سورة الإسراء
{ سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }
شرح الكلمات:
{ سبحان }: أي تنزه وتقدس عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله وهو الله جل جلاله.
{ بعبده }: أي بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
{ من المسجد الحرام }: أي الذي بمكة.
{ الى المسجد الأقصى }: أي الذي ببيت المقدس.
{ من آياتنا }: أي من عجائب قدرتنا ومظاهرها في الملكوت الأعلى.
معنى الآية الكريمة:
نزه الرب تبارك وتعالى نفسه عما نسب إليه المشركون من الشركاء والبنات وصفات المحدثين، فقال: { سبحان الذي أسرى بعبده } أي محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي العدناني " ليلاً من المسجد الحرام " أي بالليل من المسجد الحرام بمكة اذا خرج من بيت أم هانئ وغسل قلبه بماء زمزم وحشي إيماناً وحكمة، ثم أسرى به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى بيت المقدس، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه جمع الله تعالى له الانبياء في المسجد الأقصى وصلى بهم إماماً فكان بذلك إمام الأنبياء وخاتمهم ثم عرج به الى السماء سماء يجد في كل سماء مقربيها الى أن انتهى الى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ثم عرج به الى ان انتهى الى مستوى سمع فيه صرير الأقلام وقوله تعالى: { الذي باركنا حوله } أي حول المسجد الأقصى معنى حوله خارجة وذلك بالأشجار والأنهار والثمار أما داخلة فالبركة الدينية بمضاعفة الصلاة فيه أي أجرها اذ الصلاة فيه بخمسمائة صلاة أجراً ومثوبة وقوله تعالى { لنريه من أياتنا } تعليل للاسراء والمعراج وهو أنه تعالى اسرى بعبده وعرج به ليريه من عجائب صنعه في مخلوقاته في الملكوت الأعلى، وليكون ما عمله من طريق الوحي قد عمله بالرؤية والمشاهدة. وقوله تعالى { إنه هو السميع البصير } يعني تعالى نفسه بأنه هو السميع لأقوال عباده البصير باعمالهم وأحوالهم فاقتضت حكمته هذا الاسراء العجيب ليزداد الذين آمنوا إيماناً وليرتاب المرتابون ويزدادون كفراً وعناداً.
هداية الآية الكريمة:
من هداية الآية الكريمة:
1- تقرير عقيدة الإسراء والمعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم بالروح والجسد معاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى، ثم الى السماوات العلى، الى مستوى سمع فيه صرير الأقلام وأوحى إليه تعالى ما اوحى وفرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس.
2- شرف المساجد الثلاثة: الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى أما المسجدان الحرام والأقضى فقد ذكرا بالنص وأما مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ذكر بالاشارة والإيماء إذ قول الأقصى يقتضي قصياً، فالقصي هو المسجد النبوي والأقصى هو مسجد بيت المقدس.
3- بيان الحكمة في الأسراء والمعراج وهي أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم بعيني رأسه ما كان آمن به وعلمه من طريق الوحي فاصبح الغيب لدى رسول الله شهادة.
{ وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } * { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً } * { وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } * { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } * { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً }
شرح الكلمات:
{ وآتينا موسى الكتاب }: أي التوراة.
{ وجعلناه هدى }: أي جعلنا الكتاب أو موسى هدى أي هادياً لبني إسرائيل.
{ وكيلاً }: أي حفيظاً أو شريكاً.
{ من حملنا }: أي في السفينة.
{ وقضينا }: أي أعلمناهم قضاء نافيهم.
{ في الكتاب }: أي التوارة.
{ علواً كثيراً }: أي بغياً عظيماً.
{ أولاهما }: أي أولى المرتين.
{ فجاسوا خلال }: أي ترددوا جائين ذاهبين وسط الديار يقتلون ويفسدون.
{ وعداً مفعولاً }: أي منجزاً لم يتخلف.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أنه هو الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى وأنه هو الذي آتى موسى الكتاب أي التوارة فهو تعالى المتفضل على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته بالإسراء به والمعراج وعلى موسى بإعطائه الكتاب ليكون هدى وبياناً لبني إسرائيل فهو متفضل أيضاً على بني إسرائيل فله الحمد وله المنة.
وقوله: { جعلناه } أي الكتاب { هدى } أي بياناً لبني إسرائيل يهتدون الى سبل الكمال والاسعاد وقوله: { الا تتخذوا من دوني وكيلاً } أي آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل من أجل الا يتخذوا من غيري حفيظاً لهم يشركونه بي التوكل عليه وتفويض أمرهم إليه ناسين لي وأنا ربهم وولي نعمتهم. وقوله تعالى: { ذرية من حملنا مع نوح } أي يا ذرية من حملنا مع نوح اشكورني كما شكرني نوح على انجائي إياه في السفينة مع أصحابه فيها، إنه أي نوحاً { كان عبداً شكوراً } فكونوا انتم مثله فاشكروني بعبادتي ووحدوني ولا تتركوا طاعتي ولا تشركوا بي سواي.
وقوله تعالى { وقضينا الى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدون في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً } يخبر تعالى بأنه أعلم بني إسرائيل بقضائه فيهم وذلك في كتابهم التوارة أنهم يفسدون في الأرض بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب، ويعلون في الأرض بالجراءة على الله وظلم الناس { علواً كبيراً } أي عظيماً. ولا بد أن ما قضاه وقوله تعالى: { فإذا جاء وعد أولهما } أي وقت المرة الأولى وظلموا بانتهاك حدود الشرع والإعراض عن طاعة الله تعالى حتى قتلوا نبيهم " أرميا " عليه السلام وكان هذا على يد الطاغية جالوت فغزاهم من أرض الجزيرة ففعل بهم مع جيوشه ما أخبر تعالى به في قوله: { فجاسوا خلال الديار } ذاهبين جائين قتلاً وفتكاً وإفساداً نقمة الله على بني إسرائيل لإفسادهم وبغيهم البغي العظيم.
