولا تراخ.

{ إلى مغفرة }: المغفرة: ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها. والمراد هنا: المسارعة إلى التوبة بترك الذنوب، وكثرة الاستغفار وفي الحديث: " ما من رجل يذنب ذنبا ثم يتوضأ ثم يصلي ويستغفر الله إلى غفر له ".

{ وجنة }: الجنة دار النعيم فوق السموات، والمسارعة إليها تكون بالإِكثار من الصالحات.

{ أُعِدَّتْ }: هُيّئتْ وأحضرت فهي موجودة الآن مهيّأة.

{ للمتقين }: المتقو هم الذين اتقوا الله تعالى فلم يعصوه بترك واجب ولا بفعل محرم، وإن حدث منهم ذنب تبوا منه فوراً.

{ في السراء والضراء }: السراء الحال المسرة وهي اليسر والغنى والضراء الحال المضرة وهي الفقر.

{ والكاظمين الغيظ }: كظم الغيظ: حبسه، والغيظ ألم نفسي يحدث إذا أوذي المرء في بدنه أو عرضه أو ماله، وحبس الغيظ: عدم إظهاره على الجوارح بسبب أو ضرب ونحوهما للتشفي والانتقام.

{ والعافين عن الناس }: العفو عدم المؤاخذة للمسيء مع القدرة على ذلك.

{ يحب المحسنين }: المحسنون هم الذين يبّرون ولا يسيئون في قول أو عمل.

{ فاحشة }: الفاحشة: الفعلة القبيحة الشديد القبح كالزنى وكبائر الذنوب.

{ أو ظلموا أنفسهم }: بترك واجب أو فعل محرم فدنسوها بذلك فكان هذا ظلماً لها.

{ ولم يصروا }: أي يسارعوا إلى التوبة، لأن الإِصرار هو الشد على الشيء والربط عليه مأخوذ من الصر، والصرة معروفة.

{ وهم يعلمون }: أي أنهم مخالفون للشرع بتركهم ما أوجب، او بفعلهم ما حرم.

{ ونعم أجر العاملين }: الذي هو الجنة.

معنى الآيات:

لما نادى الله تعالى المؤمنين ناهياً لهم أكل الربا آمراً لهم بتقواه عز وجل، وباتقاء النار وذلك بترك الربا وترك سائر المعاصي الموجبة لعذاب الله تعالى ودعاهم إلى طاعته وطاعة رسوله كي يرحموا في دنياهم وأخراهم. أمرهم في الآية الأولى (133) بالمسارعة إلى شيئين الأول مغفرة ذنوبهم وذلك بالتوبة النصوح، والثاني دخول الجنة التي وصفها لهم، وقال تعالى { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين } أي أحضرت وهيئت للمتقين والمسارعة إلى الجنة هي المساعرة إلى موجبات دخولها وهي الإِيمان والعمل الصالح إذ بهما تزكوا الروح وتطيب فتكون أهلاً لدخول الجنة.

هذا ما تضمنته الآية الأولى وأما الآيتان الثانية (134) والثالثة (135) فْقد تضمنتا صفات المتقين الذين أعدت لهم الجنة دار السلام فقوله تعالى: { الذين ينفقون في السراء والضراء } هذا وصف لهم بكثرة الانفاق في سبيل الله، وفي كل أحايينهم من غنىً وفقر وعسر ويسر وقوله: { والكاظمين الغيظ } وصف لهم بالحلم والكرموالنفسي وقوله: { والعافين عن الناس } وصف لهم بالصفح والتجاوز عن زلات الآخرين تكرماً، وفعلهم هذا إحسان ظاهر ومن هنا بشروا بحب الله تعالى لهم فقال تعالى { والله يحب المحسنين } كما هو تشجيع على الإِحسان وملازمته في القول والعمل وقوله: { والذين إذا فعلوا فاحشة ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } وصف لهم بملازمة ذكر الله وعدم الغفلة، ولذا إذا فعلوا فاحشة ذنباً كبيراً أو ظلموا أنفسهم بذنب دون الفاحش ذكروا وعيد الله تعالى ونهيه عما فعلوا فبادروا الى التوبة وهى الاقلاع عن الذنب والندم عن الفعل والعزم على عدم العودة إليه، واستغفار الله تعالى منه.

وقوله تعالى: { ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } وصف لهم بعدم الإِصرار أى المواظبة على الذنب وعدم تركه وهم يعلمون أنه ذنب ناتج عن تركهم لواجب، أو فعلهم الحرام، وأما الآية الرابعة (136) فقد تضمنت بيان جزائهم على إيمانهم وتقواهم وما اتصفوا به من كمالات نفسية، وطهارة روحية الا وهو مغفرة ذنوبهم كل ذنوبهم. وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها. ومدح المنان عز وجل ما جازاهم به من المغفرة والخلود فى الجنة ذات النعيم المقيم فقال: { ونعم أجر العاملين }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- وجوب تعجيل التوبة وعدم التسويف فيها لقوله تعالى: { سارعوا }.

2- سعة الجنة، وانها مخلوقة الآن لقوله تعالى: { أُعدت }.

3- المتقون هم أهل الجنة وورثتها بحق.

4- فضل استمرار الانفاق في سبيل الله، ولو بالقليل.

5- فضيلة خلة كظم الغيظ بترك المبادرة الى التشفى والانتقام.

6- فضل العفو عن الناس مطلقا مؤمنهم وكافرهم بارهم وفاجرهم.

7- فضيلة الاستغفار وترك الإِصرار على المعصية للآية ولحديث: " ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة ". رواه الترمذى وابو داود. وحسنه ابن كثير.

{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ }

شرح الكلمات:

{ قد خلت }: خلت: مضت.

{ سنن }: جمع سنة وهي السيرة والطريقة التي يكون عليها الفرد أو الجماعة، وسنن الله تعالى في خلقه قانونه الماضى فى الخلق.

{ فسيروا في الأرض }: الأمر للارشاد، للوقوف على ديار الهالكين الغابرين لتعتبروا.

{ عاقبة المكذبين }: عاقبة أمرهم وهي ما حل بهم من الدمار والخسار كعاد وثمود.

{ هذا بيان للناس }: أي ما ذكر في الآيات بيان للناس به يتبينون الهدى من الضلال وما لازمهما من الفلاح، والخسران.

{ موعظة }: الموعظة الحال التى يتعظ بها المؤمن فيسلك سبيل النجاة.

{ ولا تهنوا }: لا تضعفوا.

{ قرح }: القرح: أثر السلاح فى الجسم كالجرح، وتضم القاف فيكون بمعنى الألم.

{ الأيام }: جمع يوم والليالى معها والمراد بها ما يجريه الله من تصاريف الحياة من خير وغيره وإعزاز وإذلال.

{ شهداء }: جمع شهيد وهو المقتول فى سبيل الله وشاهد وهو من يشهد على غيره.

{ ليمحص }: ليخلص المؤمنين من أدران المخالفات وأوضار الذنوب.

{ ويمحق }: يمحو ويذهب آثار الكفر والكافرين.

معنى الآيات:

لما حدث ما حدث من انكسار المؤمني بسبب عدم الصبر، والطاعة اللازمة للقيادة ذكر تعالى تلك الأحداث مقرونة بفقهها لتبقى هدى وموعظة للمتقين من المؤمنين وبدأها بقوله: { قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } فأخبر تعالى المؤمنين بأن قد مضت فيمن قبلهم من الأمم كقولم نوح وعاد وثمود وغيرهم فقد أرسل الله تعالى اليهم رسله فكذبوهم فأمضى تعالى سننه فيهم فأهلك المكذبين وانجى المؤمنين بعد ما نالهم من أذى أقوامهم المكذبين، وستمضي سنته اليوم كذلك، فينجيكم وينصركم ويهلك المكذبين أعداءكم. وإن ارتبتم فسيروا في الأرض وقفوا على آثار الهالكين، وانظرو كيف كانت عاقبتهم،ثم قال تعال: هذا الذى ذكرت في هذه الآيات بيان للناس يتبينون به الحق من الباطل واهدى من الضلال، وهدى يهتدون به إلى سبيل السلام وموعظة يتعظ بها المتقون لاستعدادهم بإيمانهم وتقواهم للاتعاظ فيطيعو الله ورسوله فينجون ويفلحون هذا ما تضمّنته الآيتان الأولى (137) والثانية (138) وأما الآيتان الثالثة (139) والرابعة (140) فقد تضمنتا تعزية الرب تعالى للمؤمنين فيما أصابهم يوم أحد إذ قال تعالى مخاطباً لهم { ولا تهنوا } أي لا تضعفوا فتقعدوا عن الجهاد والعمل، ولا تحزنوا على ما فاتكم من رجالكم، وأنتم الأعلون أي الغالبون لأعدائكم المنتصرون عليهم، وذلك فيما مضى وفيما هو آتٍ مستقبلا بشرط إيمانكم وتقواكم واعلموا أنه إن يمسسكم قَرْح بموت أو جراحات لا ينبغى أن يكون ذلك موهناً لكم قاعداً بكم عن مواصلة الجهاد فإن عدوكم قد مسّه قَرْح مثله وذلك في معركة بدر، والحرب سِجَال يومّ لكم ويومّ عليكم وهى سنة من سنن ربكم في الحياة هذا معنى قوله تعالى: { وتلك الأيام نداورها بين الناس } ثم بعد هذا العزاء الكريم الحكيم ذكر تعالى لهم علَّة هذا الحدث الجَلَل، والسر فيه وقال: { وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منك شهداء } أي ليظهر بهذا الحادث المؤلم إيمان المؤمنين وفعلا فالمنافقون رجعوا من الطريق بزعامة رئيسهم المنافق الأكبر عبد الله بن أبي بن سلول، والمؤمنون واصلوا سيرهم وخاضوا معركتهم فظهر إيمانهم واتخذ الله الله منهم شهداء وكانوا نحواً من سبعين شهيداً منهم أربعة من المهاجرين وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومصعب بن عمير، والباقون من الأنصار رضي الله عنهم أجمعين.

وقوله تعالى: { وليمحص الله الذين آمنوا } أي أوجد هذا الذى أوجده فى أحد من جهاد وانكسار تخليصا للمؤمنين من ذنوبهم وتطهيراً لهم ليصفوا الصفاء الكامل، ويمحق الكافرين بإذهابهم وإنهاء وجودهم.

إن هذا الدرس نفع المؤمنين فيما بعد فلم يخرجوا عن طاعة نبيهم، وبذلك توالت انتصاراتهم حتى أذهبوا ريح الكفر والكافرين من كل أرض الجزيرة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- عاقبة المكذبين بدعوة الحق الخاسر والوبال.

2- في آيي القرآن الهدي والبيان والمواعظ لمن كان من أهل الإِيمان والتقوى.

3- أهل الإِيمان هم الأعلون في الدنيا والآخرة.

4- الحياة دول وتارات فليقابلها المؤمن بالكر والصبر.

5- الفتن تمص الرجال، وتودي بحياة العاجزين الجزعين.

{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّاكِرِينَ }

شرح الكلمات:

{ أم حسبتم }: بل أظننتم فلا ينبغي أن تظنوا هذا الظن فالإستفهام إنكاري.

{ ولما يعلم }: ولم يبتلكم بالجهاد حتى يعلم علم ظهور من يجاهد منكم ممن لا يجاهد كما هو عالم به في باطن الأمر وخفيّه.

{ خلت من قبله }: أي مضت من قبله الرسل بلغوا رسالتهم وماتوا.

{ إفإن مات أو قتل }: ينكر تعالى على من قال عندما أشيع أن النبي قُتل (هيا بنا نرجع الى دين قومنا، فالإستفهام منصبّ عل قوله { انقلبتم على أعقابكم.. } لا على فإن مات أو قتل، وإن دخل عليها.

{ انقلبتم على أعقابكم }: رجعتم عن الإِسلام إلى الكفر.

{ كتاباً مؤجلاً }: كتب تعالى آجال الناس مؤقتة بمواقيتها فلا تتقدم ولا تتأخر.

{ ثواب الدنيا }: الثواب: الجزاء على النية والعمل معاً، وثواب النيا الرزق وثواب الآخرة الجنة.

{ الشاكرين }: الذين ثبتوا على إسلافهم فاعتبر ثباتهم شكراً لله، وما يجزيهم به هو الجنة ذات النعيم المقيم، وذلك بعد موتهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق متعلقاً بغزوة أحد فأنكر تعالى على المؤمنين ظنهم أنهم بمجرد ايمانهم يدخلون الجنة بدون أن يبتلوا بالجهاد والشدائد تمحيصاً وإظهاراً للصادقين منهم في دعوى الإِيمان والكاذبين فيها، كما يظهر الصابرين الثابتين والجزعين المرتدين فقال تعالى { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } ثم عابهم تعالى على قلة صبرهم وانهزامهم في المعركة مذكراً إياهم بتمنيات الذي لم يحضروا وقعة بدر، وفاتهم فيها ما حازه من حضرها من الأجر والغنيمة بأنهم إذا قُدر لهم قتال في يوم ما من الأيام يبلون فيها البلاء الحسن فلا قدر تعالى ذلك لهم في وقعة أحد جزعوا وما صبروا وفروا منهزمين فقال تعالى: { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون } أي فلم انهزمتم وما وفيتم ما واعدتم أنفسكم به؟ هذا ما تضمنته الآيتان الأولى (142)، والثانية (143) وأما الآية الثالثة (144) فقد تضمنت عتاباً شديداً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما اشتدت المعركة وحمي وطيسها واستحر القتل في المؤمنين نتيجة خلو ظهورهم من الرماة الذين كانوا يحمونهم من ورائهم وضرب ابن قميئة -أقمأة الله- رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر في وجهه فشجه وكسر رباعيته، وأعلن أنه قتل محمداً فانكشف المسلمون وانهزموا، وقال من قال منهم لم نقاتل وقد مات رسول الله، وقال بعض المنافقين نبعث إلى ابن أبي رئيس المنافقين يأتي يأخذ لنا الأمان من أبي سفيان، ونعود إلى دين قومنا!! فقال تعالى: { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } وما دام رسولاً كغيره من الرسل، وقد مات الرسل قبله فلم ينكر موته، أو يندهش له إذاً؟ بعد تقرير هذه الحقيقة العليمة الثابتة أنكر تعالى بشدة على أولئك الذين سمعو صرخة إبليس في المعركة (قتل محمد) ففروا هاربين إلى المدينة، ومنهم نم أعلن ردته في صراحة وهم المنافقون فقال تعالى: { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبية فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين } فعاتبهم منكراً على المنهزمين والمرتدين من المنافقين ردتهم، وأعملهم أن ارتداد من ارتد أو يرتد لن يضر الله تعالى شيئاً فالله غنّي عن إيمانهم ونصرهم، وأنه تعالى سيجزي الثابتين على إيمانهم وطاعة ربهم ورسوله صلى الله عليه وسلم سيجزيهم دنيا وآخرة بأعظم الأجور وأحسن المثوبات.

هذه ما تضمنته الآية الثالثة أما الآية الرابعة (145) فقد تضمنت حقيقتين علميتين: الأولى: أن موت الإِنسان متوقف حصوله على إذن الله خالقه ومالكه فلا يموت أحد بدون علم الله تعالى بذلك فلم يكن لملك الموت أن يقبض روح إنسان قبل إذن الله تعالى له بذلك، وشيء آخر وهو أن موت كل إنسان قد ضبظ تاريخ وفاته باللحظة فضلاً عن اليوم والساعة، وذلك في كتاب خص فليس من الممكن أن يتقدم أجل إنسان أو يتأخر بحال من الأحوال، هذه حقيقة يجب أن تعلم، من قول الله تعالى: { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً }.

والثانية: أن من دخل المعركة يقاتل باسم الله فإن كان يريد بقتاله ثواب الدنيا فلله عز ولا يؤتيه من الدنيا ما قدره له، وليس له من ثواب الآخرة شيء، وإن كان يريد ثواب الآخرة لا غير فالله عز وجل يعطيه في الدنيا ما كتب له ويعطيه ثواب الآخرة وهو الجنة وما فيها من نعيم مقيم وأن الله تعالى سيجزي الشاكرين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. هذه الحيقة التي تضمنها قوله تعالى: { ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الله الشاكرين }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- الابتلاء بالتكاليف الشرعية الصعبة منها والسهلة من ضروريات الإِيمان.

2- تقرير رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبشريته المفضلّة، ومَوْتَتِه المؤلمة لكل مؤمن.

3- الجهاد وخوض المعارك لا يقدم أجل العبد، والفرار من الجهاد لا يؤخره أيضاً.

4- ثواب الأعمال موقوف على نية العاملين وحسن قصدهم.

5- فضيلة الشكر بالثبات على الإِيمان والطاعة لله ورسوله في الأمر والنهي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران   سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 4:24 pm


{ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } * { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } * { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

شرح الكلمات:

{ وكأيّن من نبي }: كثير من الأنبياء. وتفسر كأين بكم وتكون حينئذ للتكثير.

{ ربيّون }: ربانيون علماء وصلحاًء وأتقياء عابدون.

{ فما وهنوا لما أصابهم }: ما ضعفوا عن القتال ولا انهزموا لأجل ما أصابهم من قتل وجراحات.

{ وما استكانوا }: ما خضعوا ولا ذلوا لعدوهم.

{ الإِسراف }: مجاوزة الحد في الأمور ذات الحدود التي ينبغي أن يوقف عندها.

{ فآتاهم الله ثواب الدينا }: أعطاهم الله تعالى ثواب الدنيا النصر والغنيمة.

{ المحسنين }: الذين يحسنون نياتهم فيخصلون أعمالهم لله، ويحسنون أعماله فيأتون بها موافقة لما شرعت عليه في كيفياتها وأعدادها وأوقتها.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن أحداث غزوة أحد فذكر تعالى هنا ما هو فى تمام عتابه للمؤمنين في الآيات السابقة عن عدم صبرهم وانهزامهم وتخليهم عن نبيهم في وسط المعركة وحده حتى ناداهم: إليّ عباد الله إليّ عباد الله فثاب إليه رجال. فقال تعالى مخبراً بما يكون عظة للمؤمنين وعبرة لهم: { وكأيّن من نبي } أي وكم من نبي من الأنبياء السابقين قاتل معه جموع كثيرة من العلماء والاتقياء والصالحين فما وهنوا أي ما ضعفوا ولا ذلوا لعدوهم ولا خضعوا له كما همّ بعضكم أن يفعل أيها المؤمنون، فصبروا على القتال مع انبيائهم متحملين آلام القتل والجرح فأحبهم ربهم تعالى لذلك أنه يحب الصابرين.

هذا ما تضمنته الآية الأولى (146) ونصها: { وكأيّن من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم، وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين } وأما الآي الثانية فأخبر تعالى فيها عن موقف أولئك الربيين وحالهم اثناء الجهاد في سبيله تعالى فقال: { وما كان قولهم إلا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين }. ولازم هذا كأنه تعالى يقول للمؤمنين لم لا تكون أنتم مثلهم وتقولواْ قولتهم الحسنة الكريمة وهى الضراعة لله تعالى بدعائه واستغفاره لذنوبهم الصغيرة والكبيرة والتى كثيراً ما تكون سبببا للهزائم والانتكاسات كما حصل لكم أيها المؤمنون فلم يكن لأولئك الربانيين من قول سوى قولهم ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، فسألوا لله مغفرة ذنوبه وتثبيت أقدامهم فى أرض المعركة حتى لا يتزلزلوا فينهزموا والنصرة على القوم الكافرين أعداء الله وأعدائهم فاستجاب لهم ربهم فأعطاهم ما سألوا وهو ثواب الدنيا بالنصر والتمكين وحسن ثواب الآخرة وهى رضوانه الذى أحله عليهم وهم فى الجنة دار المتقين والأبرار هذا ما لت عليه الآية الأخيرة (148) { فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثوب الآخرة، والله يحب المحسنين }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- الترغيب في الائتساء بالصالحين في إيمانه وجهادهم وصبرهم وحسن أقوالهم.

2- فضيلة الصبر الإِحسان، لحب الله تعالى الصابرين والمحسنين.

3- فضيلة الاشتغال بالذكر والدعاء عن المصائب والشدائد بدل اتأوهات وإبداء التحسرات والتمنيات، وشر من ذلك التسخط والتضجر والبكاء والعويل.

4- كرم الله تعالى المتجلي في استجابة دعاء عباده الصابرين المحسنين.

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } * { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ }

شرح الكلمات:

{ إن تطيعوا الذين كفروا }: المراد من طاعة الكافرين قبول قولهم والأخذ بارشاداتهم.

{ يردوكم على أعقابكم }: يرجعوكم الى الكفر بعد الإِيمان.

{ خاسرين }: فاقدين لكل خير في الدنيا، ولأنفسكم واهليكم يوم القيامة.

{ بل الله مولاكم }: بل اطيعوا لله ربكم ووليكم ومولاكم فإنه خير من يطاع واحق من يطاع.

{ الرّعب }: شدة الخوف من توقع الهزيمة والمكروه.

{ مأواهم }: مقر إيوائهم ونزولهم.

{ مثوى }: المثوى مكان الثوى وهو الإِقامة الاستقرار.

{ الظالمين }: المشركين الذين اطاعوا غير الله تعالى وعبدوا سواه.

معنى الآيات:

ما زال السياق في احداث غزوة أحد فقد روى أن بعض المنافقين لما رأى هزيمة المؤمنين فى أحد قال في المؤمنين ارجعوا الى دينكم وإخوانكم ولو كان محمد نبياً لما قتل إلى آخر من شأنه أن يقال في تلك الساعة الصعبة من الاقتراحات التي قد كشف عنها هذا النداء الإِلهي للمؤمنين وهو يحذرهم من طاعة الكافرين بقوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين } فلا شك أن الكافرين قد طالبوا المؤمنين بطاعتهم بتنفيذ بعض الاقتراحات التى ظاهرها النصح وباطنها الغش والخديعة، فنهاهم الله تعالى عن طاعتهم في ذلك وهذا النهي وإن نزل فى حالة خاصة فإنه عام في يأمرون به أو يقترحونه، ومن أطاعهم ردّوه عن دينه إلى دينهم فينقلب: يرجع خاسراً في دنياه وآخرته، والعياذ بالله هذا ما تضمنته الآية الأولى (149) وأما الآية الثانية (150) فقد تضمنت الأمر بطاعته تعالى، إذ هو أولى بذلك لأنه ربهم ووليهم ومولاهم فهو أحق بطاعتهم من الكافرين فقال تعالى: { بل الله مولاكم } فاطيعوه، ولا تطيعوا اعداءه وان اردتم أن تطلبوا النصر بطاعة الكافرين فان الله تعالى خير الناصرين فاطلبوا النصر منه بطاعته فإنه ينصركم وفي الآية الثالثة (151) لما امتثل المؤمنون ربهم فلم يطيعوا الكافرين وعدهم ربهم سبحانه وتعالى بأنه سيلقى في قلوب الكافرين الرعب وهو الخوف والفزع والهلع حتى تتمكنوا من قتالهم والتغلب عليه وذلك هو النصر المنشود منكم، وعلل تعالى فعله ذلك بالكافرين بأنهم اشكروا به تعالى آلهة عبدوها معه لم ينزل بعبادتها حجة ولا سلطاناً وقال تعالى: { سنلقى في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشكروا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأخيراً مأواهم النار تاى محل اقامتهم النار، وذم تعالى الإِقامة فى النار فقال ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين، يريد النار بئس المقام للظالمين وهم المشركون.