ووقوله تعالى: { وكان وعداً مفعولاً } أي ما حصل لهم في المرة الأولى من الخراب والدمار ومن أسبابه كان بوعد من الله تعالى منجزاً فوفاة لهم، لأنه قضاه وأعلمهم به في كتابهم. وقوله: { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } أي بعد سنين طويلة وبنو إسرائيل مضطهدون مشردون نبتت منهم نابتة وطالبت بأن يعين لهم ملكاً يقودهم الى الجهاد وكان ذلك كما تقدم في سورة البقرة جاهدوا وقتل داود جالوت وهذا معنى { ثم رددنا لكم الكرة عليهم } وقوله: { وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً } أي رجالاً في الحروب وكثرت أموالهم وأولادهم وتكونت لهم دولة سادت العالم على عهد داود وسليمان عليهما السلام.
هداية الآيات:
1- بيان إفضال الله تعالى على الامتين الاسلامية والاسرائيلية.
2- بيان سر إنزال الكتب وهو هداية الناس الى عبادة الله تعالى وتوحيده فيها.
3- وجوب شكر الله على نعمه إذ كان نوح عليه السلام إذا أكل الأكلة قال الحمد لله، وإذا شرب الشربة قال الحمد لله، وإذا لبس حذاءه قال الحمد لله وإذا قضى حاجة قال الحمد لله فسمى عبداً شكوراً وكذا كان رسول الله والصالحون من أمته الى اليوم.
4- ما قضاء الله تعالى كائن، وما وعد به ناجز، والايمان بذلك واجب.
5- التنديد بالإفساد والظلم والعلو في الأرض، وبيان سوء عاقبتها.
{ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }
شرح الكلمات:
{ إن احسنتم }: أي طاعة الله وطاعة رسوله بالاخلاص فيها وبأدائها على الوجه المشروع لها.
{ أحسنتم لأنفسكم }: أي أن الأجر والمثوبة والجزاء الحسن يعود عليكم لا على غيركم.
{ وإن أساءتم }: أي في الطاعة فإلى أنفكسم سوء عاقبة الإساءة.
{ وعد الآخرة }: أي المرة الآخرة المقابلة للأولى وقد تقدمت.
{ ليسوءوا وجوهكم }: اي يقبحوها بالكرب واسوداد الحزن وهم الذل.
{ وليتبروا ما علو تيبيرا }: أي وليدمروا ما غلبوا عليه من ديار بني إسرائيل تدميراً.
{ وإن عدتم عدنا }: أي وأن رجعتم الى الفساد والمعاصي عدنا بالتسليط عليكم.
{ حصيراً }: أي محبساً وسجناً وفراشهم يجلسون عليها فهي من فوقهم ومن تحتهم.
معنى الآيات:
ما زال السياق في الحديث عن بني إسرائيل فبعد ان أخبرهم تعالى بما حكم به عليهم في كتابهم أنهم يفسدون في الأرض مرتين ويعلون علواً كثيراً. وأنه اذ جاء مقيات أولى المرتين بعث عليهم عباداً أشداء أقوياء وهم جالوت وجنوده فقتلوهم وسبوهم، أنه تعالى رد لهم الكرة عليهم فانتصروا عليهم وقتل داود جالوت وتكونت لهم دولة عظيمة كانت أكثر الدول رجالاً واوسعها سلطاناً وذلك لرجوعهم الى الله تعالى بتطبيق كتابه والتزام شرائعه وهناك قال تعالى لهم: { إن أحسنتم احسنتم لأنفسكم } أي أن أحسنتم باتباع الحق والتزام الطاعة لله ورسوله بفعل المأمورات واجتناب المنهيات والأخذ بسنن الله تعالى في الاصلاح البشري ان أساتم بتعطيل الشريعة والانغماس في الملاذ والشهوات فإن نتائج ذلك عائدة على أنفسكم حسب سنة الله تعالى:
{ ومن يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً }
وقوله تعالى: { فإذا جاء وعد الآخرة } أي وقتها لها، وهي المرة الآخرة بعد الأولى بعث أيضاً عليهم عباداً له وهم بختنصر وجنوده بعثهم عليهم ليسودوا وجوههم بما يصيبونهم به من الهم والحزن والمهانة والذل { وليدخلوا المسجد } أي بيت المقدس كما دخلوه أول مرة { وليتبروا } أي يدمروا ما علو أي ما غلبوا عليه من ديارهم (تتبيرا) أي تدميراً كاملاً وتحطيما تاماً وحصل لهم هذا لما قتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام وكثيراً من العلماء وبعد أن ظهر فيهم الفسق وفي نسائهم التبرج والفجور واتخاذ الكعب العالي. كما اخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: { عسى ربكم ان يرحمكم } فهذا خير عظيم لهم لو طلبوه بصدق لفازوا به ولكنهم أعرضوا عنه وعاشوا على التمرد على الشرع والعصيان لله ورسله. وقوله وإن عدتم عدنا أي وإن عدتم الى الفسق والفجور عدنا بتسليط من نشاء من عبادنا فانجزهم الله تعالى ما وعدهم فسلط عليهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فاجلى بني قينقاع وبني النضير من المدنية وقتل بني قريضة كما سلط عليهم ملوك أروبا فطاردهم وساموهم الخسف وأذاقوهم سوء العذاب في قرون طويلة وقوله تعالى: { وجعلنا للكافرين حصيراً } أي كان عذاب الدنيا بالتسلط على الظالمين وسلبهم حريتهم وإذاقتهم عذاب القتل والأسر والتشريد فإن عذاب الآخرة هو الحبس والسجن في جهنم تكون حصيراً للكافرين لا يخرجون منها للكافرين أي الذين يكفرون شرائع الله ونعمه عليهم بتعطيل الأحكام وتضييع الفرائض وإهمال السنن والانغماس في الملاذ والشهوات.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- صدق وعد الله تعالى.