هداية الآيات

{ من هداية الآيات }:

1- تحرم طاعة الكافرين فى حال الاختيار.

2- بيان السر فى تحريم طاعة الكافرين وهو أنه يترتب عليها الردة والعياذ بالله.

3- بيان قاعدة من طلب النصر من غير الله أذلة الله.

4- وعد الله المؤمنين بنصرهم بعد القاء الرعب في قلوب أعدائهم، إذ هم أبو سفيان بالعودة الى المدينة بعد إنصرافه من أحد ليقضىَ عمن بقى فى المدينة من الرجال كذا سولت له نفسه، ثم ألقى الله تعالى في قلبه الرعب فعدل عن الموضوع بتدبير الله تعالى.

5- بطلان كل دعوى ما لم يكن لأصحابها حجة وهي المعبر عنها بالسلطان في الآية إذ الحجة يثبت بها الحق ويناله صاحبه بواسطتها.

{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِيۤ أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاًً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

شرح الكلمات:

{ صدقكم الله وعده }: أنجزكم ما وعدكم على لسان رسوله بقوله للرماة اثبتوا اماكنكم فإنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم.

{ تحسونهم }: تقتلونهم إذ الحس القتل يقال حسه اذا قتله فابطل حسّه.

{ بإذنه }: بإذنه لكم في قتالهم وبإعانته لكم على ذلك.

{ فشلتم }: ضعفتم وجبنتم عن القتال.

{ تصعدون }: تذهبون في الأرض فارين من المعركة يقال أصعد إذا ذهب فى صعيد الأرض.

{ ولا تلوون على أحد }: لا تلوون رؤوسكم على احد تلتفتون إليه.

{ والرسول يدعوكم فى اخراكم }: أي يناديكم من خلفكم الّى عباد الله ارجعوا الّى عباد الله ارجعوا.

{ فأثابكم غما بغم }: جزاكم على معصيتكم وفراركم غماً على غم. والغم الم النفس وضيق الصدر. { ما فاتكم }: من الغنائم.

{ ولا ما أصابكم }: من الموت والجراحات والآلام والاتعاب.

معنى الآيات:

ما زال السياق في أحداث احد فقد تقدم فى السياق قريبا نهى الله تعالى المؤمنين عن طاعة الكافرين فى كل ما يقترحون، ويشيرون به عليهم. ووعده بأنه سليقى الرعب فى قلوب الكافرين وقد فعل فله الحمد حيث عزم ابو سفيان على أن يرجع الى المدينة ليقتل من بها ويستأصل شأفتهم فأنزل الله تعالى في قلبه وقلوب اتباعه الرعب فعدلوا عن غزو المدينة مرة ثانية وذهبوا الى مكة. ورجع الرسول والمؤمنون من حرماء الأسد ولم يلقوا أبا سفيان وجيشه. وفى هاتين الآيتين يخبرهم تعالى بمنته عليهم حيث انجزهم منا وعدهم من النصر فقال تعالى: { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه } ، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بوأ الرماة مقادهم. وكانوا ثلاثين رامياً وعل عليهم عبد الله بن جبير أمرهم بأن لا يبرحوا أماكنهم كيفما كانت الحال وقال لهم: " إن لا نزال غالبين ما بقيتم فى أماكنكم ترمون العدو فتحمون ظهورنا بذلك " وفعلاً دارت المعركة وانجز الله تعالى لهم وعده ففر المشركون امامهم تاركين كل شىء هاربين بأنفسهم والمؤمنون يحسونهم حسَّاً أي يقتلونهم قتلا بإذن الله وتأييده لهم ولما رأى الرماة هزيمة المشركين والمؤمنون يجمعون الغنائم قالوا: ما قيمة بقائننا هنا والناس يغنمون فهَيَّا بنا ننزل الى ساحة المعركة لنغنم، فذكرهم عبد الله بن جبير قائدهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأولوه ونزلوا الى ساحةالمعركة يطلبون الغنائم، وكان على خيل المشركين خالد بن الوليد فلما رأى الرماة أَخْلَوْا مراكزهم الا قليلا منهم كرَّ بخيله عليهم فاحتل اماكنهم وقتل من بقى فيها، ورمى المسلمين من ظهورهم فتضعضوا لذلك فعاد المشركون اليهم ووقعوا بين الرماة الناقمين والمقاتلين الهائجين فوقعت الكارثة فقتل سبعون من المؤمنين ومن بينهم حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم فى وجهه وكسرت رباعيته وصاح الشيطان قائلا ان محمداً قد مات وفر المؤمنون من ميدان المعركة الا قليلا منهم وفى هذا يقول تعالى: { حتى اذا فشلتم وتنازعتم فى الأمر } ، يريد تنازع الرماة مع قائدهم عبد الله بن جبير حيث نهاهم عن ترك مقاعدهم وذكرهم بأمر رسول الله فنازعوه فى فهمه وخالفوا الأمر ونزلوا، وكان ذلك بعد أن رأوا إخوانهم قد انتصروا واعداءهم قد انهزموا، وهو معنى قوله تعالى: { وعصيتم بعدما أراكم ما تحبون } أي من النصر { منكم من يريد الدنيا } وهم الذين نزلوا الى الميدان يجمعون الغنائم، { ومنكم من يريد الآخرة } وهم عبد الله بن جبير والذين صبروا معه فى مراكزهم حتى استشهدوا فيها وقوله تعالى { ثم صرفكم عنهم ليبتليكم } وذلك اخبار عن ترك القتال لما أصابهم من الضعف حينما رأوا أنفسهم محصورين بين رماة المشركين ومقاتليهم فأصعدوا فى الوادي هاربين بأنفسهم، وحصل هذا بعلم الله تعالى وتدبيرة، والحكمة فيه أشار إليها تعالى بقوله: { ليبتليكم } أي يختبركم فيرى المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، والصابر من الحزع، وقوله تعالى { ولقد عفا عنكم } يريد انه لو شاء يؤاخذهم بمعصيتهم امر رسولهم فسلط عليهم المشركين فقتولهم أجمعين ولم يُبقوا منهم أحداً إذ تمكنوا، منهم تماما ولكن الله سلم.

هذا معنى { ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين } هذا ما تضمنته الآية الأولى (152) أما الآية الثانية (153) فهى تصور الحال التى كان عليها المؤمنون بعد حصول الانكسار والهزيمة فيقول تعالى { إذ تصعدون } أى عفا عنكم فى الوقت الذى فررتم مصعدين فى الأودية هاربين من المعركة والرسول يدعوكم من ورائكم نالىّ عباد الله ارجعوا، وأنتم فارون لا تلوون على أحد، أل لا تلتفتوا إليه.وقوله تعالى: { فأثابكم غماً بغم } يريد جزاكم على معصيتكم غماّ والغم ألم النفس لضيق الصدر وصعوبة الحال. وقوله بغم أى على غم، وسبب الغم الأولى فوات النصر والغنيمة والثانى القتل والجراحات وخاصة جراحات نبيّهم، وإذاعة قتله صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: { لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم } أي ما أصابكم بالغم الثانى الذى هو خبر قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر والغنيمة، ولا على ما أصابكم من القتل والجراحات فأنساكم الغم الثانى ما غمكم به الغم الأولى الذى هو فوات النصر والغنيمة. وقوله { والله خبير بما تعملون } يخبرهم تعالى أنه بكل ما صل منهم من معصية وتنازع وفرار، وترك للنبى صلى الله عليه وسلم في المعركة وحده وانهزامهم وحزنم خبير مطلع عليه عليهم به وسيجزى به المحسن بإحسانه والمسيىء بإساءته او يعفوا عنه، والله عفو كريم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- مخالفة القيادة الرشيدة والتنازع في حال الحرب يسبب الهزيمة المنكرة.

2- معصية الله ورسوله والاختلافات بين أفراد الأمة تعقب آثاراً سيئة أخفها عقوبة الدنيا بالهزائم وذهاب الدولة السلطان.

3- ما من مصيبة تصيب العبد إلاّ وعند الله ما هو أعظم منها فلذا يجب حمد الله تعالى على أنها لم تكن أعظم.

4- ظاهر هزيمة أحد النقمة وباطنها النعمة، وبيان ذلك أَنْ عَلِمَ المؤمنون ان النصر والهزيمة يتمان حسب سنن إليهة فما أصبحوا بعد هذه الحادثة المؤلة يغفلون تلك السنن أو يهملونها.

5- بيان حقيقة كبرى وهى ان معصية الرسول صلى الله عليه وسلم مرة واحدة في واحد ترتب عليها آلام وجراحات وقتل وهزائم وفوات خير كبير وثير فكيف بالذين يعصون رسول الله طوال حياتهم وفى كل أوامره ونواهيه وهم يضحكون ولا يبكون، وآمنون غير خائفين.

{ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

شرح الكلمات:

{ أمنة نعاسا }: الأمنة: الأمن، والنعاس: استرخاء يصيب الجسم قبل النوم.

{ يغشى طائفة منكم }: يُصيب المؤمنين ليستريحوا ولا يصيب المنافقين.

{ أهمتهم أنفسهم }: أي لا يفكرون إلا في نجاة أنفسهم غير مكترثين بما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

{ ظن الجاهلية }: هو اعتقادهم ان النبيّ قتل أو أنه لا ينصر.

{ هل لنا من الأمر }: أي ما لنا من الأمر من شيء.

{ ما لا يبدون لك }: أي مالا يظهرون لك.

{ لبرز الذين }: لخرجوا من المدينة ظاهرين ليلقوا مصارعهم هناك.

{ كتب عليهم القتل }: يريد كتب في كتاب المقادير أي اللوح المحفوظ.

{ مضاجعهم }: جمع مضجع وهو مكان النوم والاضطجاع والمراد المكان الذي صرعوا فيه قتلى.

{ ليبتلى }: ليختبر.

{ وليمحص }: التمحيص: التمييز وهو إظهار شيء من شيء كإظهار الإِيمان من النفاق، والحب من الكره.

{ استزلهم الشيطان }: أوقعهم فى الزلل وهو الخطيئة والتي كانت الفرار من الجهاد.

معنى الآيتين:

ما زال السياق فى الحديث عن غزوة أحد فأخبر تعالى في ألآية الأولى (153) عن أمور عظام الأولى أنه تعالى بعد الغم الذى أصاب به المؤمنين أنزل على أهل اليقين خاصة أمناً كاملا فذهب الخوف عنهم حتى أن أحدهم لينام والسيف في يده فيسقط من يده ثم يتناوله قال تعالى: { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أَمَنَةً نعاساً يغشى طائفة منك } والثانى ان أهل الشك والنفاق حرمهم الله تعالى من تلك الأمنة فما زال الخوف يقطع قلوبهم والغم يُسَيْطر على نفسوهم وهم لا يفكرون إلا فى أنفسهم كيف ينجون من الموت وهم المعنيون بقوله تعالى { وطائفة قد أهمتهم أنفسهم } والثالث ان الله تعالى قد كشف عن سرائرهم فقال يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، والمرا من ظنهم بالله غير الحق ظن المشركين أنهم يعتقدون أن الإِسلام باطل وأن محمداً ليس رسولاً، وان المؤمنين سينهزمون ويموتون وينتهى الاسلام ومن يدعوا إليه. والرابع أن الله تعالى قد كشف سرهم فقال عنهم: { يقولون هل لنا من الأمر من شيء } هذا القو قالوه سراً فيما بينهم، ومعناه ليس لنا من الأمر من شيء ولو كان لنا ما خرجنا ولا قاتلنا ولا أصابنا الذي أصابنا فأطلعه الله تعالى سرهم وقال له: رد عليهم بقولك: إن الأمر كله لله. ثم هتك تعالى مرة أخرى سترهم وكشف سرهم فقال: يخفو فى أنفسهم ما لا يبدون لك أي يخفون فى أنفسهم من الكفر الغض والعداء لك ولأصحابك ما لا يظهرونه لك. والرابع لما تحدث المنافقون فى سرهم وقالوا لو كان لنا من الأمر من شيء ما قتلنا ها هنا: يريدون لو كان الأمر بأيدهم ما خرجوا لقتال المشركين لأنهم إخوانهم فى الشرك والكفر، ولا قتلوا مع من قتل فى أحد فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله: قل لو كنتم في بيوتكم بالمدينة لبز أي ظهر الذين كتب عليهم القتل الى مضاجهم وصرعوا فيها واتوا، لأن ا قدره الله نافذ على كل حال، ولا حذر مع القدر.

ولا بد أن يتم خروجكم لى أحد بتدبير الله تعالى لبتلى الله أي يمتحن ما في صدوركم ويميز ما في قلوبكم فيظهر ما كان غيباً لا يعلمه إلا هو الى عالم المشاهدة ليعلمه ويراه على حقيقته رسول والمؤمنون، وهذا لعلم الله تعالى بذات الصور. هذا معنى قوله تعالى: { قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم، وليبتلى الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور }.

هذا ما تضمنته الآية الأولى أما الآية الثانية (154) فقد تضمنت إخبار الله تعالى عن حقيقة واحدة ينبغي أن تعلم وهي أن الذين فرّوا من المعركة لما اشتد القتال وعظم الكرب الشطيان هو الذي أوقعهم في هذه الزلة وهي توليّهم عن القتال بسبب بعض الذنوب كانت لهم، ولذا عفا الله عنهم ولم يؤاخذهم بهذه الزلة، وذلك لأن الله غفور حليم فلذا يمهل عبده حتى يتوب فيتوب عليه ويغفر له ولو لم يكن حليما لكان يؤاخذ لأول الذنب والزلة فلا يمكن أحداً من التوبة والنجاة. هذا معنى قوله تعالى: { إن الذين تولوا منكم } أي عن القتال، يوم التقى الجمعان أي جمع المؤمنين وجمع الكافرين بأحد. إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا، ولقد عفا الله عنهم فلم يؤاخذهم إن الله غفور حليم.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- إكرام الله تعالى لأوليائه بالأمان الذى أنزله في قلوبهم.

2- إهانة الله تعالى لأعدائه بحرمانهم ما أكرم به اولياءه وهم فى مكان واحد.

3- تقرير مبدأ القضاء والقدر، وأن من كتب موته فى مكان لا بد وأن يموت فيه.

4- أفعال الله تعالى لا تخلو ابداً من حكم عالية فيجب التسليم لله تعالى والرضا بأفعاله في خلقه.

5- الذنب يولد الذنب، والسيئة تتولد عنها سيئة أخرى فلذا وجبت التوبة من الذنب فوراً.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ }

شرح الكلمات:

{ آمنوا }: صدقوا الله ورسوله فيما أخبرا به من وعد ووعيد.

{ إخوانهم }: هذه أخوة العقدية لا أخوة النسب وهى هنا أخوة النفاق.

{ ضربوا فى الأرض }: ضربوا فى الأرض بأقدامهم مسافرين للتجارة غالبا.

{ غزى }: جمع غازٍ وهو من يخرج لقتال ونحوه من شؤون الحرب.

{ الحسرة }: ألم يأخذ بخناق النفس بسبب فوت مرغوب أو فقد محبوب.

معنى الآيات:

ما زال السياق فى أحداث غزوة أحد ونتائجها المختلفة ففي هذه الآية (156) ينادى الله المؤمنين الصاقين في إيمانهم بالله ورسوله ووعد الله تعالى ووعيده يناديهم لينهاهم عن الاتصاف بصفات الكافرين النفسية ومن ذلك قول الكافرين لإِخوانهم فى الكفر إذا هم ضربوا فى الأرض لتجارة أو لغزو فمات من مات منهم أو قتل من قتل بقضاء الله وقدره، لو كانوا عندنا أى ما فارقونا وبقوا في ديارنا وماتوا وما قتلوا وهذا دال على نفسية الجهل ومرض الكفر، وحسب سنة الله تعالى فإن هذا القول منهم يتولد، لهم عنه بإذنه تعالى غم نفسي وحسرات قلبية تمزقهم وقد تودى بحياتهم، وما درى أولئك الكفرة الجهال أن الله يحيى ويميت، فلا السفر ولا القتال يميتان، ولا القعود في البيت جبناً وخوراً يحيى هذا معنى قوله تعالى في هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإِخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزىً لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم، والله يحيى ويميت } وقوله تعالى في ختام هذه الآية: { والله بما تعملون بصير } فيه وعد للمؤمنين إن انتهوا عما نهاهم عنه في الآية ووعيد ان لم ينتهوا فيجزيهم بالخير خيراً، وبالشر إن لم يعف شراً. أما الآية الثانية (157) فإن الله تعالى يبشر عباده المؤمنين مخبراً إياهم بأنهم إن قتلوا في سبيل الله أو ماتوا فيه يغفر لهم ويرحمه وذلك خير مما يجمع الكفار من حطام الدنيا ذلك الجمع للحطام الذي جعلهم يجبنون عن القتال والخروج فى سبيل الله قال تعالى: { ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الهل ورحمة خير مما يجمعون } وفي الآية الثالثة (158) يؤكد تلك الخيرية التى تضمنتها الآية السابقة فيقول: { ولئن متم أو قتلتم } فى سبيلنا { لإِلى الله تحشرون } حتما، وثم يتم لكلم جزاؤنا على استشهادكم وموتكم في سبيلنا، ولنعم ما تجزون به فى جوارنا الكريم.

هداية الآيات:

1- حرمة التشبه بالكفار ظاهراً وباطناً.

2- الندم يولد الحسرات والحسرة غم وكرب عظيمان، والمؤمن يدفع ذلك بذكره القضاء والقدر فلا يأسى على ما فاته ولا يفرح بما آتاه من حطام الدنيا.

3- موتة فى سبيل الله خير من الدنيا وما فيها.

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } * { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

شرح الآيتين:

{ لنت لهم }: كنت رفيقا بهم تعاملهم بالرفق واللطف.

{ فظا }: خشنا فى معاملتك شرسا فى اخلاقك وحاشاه صلى الله عليه وسلم.

{ انفضوا }: تفرقوا وذهبوا تاركينك وشأنك.

{ فاعف عنهم }: يريد إن زلوا أو أساءوا.

{ وشاورهم فى الأمر }: اطلب مشورتهم في الأمر ذى الأهمية كمسائل الحرب والسلم.

معنى الآيتين:

ما زال السياق فى الآداب والنتائج المترتبة على غزوة أحد ففي هذه الآية (159) يخبر تعالى عما وهب رسوله من الكمال الخلقى الذى هو قوام الأمر فيقول: { فبما رحمة من الله } أي فبرحمة من عندنا رحمناهم بها لنت لهم، { ولو كنت فظاً } أي قاسيا جافاً جافيا قاسى القلب غليظه { لانفضوا من حولك } أي تفرقوا عنك، وحرموا بذلك سعادة الدارين.

وبناء على هذا فاعف عن مسيئهم، واستغفر لمذنبهم، وشاور ذوى الرأى منهم، وإذا بدا لك رأي راجح المصلحة فاعزم على تنفيذه متوكلا على ربك فإنه يحب المتوكلين، والتوكل الإِقدام على فعل ما أمر الله تعالى به أو أذن فيه بعد إحضار الأَسباب الضرورية له. وعدم التكفير فيما يترتب عليه بل يفوض أمر النتائج إليه تعالى.

هذا ما تضمنته الآية الأولى اما الآية الثانية (160) فقد تضمنت حقيقة كبرى يجب العلم بها والعمل دائما بمقتضاها وهى النصر بيد الله، والخذلان كذلك فلا يطلب نصر إلا منه تعالى، ولا يرهب خذلانه تعالى يكون بطاعته والتوكل عليه هذا ما دل عليه قوله تعالى في هذه الآية { إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وان يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده، وعلى الله فليتوكل المؤمنون }.

هداية الآيتين:

من هداية الآيتين:

1- كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلقى.

2- فضل الصحابة رضوان الله عليهم وكرامتهم على ربهم سبحانه وتعالى.

3- تقرير مبدأ المشورة بين الحاكم وأهل الحل والعقد في الأمة.

4- فضل العزيمة الصادقة بالتوكل على الله تعالى.

5- طلب النصر من غير الله خذلان، والمنصور من نصره الله، والمخذول من خذله الله عز وجل.

{ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }

شرح الكلمات:

{ أن يغلَّ }: أي يأخذ من الغنيمة خفية، إذ الغلُّ والغلول بمعنى السرقة من الغنائم قبل قسمتها.

{ توفى }: تجزى ما كسبته في الدنيا وافياً تاماً يوم القيامة.

{ رضوان الله }: المراد ما يوجب رضوانه من الإِيمان والصدق والجهاد.

{ وسخط الله }: غضبه الشديد على الفاسقين عن أمره المؤذين لرسوله صلى الله عليه وسلم.

{ مَنَّ }: أنعم وتفضل.

{ رسولا من أنفسهم }: هو محمد صلى الله عليه وسلم.

{ يزكيهم }: بما يرشدهم إليه من الأعمال الصالحة الأخلاق الفاضلة والآداب العالية.

{ الحكمة }: كل قول صالح نافع أبداً ومنه السنة النبوية.