2- تقرير نبوة النبي صلى الله عليه وسلم اذ مثل هذه الأنباء لا يقصها الا نبي يوحى إليه.
4- وجوب الرجاء في الله وهو انتظار الفرج والخير منه وان طال الزمن.
5- قد يجمع الله تعالى للكافرين بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وكذا الفاسقون من المؤمنين.
{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } * { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } * { وَجَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلْلَّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }
شرح الكلمات:
{ للتي هي اقوم }: أي الطريقة التي هي أعدل وأصوب.
{ إن لهم أجراً كبيراً }: أنه الجنة دار السلام.
{ اعتدنا لهم كبيراً }: انه عذاب النار يوم القيامة.
{ ويدع الانسان بالشر }: أي على نفسه وأهله إذا هو ضجر وغضب.
{ وكان الانسان بالشر }: أي سريع التأثر بما يخطر على باله فلا يتروى ولا يتأمل.
{ آيتين }: أي علامتين دالتين على وجود الله وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته.
{ فمحونا آية الليل }: أي طمسنا نورها بالظلام الذي يعقب غياب الشمس.
{ عدد السنين والحساب }: أي عدد السنين وانقضائها وابتداء دخولها وحساب ساعات النهار والليل وأوقاتها كالايام والأسابيع والشهور.
معنى الآيات:
يخبر تعالى ان هذا القرآن الكريم الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليع وسلم الذي أسرى به ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى يهدي بما فيه من الدلائل والحجج والشرائع والمواعظ للطريقة والسبيل التي هي أقزم أي أعدل واقصد من سائر الطرق والسبيل انها الدين القيم الإسلام سبيل السعادة والكمال في الدارين، { وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي وبشر القرآن الذين أمنوا بالله ورسوله ولقاء الله ووعده ووعيده وعملوا الصالحات وهي الفرائض والنوافل بعد تركهم الكبائر والمعاصي بأن لهم أجراً كبيراً الا وهو الجنة، كما يخبر الذين لا يؤمنون بالآخرة ان الله تعالى أعد أي هيأ لهم عذاباً أليماً في جهنم.
وقوله تعالى { ويدع الانسان بالشر دعاءه بالخير } يخبر تعالى عن الانسان في ضعفه وقلة إدراكه لعواقب الأمور من أنه اذا ضجر او غضب يدعو على نفسه وأهله بالشر غير مفكر في عاقبة دعائه لو استجاب الله تعالى له. يدعو بالشر دعاءه بالخير أي كدعائه بالخير، وقوله: { وكان الانسان عجولاً } أي كثير العجلة يستعجل في الأمور كلها هذا طبعه ما لم يتأدب بآداب القرآن ويتخلق بأخلاقه فإن هو استقام على منهج القرآن تبدل طبعه وأصبح ذا توارة وحلم وصبر وأناة. وقوله تعالى: { وجعلنا الليل والنهار آيتين } أي علامتين على وجودنا وقدرتنا وعلمنا وحكمتنا، وقوله { فمحونا آية الليل } أي بطمس نورها، وجعلنا آية النهار مبصرة أي مضيئة وبين علة ذلك بقوله: { لتبتغوا فضلاً من ربكم } أي لتطلبوا رزقكم بالسعي والكسب في النهار، هذا من جهة ومن جهة اخرى { لتعلموا عدد السنين والحساب } أي عدد السنين وانقضائها وابتداء دخولها وحساب ساعات النهار والليل وأوقاتها كالايام والاسابيع والشهور. لتوقف مصالحكم الدينية والدنيوية على ذلك. وقوله تعالى: { وكل شيء فصلناه تفصيلاً } أي وكل يحتاج اليه في كمال الانسان وسعادته بيناه تبيناً أي في هذا الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان فضل القرآن الكريم، بهدايته الى الاسلام الذي هو سبيل السعادة للانسان.
2- الوعد والوعيد بشارة المؤمنين العاملين للصالحات، ونذارة الكافرين باليوم الآخر.
3- بيان طبع الانسان قبل تهذيبه بالآداب القرآنية والأخلاق النبوية.
4- كون الليل والنهار آيتين تدلان على الله تعالى وتقرران علمه وقدرته وتدبيره.
5- مشروعية علم الحساب وتعلمه.
{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } * { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } * { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } * { وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً }
شرح الكلمات:
{ طائره }: أي عمله وما قدر له من سعادة وشقاء.
{ في عنقه }: أي ملازم له لا يفارقه حتى يفرغ منه.
{ عليك حسيبا }: أي كفى نفسك حاسباً عليك.
{ ولا تزر وازرة وزر اخرى }: أي لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى.
{ مترفيها }: منعميها من أغنياء ورؤساء.
{ فحق عليها القول }: أي بالعذاب.
{ وكم أهلكنا }: أي اهاكنا كثيراً.
{ من القرون }: أي من أهل القرون السابقة.