معنى الآيات:

الغل والغلول والاغلال بمعنى واحد وهو أخذ المرء شيئاً من الغنائم قبل قسمتها وما دام السياق في غزوة أحد فالمناسبة قائمة بين الآيات السابقة وهذه، ففي الآية الأولى (161) ينفى تعالى أن يكون من شأن الأنبياء أو مما يتأتى صدوره عنه الإِغلال وضمن تلك أن أتباع الأنبياء يحرم عليهم أن يغلوا، ولذا قرىء في السبع أن يُغَل بضم الياء وفتح الغين أي يفعله اتباعه بأخذهم من الغنائم بدون إذنه. هذا معنى قوله تعالى: وما كان لنبيّ أن يغل } ثم ذكر تعالى جزاء وعقوبة من يفعل وقال: { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثمتوفى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون } فأخبرهم تعالى أن من أغل شيئاً يأت به يوم القيامة يحمله حتى البقرة والشاة كما يُبِينَ ذلك في الحديث، ثم يحاسب عليه كغيره ويجزى به، كما تجزى كل نفس بما كسبت من خير أو شر ولا تظل نفس شيئاً لغنى الرب تعالى عن الظلم وعدله. نهذا مضمون الآية الأولى أما الثانية (162) ينفي تعالى أن تكون حال المتبع لرضوان الله تعالى بالإِيمان به ورسوله وطاعتهما بفعل الأمر واجتناب النهى، كحال المتبعلسخط الله تعالى بتكذيبه تعالى وتكذيب رسوله ومعصيتهما بترك الواجبات وفعل المحرمات فكانت جهنم مأواه، وبئس المصير جهنم. هذا معنى قوله تعالى: { أفمن اتبع رضوان الله، كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير } ثم ذكر تعالى أن كلاً من أهل الرضوان، وأصحاب السخط متفاوتون في درجاتهم عند الله، بسب أثر أعمالهم في نفوسهم قوة وضعفاً فقال: { هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون } ، فدل ذلك على عدالة العليم الحكيم. هذا ما دلت عليه (163) أما الآية الآخيرة (164) فقد تضمنت امتنان الله تعالى على المؤمنين منالعرب ببعثه رسوله فيهم، يتلو عليهم آيات الله فيؤمنون ويكملون في إيمانهم ويزكيهم من أوضار الشرك وظلمة الكفر بما يهديهم به، ويدعوهم إليه من الإِيمان وصالح الأعمال وفاضل الأخلاق وسامى الآداب، ويعلمهم الكتاب المتضمن للشرائع والهدايات والحكمة التى هى فهم أسرار الكتاب،والسنة، وتتجلى هذه النعمة أكثر لمن يذكر حال العرب في جاهليتهم قبل هذه النعمة العظيمة عليهم هذا معنى قوله تعالى في الآية الأخيرة: { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا قبل لفي ضلال مبين }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- تحريم الغلول وأنه من كبائر الذنوب.

2- طلب رضوان الله واجب، وتجنب سخطه واجب كذلك، والأولى يكون بالإِيمان وصالح الأعمال والثاني يكون بترك الشرك والمعاصي.

3- الاسلام أكبر نعمة وأجلها على المسلمين فيجب شكرها بالعمل به والتقيد بشرائعه وأحكامه.

4- فضل العلم بالكتاب والسنة.

{ أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } * { ٱلَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

شرح الكلمات:

{ المصيبة }: إحدى المصائب: ما يصيب الإِنسان من سوء وأسوأها مصيبة الموت.

{ مثليها }: ضعفيها اذ قتلوا في بدر سبعين من المشركين وأسروا سبعين.

{ أنى هذا }؟: أي من أين أتانا هذا الذي من القتل والهزيمة.

{ فبإذن الله }: أي بإرادته تعالى وتقديره بربط المسببات بأسبابها.

{ نافقوا }: أظهروا من الإِيمان ما لا يبطنون من الكفر.

{ أو ادفعوا }: أي ادفعوا العدوعن دياركم وأهليكم وأولادكم، ان لم تريدوا ثواب الآخرة.

{ ادرأوا }: أي ادفعوا.

{ إن كنتم صادقين }: في دفع المكروه بالحذر.

معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في أحداث غزوة أحد ففي الآية الأولى: ينكر الله تعالىعلى المؤمنين قولهم بعد أن أصابتهم مصيبة القتل والجراحات والهزيمة: { إنى هذا } أي من أي وجه جاءت هذه المصيبة ونحن مسلمون ونقاتل في سبيل الله ومع رسوله؟ فقال تعالى: { أولما أًابتكم مصيبة } بأحد قد أصبتم مثليها ببدر لأن ما قتل من المؤمين بأحد كان سبعين، وما قتل من المشركين ببدر كان سبعين قتيلا وسبعين أسيراً، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُجيبهم: قل هو من عند أنفسكم، وذلك بمعصيتكم لرسول الله حيث خالف الرماة أمره، وبعدم صبركم إذ فررتم من المعركة تاركين القتال. وقوله { إن الله على كل شيء قدير } إشعار بأن الله تعالى أصابهم بما أصابهم به عقوبة لهم حيث لم يطيعو رسوله ولم يصبروا على قتال أعدائه. هذا ما تضمنته الأية الأولى (165) أما الآيات الثلاث بعدها فقوله تعالى: { وما أصابكم يوم التقاء الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين } يخبر تعالى المؤمنين أن ما أصابهم يوم أحد عند التقاء جمع المؤمنين وجمع المشركين في سحاة المعركة كان بقضاء الله وتدبيره، وعلته إظاهار المؤمنين على صورتهم كما هو معلوم له في الغيب وباطن الأمور هذا أولا وثانيا ليعلم الذين نافقوا فأظهروا الإِيمان والولاء لله ولرسوله والمؤمنين ثم أبطنوا الكفر العداء لله ورسوله والمؤمنين فقال عنهم في الآيتين الثالثة (167) والرابعة (168) { وليعلم الذين نافقوا } وهم عبد الله بن ابى بن سلول رئيس المنافقين وعصابته الذين رجعوا من الطريق قبل الوصول إلى ساحة المعركة، وقد قال لهم عبد الله بن حرام والد جابر تعالوا قاتلوا في سبيل الله رجاء ثواب الآخرة، وان لم تريدوا ثواب الآخرة فادفعوا عن أنفسكم واهليكم معرة جيش غاز يريد قتلكم إذ وقوفكم معنا يكثر سوادنا ويدفع عنا خطر العدو الداهم فأجابوا قائلين: لو نعلم قتالاً سيتم لاتبعانكم، فأخبر تعالى عنهم بأنهم في هذه الحال { هم للكفر أقرب منهم للإِيمان } إذ يقولون بألسنتم ما ليس في قلوبهم، { والله أعلم بما يكتمون } حتى من أنفسهم يعلم أنهم يكتمون عداوة الله ورسوله والمؤمنين وارداة السوء بالمؤمنين، وأن قلوبهم مع الكافين الغازين.

ثم أخبر تعالى عنهم أنهم قعدوا عن الجهاد في أحد وقالوا لإِخوانهم في النفاق -وهم فى مجالسهم الخاصة-:- لو أنهم قعدوا فلم يخرجوا كما لم نخرج نحن ما قتلوا. فأمر الله رسولى أن يرد عليهم قائلاً: { فادرءوا } أي ادفعوا عن أنفسكم الموت إذا حضر أجلكم إن كنتم صادقين فى دعواكم أنهم لو قعدوا ما قتلوا.

من هداية الآيات:

1- المصائب ثمرة الذنوب.

2- كل الأحداث التي تتم في العالم سبق بها علم الله، ولا تحدث إلا بإذنه.

3- قدي يقول المرء قولا أو يظن ظنا يصبح به على حافة هاوية الكفر.

4- الحذر لا يدفع القدر.

{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } * { فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

شرح الكلمات:

{ ولا تحسبن }: ولا تظنن.

{ قتلوا }: استشهدوا.

{ أحياء }: يُحسون ويتنعمون في نعيم الجنة بالطعام والشراب.

{ فرحين }: مسرورين.

{ لا خوف عليهم }: لما وجدوا من الأمن التام عن ربهم.

{ ولا هم يحزنون }: على ما خلفوا وراءهم في الدنيا لما نالهم من كرامة في الجنة.

{ يستبشرون }: يفرحون

{ وفضل }: وزيادة.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن غزوة أحد فقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: { ولا تحسبن } أي لا تظنن الذين استشهدوا من المؤمنين في أحد وغيرها أمواتاً لا يحسون ولا يتنعمون بطيب الرزق ولذيذ العيش بل هم أحياء عند ربهم يرزقون أرواحهم في حواصل طير خضر يأكلون من ثمار الجنة ويأوون إلى قناديل معلقة بالعرش. إنهم فرحون بما أكرمهم الله تعالى به، ويستبشرون بإخوانهم المؤمنين الذين خلفوهم في الدنيا على الإِيمان والجهاد بأنهم إذا لحقوا بهم لم يخافوا ولم يحزنوا لأجل ما يصيرون إليه من نعيم الجنة توكرامة الله تعالى لهم فيها. إن الشهداء جميعا مستبشرون فرحون بما ينعم الله عليهم ويزيدهم وبأنه تعالى لا يضيع أجر المؤمنين شهداء وغير شهداء بل يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- الشهداء أحياء والمؤمنون أحياء في الجنة غير أن حياة الشهداء أكمل.

2- الشهداء يستبشرون بالمؤمنين الذين خلفوهم على الإِيمان والجهاد بأنهم اذا لحقوا بهم نالهم من الكرامة والنعيم ما نالهم هم قبلهم.

3- لا خوف ينال المؤمن الصالح إذا مات ولا حزن يصيبه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران   سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 4:26 pm


{ ٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَٱتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } * { فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَانَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } * { إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

شرح الكلمات:

{ استجابوا }: اجابوا الدعوة وقبلوا الأمر.

{ القرح }: ألم الجراحات.

{ أحسنوا }: أعمالهم واقوالهم أتوا بها وفق الشرع واحسنوا الى غيرهم.

{ اتقوا }: ربهم فلم يشركوا به ولم يعصوه فيما أمرهم به أو نهاهم عنه.

{ جمعوا لكم }: جمعوا الجيوش لقتالكم.

{ حسبنا الله }: يكفينا الله ما أرادونا به من الأذى.

{ ونعم الوكيل }: نعم الوكيل الله نوكل إليه أمورنا ونفوضها إليه.

{ انقلبوا }: رجعوا من حمراء الأسد الى المدينة.

{ اولياء الشيطان }: أهل طاعته والاستجابة اليه فيما يدعوهم إليه من الشر والفساد.

معنى الآيات:

ما زال السياق فى أحداث غزوة أحد وما لا بسها من أمور وأحوال والآيات الأربع كلها في المؤمنين الذين حضروا غزوة أحد يوم السبت وخرجوا في طلب أبى سفيان يوم الأحد وعلى رأسهم نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم رأى أن يرفع معنويات أصحابه الذين كُلِموا وهزموا يوم السبت بأحد، وأن يرهب أعداءهُ فأمر مؤذناً يؤذن بالخروج فى طلب أبى سفيان وجيشه، فاستجاب المؤمنين وخرجوا وإن منهم للمكلوم المجروح، وإن أخوين جريحين كان أحدهما يحمل أخاه على ظهره فاذا تعب وضعه فمشى قليل، ثم حمله حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى حمراء الأسد، وألقى الله تعالى الرعب في قلب أبى سفيان فارتحل هارباً إلى مكة، وقد حدث هنا أن معبداً الخزاعى مر مبعسكر أبى سفيان فسأله عن الرسول فأبخره أنه خرج فى طلبكم وخرج معه جيش كبير وكلهم تغيظ عليكم، أنصح لك أن ترحل فهرب برجاله خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأقام الرسول صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد برجاله كذا ليلة ثم عادوا لم يمسسهم سوء وفيهم نزلت هذه الآيات الأربع وهذا نصها:

الآية (172) { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } يريد فى أحد واستجابوا: لبوا نداء الرسول صلى الله عليه وسلم وخرجوا معه فى ملاحقة أبى سفيان، { للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم } ولكل من أحسن واتقى أجر عظيم، ألا وهو الجنة الآية الثانية (173) { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } المراد من الناس القائلين هم نفر من عبد القيس مروا بأبي سفيان وهو عازم على العودة الى المدينة لتصفية المؤمنين بها فى نظره فقال له أبو سفيان أخبر محمداً وأصحابه أنى ندمت على تركهم أحياء بعدما انتصرت عليه وإنى جامع جيوشي وقادم عليهم، والمراد من الناس الذين جمعوا هم أبو سفيان فلما بلغ هذا الخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه زادهم إيماناً فوق إيمانهم بنصر الله تعالى وولايته لهم، وقالوا: حسبنا الله أي يكفينا الله شرهم، ونعم الوكيل الذى يكفينا ما أهممنا ونفوض أمرنا إلى الله.

الآية الثالثة (174) { فانقلبوا } أي رجعوا من حمراء الأسد لأن أبا سفيان القى الله الرُّعْب في قلبه فانهزم وهرب، رجعوا مع نبيهم سالمين فى نعمة الإِيمان والاسلام والنصر، { وفضل } حيث أصبوا تجارة في طريق عودتهم { لم يمسسهم سوءٌ } أى أذى، { واتبعوا رضوان الله } بالاستجابة لما دعاهم الله ورسوله وهو الخروج في سبيل الله لملاحقة أبي سفيان وجيشه. وقوله تعالى: { والله ذو فضل عظيم } وما أفاضه على رسوله كاف فى التدليل عليه الآية الرابعة (175) { إنَّما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين } ، وذلك أن وفد عبد القيس آجره أبو سفيان بكذا حمل من زبيب إن هو خوف المؤمنين منه فبعثه كأنه (طابور) يخذل له المؤمنين إلا أن المؤمنين عرفوا أنها مكيدة وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فنزلت الآية: { إنما ذلكم الشيطان } الناطق على لسان النفر من عبد القيس يخوف المؤمنين من أوليائه أبى سفيان وجمعه، فلا تخافوهم فنهاهم عن الخوف منهم وأمرهم أن يخافوه تعالى فلا يجبُنُوا ويخرجوا الى قتال أبى سفيان وكذلك فعلوا لأنهم المؤمنون بحق رضى الله عنهم أجمعين.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- فضل الإِحسان والتقوىوأنهما مفتاح كل خير.

2- فضل أصحاب رسول الله على غيرهم، وكرامتهم على ربهم.

3- فضل كلمة " حسبنا الله ونعم الوكيل " قالها رسول الله وقالها ابراهيم من قبل فصلى الله عليهما وسلم.

4- بيان أن الشيطان يخوف المؤمنين من أوليائه، فعلى المؤمنين أن لا يخافوا غير ربهم تعالى فى الحياة، فيطيعونه ويعبدونه ويتوكلون عليه، وهو حسبهم ونعم الوكيل لهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران   سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 4:28 pm


{ وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي ٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

شرح الكلمات:

{ الحزن }: غمّ يصيب النفس لرؤية أو سماع ما يسوءه ويكرهه.

{ الكفر }: الكفر تكذيب الله تعالى ورسوله فيما جاء به الرسول وأخبر به.

{ يسارعون }: يبادرون.

{ حظا }: نصيباً.

{ اشتروا الكفر }: اعتاضوا الكفرى عن الايمان.

{ نملى لهم }: الإِملاء: الإِمهال والارخاء بعد البطش بهم وترك الضرب على أيديهم بكفرهم.

{ إثْماً }: الإِثم: كل ضار قبيحِ ورأسه: الكفر والشرك.

معنى الآيات:

ما زال السياق فى أحداث غزوة أحد ففي هذه الآيات الثلاث -وقد كشفت الأحداث عن أمور خطيرة حيث ظهر النفاق مكشوفا لا ستار عليه، وحصل من ألم شديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين -يخاطب الله تعالى رسوله قائلا له: لا يحزنك مسارعة هؤلاء المنافقين فى الكفر، وقال فى الكفر ولم يقل الى الكفر إشارة إلى أنهم ما خرجوا منه اسلامهم كان نفاقا فقط، { إنهم لن يضروا الله شيئا } ، والله يريد أن لا يجعل لهم نصيباً من نعيم الآخرة فلذا تركهم فى كفرهم كلما خرجوا منه عادوا إليه، وحكم عليهم بالعذاب العظيم فقال: { ولهم عذاب عظيم } هذا ما تضمنته الآية الأولى (176). أما الآية الثانية (177) فقد تضمنت حكم الله تعالى على الذين يرتدون بعد إيمانهم فيبيعون الإِيمان بالكفر، ويشترون الضلالة بالهدى حكم عليهم بأنهم لن يضروا الله شيئا من الضرر، ولهم عذاب أليم فقال تعالى: { إن الذين اشتروا الكفر بالإِيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم } والعذاب الأليم هو عذ النار إذ لا آلم ولا أشد إيجاعاً منه.

وأما الآية الثانية (178) فقد تضمنت بطلان حسبان الكافرين أن الله تعالى عندما يمهلهم ويمُدّ فى أعمارهم ولم يعاجلهم بالعذاب أن ذلك خيرٌ لهم، لا، بل هو شر لهم، إذ كلما تأخروا يوما اكتسبوا إثماً فبقدر ما تطول حيتاهم يعظم ذنبهم وتكثر آثامهم، وحينئذ يوبقون ويهلكون هلاكاً لا نظير له قال تعالى: { ولا يحسبن الذين كفروا أنّما نملى لهم خير لأنفسهم، إنما نملى لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين أي ذو إهانة، لأنهم كانوا ذوى كبر وعلو في الأرض وفساد، فلذا ناسب أن يكون فى عذابهم اهاناتٌ لهم.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- لا ينبغى للمؤمن أن يُحزنه كفر كافرٍ ولا فسق فاسق، لأن لك لا يضر الله تعالى شيئاً، وسيجزى الله الكافر والفاسق بعدله.

2- لا ينبغى للعبد أن يغره إمهال الله له، وعليه أن يبادر بالتوبة من كل ذنب إذ ليس هناك إهمال وإنما هو إمهال.

3- الموت للعبد خير من الحياة، لأنه إذا كان صالحاً فالآخرة خير له من الدنيا وإن كان غير ذلك حتى لا يزداد اثما فيوبق بكثرة ذنوبه.

{ مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

شرح الكلمات:

{ ليذر }: ليترك.

{ يمييز }: يميزّ ويبيّن.

{ الخبيث }: من خبثت نفسه بالشرك والمعاصى.

{ الطيب }: من طهرت نفسه بالإِسمان والعمل الصالح.

{ الغيب }: ما غاب فلم يدرك بالحواس.

{ يجتبي }: يختار ويصطفي.

{ يبخلون }: يمنعون ويضنون.

{ يطوقون به }: يجعل طوقا فى عنق أحدهم.

معنى الآيات:

ما زال السيقا فى أحداث وقعة أحد، وما لازمها من ظروف وأحوال فاختبر تعالى في هذه الآية (179) انه ليس من شأنه تعالى أن يترك المؤمنين على ما هم عليه فيهم المؤمن الصادق في إيمانه، والكاذب فيه وهو المنافق. بل لا بد من الابتلاء بالتكاليف الشاقة منها كالجهاد والهجرة والصلاة والزكاة، وغير الشاقة من سائر العباداة حتى يميز المؤمن الصادق وهو الطيب الروح، من المؤمن الكاذب وهو المنافق الخبيث الروح، قال تعالى: { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب } وذلك أن الله لم يكن من سنته في خلقه أن يطلعهم على الغيب فيميزُ المؤمن من المنافق، والبار من الفاجر، وانما يبتلى بالتكاليف ويظهر بها المؤمن من الكافر والصالح من الفاسد. إلا أنه تعالى قد يجتبي من رسله من يشاء فيطلعه على الغيب، ويظهره على مواطن الأمور وبناء على هذا فآمنوا بالله ورسوله حق الإِيمان، فإنكم إن آمنتم صادق الإِيمان واتقيتم معاصي الرحمان كان لكم بذلك أعظم الأجور وهو الجنة دار الحبور والسرور هذا ما دلت عليه الآية (179) أما الآية الثانية (180) فإن الله تعالى يخبر عن خطا البخلاء الذين يملكون المال ويبخلون به فيقول: ولا يحسبنَّ أي ولا يظنن الذين يبخلون بما آتاهم الله من المال الذي تفضل الله به عليهم أن بخلهم به خير لأنفسهم كما يظنون بل هو أى البخل شرٌّ لهم، وذلك لسببين الأولى ما يلحقهم فى الدنيا نم معرة البخل وآثاره السيئة على النفس، والثانى أن الله تعالى سيعذبهم به بحيث يجعله طوقاً من نار في أعناقهم، أوبصورة ثعبان فيطوقهم، ويقول لصاحبه: " أنا مالك أنا كنزك " كما جاء في الحديث. فعلى من يظن هذا الظن الباطل ان يعدل عنه، ويعلم أن الخير فى الإِنفاق لا فى البخر. وأن ما يبخل به هو ما الله، وسيرثه، ولم يجن البخلاء إلا المعرة فى الدنيا والعذاب في الآخرة. قال تعالى: { ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير } ، فاتقوه فيما آتاكم فآتوا زكاته وتطوعوا بالفضل فإن ذلك خير لكم، والله يعمل وأنتم لا تعلمون.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- من حِكم التكليف اظهار المؤمن الصادق من المؤمن الكاذب.

2- استئثار الرب تعالى بعلم الغيب دون خلقه الا ما يطلع عليه رسله لحكمة اقتضت ذلك.

3- ثمن الجنة الإِيمان والتقوى.

4- البخل بالمل شر لصاحبه، وليس بخير له كما يظن البخلاء.

5- من أوتي مالاً ومنع حق الله فيه عذب به يوم القيامة دلت على ذلك هذه الآية وآية التوبة وحديث البخارى: " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه - أى شدقيه - يقول أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا الآية { ولا يحسبن الذين... } الآية ".

{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ }

شرح الكلمات:

{ عذاب الحريق }: هو عذاب النار المحرقة تحرق أجسادهم.

{ ذلك بما قدمت أيديهم }: أى ذلك العذاب بسبب ما قدمته أيديكم من الجرائم.

{ عهد الينا }: أمرنا ووصانا فى كتابنا (التوراة).

{ ان لا نؤمن لرسول }: أي لا نتابعه، على ما جاء به ولا نصدقه في نبوته.

{ بقربان تأكله النار }: القربان: ما يتقرب به الى الله تعالى من حيوان وغيره يوضع في مكان فتنزل عليه نار بيضاء من السماء فتحرقه.

{ البينات }: الآيات والمعجزات.

{ وبالذى قلتم }: أي من القربان.