{ خبيرا بصيرا }: أي عليماً بصيرا بذنوب العباد.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أنه عزوجل لعظيم قدرته، وسعة علمه، وحكمته في تدبيره ألزم كل انسان ما قضى به له من عمل وما يترتب على العمل من سعادة أو شقاء في الدراين، الزمه ذلك بحيث لا يخالفه ولا يتأخر عنه بحال حتى كأنه مربوط بعنقه. هذا معنى قوله تعالى: { وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه }. وقوله تعالى: { ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً } أي وفي يوم القيامة يخرج الله تعالى لكل انسان كتاب عمله فيلقاه منشوراً أي مفتوحاً أمامه. ويقال له: إقرأ كتابك الذي أحصى لك عملك كله فلم يرد يغادر صغيرة ولا كبيرة. وقوله: { كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } أي يكفيك نفسك حاسباً لأعمالك محصياً لها عليك أيها الأنسان. وقوله تعالى: { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه } ، أي بعد هذا الإعلام والبيان ينبغي ان يعلم ان من اهتدى اليوم فآمن بالله ورسوله، ولقاء الله، ووعده ووعيده وعمل صالحاً وتخلى عن الشرك والمعاصي فإنما عائد ذلك له، هو الذي ينجو من العذاب، ويسعد في دار السعادة، وان من ضل طريق الهدى فكذب ولم يؤمن، وأشرك ولم يوحد، وعصى ولم يطع فإن ذلك الضلال عائد عليه، هو الذي يشقى به ويعذب في جهنم دار العذاب والشقاء. وقوله { ولا تزر وازرة وزر اخرى } الوزر الإثم والذنب والوازرة الحاملة له لتؤخذ به ومعنى الكلام ولا تحمل يوم القيامة نفس آثمة إثم نفس أخرى، بل كل نفس تتحمل مسئوليتها بنفسها، والكلام تقرير لقوله: { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها }. وقوله تعالى: { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } أي لم يكن من شأن الله تعالى وهو العدل الرحيم أن يهلك أمة بعذاب إبادة واستئصال قبل أن يبعث فيها رسولاً يعرفها بربها وبمحابة ومساخطه، ويأمرها بفعل المحارب وترك المساخط التي هي الشرك والمعاصي. وقوله تعالى: { وإذا أردنا أن نهلك قربة } أي أهل قرية { أمرنا مترفيها } أي أمرنا منعميها من اغنياء ورؤساء وأشراف من أهل الحل والعقد أمرناهم بطاعتنا بإقامة الشرع وأداء الفرائض والسنن واجتناب كبائر الإثم والفواحش فلم يستجيبوا للأمر ولا للنهي وهو معنى { ففسقوا فيها فحق عليها القول } أي وجب عليها العذاب { فدمرناها تدميراً } أي اهلكناها إهلاكاً كاملاً، وهذا الكلام بيان لقوله تعالى: { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } إذ الرسول يامر وينهى بإذن الله تعالى فإن لم يطع استوجب الناس العذاب فعذبوا.
وقوله تعالى: { وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح } هو تقرير لهذا الحكم أيضاً إذ علمنا تعالى ان ما اخبر به كان واقعاً بالفعل فكثيراً من الأمم اهلكها من بعد هلاك قوم نوح كعاد وثمود وقوم لوط واصحاب الأيكة وآل فرعون.. وقوله: { وكفى بربك بذنوب عباده خبيراً بصيراً }: فإن القول وإن تضمن علم الله تعالى بذنوب عباده فإن معناه الوعيد الشديد والتهديد الأكيد، فإنه تعالى لا يرضى باستمرار الجرائم والآثام انه يمهل لعل القوم يستفيقون، لعل الفساق يكفون، ثم اذا استمروا بعد الاعلام إليهم والتنديد بذنوبهم والتخويف بظلمهم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. الا فليحذر ذلك المصرون على الشرك والمعاصي!!
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
2- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
3- تقرير العدالة الإلهية يوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً.
4- بيان سنة الله تعالى في إهلاك الأمم غير انها لا تهلك الا بعد الإنذار والاعذار إليها.
5- التخدير من كثرة التنعم والترف فإنه يؤدي الى الفسق بترك الطاعة ثم يؤدي الفسق الى الهلاك والدمار.
{ مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } * { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } * { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } * { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً }
شرح الكلمات
{ العاجلة }: أي الدنيا لسرعة انقضائها.
{ يصلاها مذموماً مدحور }: أي يدخلها ملوماً مبعداً من الجنة.
{ وسعى لها سعيها }: أي عمل لها العمل المطلوب لدخولها وهو الايمان والعمل الصالح.
{ كان سعيهم مشكورا }: أي عملهم مقبولاً مثاباً عليه من قبل الله تعالى.
{ كلا نمد هؤلاء وهؤلاء }: أي كل فريق من الفريقين نعطي.
{ وما كان عطاء ربك محظورا }: أي لم يكن عطاء الله في الدنيا محظوراً أي ممنوعاً عن أحد.
{ كيف فضلنا بعضهم على بعض }: اي في الرزق والجاه.
{ لا تجعل مع الله إلهاً آخر }: أي لا تعبد مع الله تعالى غيره من سائر المعبودات الباطلة.
{ فتقعد ملوماً مخذولاً }: أي فتصير مذموماً من الملائكة والمؤمنين مخذولاً من الله تعالى.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في أخبار الله تعالى الصادقة والمتضمنة لأنواع من الهدايات الإلهية التي لا يحرمها الا هالك، فقال تعالى في الآية الكريمة (18) { من كان يريد العاجلة } أي الدنيا { عجلنا له فيها ما نشاء } ، لا ما يشاؤه العبد، وقوله { لمن نريد } لا من يريد غيرنا فالأمر كله لنا، { ثم } بعد ذلك { جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً } اي ملوما { مدحوراً } أي مطروداً من رحمتنا التي هي الجنة دار الأبرار أي المطعين الصادقين. وقوله تعالى في الآية الثانية (19) { ومن أراد الآخرة } يخبر تعالى ان من أراد الآخرة أس سعادة الآخرة { وسعى لها سعيها } أي عمل لها عملها اللائق بها وهو الإيمان الصحيح والعمل الصالح الموافق لما شرع الله في كتابه وعلى لسان رسوله، واجتنب الشرك والمعاصي وقوله { وهو مؤمن } قيد في صحة العمل الصالح أي لا يقبل من العبد صلاة ولا جهاد الا بعد إيمانه بالله ورسوله وبكل ما جاء به رسوله وأخبر به من الغيب.
وقوله { فأولئك } أي المذكورن بالايمان والعمل الصالح { كان سعيهم مشكوراً } أي كان عملهم متقبلاً يثابون عليه بالجنة ورضوان الله تعالى. وقوله تعالى: { كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً } أي أن كلا من مريدي الدنيا ومريدي الآخرة يمد الله هؤلاء وهؤلاء من عطائه أي فضله الواسع فالكل يأكل ويشرب ويكتسي بحسب ما قدر له من الضيق والوسع ثم يموت وثم يقع التفاضل بحسب السعى الفاسد أو الصالح وقوله { وما كان عطاء ربك محظوراً } يعنى ان من أراد الله إعطاءه شيئاً لا يمكن لأحد أن يصرفه منه ويحرمه منه بحال من الأحوال وقوله تعالى: { أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } أي انظر يا رسولنا ومن يفهم خطابنا كيف فضلنا بعض الناس على بعض في الرزق الذي شمل الصحة والعافية والمال والذرية والجاه، فإذا عرفت هذا فاعرف ان الاخرة أكبر درجات واكبر تفضيلا وذلك عائد الى فضل الله اولاً ثم الى الكسب صلاحاً وفساداً وكثرة وقلة كما هي الحال أيضاً في الدنيا فبقدر كسب الإنسان الصالح للدنيا يحصل عليها ولو كان كافراً لقوله تعالى من سورة هود { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم اعمالهم وهم فيها لا يبخسون }
أي لا ينقصون ثمرات عملهم لكونهم كفاراً مشركين.
وقوله تعالى: { لا تجعل مع الله إلهاً آخر } أي لا تجعل يا رسولنا مع الله إلهاً اخر تؤمن به وتعبده وتقرر إلهيته دوننا فإنك ان فعلت - وحاشاه ان يفعل لان الله لا يريد له ذلك { فتقعد في جهنم مذموماً } اي ملوماً يلومك الؤمنون والملائكة مخذولاً من قبل ربك لا ناصر لك والسياق وان كان في خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن المراد به كل انسان فالله تعالى ينهى عبده ان يعبد معه غيره فيترتب على ذلك شقاؤة والعياذ بالله تعالى.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1- كلا الدارين السعادة فيها أو الشقاء متوقف على الكسب والعمل هذه سنة الله تعالى في العباد.
2- سعى الدينا التجارة والفلاحة والصناعة.
3- سعى الاخرة الايمان وصالح الأعمال والتخلية عن الشرك والمعاصي.
4- يعطي الله تعالى الدنيا من يحب ومن لا يحب وعطاؤه قائم على سنن له في الحياة يجب معرفتها والعمل بمقتضاها لمن أراد الدنيا والآخرة.
5- ما اعطاه الله لا يمنعه أحد فوجب التوكل على الله والاعراض عما سواه.
6- تحريم الشرك والوعيد بالخلود في نار جهنم.
{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } * { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } * { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً } * { وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً } * { إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً }
شرح الكلمات:
{ وقضى ربك }: اي امر وأوصى.
{ وبالوالدين إحساناً }: أي وان تحسنوا بالوالدين إحساناً وذلك ببرورهما.
{ فلا تقل لهما أف }: أي تبأ أو قبحاً أو خسراناً.
{ ولا تنهمرهما }: أي ولا تزجرهما بالكلمة القاسية.
{ قولاً كريما }: جميلاً ليناً.
{ جناح الذل }: أي ألن لهما جانبك وتواضع لهما.
{ كان للأوابين }: أي الرجاعين الى الطاعة بعد المعصية.
{ وآت ذا القربى }: أي اعط أصحاب القرابات حقوقهم من البر والصلة.
{ ولا تبذر تبذيرا }: أي ولا تنفق المال في غير طاعة الله ورسوله.
{ لربه كفورا }: أي كثير الكفر كبيرهُ لنعم ربه تعالى، فكذلك المبذر اخوه.
معنى الآيات:
لما حرم الله تعالى الشرك ونهى عنه رسوله بقوله
{ ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً }
أمر بالتوحيد فقال: { وقضى ربك } أي حكم وأمر ووصى { ألا تعبدوا الا إياه } أي بأن لا تعبدوا الا الله عزوجل، وقوله تعالى: { وبالوالدين إحساناً } أي وأوصى بالوالدين وهما الأم والأب إحساناً وهو برهما وذلك بإيصال الخير إليهما وكف الأذى عنهما، وطاعتهما في غير معصية الله تعالى. وقوله تعالى: { إما يبلغن عندك الكبر أحدهما او كلاهما فلا تقل لهما اف ولا تنهمرهما } أي ان يبلغ سن الكبر عندك واحد منهما الاب او الام او يكبران معاً وانت حي موجود بينهما في هذه الحال يجب ان تخدمهما خدمتهما لك وأنت طفل فتغسل بولهما وتطهر نجاستها وتقدم لهما ما يحتاجان اليه ولا تتتضجر او تتأفف من خدمتهما كما كانا هما يفعلان ذلك معك وأنت طفل تبول وتخرأ وهما يغسلان وينظفان ولا يتضجران أو يتأففان، وقوله: { ولا تنهمرهما } اي لا تزجرهما بالكلمة العالية النابية { وقل لهما قولاً كريماً } أي جميلاً سهلاً لينا يشعران معه الكرامة والاكرام لهما وقوله تعالى: { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } أي ألن لهما وتطامن وتعطف عليهما وترحم. وادع لهما طوال حياتك بالمغفرة والرحمة ان كانا موحدين (وماتا على ذلك لقوله تعالى:
{ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى }
وهو معنى قوله تعالى: { وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } ، وقوله تعالى: { ربكم أعلم بما في نفوسكم ان تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً } يخبر تعالى أنه أعلم بنا من أنفسنا فمن كان يضمر عدم الرضاء عن والديه والسخط عليهما فالله يعلمه منه، ومن كان يضمر حبهما واحترامهما والرضا بهما وعنهما فالله تعالى يعلمه ويجزيه فالمحسن يجزيه بالاحسان والمسئ يجزيه بالاساءة، وقوله { إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً } بحكم ضعف الإنسان فإنه قد يضمر مرة السوء لوالديه او تبدر منه البادرة السئية من قول أو عمل وهو صالح مؤد لحقوق الله تعالى وحقوق والديه وحقوق الناس فهذا العبد الصالح يخبر تعالى انه غفور له متى آب الى الله تعالى مستغفراً مما صدر منه نادماً عليه.
وقوله تعالى: { وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل } هذا أمر الله للعبد المؤمن بايتاء قرابته حقوقهم من البر والصلة وكذا المساكين وهو الفقراء الذين مسكنتهم الفاقة وأذلهم الفقر فهؤلاء أمر تعالى المؤمن باعطائهم حقهم من الإحسان إليهم بالكساء او الغذاء والكلمة الطيبة، وكذا ابن السبيل وهو المسافر يعطي حقه من الضيافة والمساعدة على سفره ان احتاج الى ذلك مع تأمينه وإرشاده الى طريقه. وقوله تعالى { ولا تبذر تبذيرا } اي ولا تنفق مالك ولا تفرقه في غير طاعة الله تعالى. وقوله { إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } لأنهم بتبذيرهم المال في المعاصي كانوا عصاة الله فاسقين عن أمره وهذه حال الشياطين فتشابهوا فكانوا إخواناً، وقوله ان الشيطان كان لربه كفوراً لأنه عصى الله تعالى وكفر نعمه عليه ولم يشكره بطاعته فالمبذر للمال في المعاصي فسق عن أمر ربه ولم يشكر نعمه عليه فهو إذا شيطان فهل يرضى عبدالله المسلم ان يكون شيطاناً؟
هداية الايات
من هداية الآيات:
1- وجوب عبادة الله تعالى وحده ووجوب بر الوالدين، وهو الاحسان بهما، وكف الأذى عنهما، وطاعتهما في المعروف.
2- وجوب الدعاء للوالدين بالمغفرة والرحمة.
3- وجوب مراقبة الله تعالى وعدم إضمار أي سوء في النفس.
4- من كان صالحاً وبدرت منه البادرة وتاب منها فإن الله يغفر له ذلك.
5- وجوب إعطاء ذوي القربى حقوقهم من البر والصلة، وكذا المساكين وابن السبيل.
6- حرمة التبذير وحقيقته إنفاق المال في المعاصي والمحرمات.
{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } * { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } * { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً } * { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً }
شرح الكلمات:
{ وإما تعرضن عنهم }: أي عن المذكورين من ذي القربى والمساكين وابن السبيل فلم تعطهم شيئاً.
{ ابتغاء رحمة من ربك ترجوها }: أي طلباً لرزق ترجوه من الله تعالى.
{ قولاً ميسوراً }: أي ليناً سهلاً بان تعدهم بالعطاء عند وجود الرزق.
{ مغلولة الى عنقك }: أي لا تمسك عن النفقة كأن يدك مربوطةالى عنقك فلا تستطيع ان تعطي شيئاً.
{ ولا تبسطها كل البسط }: أي ولا تنفق كل ما بيدك ولم تبق شيئاً.
{ فتقعدوا ملوماً }: أي يلومك من حرمتهم من الانفاق.
{ محسوراً }: أي منقطعاً عن سيرك في الحياة اذا لم تبق لك شيئاً.
{ يبسط الرزق ويقدر }: أي توسعه، ويقدر اي يضيقه امتحاناً وابتلاء.
{ خشية املاق }: اي خوف الفقر وشدته.
{ خطئاً كبيراً }: أي خصلة قبيحة شديدة القبح، وسبيلاً بئس السبيل.
{ لوليه سلطان }: أي لوارثه تسلطاً على القاتل.
{ فلا يسرف في القتل }: أي لا يقتل غير القاتل.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في وصايا الرب تبارك وتعالى والتي هي حكم أوحاها الله تعالى الى رسوله للاهتداء بها، والكمال والاسعاد عليها. فقوله تعالى: { وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً } أي إن أعرضت عن قرابتك أو عن مسكين سألك أو ابن سبيل احتاج اليك ولم تجد ما تعطيهم فاعرضت عنهم بوجهك ايها الرسول { فقل لهم قولاً ميسوراً } أي سهلاً ليناً وهو العدة الحسنة كقولك إن رزقي الله سأعطيك أو عما قريب سيحصل لي كذا وأعطيك وما اشبه ذلك من الوعد الحسن، فيكون ذلك عطاء منك عاجلاً لهم يسرون به، ولا يحزنون. وقوله تعالى: { ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك } اي لا تبخل بما أتاك الله فتمنع ذوي الحقوق حقوقهم كأن يدك مشدودة الى عنقك فلا تستطيع ان تنفق، وقوله: { ولا تبسطها كل البسط } أي تفتح يديك بالعطاء فتخرج كل ما بجيبك أو خزانتك فلا تبق شيئاً لك ولأهلك. وقوله: { فتقعد ملوماً محسوراً } أي ان أنت امسكت ولم تنفق لامك سائلوك اذ لم تعطهم، وان انت انفقت كل شيء عندك انقطعت بك الحياة ولم تجد ما تواصل به سيرك في بيقة عمرك فتكون كالبعير الذي أعياه السير فانقطع عنه وترك محسوراً في الطريق لا يستطيع صاحبه رده الى اهله، ولا مواصلة السير عليه الى وجهته. وقوله: { إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء } أي يوسع على من يشاء امتحاناً له أيشكر أم يكفر ويقدر لمن يشاء ابتلاء له أيصبر أم يضجر ويسخط، { إنه كان بعباده خبيراً بصيراً } فلذا هو يوسع ويضيق بحسب علمه وحكمته، إذ من عباده من لا يصلحه الا السعة، ومنهم من لا يصلحه الا الضيق، وقوله تعالى: { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } أي ومما حكم به وقضى ووصى { ألا تقتلوا أولادكم } أي اطفالكم { خشية إملاق } أي مخافة الفاقه والفقر، أذ كان العرب يئدون البنات خشية العار ويقتلون الأولاد كالإناث مخافة الفاقه فأوصى تعالى بمنع ذلك وقال متعهداً متكفلاً برزق الأولاد وآبائهم فقال: { نحن نرزقهم وإياكم } واخبر تعالى ان قتل الاولاد { كان خطئاً كبيراً } أي إنما عظيماً فكيف يقدم عليه المؤمن.
وقوله: { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً } أي ومن جملة ما حكم به ووصى أن لا تقربوا أيها المؤمنون الزنا محرد قرب منه قبل فعله، لأن الزنا كان في حكم الله فاحشة أي خصلة قبيحة شديدة القبح ممجوجة طبعاً وعقلاً وشرعاً، وساء هذه الفاحشة سبيلاً أي بئس الطريق الموصل الى الزنا طريقاً للآثار السيئة والنتائج المدمرة التي تترتب عليه أولها أذية المؤمنين في أعراضهم وآخرها جهنم والاصطلاء بحرها والبقاء فيها أحقاباً طويلة. وقوله: { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق } أي ومما حكم تعالى به وأوصى ان لا تقتلوا أيها الؤمنون النفس التي حرم الله أي قتلها الا بالحق، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحق الذي تقتل به نفس المؤمن وهو واحدة من ثلاث: القتل العمد العدوان، الزنا بعد الاحصان، الكفر بعد الايمان. وقوله { ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً } أي من قتل له قتيل ظلماً وعدواناً أي غير خطأ فقد أعطاه تعالى سلطة كاملة على قاتل وليه ان شاء قتله أو شاء اخذ دية منه، وان شاء عفا عنه لوجه الله تعالى: وقوله: { فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً } أي لا يحل لولي الدم اي لمن قتل له قتيل ان يسرف في القتل فيقتل بدل الواحد أكثر من واحد أو بدل المرأة رجلا. او يقتل غير القاتل، وذلك ان الله تعالى اعطاه سلطة تمكنه من قتل قاتله فلا يجوز ان يقتل غير قاتله كما كانوا في الجاهلية يفعلون.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- العدة الحسنة تقوم مقام الصدفة لمن لم يجد ما يتصدق به على من سأله.
2- حرمة البخل، والأسراف معاً وفضيلة الاعتدال والقصد.
3- تجلى حكمة الله تعالى في التوسعة على أناس، والتضيق على آخرين.
4- حرمة القتل قتل الاولاد بعد الولادة أو اجهاضها قبلها خوفاً من الفقر أو العار.
5- حرمة مقدمات الزنا كالنظر بشهوة والكلام مع الاجنبية ومسها وحرمة الزنا وهو أشد.
6- حرمة قتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق والحق قتل عمد عدواناً، وزناً بعد احصان، وكفر بعد إيمان.
{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } * { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } * { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } * { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ ٱلْجِبَالَ طُولاً } * { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } * { ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً }
شرح الكلمات:
{ الا بالتي هي أحسن }: أي ألا بالخصلة التي هي أحسن من غيرها وهي تنميته والإنفاق عليه منه بالمعروف.
{ حتى يبلغ أشده }: أي بلوغه سن التكليف وهو عاقل رشيد.
{ وأوفوا بالعهد }: أي اذا عاهدتم الله او العباد فأوفوا بما عاهدتم عليه.
{ إن العهد كان مسؤلاً }: أي عنه وذلك بأن يسال العبد يوم القيامة لم نكث عهدك؟
{ أوافوا الكيل }: أي اتموه ولا تنقصوه.
{ بالقسطاس }: أي الميزان السوي المعتدل.
{ واحسن تاويلاً }: أي مآلاً وعاقبة.
{ ولا تقف }: أي ولا تتبع.
{ والفؤاد }: اي القلب.
{ كان عنه مسئولاً }: أي عن واحد من هذه الحواس يوم القيامة.
{ مرحاً }: أي ذا مرح بالكبر والخيلاء.
{ لن تخرق الأرض }: أي لن تثقبها أو تشقها بقدميك.
{ من الحكمة }: أي التي هي معرفة المحاب لله تعالى للتقرب بها إليها ومعرفة المساخط لتتجنبها تقرباً إليه تعالى بذلك.
{ ملوماً مدحوراً }: أي تلوم نفسك على شركك بربك مبعداً من رحمة الله تعالى. معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في بيان ما قضى به الله تعالى على عباده المؤمنين ووصاهم به فقال تعالى: { ولا تقربوا } أي أيها المؤمنون { مال اليتيم الا بالتي هي أحسن } اي بالفعلة التي هي أجمل وذلك بأن تتصرفوا فيه بالتثمير له والاصلاح فيه، والانفاق منه على اليتيم بالمعروف أما أن تقربوه لتأكلوه إسرافاً وبداراً فلالا. وقوله: حتى يبلغ أشده أي حتى يبلغ سن الرشد فتحاسبوه وتعطوه ماله يتصرف فيه حسب المشروع من التصرفات المالية. وقوله تعالى: { وأوفوا بالعهد } أي ومما أوصاكم به أن توفوا بعهودكم التي بينكم وبين ربكم وبينكم وبين سائر الناس مؤمنهم وكافرهم فلا يحل لكم ان لا توفوا بالعهد وأنتم قادرون على الوفاء بحال من الأحوال. وقوله { إن العهد كان مسئولاً } تأكيد للنهي عن نكث العهد إذ أخبر تعالى ان العبد سيسأل عن عهده الذي لم يف به يوم القيامة، ومثل العهد سائر العقود من نكاح وبيع وايجار وما الى ذلك لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اوفوا بالعقود أي بالعهود، وقوله: { وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم } هذا مما أمر الله تعالى وهو إيفاء الكيل والوزن أي توفيتهما وعدم بخسهما ونقصها شيئاً ولو يسيراً ما دام في الامكان عدم نقصه، أما ما يعسر التحرز منه فهو من العفو لقوله تعالى:
{ لا نكلف نفساً الا وسعها }
وقوله { ذلك خير وأحسن تاويلاً } أي ذلك الوفاء والتوفية في الكيل والوزن خير لبراءة الذمة وطيب النفس به وأحسن تاويلاً أي عاقبة إذ يبارك الله تعالى في ذلك المال بأنواع من البركات لا يعلمها الا هو عز وجل. ومن ذلك أجر الآخرة وهو خير فان من ترك المعصية وهو قادرعليها أثابه الله تعالى على ذلك بأحسن ثواب، وقوله تعالى: { ولا تقف ما ليس لك به علم } اي لا تتبع بقول ولا عمل ما لا تعلم، ولا تقل رأيت كذا وانت لم تر، ولا سمعت كذا وانت لم تسمع.
وقوله تعالى: { إن السمع والبصر والفؤاد } أي القلب { كل أولئك كان عنه مسئولاً } أي لا تقف ما ليس لك به علم، لأن الله سائل هذه الأعضاء يوم القيامة عما قال صاحبها أو عمل فتشهد عليه بما قال او عمل مما لا يحل له القول فيه أو العمل. ومعنى اولئك اي تلك المذكورات من السمع والبصر والفؤاد، وقوله تعالى: { ولا تمش في الأرض مرحاً } أي خيلاء وتكبراً أي مما حرم تعالى لا يدخل الجنة، وقوله { إنك لن تخترق الأرض } طولاً مهما تعاليت وتطاولت فإنك كغيرك من الناس لا تخرق الأرض أي تثقبها أو تقطعها برجليك ولا تبلغ علو الجبال فلذا أترك مشية الخيلاء والتكبر، لأن ذلك معيب ومنقصة ولا يأتيه الا ذو حماقة وسفه. وقوله تعالى: { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروهاً } أي كل ذلك المأمور به والمنهي عنه من قوله تعالى:
{ وقضى ربك }
الى قوله { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } سيئة كالتبذير والبخل وقتل الاولاد والزنا وقتل النفس وأكل مال اليتيم، وبخس الكيل والوزن، والقول بلا علم كالقذف وشهادة الزور، والتكبر كل هذا الشيء مكروه عند الله تعالى اذا فلا تفعله يا عبدالله وما كان من حسن فيه كعادة الله تعالى وحده وبر الوالدين والاحسان الى ذوي القربى والمساكين وابن سبيل والعدة الحسنة فكل هذا الحسن هو عند الله حسن فأته يا عبدالله ولا تتركه ومن قرأ كنافع كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها فإنه يريد ما اشتملت عليه الآيات من التبذير والبخل وقتل النفس الى آخر المنهيات.
وقوله تعالى: { ذلك مما أوحى اليك ربك من الحكمة } أي ذلك الذي بينا لم يا رسولنا من الاخلاق الفاضلة والخلال الحميدة التي أمرناك بالاخذ بها والدعوة الى التمسك بها، ومن الخلال القبيحة والخصال الذميمة التي نهيناك عن فعلها وحرمنا إيتانها مما أوحينا إليك في كتابنا هذا من أنواع الحكم وضروب العلم والمعرفة، فلله الحمد وله المنة.
وقوله: { ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً هذه أم الحكم بدأ بها السياق وختمه بها تقريراً وتأكيداً اذ تقدم قوله تعالى:
{ ولا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموماً مخذولاً }
والخطاب وان كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فان كل أحد معني به فأي إنسان يشرك بربه أحداً مبعداً من رحمة به التي هي الجنة. وهذا اذا مات قبل ان يتوب فيوحد ربه في عباداته. إذ التوبة إذا صحت جبت ما قبلها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- حرمة مال اليتيم أكلاً وإفساداً أو تضييعاً وإهمالاً.
2- وجوب الوفاء بالعهود وسائر العقود.
3- وجوب توفية الكيل والوزن وحرمة بخس الكيل والوزن.
4- حصول البركة لمن يتمثل امر الله في كيله ووزنه.
5- حرمة القول أو العمل لما يفضي اليه ذلك من المفاسد ولان الله تعالى سائل كل الجوارح ومستشهدها على صاحبها يوم القيامة.
6- حرمة الكبر ومقت المتكبرين.
7- إنتظام هذا السياق لخمس وعشرين حكمة الأخذ بها خير من الدنيا وما فيها، والتفريط فيها هو سبب خسران الدنيا والآخرة.