{ فلم قتلتموهم }: الاستفهام للتوبيخ، وممن قتلوا من الأنبياء زكريا ويحيى عليهما السلام.

{ الزبر }: جمع زبور وهو الكتاب كصحف ابراهيم.

{ الكتاب المنير }: الواضح البين كالتوراة والزبور والإِنجيل.

معنى الآيات:

لما نزل قول الله تعالى:
{ من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له }
ودخل أبو بكر الصديق رضى الله عنه بيت (المقدس) واليهود به وهم يستمعون لأكبر علمائهم وأجل أحبارهم فنحاص فدعاه أبو بكر الى الإِسلام. فقال فنحاص: إن رباً يستقرض نحن أغنى منه! ينهانا صاحبك عن الربا ويقبله فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب اليهودي فجاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا أبا بكر فسأل الرسول أبا بكر قائلا: " ما حملك على ما صنعت "؟ " فقال إنه قال: إن الله فقير ونحن إغنياء فأنكر اليهودى فأنزل الله تعالى الآية { لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق } ، أي نكتبه أيضا، ونقول لهم: { ذوقوا عذاب الحريق } ، وقولنا ذلك بسبب ما قدمته أيديكم من الشر والفساد، وأن الله ليس بظلام للعبيد، فلم يكن جزاؤكم مجافيا للعدل ولا مباعدا له أبداً لتنزه الرب تعالى عن الظلم لعباده هذا ما تضمنته الآية الأولى (181) { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق } والآية الثانية (182) { ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد } وأما الآية الثالثة (183) وهى قوله تعالى: { الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلى بالبينات وبالذى قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين }؟ فقد تضمنت دعوى يهودية كاذبةى باطلة لا صحة لها البتة، والرد عليها فالدعوى هى قوله إنّ الله قد أمرنا موصياً لنا أن لا نؤمن لرسول فنصدقه نتابعه على ما جاء به، حتى يأتينا بقربان تأكله النار، يريدون صدقة من حيوان أو غيره توضع أمامهم فتنزل عليها نار من السماء فتحرقها فذلك آية نبوته، وأنت يا محمد ما اتيتنا بذلك فلا نؤمن بك ولا نتبعك على دينك، وأما الرد فهو قول الله { وبالذى قلتم } وهو قربنا تأكله النار فلم قتلتموهم، إذ قتلوات زكريا ويحيى وحاولوا قتل عيسى، إن كنتم صادقين فى دعواكم؟ وأما الآية الرابعة (184) فانها تحمل العزاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول له ربه تعالى: { فإن كذبوك } فلم يؤمنوا بك، فلا تحزن ولا تأسى لأنك لست وحدك الذى كُذبت، فقد كذبت رسل كثر كرام، جاءوا أقوامهم بالبينات أي المعجزات، وبالزبر، والكتاب المنير كالتوراة والإِنجيل وصحف إبراهيم وكذبتهم أممهم كما كذبك هؤلاء اليهود والمشركون معهم فاصبر ولا تحزن.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- كفر اليهود وسوء أدبهم مع الله تعالى ومع أنبيائهم ومع النس أجمعين.

2- تقرير جريمة قتل اليهود للأنبياء وهى من أبشع الجرائم.

3- بيان كذب اليهود فى دعواهم أن الله عهد إليهم أن لا يؤمنوا بالرسول حتى يأتيهم بقربان تأكله النار.

4- تعزية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر والثبات أمام ترهات اليهود وأباطيلهم.

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } * { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

شرح الكلمات:

{ ذائقة الموت }: أي ذائقة موت جسدها أما هي فانها لا تموت.

{ توفون }: تعطون جزاء أعمالكم خيراً أو شراً وافية لا نقص فيها.

{ زحزح }: نجّي وأبعد.

{ فاز }: نجا من مرهوبه وهو النار، وظفر بمرغوبه وهو الجنة.

{ متاع الغرور }: المتاع كل ما يستمتع به، والغرور: الخداع، فشبهت الدنيا بمتاع خادع غارٍّ صاحبه، لا يلبث أن يضمحل ويذهب.

{ لنَبلوُنَّ فى أموالكم وأنفسكم }: لَتُخْتَبرُونَّ في أموالكم بأداء الحقوق الواجبة فيهان أو بذهابها وأنفسكم بالتكاليف الشاقة كالجهاد والحج، او المرض والموت.

{ اوتوا الكتاب }: اليهود والنصارى.

{ الذين اشركوا }: العرب.

{ فان ذلك من عزم الأمور }: يريد أن يصبر والتقوى من الأمور الواجبة التى هى عزائم وليس فيها رخص ولا ترخيص ولا ترخيص بحال من الأحوال.

معنى الآيات:

ما زال السياق فى تعزية الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لقد جاء في الآية السابقة تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما آلمه من تكذيب اليهود والمشركين له، وفي هذه الآية تسلية وعزاء، إذا أخبر تعالى فيها فأن كل نفس مهما علت أو سفلت ذائقة الموت لا محالة، وإن الدنيا ليست دار جزاء وإنما هى دار كسب وعمل، ولذا قد يجرم فيها المجرمون ويظلم الظالمون، ولا ينالهم مروه، وقد يحسن فيها المحسنون ويصلح المصلحون ولا ينالهم محبوب، وفى هذا تسلية عظيمة وأخرى: العلم بأن الحياة الدنيا بكل ما فيها لا تعدو كونها متاع الغرور، أي متاع زائل غار ببهرجه، وجمال منظره، ثم لا يلبث ان يذهب ويزول. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (185) أما الآية الثانية (186) ففيها يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنهم لا محالة مختبرون في أموالهم وفي أنفسهم في أموالهم بالحوائج، والواجبات، وفي أنفسهم بالمرض والموت والتكاليف الشاقة كالجهاد والج والصيام، وانهم لا بد وأن يسمعوا من أهل الكتاب والمشركين أذىً كبيراً كما قال فنحاص: الله فقير ونحن أغنياء أو كما قال النصارى: المسيح ابن الله، وكما قال المشركون: اللات والعزى ومناة آلهة مع الله ثم حثهم تعالى على الصبر والتقوى فقال وإن تصروا وتتقوا فإن صبركم وتقواكم مما أوجب الله تعالى عليكم وليس هو من باب الندب والاستحباب بل هو من باب الفرض والوجوب.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- ليست الدار الدنيا بدار جزاء وانما هى دار عمل.

2- تعريف الفوز الحق وهو الزحزحة عن النار ودخول الجنة.

3- بيان حقيقة هذه الحياة وأنها كمتاع خادع لا يلبث ان يتلاى ويضمحل.

4- الابتلاء ضرورى فيجب الصبر والتقوى فإنها من عزائم الأمور لا من رخصها.

{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } * { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

شرح الكلمات:

{ الميثاق }: العهد المؤكد باليمين.

{ اوتوا الكتاب }: اليهود والنصارى.

{ الكتمان }: إخفاء الشيء وجحوده حتى لا يرى ولا يعلم.

{ فنبذوه وراء ظهورهم }: ألقوه وطرحوه ولم يلتفتوا إليه وهو ما أخذ عليهم العهد والميثاق فيه من الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به عِنَ الإِسلاَم.

{ واشتروا به ثمنا قليلا }: اعتاضوا عنه حطام الدنيا ومتاعها الزائل اذ كتموه، ابقاء على منافعهم الدنيوية.

{ ان يحمدوا بما لم يفعلوا }: أي يثنى عليه ويذكروا بخير وهم لم يفعلوا ما يوجب لهم ذلك.

{ بمفازة من العذاب }: بمنجاة من العذاب فى الدنيا، ولهم فى الآخرة عذاب أليم.

معنى الآيات:

ما زال السيقا في اليهود فيقول تعالى لنبيه، واذكر لهم إذ أخذ اله ميثاق الذين اوتوا الكتاب وهم اليهود والنصارى أخذ على علمائهم العهد المؤكد بأن يبينوا للناس نعوت النبي صلى الله عليه وسلم في كتابهم، وأن يؤمنوا به ويتابعوه على ما جاء به من الهدى ودين الحق وهو الإِسلام، ولكنهم كتموه ونبذوه وراء ظهورهم فلم يلتفتوا إليه واستبدلوا بذلك ثمناً قليلاً وهو الجاه والمنصب والمال قال تعالى: { واشتروا به ثمنا قليلاً } وذم الله تعالى الثمن القليل فقال فبئس ما يشترون هذا ما تضمنته الآية الأولى (187) وأما الآية الثانية (188) { ولا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم } فإن الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم لا تحسبن لا رسولنا الذين يفرحون بما اتوا من الشر والفساد بتحريف كلامنا وتبديل اوامرنا وتغيير شرائعنا وهم مع ذلك يحبون أن يحمدهم الناس أي يشكرهم وثنوا عليهم، ما لم يفعلوا من الخير والإِصلاح إذ عملهم كان العكس وهو الشر والفساد فهؤلاء من اليهود ولا تحسبنهم بمفازة أي بمنجاة من العذاب، ولهم عذاب أليم يوم القيامة. وأما الآية الثالثة (189) فقد أخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض، وأنه على كل شيء قدير فدلل بذلك على قدرته على البطش بالقوم والانتقام منهم، وانه منجز وعيده لهم وهو عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة فقال: { ولله ملك السموات والأرض، والله على كل شيء قدير }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- أخذ الله الميثاق على علماء أهل الكتاب ببيان الحق يتناول علماء الإِسلام فإن عليهم أن يبثوا الحق ويجهروا به، ويحرم عليهم كتمان أو تأويله ارضاء للناس ليحوزوا على مكسب دنيوي مالاً أو جاهاً أو سلطاناً.

2- لا يجوز للمسلم ان يحب أن يحمد بما لم يعفل من الخير والمعروف، بل من الكمال أن لا يرغب المسلم في مدح الناس وثنائهم وهو فاعل لما يستوجب ذلك فكيف بمن لم يفعل ثم يحب أن يحمد. بل بمن يفعل الشر والفساد ويحب ان يحمد عليه بالتصفيق له وكلمة يحيى فلان....

3- ملك الله تعالى لكل شيء وقدرته على كل شيء توجب الخوف منه والرغبة إليه وأكثر الناس عن هذا غافلون، وبه جاهلون.

{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } * { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } * { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ }

شرح الكلمات:

{ في خلق السموات والأرض }: أي في وجودهما من العدم.

{ واختلاف الليل والنهار }: تعاقبهما هذا يجىء وذاك يذهب، هذا مظلم وذال مضىء.

{ لآيات }: دلائل واضحة على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته.

{ لأولي الألباب }: أصحاب العقول التى تُدرك بها الأشياء وتفهم بها الأدلة

{ ربّنا }: يقولون: ربنا الخ..

{ باطلا }: لا لشىء مقصود منه، وإنما هو من باب اللعب.

{ سبحانك }: تنزيها لك عن العبث واللعب، وعن الشريك والولد.

{ فقنا عذاب النار }: أجرنا واحفظنا من عذاب النار بتوفيقك لنا للأعمال الصالحة وتجنيبنا الأعمال الفاسدة الموجبة لعذاب النار.

{ أخزيته }: أذللته وأشقيته.

{ كفر عنا }: استر وامح.

{ الأبرار }: جمع برّ أو بار وهم المتمسكون بالشريعة.

{ على رسلك }: على ألسنة رسلك من النصر والتأييد.

{ الميعاد }: الوعد.

{ هاجروا }: تركوا بلادهم وديارهم وأموالهم وأهليهم فراراً بدينهم.

{ أوذوا في سبيلى }: آ ذاهم المشركون من اجل الإِيمان بى ورسولى وطاعتنا.

{ ثوابا من عند الله }: أي أجراً جزاء كائناً من عند الله، وهو الجنات بعد تكفير السيئات.

معنى الآيات:

لما قال اليهود تلك المقالة السيئة: ان الله تعالى فقير ونحن أغنياء، وحرفوا الكتاب وبدلوا وغيروا ويحبون ان يحمدوا على باطلهم كانت مواقفهم هذه دالة على عمى في بصائرهم، وضلال فى عقولهم، فذكر تعالى من الآيات الكونيّة ما يدل على غناه، وافتقار عباده إليه، كما يدل على ربوبيته على خلقه، وتدبيره لحياتهم وتصرفه في أمورهم، وانه ربهم لا رب لهم غيره وإلههم الذي لا إله لهم سواه إلا أن هذا لا يدركه الا أرباب العقول الحصيفة والبصائر النيرة فقال تعالى: { ان في خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب } نعم ان في ايجاد السموات والأرض من العدم وفي اختلاف الليل والنهار بالطول والقصر والظلام والضياء، والتعاقب بذهاب هذا ومجيء ذاك دلائك واضحات على غنى الله وافتقار عباده وبراهين ساطعة على ربوبيته لخلقه. والوهيته لهم. هذا ما تضمنته الآية الأولى (190) وأما الآيات الأربع بعدها فقد تضمنت وصفاً لأولى الألباب الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض فيهتدون الى معرفة الربّ تعالى فيذكرونه ويشكرونه. فقال تعالى عنهم: { الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم } وهذا شامل لحالهم فى الصلاة وخارج الصلاة. وقال عنهم: { ويتفكرون في خلق السموات والأرض } ،أي في إيجادهما وتكوينهما وإبداعهما، وعظيم خلقهما، وما أودع فيهما من مخلوقات. فلا يلبثون أن يقولوا: { ربنا ما خلقت هذا باطلاً } أي لا لحكمة مقصودة ولا لهدف مطلوب، بل خلقته بالحق وحاشاك ان تكون من اللاعبين العابثين سبحانك تنزيها لك عن العبث واللعب بل خلقت ما خلقت لحكم عالية خلقته لأجل أن تذكر وتشكر، فتكرم الشاكرين الذاكرين، فى دار كرمتك وتهين الكافرين في دار عذابك، ولذا قالوا: في الآية (192) { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته، وما للظالمين من أنصار }.

والظالمون هم الكافرون. ولذا يعدمون النصير ويخزون بالعذاب المهين، وقال عنهم في الآية (193) { ربنا اننا سمعنا منادياً ينادى للإِيمان طالبين أشرف المطالب واسماها مغفرة ذنوبهم ووفاتهم مع الأبرار فقالوا { ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئآتنا وتوفنا مع الأبرار } وهو ما جاء في الآية (193) وأما الآية الخامسة (194) فقد سألوا ربهم أن يعطيهم ما وعدهم على ألسنة رسله من النصر والتمكين في الأرض، هذا في الدنيا، وأن لا يُحزِيهم يوم القيامة بتعذيبهم في النار، فقالوا: { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد } ، أي وعدك الحق وفي الآية السادسة (195) ذكر تعالى استجابته لهم فقال لهم: { إنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } بل أجازى الكل بعمله لا أنقصه له ذكراً كان أو أنثى لأن بعضكم من بعض الذكر التى السوجبوا بها هذا الإِنعام فقال: { فالذين هاجروا، واخرجوا من ديارهم، وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا } ، وواعدهم قائلا: { لأكفرن عنهم سيئآتهم ولأدخلنهم جناتٍ تجرى من تحتها الأنهار } ، وكان ذلك ثوابا منه تعالى على أعمالهم الصالحة، والله عنده حسن الثواب، فليُرغَب إليه، وليَطمَع فيه، فإنه البر الرحيم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- وجوب التفكر في خلق السموات والأرض للحصول على المزيد من الإِيمان والإِيقان.

2- استحباب تلاوة هذه الآيات: إن في خلق السموات الى آخر السورة وذلك عند القيام للتهجد آخر الليل لثبوت ذلك فى الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم.

3- استحباب ذكر الله فى كل حال من قيام أو قعود أو اضطجاع.

4- استحباب التعوذ من النار بل وجوبه ولو مرة فى العمر.

5- مشروعية التوسل الى الله تعالى بالإِيمان وصالح الأعمال.

6- فضل الهجرة والجهاد في سبيل الله.

7- المساواة بين المؤمنين والمؤمنات في العمل والجزاء.

8- استحباب الوفاة بين الأبرار وهم أهل الطاعة لله ولرسوله والصدق فيها وذلك بالحياة معهم والعيش بينهم لتكون الوفاة بإذن الله معهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة آل عمران Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة آل عمران   سورة آل عمران Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 4:29 pm


{ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } * { مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } * { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلۤـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

شرح الكلمات:

{ لا يغرنك }: لا يكن منك اغترار، المخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم والمراد أصحابه واتباعه.

{ تقلب الذين كفروا فى البلاد }: تصرفهم فيها بالتجارة والزراعة والأموال والمآكل والمشارب.

{ متاع قليل }: تصرفهم ذلك هو متاع قليل يتمتعون به أعواماً وينتهى.

{ ماواهم جهنم }: مآلهم بعد التمتع القليل الى جهنم يأوون اليها فيخلدون فيها أبداً.

{ نزلاً من عند الله }: النُّزُل: ما يعد للضيف من قرى: طعام وشراب وفراش.

{ الأبرار }: جمع بار وهو المطيع لله ولرسوله الصادق فى طاعته.

{ وما أنزل اليكم }: القرآن والسنة، وما أنزل اليهم التوراة والإِنجيل.

{ خاشعين لله }: مطيعين مخبتين له عز وجل.

{ لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا }: لا يجحدون أحكام الله وما أمر ببيانه للناس مقابل منافع تحصل لهم.

{ اصبرا وصابروا }: الصبر حبس النفس على طاعة الله ورسوله، والمصابرة: الثبات والصمود أمام العدو.

{ ورابطوا }: المرابطة: لزوم الثغور منعاً للعدو من التسرب الى ديار المسلمين.

{ تفلحون }: تفوزون بالظفر المرغوب، والسلامة من المرهوب فى الدنيا والآخرة.

معنى الآيات:

ينهى الله تبارك وتعالى دعاة الحق من هذه الأمة فى شخصية نبيهم صلى الله عليه وسلم أن يَغُرَّهُمْ اى يخدعهم ما يتصرف فيه أهل الكفر والشرك والفساد من مكاسب وأرَباح وما يتمعون به من مطاعم ومشارب ومراكب، فيظنون أنهم على هدىً أو أن الله تعالى راضٍ عنهم وغير ساخط عليهم، لا، لا، إنما هو متاع في الدنيا قليل، ثم يردون الى أسوأ مأوى وشر قرار إنه جهنم التى طالما مهدوا لدخولها بالشرك والمعاصى، وبئس المهاد مهدوه لأنفسهم الخلود فى جهنم. هذا معنى الآيتين الاولى والثانية وهما قوله تعالى: { لا يغرنك تقلب الذين كفروا فى البلاد متاع قليل،ثم ماواهم جهنم وبئس المهاد } ، أما الآية الثالثة (198)، وهى قوله تعالى: { لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله، وما عند الله خير للأبرار } فإنها قد تضمنت استدراكاً حسناً وهو لا ذكر في الآية قبلها مآل الكافرين وهو شرمآل جهنم وبئس المهاد، ذكر في هذه الآية مآلُ المؤمنين وهو خير مآل. { جنات تجرى من تحتها الأنا رخالدين فيها نُزُلاً من عند الله } ، وما عند الله تعالى من النعيم المقيم فى دار السلام خير لأهل الإِيمان والتقوى من الدنيا وما فيها فلا يضرهم ان يكونوا فقراء، معسرين، وأهل الكفر أغنياء موسرين أما الآية الرابعة (199) وهى قوله تعالى: { وإن من أهل الكتب لمن يؤمن بالله } الآية فانها تضمنت الرد الإِلهى على بعض المنافقين الذين انكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين صلاتهم على النجاشى بعد موته، إذ قال بعضهم انظروا الى محمد وأصحابه يصلون على علج مات في غير ديارهم وعلى غير ملتهم، وهم يريدون بهذا الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فرد الله تعالى عليهم بقوله: وإن من أهل الكتاب أي اليهود والنصارى لمن يؤمن بالله، وما أنزل اليكم أيها المؤمنون، وما أنزل اليهم في التوراة والانجيل خاشعين لله، أي خاضعين له عابدين، لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً كسائر اليهود والنصارى حيث يحرفون كلام الله ويبدلونه ويخفون منه ما يجب ان يظهروه ويبينوه حفاظا على منصب أو سمعة أو منفعة مادية، أما هؤلاء وهم عبد الله بن سلام من اليهود وأصحمة النجاشى من النصارى، وكل من أسلم من أهل الكتاب فإنهم المؤمنون حقاً المستحقون للتكريم والإنعام قال تعالى فيهم أولئك لهم أجرهم عند ربهم يوفيهم إياه يوم القيامة إن الله سريع الحساب، إذ يتم حساب الخلائق كلهم فى مثل نصف يوم من أيام الدنيا.

هذا ما تضمنته الآية الرابعة (199) أما الآية الخامسة والأخيرة (200) وهى قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } فإنها تضمنت دعوة كريمة ونصيحة غالية ثمينة للامة الرحيمة بأن تصبر على الطاعات وعلى الشدائد والملمات فتصابر اعداءها حتى يُستلِموا أو يُسَلموا القياد لها. وترابط بخيولها وآلات حربها في حدودها وثغورها مرهبة عدوها حتى لا يطمع فى غزوها ودخول ديارها. ولتتق الله تقوى تكون سبباً فى فوزها وفلاحها بهذه الرحمة الربانية ختمت سورة آل عمران المباركة ذات الحكم والأحكام وتليها سورة النساء.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- تنبيه المؤمنين وتحذيرهم من الاغترار بما يكون عليه الكافرون من سعة الرزق وهناءة العيش فإن ذلك لم يكن عن رضى الله تعالى عنهم، وإنما هو متاع في الدنيا حصل لهم بحسب سنة الله تعالى في الكسب والعمل ينتج لصاحبه بحسب كدة وحسن تصرفه.

2- ما أعد لأهل الإِيمان والتقوى وهم الأبرار من نعيم مقيم فى جوار ربهم خير من الدنيا وما فيها.

3- شرف مؤمنى أهل الكتاب وبشارة القرآن لهم بالجنة وعلى رأسهم عبد الله بن سلام وأصحمة النجاشى.

4- وجوب الصبر والمصابرة والتقوى والمرابطة للحصول على الفلاح الذى هو الفوز المرغوب والسلامة من المرهوب في الدنيا والآخرة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سورة آل عمران
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الأعراف
» سورة التوبة
» سورة إبراهيم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞  :: ♥القسم الاسلامى♥ :: أسلاميات-
انتقل الى: