۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞
ܔ҉ೋܔ ¨°o.O ( اعضاؤنا الكرام)¨°o.O ܔ҉ೋܔ
تواجدكم ومشاركتكم معنا هو مايدفعنا دائما إلى الأمام
وإلى أن نحقق ما ينال رضا الله ورضاكم عنا
أدعوك للمشاركة والوقوف بجانبنا فنحن نحتاجك كعضو مشارك أكثر من كونك عضو مسجل
فعضو يفيد ويستفيد خير من 1000 عضو يأخذ فقط دون أن يعطى ولو معلومة اوموضوع واحد
ننتظركم من جديد وننتظركم دائما
عليك بعد التسجيل بتفعيل الاشتراك من ايميلك
وكل عام وأنتم بخير
ولكم خالص تحياتى ღॐணॐೋ أداره المنتدى ღॐணॐೋ
۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞
ܔ҉ೋܔ ¨°o.O ( اعضاؤنا الكرام)¨°o.O ܔ҉ೋܔ
تواجدكم ومشاركتكم معنا هو مايدفعنا دائما إلى الأمام
وإلى أن نحقق ما ينال رضا الله ورضاكم عنا
أدعوك للمشاركة والوقوف بجانبنا فنحن نحتاجك كعضو مشارك أكثر من كونك عضو مسجل
فعضو يفيد ويستفيد خير من 1000 عضو يأخذ فقط دون أن يعطى ولو معلومة اوموضوع واحد
ننتظركم من جديد وننتظركم دائما
عليك بعد التسجيل بتفعيل الاشتراك من ايميلك
وكل عام وأنتم بخير
ولكم خالص تحياتى ღॐணॐೋ أداره المنتدى ღॐணॐೋ
۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞

عسر قراءة-عسركتابة-عسراملاء-صعوبات تعلم-صعوبات اكاديميه -ديسلكسيا
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» مكارم الأخلاق في القرآن الكريم
سورة الأعراف Emptyالجمعة أكتوبر 21, 2011 10:49 pm من طرف hany1

» تفسيرسورة الإسراء
سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 7:05 pm من طرف hany1

» سورة النحل
سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:53 pm من طرف hany1

» سورة الحجر
سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:43 pm من طرف hany1

» سورة إبراهيم
سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:37 pm من طرف hany1

» تفسيرسورة الرعد
سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:33 pm من طرف hany1

» تفسيرسورة يوسف
سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:24 pm من طرف hany1

» تفسيرسورة هود
سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:19 pm من طرف hany1

» سورة يونس
سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:07 pm من طرف hany1

» سورة التوبة
سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 6:00 pm من طرف hany1

أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
hany1
سورة الأعراف Vote_rcapسورة الأعراف Voting_barسورة الأعراف Vote_lcap 
مديرة المنتدى
سورة الأعراف Vote_rcapسورة الأعراف Voting_barسورة الأعراف Vote_lcap 
mahany2011
سورة الأعراف Vote_rcapسورة الأعراف Voting_barسورة الأعراف Vote_lcap 
rasha
سورة الأعراف Vote_rcapسورة الأعراف Voting_barسورة الأعراف Vote_lcap 
soso
سورة الأعراف Vote_rcapسورة الأعراف Voting_barسورة الأعراف Vote_lcap 
مصريه بجد
سورة الأعراف Vote_rcapسورة الأعراف Voting_barسورة الأعراف Vote_lcap 
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأكثر شعبية
مراتب الحديث الضعيف
الكذب وعواقبه
اهميه الزكاه وفضلها
مكارم الأخلاق في القرآن الكريم
سورة البقرة
سورة التوبة
سورة يونس
سورة الأنعام
القول الفصيح فى معرفه مراتب الحديث الصحيح
تفسيرسورة الإسراء
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط ۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞ على موقع حفض الصفحات
مايو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
  12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031  
اليوميةاليومية

 

 سورة الأعراف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة الأعراف Empty
مُساهمةموضوع: سورة الأعراف   سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 5:37 pm

سورة الأعراف
{ الۤمۤصۤ } * { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } * { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } * { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }

شرح الكلمات:

{ المص }: هذه أحد الحروف المقطعة ويقرأ هكذا: ألف لآم ميم صَادْ، والله أعلم بمراده بها.

{ كتاب }: أي هذا كتاب.

{ حرج }: ضيق.

{ وذكرى }: تذكرة بها يذكرون الله وما عنده وما لديه فيقبلون على طاعته.

{ أولياء }: رؤساؤهم في الشرك.

{ وما تذكرون }: أي تتعظون فترجعون إلى الحق.

{ وكم من قرية }: أي كثيراً من القرى.

{ بأسنا بياتا }: عذابنا ليلاً وهم نائمون.

{ أو هم قائلون }: أي نائمون بالقيلولة وهم مستريحون.

{ فما كان دعواهم }: أي دعاؤهم، إلا قولهم إنا كنا ظالمين.

معنى الآيات:

{ المص } في هذه الحروف إشارة إلى أن هذا القرآن تألف من مثل هذه الحروف المقطعة وقد عجزتم عن تأليف مثله فظهر بذلك أنه كلام الله ووحيه إلى رسوله فآمنوا به وقوله { كتاب } أي هذا كتاب { أنزل إليك } يا رسولنا { فلا يكن في صدرك حرج منه } أي ضيق منه { لتنذر به } قومك عواقب شركهم وضلالهم، وتذكر به المؤمنين منهم ذكرى وقل لهم { اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } من الهدى والنور، { ولا تتبعوا من دونه } أي من غيره { أولياء } لا يأمرونكم إلا بالشرك والشر والفساد، وهم رؤساء الضلال في قريش { قليلاً ما تذكرون } أي تتعظون فترجعون إلى الحق الذي جانبتموه { وكم من قرية أي وكثيرا من القرى أهلكنا أهلها لما جانبوا الحق ولازموا الباطل { فجاءها بأسنا } أي عذابنا الشديد. { بياتاً أو هم قائلون } أي ليلاً أو نهاراً، فما كان دعاءهم يومئذ إلا قولهم: يا ولينا إنا كنا ظالمين فاعترفوا بذنبهم، ولكن هيهات أن ينفعهم الاعترف بعد معاينة العذاب.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- القرآن الكريم هو مصدر نذارة الرسول صلى الله عليه وسلم وبشارته بما حواه من الوعد والوعيد، والذكرى والبشرى.

2- وجوب اتباع الوحي، وحرمة اتباع ما يدعو إليه أصحابه الأهواء وَالمبتدعة.

3- الاعتبار بما حل بالأمم الظالمة من خراب ودمار.

4- لا تنفع التوبة عن معاينة الموت أو العذاب.

{ فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } * { وَٱلْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ } * { وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }

معنى الكلمات:

{ أرسل إليهم }: هم الأمم والأقوام.

{ فلنقصن عيلهم بعلم }: فنخبرنهم بأعمالهم متتابعين لها فلا نترك منها شيئاً.

{ وما كنا غائبين }: أي عنه أيام كانوا يعملون.

{ الوزن يومئذ الحق }: أي العدل.

{ فمن ثقلت موازينه }: أي بالحسنات فأولئك هم المفلحون بدخول الجنة.

{ خسروا أنفسهم }: بدخولهم النار والإِصطلاء بها أبداً.

{ معايش }: جمع معيشة بمعنى العيش الذي يعيشه الإِنسان.

{ قليلاً ما تشكرون }: أي شكراً قليلاً والشكر ذكر النعمة للمنعم وطاعته بفعل محابه وترك مكارهه.

معنى الآيات:

قوله تعالى: { فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين، فلنقصن عيلهم بعلم وما كنا غائبين } يخبر تعال أنه إذا جمع الخلائق لفصل القضاء مؤكداً الخبر بالقسم أنه يسأل كل أة أو جماعة أو فرد أرسل إليهم رسله يسألهم عن مدى إجابتهم دعوة رسله إليهم، فهل آمنوا بما جاءتهم به الرسل، وأطاعوهم فيما بلغوهم، من التوحيد والعبادة الطاعة والانقياد، كما يسأل الرسل أيضاً هل بلغوا ما ائتمنهم عليه من رسلاته المتضمنة أمر عباده بالإِيمان به وتوحيده وطاعته في أمره ونهيه، ثم يقصُّ تعالى على الجميع بعلمه كل ما كان منهم من ظاهر الأعمال وباطنها، ولا يستطيعون إخفاء شىء أبداً، ولم يكن سؤاله لهم أولاً، إلا من باب إقامة الحجة وإظهار عدالته سبحانه وتعالى فيهم، ولتوبيخ من يستحق التوبيخ منهم، وهذا معنى قوله تعالى: { فنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين } عنهم حينما كانوا في الدنيا يعملون فكل أعمالهم كانت مكشوفة ظاهرة له تعالى ولا يخفى عليه منها شىء وهو السميع البصير.

هذا ما دلت عليه الآية الأولى (6) والثانية (7) أما الآيتان الثالثة الرابعة فقد أخبر تعالى أنه بعد سؤالهم وتعريفهم بأعمالهم ينصب الميزان وتوزن لهم أعمالهم فمن ثقلت موازين حسناته أفلح بالنجاة من النار ودخول الجنة دار السلام ومن خَّفت لقلة حسناته وكثرة سيئاته خسر نفسه بإلقائه في جهنم ليخلد في عذاب أبدي، وعلل تعالى لهذا الخسران في جهنم بقوله { بما كانوا بآياتنا يظلمون } أي يكذبون ويجحدون، وأطلق الظلم وأريد به التكذيب ولجحود لأمرين هما:

أولاً: اكتفاء بحرف الجر الباء إذ لا تدخل على ظلم ولكن على كذب أو جحد يقال كذب به وجحد به ولا يقال ظلم به ولكن ظلمه وهذا من باب التضمين وهو سائغ في لغة العرب التي نزل بها القرآن.

وثانياً: أنهم بدل أن يؤمنوا بالآيات وهي واضحات كذبوا بها فكانوا كأنهم ظلموا الآيات ظلماً حيث لم يؤمنوا بها وهي بينات.

هذا ما دلت عليه الآيتان أما الآية الخامسة (10) فقد تضمنت امتنان الله تعالى على عباده، وكان المفروض أن يشكروا نعمه عليهم بالإِيمان به وتوحيده وطاعته، ولكن الذي حصل هو عدم الشكر من أكثرهم قال تعالى { ولقد مكناكم في الأرض } حيث جعلهم متمكنين في الحياة عليها يتصرفون فيها ويمشون في مناكبها، وقوله { وجعلنا لكم فيها معايش } هذه نعمة أخرى وهي أن جعل لهم فيها معايش وأرزاقاً يطلبونها فيها ويحصلون عليها وعليها قامت حياتهم، وقوله { قليلاً ما تشكرون } أي لا تشكرون إلا شكراً يسيراً لا يكاد يذكر.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- تقرير عقيدة البعث والسؤال والحساب ووزن الأعمال يوم القيامة.

2- صعوبة الموقف حيث تسأل الأمم والرسل عليهم السلام كذلك.

3- الفلاح والخسران مبنيان على الكسب في الدنيا فمن كسب خيراً نجا، ومن كسب شراً هلك.

4- وجوب شكر النعم بالإِيمان والطاعة لله ورسوله.

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } * { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } * { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } * { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }

شرح الكلمات:

{ خلقناكم ثم صورناكم }: أي خلقنا أباكم آدم أي قدرناه من الطين ثم صورناه على الصورة البشرية الكريمة التي ورثها بنوه من بعده إلى نهاية الوجود الإِنساني.

{ فسجدوا }: أي سجود تحية لآدم عليه السلام.

{ إبليس }: أبو الشياطين من الجن وكنيته أبو مرة، وهو الشيطان الرجيم.

{ فاهبط منها }: أي من الجنة.

{ من الصاغرين }: جمع صاغر الذليل المهان.

{ فبما أغويتني }: أي فبسبب إضلالك لي.

{ مذموماً مدحوراً }: ممقوتاً مذموماً مطروداً.

معنى الآيات:

ما زال السياق في تعداد أنعم الله تعالى عباده تلك النعم الموجبة لشكره تعالى بالإِيمان به وطاعته فقال تعالى { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } أي خلقنا أباكم آدم من طين ثم صورناه بالصورة البشرية التي ورثها بنوه عنه، { ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } وفي هذا إنعام آخر وهو تكريم أبيكم آدم بأمر الملائكة بالسجود له تحية له وتعظيما { فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين } أي أبى وامتنع أن يسجد، فسأله ربه تعالى قائلا: { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } أي أي شىء جعلك لا تسجد فأجاب إبليس قائلا: { أنا خير منه خلقتني من نار، وخلقته من طين } فأنا أشرف منه فكيف أسجد له، ولم يكن إبليس مصيباً في هذه القياس الفاسد أولاً: ليست النار أشرف من الطين بل الطين أكثر نفعاً وأقل ضرراً، والنار كلها ضرر، وما فيها من نفع ليس بشىء إلى جانب الضرر وثانيا: إن الذي أمره بالسجود هو الرب الذي تجب طاعته سواء كان المسجود له فاضلاً أو مفضولاً، وهنا أمره الرب تعالى أن يهبط من الجنة فقال { اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين } أي الذليلين الحقيرين، ولما وقع إبليس في ورطته، وعرف سبب هلكته وهو عدم سجوده لآدم قال للرب تبارك وتعالى { انظرني } أي أمهلني لا تمتني { إلى يوم يبعثون } فأجابه الرب بقوله
{ إلى يوم الوقت المعلوم }
وهو فناء هذه الدنيا فقط وذلك قبل البعث، جاء هذا الجواب في سورة الحجر وهنا قال { إنك من المنظرين } ومراد إبليس في الإِمهال التمكن من إفساد أكبر عدد من بني آدم انتقاماً منهم إذ كان آدم هو السبب في طرده من الرحمة، ولا أجابه الرب إلى طلبه قال: { فبما أغويتني } أي أضللتني { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } يريد آدم وذريته، والمراد من الصراط الإِسلام إذ هو الطريق المستقيم والموصل بالسالك له إلى رضوان الله تعالى { ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } يريد يحيط بهم فيمنعهم سلوك الصراط المستقيم حتى لا ينجوا ويهلكوا كما هلك هو زاده الله هلاكاً، وقوله { ول تجد أكثرهم شاكرين } هذا قول إبليس للرب تعالى، ولا تجد أكثر أولاد آدم الذي أضللتني بسببه شاكرين لك بالإِيمان والتوحيد والطاعات.

وهنا أعاد الله أمره بطرد اللعين فقال { اخرج منها } أي من الجنة { مذموماً مدحوراً } أي ممقوتاً مطروداً { لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين } أي فبعزتي لأملأن جهنم منك وممن اتبعك منهم أجمعين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- خطر الكبر على الإِنسان.

2- ضرر القياس الفاسد.

3- خطر إبليس وذريته على بنى آدم، والنجاة منهم بذكر الله تعالى وشكره.

4- الشكر هو الإِيمان والطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

{ ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } * { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } * { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ }

شرح الكلمات:

{ وزوجك }: هي حواء التي خلقها الله تعالى من ضلع آدم الأيسر.

{ الجنة }: دار السلام التي دخلها رسول الله صلى الله عليه سلم ليلة الإِسراء والمعراج.

{ من الظالمين }: أي لأنفسهم.

{ فوسوس }: الوسوسة: الصوت الخفي، وسوسة الشيطان لابن آدم إلقاء معانٍ فاسدة ضارة في صدره مزينة لعتقدها أو يقول بها أو يعمل.

{ ليبدي لهما ما ووري }: ليظهر ما ستر عنهما من عوراتهما.

{ وقاسمهما }: حلف لكل واحد منهما.

{ فدلاهما بغرور }: أي أدناهما شيئاً فشيئاً بخداعه وتغريره حتى أكلا من الشجرة.

{ وطفقا يخصفان }: وجعلا يشدان عليهما من ورق الجنة ليسترا عوراتهما.

معنى الآيات:

ولما طرد الرحمن إبليس من الجنة نادى آدم قائلاً له { يا آدم اسكن أنت وزوجك } أي حواء { الجنة فكلا من حيث شئتما } يعني من ثمارها وخيراتها، { ولا تقربا هذه الشجرة } أشار لهما إلى شجرة من أشجار الجنة معينة، ونهاهما عن الأكل منها، وعلمهما أنهما إذا أكلا منها كانا من الظالمين المستوجبين للعقاب، واستغل إبليس هذه الفرصة التي أتيحت له فوسوس لهما مزيناً لهما الأكل من الشجرة قائلاً لهما { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } { وقاسمهما } أي حلف لهما أنه ناصح لهما وليس بغاش لهما، { فدلاهما بغرور } وخداع حتى أكلا { فلما ذاقا الشجرة بدت... } أي ظهرت لهما سواءتهما حيث انحسر النور الذي كان يغطيهما، فجعلا يشدان من ورق الجنة على أنفسهما ليستر عوراتهما، وهو معنى قوله تعالى { وطفقا يخصفا فجعلا يشدان من ورق الجنة على أنفسهما ربهما سبحانه وتعالى قائلاً: ألم أنهكما عن هذه الشجرة وهو استفهام تأديب وتأنيب، { وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين } فكيف قبلتما نصحه وهو عدوكما.

هداية الآيات

1- سلاح إبليس الذي يحارب به ابن آدم هو الوسوسة والتزيين لا غير.

2- تقرير عداوة الشيطان للإِنسان.

3- النهي يقتضي التحريم إلا أن توجد قرينة تصرف عنه إلى الكراهة.

4- وجوب ستر العورة من الرجال والنساء سواء.

5- جواز الاقسام بالله تعالى، ولكن لا يحلف إلا صادقاً.

{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ }

شرح الكلمات:

{ ظلمنا أنفسنا }: أي بأكلهما من الشجرة.

{ الخاسرين }: الذين خسروا دخول الجنة والعيش فيها.

{ مستقر }: مكان استقرار وإقامة.

{ متاع إلى حين }: تمتع بالحياة إلى حين انقضاء آجالكم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن آدم عليه السلام، أنه لما ذاق آدم وحواء الشجرة وبدت لهما سؤاتهما عاتبهما ربهما على ذلك قالا معلنين عن توبتهما: { ربنا ظلمنا أنفسنا } أي بذوق الشجرة { وإن لم تغفر لنا } أي خطيئتنا هذه { لنكونن من الخاسرين } أي الهالكين، وتابا فتاب الله تعالى عليهما وقال لهم اهبطوا إلى الأرض إذ لم تعد الجنة في السماء داراً لهما بعد ارتكاب المعصية، إن إبليس عصا بامتناعه عن السجود لآدم، وآدم وحواء بأكلهما تمن الشجرة وقوله { بعضكم لبعض عدو } أي اهبطوا إلى الأرض حال كون بعضكم لبعض عدواً، إبليس وذريته عدو لآدم وبنيه، وآدم وبنوه عدو لإِبليس وذريته، { ولكم في الأرض مستقر } أي مقام استقرار، { ومتاع إلى حين } أي تمتع بالحياة إلى حين انقضاء الآجال وقوله تعالى { فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون } يريد من الأرض التي أُهبطهم إليها وهي هذه الأرض التي يعيش عليها بنو آدم، والمراد من الخروج الخروج من القبور إلى البعث والنشور.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- قول آم وحواء: { ربنا ظلمنا أنفسنا.. } الآية هو الكلمة التي ألقاها تعالى إلى آدم فتلقاها عنه فتاب عليه بها.

2- شرط التوبة الاعتراف بالذنب وذلك بالاستغفار أي طلب المغفرة.

3- شؤم الخطيئة كان سبب طرد إبليس من الرحمة، وإخراج آدم من الجنة.

4- لا تَتِمُّ حياةٌ للإِنسان على غير الأرض، ولا يدفن بعد موته في غيرها لدلالة آية { فيها تَحْيَوْن وفيها تموتون ومنها تُخْرجون }.

{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

شرح الكلمات:

{ وريشاً }: لباس الزينة والحاجة.

{ يواري سوءاتكم }: يستر عوراتكم.

{ لباس التقوى }: خير في حفظ العورات والأجسام والعقول والأخلاق.

{ من آيات الله }: دلائل قدرته.

{ لا يفتننكم }: أي لا يصرفنكم عن طاعة الله الموجبة لرضاه ومجاورته في الملكوت الأعلى.

{ أبويكم }: آدم وحواء.

{ قبيله }: جنوده من الجن.

{ فاحشة }: خصلة قبيحة شديدة القبح كالطواف بالبيت عراة.

معنى الآيات:

قوله تعالى { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً } هذا النداء الكريم المقصود منه تذكير للمشركين من قريش بنعم الله وقدرته عليهم لعلهم يذكرون فيؤمنون ويسلمون بترك الشرك والمعاصي، من نعمه عليهم أن أنزل عليهم لباساً يوارون به سوءاتهم، { وريشاً } لباساً يتجملون به، في أعيادهم ومناسباتهم، ثم أخبر تعالى أن لباس التقوى خير لصاحبه من لباس الثياب، لأن المتقي عبد ملتزم بطاعة الله ورسوله، والله ورسوله يأمران بستر العورات، ودفع الغائلات، والمحافظة على الكرامات، ويأمران بالحياء، والعفة وحسن السمت ونظافة الجسم والثياب فأين لباس الثياب مجردة عن التقوى من هذه؟؟.

وقوله تعالى { ذلك من آيات الله } أي من دلائل قدرته قدرته الموجبة للإِيمان به وطاعته، وقوله { لعلهم يذكرون } أي رجاء أن يذكروا هذه النعم فيشكروا بالإِيمان والطاعة.

هذا ما دلت عليه الآية الأولى (26) وفي الآية الثانية (27) ناداهم مرة ثانية فقال { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما } يحذرهم من إغواء الشيطان لهم مذكراً إياهم بما صنع مع أبويهما من إخراجهما من الجنة بعد نزعه لباسهما عنهما فانكشفت سوءاتهما الأمر الذي سبب إخراجهما من دار السلام، منبهاً لهم على خطورة العدو من حيث أنه يراهم هو وجنوده، وهم لا يرونهم، ثم أخبر تعالى أنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون، وذلك حسب سنته في خلقه، فالشياطين يمثلون قمة الشر والخبث، فالضين لا يؤمنون قلوبهم مظلمة لا نعدام نور الإِيمان فيها فهي متهيئة لقبول الشياطين وقبول ما يوسوسون به ويوحونه من أنواع المفاسد والشرور كالشرك والمعاصي على اختلافها، وبذلك تتم الولاية بين الشياطين والكافرين، وكبرهان على هذا الولاء بينهم أن المشركين إذا فعلوا فاحسة خصلة ذميمة قبيحة شديدة قبيحة شديدة القبح ونهوا عنها احتجوا على فعلهم بأنهم وجدوا آباءهم يفعلونها، وأن الله تعالى أمرهم بها وهي حجة باطلة لما يلي أولا: فعل آبائهم ليس ديناً ولا شرعاً.

ثانيا: حشا لله تعالى الحكيم العليم أن يأمر بالفواحش إنما يأمر بالفواحش الذين يأتونها بالفحشاء } ووبخهم معنفاً إياهم بقوله: { أتقولون على الله ما لا تعلمون }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- التذكير بنعم الله تعالى المقتضي للشكر على ذلك بالإِيمان والتقوى.

2- التحذير من الشيطان وفتنته لا سيما وأنه يرى الإِنسان الإِنسان لا يراه.

3- القلوب الكافرة هي الآثمة، وبذلك تتم الولاية بين الشياطين والكافرين.

4- قبح الفواحش وحرمتها.

5- بطلان الاحتجاج بفعل الناس إذ لا حجة إلا في الوحي الإِلهي.

6- تنزه الرب تعالى عن الرضا بالفواحش فضلاً عن الأمر بها.

{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } * { فَرِيقاً هَدَىٰ وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }

شرح الكلمات:

{ القسط }: العدل في القول والحكمة والعمل.

{ أقيموا وجوهكم }: أي أخلصوا العبادة لله استقبلوا بيته.

{ كما بدأكم تعودون }: كما بدأ خلقكم أول مرة يعيدكم بعد الموت أحياء.

{ أولياء من دون الله }: يوالونهم محبة ونصرة وطاعة، من غير الله تعالى.

{ زينتكم }: أي البسوا ثيابكم عند الدخول في الصلاة.

{ ولا تسرفوا }: في أكل ولا شرب، والإِسراف مجاوزة الحد المطلوب في كل شيء.

معنى الآيات:

ما زال السياق في بيان أخطاء مشركي قريش فقد قالوا في الآيات السابقة محتجين على فعلهم الفواحش بأنهم وجدوا آباءهم على ذلك وأن الله تعالى أمكرهم بها وأكذبهم الله تعالى في ذلك وقال في هذه الآية (29) { قل } يا رسولنا { أمر ربي بالقسط } الذي هو العدل وهو الإِيمان بالله ورسوله وتوحيد الله تعالى في عبادته، وليس هو الرك بالله وفعل الفواحش، والكذب على الله تعالى بأنه حلل كذا وهو لم يحلل، وحرم كذا وهو لم يحرم، وقوله تعالى: { وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد } أي وقل لهم يا رسولنا أقيموا وجوهكم عند كل مسجد أي أخصلوا لله العبادة، واستقبلوا بيته الحرام قوله: { كما بدأكم تعودون } يذكرهم بالدار الآخرة والحياة الثانية، فإن من آمن بالحياة بعد الموت والجزاء على كسبه خيراً أو شراً أمكنه أن يستقيم على العدل والخير طوال الحياة وقوله { فريقاً هدى،وفريقاً حق عليهم الضلالة } بيان لعدله وحكمته ومظاهر قدرته فهو المدىء والمعيد والهادي والمضل، له الملك المطلق الحكم الأوحد، فكيف يعدل به أصنام وأوثان هدى فريقاً من عباده فاهتدوا، وأضل آخرين فضلوا ولكن بسبب رغبتهم عن الهداية وموالاتهم لأهل الغواية، { إنهم اخذوا الشياطين أولياء من دون الله } فضلوا ضلالاً بعيداً { ويحسبون } لتوغلهم في الظلام والضلال { أنهم مهتدون }.

وقوله تعالى: { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } أي البسوا ثيابكم عند الطواف بالبيت فلا تطوفوا عراة، وعند الصلاة فلا تصلوا وأنتم مكشوفوا العورات كما يفعل المشركون المتخذون الشياطين أولياء فأضلتهم حتى زينت لهم الفواحش قولاً وفعلاً واعتقاداً. وقوله: { كلوا واشربوا ولا تسرفوا } أي كلوا مما أحل الله لكم واشربوا، ولا تسرفوا بتحريم ما أحل الله، وشرع ما لم يشرع لكم فالزموا العدل، فإنه تعالى لا يحب المسرفين فاطلبوا حبه بالعدل، واجتنبوا بغضه بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

من هداية الآيات:

1- وجوب العدل في القول وفي الحكم.

2- وجوب اخلاص العبادة صلاةً كانت أو دعاءً لله تعالى.

3- ثبوت القدر.

4- وجوب ستر العورة في الصلاة.

5- حرمة الإِسراف في الأكل والشرب وفي كل شيء.

{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }

شرح الكلمات:

من حرم زينة الله: التحريم: المنع، والزينة: ما يتزين به من ثياب وغيرها.

{ والطيبات }: جمع طيب وهو الحلال غير المستخبث.

{ خالصة }: لا يشاركهم فيها الكفار لأنهم في النار.

{ الفواحش }: جمع فاحشة والمراد بها هنا الزنى واللواط السري كالعلني.

{ والإِثم }: كل ضار قبيح من الخمر وغيرها من سائر الذنوب.

{ والبغي بغير الحق }: الظلم بغير قصاص ومعاقبة بالمثل.

{ وأن تشركوا }: أي الشرك بالله وهو عبادة غير الله تعالى.

{ السلطان }: الحجة التي تثبت بها الحقوق المختلف فيها أو المتنازع عليها.

{ أجل }: وقت محدد تنتهي إليه.

معنى الآيات:

لما حرم المشركون الطواف بالبيت بالثياب وطافوا بالبيت عراة بدعوى أنهم لا يطوفون. بثياب عصوا لله تعالى فيها، أنكر تعالى ذلك عليهم بقوله: { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } كلحوم ما حرموه من السوائب، فالاستفهام في قوله { قل من حرم زينة الله } للإِنكار. ومعنى أخرجها: أنه أخرج النبات من الأرض كالقطن والكتان ومعادن الحديد لأن الدروع من الحديد، وقوله تعالى { قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا } بالأصالة، لأن المؤمنين علماء فيحسنون العمل والإِنتاج والصناعة، والكفار تبع لهم في ذلك لجهلهم وكسلهم وعدم بصيرتهم، { خالصة يوم القيامة } أي هي خالصة للمؤمنين يوم القيامة لا يشاركهم فيها الكفار ولأنهم في دار الشقاء النار والعياذ بالله تعالى وقوله تعالى { كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون } أي كذها التفصيل والبيان الذي بيناه وفضلناه في هذه الآيات وما زلنا نفصل ونبين ما ننزل من آيات القرآن الكريم لقوم يعلمون أما غيرهم من أهل الجهل والضلال فإنهم لا ينتفعون بذلك لأنهم محجبون بظلمة الكفر والشرك ودخان الأهواء والشهوات والشبهات.

هذا ما دلت عليه الآية الأولى (32) أما الآية الثانية (33) فقد تضمنت بيان أصول المحرمات وأمهات الذنوب وهي: الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإِثم: وهو سائر المعاصي بترك الواجب أو فعل الحرام والبغي: وهو الاستطالة على الناس والاعتداء عليهم بهضم حقوقهم وأخذ أموالهم وضرب أجسامهم بمثل ما جنى وظلم، والشرك بالله تعالى بعبادة غيره، والقول على الله تعالى بدون علم منه وذلك كشرع ما لم يشرع بتحريم ما لم يحرم، وإيجاب ما لم يوجب.

هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الثالثة والأخيرة في هذا السياق (34) فقد أخبر تعالى فيها أن لكل أمة أجلاً محدداً أي وقتاً معيناً هلاكها فيه لا تتقدمه بساعة ولا تتأخر عنه بأخرى. وفي هذا إشارة أفصح من عبارة وهي أن هلاك الأمم والجماعات والأفراد يتم بسبب انحرافهم عن منهج الحياة، كالمرء يهلك بشرب السم، وبإلقاء نفسه من شاهق، أوة إشعال النار في جسمه كذلك ارتكاب أمهات الذنوب وأصول المفاسد التي ذكر تعالى في قوله { قل إنما حرم ربي الفواحش ..} من شأنها أن تودى بحياة مرتكبيها لا محالة ما لم يتوبوا منها وتصلح حالهم بالعودة إلى منهج الحياة الذي وضع الله في الإِيمان والتوحيد والطاعة لله ورسوله بفعل كل أمر وترك كل نهي.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- الإِنكار الشديد على من يحرم ما أحل الله من الطيبات كبعض المتنطعين.

2- المستلذات من الطعام والشراب والمزينات من الثياب وغيرها المؤمنون أولى بها من غيرهم لأنهم يحسنون العمل، ويبذلون الجهد لاستخراجها والانتفاع بها. بخلاف أهل الجهالات فإنهم عمي لا يبصرون ومقعدون لا يتحركون. وإن قيل العكس هو الصحيح فإن أمم الكفر وأوربا وأمريكا هي التي تقدمت صناعياً وتمتعت بما لم يتمتع به المؤمنون؟ فالجواب: أن المؤمنين وعقائدهم، فعوقوهم عن العمل مكراً بهم وخداعاً لهم. والدليل أن المؤمنين لما كانوا كاملين في إيمانهم كانوا أرقى الأمم وأكملها حضارة وطهارة وقوة وإنتاجاً مع أن الآية تقول {... لقوم يعلمون } فإذا حل الجهل محل العلم فلا انتاج ولا اختراع ولا حضارة.

2- بيان أصول المفاسد وهي الفواحش وما ذكر بعدها إلى {.... وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }.

3- ذكرت هذه المفاسد بطريقة التدلي آخرها أخطرها وهكذا أخفها أولها.

4- أجل الأمم كأجل الأفراد يتم الهلاك عند انتظام المرض كامل الأمة أو أكثر أفرادها كما يهلك الفرد عندما يستشري المرض في كامل جسمه.

{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

شرح الكلمات:

{ إما يأتينكم }: أصل إما إن -الشرطية- وما زائدة لتقوية الكلام أدغمت فيها (إن) فصارت إما.

{ يقصون عليكم آياتي }: يتلونها عليكم آية بعد آية مبينين لكم ما دلت عليه من أحكام الله وشرائعه، ووعده ووعيده.

{ فمن اتقى }: أي الشرك فلم يشرك وأصلح نفسه بالأعمال الصالحة.

{ فلا خوف عليهم }: في الدنيا والآخرة.

{ ولا هم يحزنون }: على ما تركوا وراءهم أو فاتهم الحصول عليه من أمور الدنيا.

معنى الآيتين:

هذا النداء جائز أن يكون نداءً عاماً لكل بني آدم كما هو ظاهر اللفظ وأن البشرية كلها نوديت به على ألسنة رسلها، وجائز أن يكون خاصاً بمشركي العرب وأن يكون المراد من الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ذكر بصيغة الجمع تعظيماً وتكريماً له، وما نوديت إليه ربه وهي تحمل العلم بالله وصفاته وبيان محابه ومساخطه، فمن اتقى الله فترك الشرك به، وأصلح ما أفسده قبل العلم من نفسه وخلقه وعقله وذلك بالإِيمان والعمل الصالح فهؤلاء في حكم الله أنه { لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } في الحياتين معاً، أما الذين كذبوا بآيات الله التي جاءت الرسل بها وقصتها عليهم واستكبروا عن العمل به كما استكبروا عن الإِيمان بها، فأولئك البعداء من كل خير { أصحاب النار } أي أهلها { هم فيها خالدون } لا يخرجون منها بحال من الأحوال.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- قطع حجة بني آدم بإرسال الرسل إليهم.

2- أول ما يبدأ به في باب التقوى الشرك بأن يتخلى عنه الإِنسان المؤمن أولاً.

3- الإِصلاح يكون بالأعمال الصالحة التي شرعها الله مزكية للنفوس مطهرة لها.

4- التكذيب كالاستكبار كلاهما مانع من التقوى والعمل الصالح. ولذا أصحابهما هم أصحاب النار.

{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } * { قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ }

شرح الكلمات:

{ فمن أظلم }: الظلم وضع الشىء في غير موضعه، ولذا المشرك ظالم لأنه وضع العبادة في غير موضعها حيث عبد بها من لا يستحقها.

{ نصيبهم }: ما قدر لهم في كتاب المقادير.

{ رسلنا }: المراد بهم ملك الموت وأعوانه.

{ قالوا ضلوا عنا }: غابوا عنا فلم نرهم ولم نجدهم.

{ في أمم }: أي في جملة أمم.

{ اداركوا }: أي تداركوا ولحق بعضهم بعضا حتى دخلوها كلهم.

{ اخراهم لأولاهم }: الاتباع قالوا للرؤساء في الضلالة وهم المتبوعون.

{ تكسبون }: من الظلم والشر والفساد.

{ يلج الجمل في سم الخياط }: أي يدخل الجمل في ثقب الإِبرة.

{ المجرمين }: الذين أجرموا على أنفسهم فافسدوها بالشرك والمعاصي.

{ مهاد }: فراش يمتهدونه من النار.

{ غواش }: أغطية يتغطون بها من النار كذلك.

معنى الآيات:

يُخبر تعالى بأنه لا أظلم ولا أجهل ولا أضل ممن يفترى على الله الكذب فيقول اتخذ ولداً أو أمر بالفواحش، أو حرم كذا وهو لم يحرم، أو كذب بآياته التي جاءت بها رسله فجحدها وعاند في ذلك وكابر، فهؤلاء المفترون المكذبون يخبر تعالى أنه { ينالهم نصيبهم من الكتاب } أي ما كُتب لهم في اللوح المحفوظ منخير وشر وسعادة أو شقاء { حتى إذا جاءتهم رسلنا } أي ملك الموت وأعوانه { يتوفونهم }. يقولون لهم { اين ما كنتم تدعون من دون الله } اي تعبدون من أولياء؟ فيجيبون قائلين: { ضلوا عنا } أي غابوا فلم نرهم. قال تعالى: { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } ويوم القيامة يقال لهم { ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإِنس } في النار، فيدخلون. { كلما دخلت أمة لعنت أختها } فلعن المشركون بعضهم بعضاً. واليهود والنصارى كذلك، { حتى إذا اداركوا فيها جميعاً } أي تلاحقوا وتم دخولهم النار أخذوا يشتكون { قالت اخراهم لأولاهم ربنا } أي يا ربنا { هؤلاء أضلونا } عن صراطك فلم نعبدك { فآتهم عذاباً ضعفاً } أي مضاعفاً { من النار } ، فأجابهم الله تعالى بقوله { لكل ضعف } لكل واحدة منكم ضعف من العذاب { ولكن لا تعلمون } ، إذ الدار دار عذاب فهو يتضاعف على كل من فيها، وحينئذ { قالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل، فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون } أي من الشرك والافتراء على الله والتكذيب بآياته، ومجانبة طاعته وطاعة رسوله.

هذا ما دلت عيه الآيات الثلاث أما الآيتان الرابعة والخامسة فإن الرابعة قررت حكماً عظيما وهو أن الذين كذبوا بآيات الله واستكبروا عنها فلم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات وعاشوا على الشرك والشر والفساد هؤلاء إذا مات أحدهم وعرجت الملائكة بروحه إلى السماء لا تفتح له أبواب السماء، ويكون مآلهم النار كما قال تعالى { ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } فعلق دخولهم الجنة على مستحيل وهو دخول الجمل في ثقب الإِبرة، والمعلق على مستحيل مستحيل.

قال تعالى { وكذلك نجزي المجرمين } على أنفسهم حيث أفسدوها بالشرك والمعاصي. هذا ما تضمنته الآية الرابعة، وهي قوله تعالى: { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين }.

أما الخامسة فقد تضمنت الخبر التالي: { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } أي أغطية من النار وكما جزى تعالى هؤلاء المكذبين المستكبرين والمجرمين يجزي بعدله الظالمين لأنفسهم حيث لوثوها وخبثوها بأوضار الذنوب والآثام.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- شر الظلم ما كان كذبا على الله وتكذيبا بشرائعه.

2- تقرير فتنة القبر وعذابه.

3- لعن أهل النار بعضهم بعضاً حنقاً على بعضهم بعضاً إذ كان كل واحد سبباً في عذاب الآخر.

4- بيان جزاء المكذبين بآيات الله والمستكبرين عنها وهو الحرمان من دخول الجنة، وكذلك المجرمون الظالمون.

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

شرح الكلمات:

{ إلا وسعها }: طاقتها وما تتحمله وتقدر عليه من العمل.

{ ونزعنا }: أي أقلعنا وأخرجنا.

{ من غل }: أي من حقد وعداوة.

{ هدانا لهذا }: أي للعمل الصالح في الدنيا الذي هذا جزاؤه وهو الجنة.

{ بما كنتم تعملون }: أي بسبب أعمالكم الصالحة من صلاة وصيام وصدقات وجهاد.

معنى الآيتين:

لما ذكر تعالى جزاء أهل التكذيب والاستكبار عن الإِيمان والعمل الصالح وكان شقاء وحرماناً ذكر جزاء أهل الإِيمان والعمل الصالح فقال: { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } ، ولما كان العمل منه الشاق الذي لا يطاق ومنه السهل الذي يقدر عليه قال: { لا نكلف نفساً إلا وسعها } أي ما تقدر عليه من العلم ويكون في استطاعتهما، ثم أخبر عن المؤمنين العامين للصالحات فقال { أولئك أصحاب الجنة فيها خالدون }. كما أخبر في الآية الثانية أنه طهرهم باطناً فنزع ما في صدورهم من غل على بعضهم بعضاً، وأن الأنهار تجري من تحت قصورهم، وأنهم قالوا شاكرين نعم الله عليهم: { الحمد لله الذي هدانا لهذا } أي لعمل صالح هذا جزاؤه أي الجنة وما فيها من نعيم مقيم، وقرروا حقيقة وهي أن هدايتهم التي كان جزاؤها الجنة لم يكونوا ليحصلوا عليها لولا أن الله تعالى هو الذي هداهم فقالوا: { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } ، ثم قالوا والله { لقد جاءت رسل ربنا بالحق } فهاهم أهل الكفر والمعاصي في النار، وها نحن أهل الإِيمان والطاعات في نعيم الجنة فصدقت الرسل فيما أخبرت به من وعد ووعيد، وناداهم ربهم سبحانه وتعالى هو الذي هداهم فقالوا: { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } ، ثم قالوا والله { لقد جاءت رسل ربنا بالحق } فهاهم أهل الكفر والمعاصي في النار، وها نحن أهل الإِيمان والطاعات في نعيم الجنة فصدقت الرسل فيما أخبرت به من وعد ووعيد، وناداهم ربهم سبحانه وتعالى: { أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } فيزاد بذلك نعيمهم وتعظم سعادتهم.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

من هداية الآيتين:

1- الإِيمان والعمل الصالح موجبان لدخول الجنة مقتض للكرامة في الدارين.

2- لا مشقة لا تحتمل في الدين الصحيح الذي جاءت به الرسل إلا ما كان عقوبة.

3- لا عداوة ولا حسد في الجنة.

4- الهداية هبة من الله فلا تطلب إلا منه، ولا يحصل عليها إلا بطلبها منه تعالى.

5- صدقت الرسل فيما أخْبَرَتْ به من شأن الغيب وغيره.

{ وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ } * { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } * { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

شرح الكلمات:

{ فأذن مؤذن }: أي أعلن بأعلى صوته أن لعنة اتلله على الظالمين.

{ لعنة الله }: أي أمره بطرد الظالمين من الرحمة إلى العذاب.

{ يصدون عن سبيل الله }: سبيل الله الإِسلا والصد: الصرف فهم صرفوا أنفسهم وصرفوا غيرهم.

{ ويبغونها عوجا }: يطلبون الشريعة أن تميل مع ميولهم وشهواتهم فتخدم أغراضهم.

{ وبينهما حجاب }: أي بين أهل الجنة وأهل النار حاجز فاصل وهو سور الأعراف.

{ وعلى الأعراف }: سور بين الجنة والنار قال تعالى من سورة الحديد { فضرب بينهم بسور }.

{ يعرفون كلا بسيماهم }: أي كل من أهل الجنة أهل الجنة بعلاماتهم.

{ صرفت أبصارهم }: أي نظروا إلى الجنة التي فيها أصحاب النار.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن أصحاب الجنة وأصحاب النار فيخبر تعال أن أصحاب الجنة نادوا أصحاب النار قائلين لهم إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا به من الجنة ونعيمها حقاً، فهل وجدتم أنتم ما وعدكم ربكم من النار وعذابها حقاً؟ فأجابوهم: نعم إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، وهنا أذن مؤذن قائلاً: لعنة الله على الظالمين الذي يصدون عن سبيل الله التي هي الإِسلام الموصل إلى رضا الله تعالى والجنة، ويبغونها عوجاً أي يريدون سبيل الله معوجة تدور معهم حيث داروا في شرورهم ومفاسدهم، وشهواتهم وأهوائهم، وهم بالآخرة كافرون أيضاً فهؤلاء يلعنونهم: لعنة الله على الظالمين الذين تلك صفاتهم قال تعالى في الآية الثالثة: { وبينهما } أي بين أهل الجنة وأهل النار { حجاب } فاصل أي حاجز وهو مكان على مرتفع، وعليه رجال من بنى آدم استوت سيئاتهم وحسناتهم فحبسوا هناك حتى يقضي بين أهل الموقف فيحكم فيهم بدخلوهم الجنة إن شاء الله تعالى.

وقوله: { يعرفون كلاً بسيماهم } أي يعرفون أهل الجنة بسيماهم وهي بياض الوجوه ونضرة النعيم، ويعرفون أهل النار بسواد الوجوه وزرقة العيون.

{ ونادوا أصحاب الجنة } أي نادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة قائلين: سلام عليكم يتطمعون بذلك كما قال تعالى { لم يدخلوها وهم يطمعون. وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار } أي نظروا إلى جهة أهل النار فرأوا أهلهات مسودة وجوههم زرق أعينهم يكتنفهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، رفعوا أصواتهم قائلين: { ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } أي أهل النار لأنهم دخلوها بظلمهم العياذ بالله.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- وجود اتصال كامل بين أهل الجنة وأهل النار متى أراد أحدهم ذلك بحيث إذا أراد من في الجنة أن ينظر إلى من في النار ويخاطبه تم له ذلك.

2- يجوز إطلاق لفظ الوعد على الوعيد للمشاكلة أو التهكم كما في هذه الآيات.

3- التنديد بالصد عن سبيل الل، والظلم والكفر بالآخرة وهي أسباب الشقاء في الدار الآخرة.

4- تقرير مبدأ ثقل الحسنات ينجي وخفتها تردي، ومن استوت حسناته وسيئاته ينجو آخر من ينجو من دخول النار.

5- مشروعية الطمع إذا كان مقتضاه موجوداً.

{ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } * { أَهَـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } * { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ }

شرح الكلمات:

بسيماهم: السيما العلامة الدالة على من هي فيه.

{ جمعكم }: أي للمال وللرجال كالجيوش.

{ أهؤلاء }: إشارة إلى ضعفاء المسلمين وهم في الجنة.

{ أو مما رزقكم الله }: أي من الطعام والشراب.

{ حرمهما }: منعهما.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن أصحابه الجنة وأصحاب النار قال تعالى: { ونادى أصحاب الأعراف رجالا } أي من أهل النار يعرفونهم بسيماهم التي هي سيما أصحاب النار من سواد الوجوه وزرقة العيون نادوهم قائلين: { ما أغنى عنكم جمعكم } أي للأموال والرجال للحروب والقتال، كما لم يغن عنكم استكباركم على الحق وترفعكم عن قبوله وها أنتم في أشد ألوان العذاب، ثم يشيرونلهم إلى ضعفة المسلمين الذين يسخرون منهم في النيا ويضربونهم ويهينونهم { أهؤلاء الذين أقسمتم } أي حلفتم { لا ينالهم الله برحمة } ثم يقال لأصحاب الأعراف { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون }.

وفي الآية الثالثة يقول تعالى مخبراً عن أصحاب النار وأصحاب الجنة { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء } وذلك لشدة عطشهم { أو مما رزقكم الله } أي من الطعام وذلك لشدة جوعهم فيقال لهم: { إن الله حرمهما } أي شراب الجنة وطعامها { على الكافرين } فلا ينالوهما بحال من الأحوال.

ثم وصف الكافرين ليعرض جرائمهم التي اقتضت حرمانهم وعذابهم ليكون ذلك عظة وعبرة للكفار من قريش ومن سائر الناس فقال وهو ما تضمنته الآية الرابعة { الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون } أي نتركهم في عذابهم كما تركوا يومهم هذا فلم يعملوا له من الإِيمان والصالحات، وبسبب جحودهم لآياتنا الداعية إلى الإِيمان وصالح الأعمال.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- عدم إغناء المال والرجال أيَّ إغناء لمن مات كافراً مشركاً من أهل الظلم والفساد.

2- بشرى الضعفة من
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة الأعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأعراف   سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 5:40 pm

المسلمين بدخول الجنة وسعادتهم فيها.

3- تحريم اتخاذ شىء من الدين لهواً ولعباً.

4- التحذير من الاغترار بالدنيا حتى ينسى العبد آخرته فلم يعد لها ما ينفعه فيها من الإِيمان وصالح الأعمال.

{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

شرح الكلمات:

{ ولقد جئناهم }: أي أهل مكة أولاً ثم سائر الناس.

{ بكتاب }: القرآن العظيم.

{ فصلناه على علم }: بيناه على علم منَّا فبيّنا حلاله وحرامه ووعده ووعيده وقصصه ومواعظه.

{ تأويله }: تأويل ما جاء في الكتاب من وعد ووعيد أي عاقبة ما أنذروا به.

{ وضل عنهم }: أي ذهب ولم يعثروا عليه.

{ في ستة أيام }: يغطي كل واحد منهما الآخر عند مجيئه.

{ حثيثاً }: سريعاً بلا انقطاع.

{ مسخرات }: مذللات.

{ ألا }: أداة استفتاح وتنبيه (بمنزلة ألو للهاتف).

{ له الخلق والأمر }: أي له المخلوقات والتصرف فيها وحده لا شريك له.

{ تبارك }: أي عظمت قدرته، وجلت عن الحصر خيراته وبركاته.

{ العالمين }: كل ما سوى الله تعالى فهو عالم أي علامة على خالقه وإلهه الحق.

معنى الآيات:

بعد ذلك العرض لأحوال الناس يوم القيام ومشاهد النعيم والجحيم أخبر تعالى أنه جاء قريشاً لأجل هدايتهم بكتاب عظيم هو القرآن الكريم وفصّله تفصيلاً فبينّ التوحيد ودلائله، والشرك وعوامله، والطاعة وآثارها الحسنة والمعصية وآثارها السيئة في الحال والمآل وجعل الكتاب هدى أي هادياً ورحمة يهتدي به المؤمنون وبه يرحمون. هذا ما تضمنته الآية الأولى (52) وهي قوله تعالى: { ولقد جئناهم بكتاب فصَّلناه على علم هدىً ورحمةً لقوم يؤمنون } وأما الآية الثانية (53) فقد استبطأ الحق تعالى فيها إيمان أهل مكة الذين جاءهم بالكتاب المفصّل المبيَّن فقال: { هي يَنْظُرون } أي ما ينظرون { إلاّ تأويله } أي عاقبة ما أخبر به القرآن من القيامة وأهوالها، والنّار وعذابها، وعندئذ يؤمنون، وهل ينفع يومئذ الإِيمان؟ وها هم أولاء يقولون { يوم يأتي تأويله } وينكشف الغطاء عما وعد به، { يقول الذين نسوه من قبل } أي قبل وقوعه، وذلك في الحياة الدنيا، نسوه فلم يعملوا بما ينجيهم فيه من العذاب يقولون: { قد جاءت رسل ربنا بالحق } اعرفوا بما كانوا به يجحدون ويكذبون ثم يتمنون ما لا يتحقَق لهم أبداً فيقولون: { فهل نا من شفعاء فيشفعوا لنا؟ أو نردُّ } إلى الدنيا { فنعمل غير الذي كنا نعمل } من الشرك والشر والفساد. وتذهب تمنايتهم أدراج الرياح، ولم يُرعْهُمْ إلا الإِعلان التالي { قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون } خسرا أنفسهم في جهنم، وضاع منهم كلَّ أمل وغاب عنهم ما كانوا يفترون من أنَّ آلهتهم وأولياءهم يشفعون لهم فينجونهم من النار ويخلونهم الجنة.

وفي الآية الأخيرة يقول تعالى لأولئك المتباطئين في إيمانهم { إنّ ربَّكم } الذي يُحبُّ ان تعبدوه وتدعوه وتتقربوا إليه وتطيعوه { اللُّه الذي خلق السمواتِ والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يُغْشِي اللّيْلَ النهَّار يطلبه حثيثاً والشمس القمرَ والنجّومَ مسخراتٍ بأمره } هذا هو ربكم الحق وإلهكم الذي لا إله لكم غيره،ولا ربَّ لكم سواه، أمّا الأصنام والأوثان فلن تكون ربّاً ولا إلهاً لأحد أبداً لأنّها مخلوقة غير خالقة وعاجزة عن نفع نفسها ودفع الضّر عنها فكيف بغيرها؟ إنّ ربَّكم ومعبودكم الحقّ الذي له الخلق كلّه ملكاً وتصرفاً وله الأمر وحده يتصرف كيف يشاء في الملكوت كله. علويّه وسفليّه فتبارك الله رب العالمين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- لا ينفع الإِيمان عند معاينة الموت والعذاب كما لا ينفع يوم القيامة.

2- يحسن التثبت في الأمر والتأني عند العمل وترك العجلة، فالله قادرٌ على خلق السمَّوات والأرض في ساعة ولكن خلقها في ستة أيام بمقدار أيام الدّنيا تعليماً وإرشاداً إلى التثبت في الأمور والتأني فيها.

3- صفة من صفات الرب تعالى التي يجب الإِيمان بها ويحرم تأويلها أو تكييفها وهي اسواؤه تعالى على عرشه.

4- انحاصر الخلق كلّ الخلق فيه تعالى فلا خالق إلا هو، والأمر كذلك فلا آمر ولا ناهي غيره. هنا قال عمر: من بقي له شىء فليطلبه إذ لم يبق شىء ما دام الخلق والأمر كلاهما لله.

{ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

شرح الكلمات:

{ ادعوا ربكم }: سلوه حوائجكم والأخروية فإنّه ربّكم فلا تستحيوا من سؤاله.

{ تضرعاً وخفية }: أي حال كونكم ضارعين متذللين مخفي الدعاء غير رافعين أصواتكم به.

{ المعتدين }: أي في الدعاء وغيره والاعتداء في الدعاء أن يسأل الله ما لم تجر سنته بإعطائه أو إيجاده أو تغييره كأن يسأل أن يكون نبياً أو أن يرد طفلاً أو صغيراً، أو يرفع صوته بالدعاء.

{ ولا تفسدوا في الأرض }: أي بالشرك والمعاصي بعد إصلاحها بالتوحيد والطاعات.

{ المحسنين }: الذين يحسنون أعمالهم ونياتهم، بمراقبتهم الله تعالى في كل أحوالهم.

معنى الآيات:

لما عرّف تعالى عباده بنفسه وأنه ربهم الحق وإلههم، وأنه الخالق الآمر المتصرف بيده كل شىء أمرهم إرشاداً لهم أن يدعوه، وبين لهم الحال التي يدعونه عليها، ليستجيب لهم فقال: { ادعوا ربكم تضرعاً } أي تذللاً وخشوعاً { وخفية } أي سراً جهراً، ونهاهم عن الاعتداء في الدعاء حيث أعلمهم أنه لا يحب المعتدين، والاعتداء في الدعاء أن يُدْعَى غير الله تعالى أو يدعى معه غيره، ومنه طلب ذوات الأسباب بدون إعداد أسبابها، أو سؤال ما لم تجر سنة الله به كسؤال المرء أن يكون نبياً أو يرد من كهولته إلى شبابه أو من شبابه إلى طفولته.

ثم بعد هذا الإِرشاد والتوجيه إلى ما يكملهم ويسعدهم نهاهم عن الفساد في الأرض بعد أن أصلحها تعالى والفساد في الأرض يكون بالشرك والمعاصي، والمعاصي تشمل سائر المحرمات كقبل الناس وغصب أموالهم وإفساد زروعهم وإفساد عقولهم بالسحر والمخدرات وأعراضهم بالزنى والموبقات. ومرة أخرى يحضهم على دعائه لأن الدعاء هو العبادة وفي الحديث الصحيح " الدعاء هو العبادة " فقال: ادعوا ربكم أي سلوه حاجتكم حال كونكم في دعائكم خائفين من عقابه طامعين راجين رحمتة وبين لهم أن رحمته قريب من المحسنين الذين يحسنون نيّاتهم وأعمالهم ومن ذلك الدعاء فمن أحسن الدعاء ظفر بالإِجابة، فثواب المحسنين قريب الحصول بخلاف المسيئين فإنه لا يستجاب لهم.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- وجوب دعاء الله تعالى فإن الدعاء هو العبادة.

2- تبيان آداب الدعاء وهو: أن يكون الداعي ضارعاً متذللاً، وأن يخفي دعاءه فلا يجهر به، وأن يكون حال الدعاء خائفاً طامعاً، وأن لا يعتدي في الدعاء بدعاء غير الله تعالى أو سؤال ما لم يتجر سنة الله بإعطائه.

3- حرمة الإِفساد في الأرض بالشرك والمعاصي بعد أن أصلحها الله تعالى بالإِسلام.

4- الترغيب في الإِحسان مطلقاً خاصاً وعاماً حيث أن الله تعالى يحب أهله.

{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَٱلْبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَٱلَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }

شرح الكلمات:

{ الرياح }: جمع ريح وهو الهواء المتحرك.

{ بُشْراً }: جمع بشير أي مبشرات بقرب نزول نزل المطر، قرىء نشراً أي تنشر السحاب للأمطار.

{ رحمته }: أي رحمة الله تعالى وهي المطر.

{ أقلت سحاباً ثقالاً }: أي حملت سحاباً ثقالاً مسبعاً ببخار الماء.

{ ميت }: لا نبات به ولا عشب ولا كلأ.

{ كذلك نخر الموتى }: أي كذلك نحيي الموتى ونخرجهم من قبورهم أحياء.

{ تذكرون }: تذكرون فتؤمنون بالبعث والجزاء.

{ الطيب }: أي الطيب التربة.

{ خبث }: أي خبثت تربته بأن كانت سبخة.

{ إلا نَكِداً }: أي إلا عسراً.

{ تصرف الآيات }: أي ننوعها ونخالف بين أساليبها ونذكر في بعضها ما لم نذكره في بعضها للهداية والتعليم.

{ لقوم يشكرون }: لأنهم هم الذين نتفعون بالنعم بشكرها بصرفها في محاب الله تعالى.

معنى الآيتين:

ما زال السياق الكريم في بيان مظاهر القدرة الربانية والرحمة الإلهية الموجبة لعبادته تعالى وحده دون سواه قال تعالى { وهو القدرة الربانية والرحمة الإِلهية الموجبة لعبادته تعالى إله إلا هو وبشراً أي مبشرات ونشراً أي تنشر الرياح تحمل السحب الثقال ليسقي الأرض الميتة فتحيا بالزروع والنباتات لتأكلوا وترعوا أنعامكم، وبمثل هذا التدبير في إنزال المطر وإحياء الأرض بعد موتها يحييكم بعد موتكم فيخرجكم من قبوركم أياء ليحاسبكم على كسبكم في هذه الدار ويجزيكم به الخير بالخير ولاشر بمثله جزاء عادلاً لا ظلم فيه وهذا الفعل الدال علىالقدرة والرحمة ولطف التدبير يُريكموه فترونه بأبصاركم لعلكم به تذكرون أن القادر على إحياء موات الأرض قادر على إحياء موات الأجسام فتؤمنوا بلقاء ربكم وتوقنوا به فتعملوا بمقتضى ما يسعدكم ولا يشقيكم فيه.

هذا ما تضمنته الآية الأولى (57) { وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته } أي المطر { حتى إذا أقلَّت } أي حملت { سحاباً ثقالاً } أي ببخار الماء { سقناه } بقدرتنا ولطف تدبيرنا { لبلد ميت } لا يحاة به لا نبات ولا زرع، ولا عشب { فأنزلنا به } أي بالسحاب { الماء } العذب الفرات، { فأخرجنا به من كل الثمرات } المختلفة الألوان والروائح والطعوم { كذلك نخرج الموتى } كهذا الإِخراج للنبات من الأرض الميتة نخرج الموتى من قبورهم وعملنا هذا نسمعكم إياه ونريكموه بأبصاركم رجاء أن تذكروا فتذكروا أن القادر على إحياء الأرض قادر على إحياء الموتى رحمة منا بكم وإحساناً منا إليكم.

أما الآية الثانية (58) فقد تضمنت مثلاً ضربه الله تعالى للعبد المؤمن والكافر إثر بيان قدرته على إحياء الناس بعد موتهم فقال تعالى: { والبلد الطيب } أي طيب التربة { يخرج نباته بإذن ربه } وذلك بعد إنزال المطر به، وهذ مثل العبد المؤمن ذي القلب الحي الطيب إذا سمع ما ينزل من الآيات يزداد إيمانه وتكثر أعماله الصالحة { والذي خبث } أي والبلد الذي تربته خبيثة سبخة أو حمأة عندما ينزل به المطر لا يخرج نباته إلا نكداً عسراً قليلاً غير صالح وهذا مثل الكافر عندما يسمع الآيات القرآنيةلا يقبل عليها ولا ينتفع بها في خُلقه ولا سلوكه فلا يعمل خيراًولا يترك شراً.

وقوله تعالى: { كذلك نصرف الآيات } أي ببيان مظاهر قدرته تعالى وعلمه وحكمته ورمته وضر الأمثال وسوق الشواهد والعبر { لقوم يشكرون } إذ هم المنتفعون بها أما الكافرون الجاحدون فأنى لهم الإِنتفاع بها وهم لا يعرفون الخير ولا ينكرون الشر.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- تقرير عقيدة البعث والحياة بعد الموت للحساب والجزاء إذ هي من أهم أركان الإِيمان.

2- الإِستدلال بالحاضر على الغائب وهو من العلوم النافعة.

3- حسن ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان.

4- فضيلة الشكر وهو صرف النعمة فيما من أجله وهبها الله تعالى للعبد.

{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ }

شرح الكلمات:

{ نوحاً }: هذا أول الرسل هذا العبد الشكور هونوح بن لَمْك بن متوشلخ بن أخنوخ أي أدريس عليهما السلام، أحد أولى العزم الخمسة من الرسل عاش داعياً وهادياً ومعلماً ألفاً ومائتين وأربعين سنة، ومدة الدعوة ألف سنة إلا خمسين عاماً، وما بعدها عاشها هادياً ومعلماً للمؤمنين.

{ هذا يوم عظيم }: هو عذاب يوم القيامة.

{ الملأ }: أشراف القوم ورؤساؤهم الذين يملأون العين والمجلس.

{ وأنصح لكم }: أريد لكم الخير لا غير.

{ أوَعجبتم }: الاستفهام للإِنكار، وعجبتم الواو عاطفة والمعطوف عليه جملة هي كذبتم أي أكذبتم وعجبتم.

{ لينذركم }: أي العذاب المترتب على الكفر والمعاصي.

{ وللتتقوا }: أي الله تعالى بالإِيمان به وتوحيده وطاعته فترحمون فلا تعذبون.

{ والذين معه في الفلك }: هم المؤمنون من قومه والفلك هي السفينة التي صنعها بأمر الله تعالى وعونه.

{ عمين }: جمع عمٍ وهو أعمى البصيرة أما أعمى العينين يقال فيه أعمى.

معنى الآيات:

هذا شروع في ذكر قصص ستة من الرسل وهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام والمراد من ذكر هذا القصص هوتنويع أسلوب الدعوة ليشاهد المدعون من كفار قريش صوراً ناطقة ومشاهد حية لأمم سبقت وكيف كانت بدايتها وبم ختمت نهايتها، وهي لا تختلف إلا يسيراً عما هم يعيشونه من أحداث الدعوة الصراع الدائر بينهم وبين نبيهم لعلهم يتعظون، ومع هذا فالقصص يقرر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إذ لو لم يكن رسولاً يوحى إليه لما أتى أن يقص من أخبار الماضين ما بهر العقول كما أن المؤمنين مع نبيهم يكتسبون من العبر ما يحملهم على الثبات والصبر، ويجنبهم القنوط واليأس من حسن العافية والظفر والنصر.

وهذا أول قصص يقوله تعالى فيه { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } أي وعزتنا لقد أرسلنا نوحا إلى قومه كما أرسلناك أنت يا رسولنا إلى قومك من العرب والعجم، فقال: أي نوح في دعوته: { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } أي ليس لكم على الحقيقة إله غيره، إذ الإِله الحق من يخلق يرزق ويدبر فيحيي ويميت ويعطي ويمنع، ويضر وينفع، ويسمع ويبصر فأين هذا من آلهة نحتموها يأيديكم، ووضعتموها في بيوتكم عمياء لا تبصر صماء لا تسمع بكماء لا تنطق فكيف يصح أن يطلق عليها اسم الإِله وتعبد { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } أنذرهم عذاب يوم القيامة إن هم أصروا على الشرك والعصيان فأجابه الملأ منهم وهم أهل الحل والعقد في البلاد قائلين: { إن النراك في ضلال مبين } بسبب موقفك العدائي هذا لآلهتنا، ولعبادتنا إياها فأجاب عليه السلام قائلاً { يا قوم ليس بي ضلالة } مجرد ضلالة فكيف بالضلال كله كما تقولون، { ولكني رسول من رب العالمين } أي إليكم { أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم } أي بما هو خير لكم في حالكم ومآلكم، واعلموا أني { وأعلم من الله ما لا تعلمون } فأنا على علم بما عليه ربي من عظمة وسلطان، وجلال، وجمال، وما عنده من رحمة وإحسان، وما لديه من نكال وعذاب، وأنتم لا تعلمون فاتقوا الله إذاً وأطيعوني يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى آجالكم، ولا يعجل بفنائكم وواصل حديثه معهم وقد دام ألف سنة إلا خمسين عاماً قائلاً: أكذبتم بما دعوتكم إليه وجئتكم به وعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم، ولتتقوا الله بتوحيده وعبادته وطاعته رجاء أن ترحموا فلا تعذبوا أمن هذا يتعجب العقلاء؟ وكانت نتيجة لهذه الدعوة المباركة الخيّرة أن كذبوه فأنجاه ربه والمؤمنين معه، وأغرق الظالمين المكذبين، لأنهم كانوا قوماً عمين فلا يستحقون البقاء والنجاة قال تعالى { فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك، وأغرقنا الذينكذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوماً عمين } لا يبصرون الآية ولا يرون النذر والشواهد.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كنبوة نوح عليه السلام.

2- تقرير وتأكيد التوحيد، وبيان معنى لا إله إلا الله.

3- التحذير من عذاب يوم القيامة بالتذكير به.

4- أصحاب المنافع من مراكز وغيرها هم الذين يردون دعوة الحق لمنافاتها للباطل.

5- تقرير مبدأ العاقبة للمتقين.

6- تعمى القلوب أخطر من عمى العيون على صاحبه.

{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } * { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

شرح الكلمات:

{ وإلى عاد }: أي ولقد أرسلنا إلى عاد وهم قبيلة عاد، وعاد أبو القبيلة وهو عاد بن عوص ابن إرم بن سام بن نوح عليه السلام.

{ أخاهم هوداً }: أخاهم في النسب لا في الدين وهود هو هود بن سالخ بن أرفخشد بن سام ابن نوح عليه السلام.

{ أفلا تعقلون }: أي أتصرّون على الشرك فلا تتَّقون عذاب الله بالإِيمان به وتوحيده، والاستفهام إنكاري أي ينكر عليهم عدم تقواهم لله عز وجل.

{ في سفاهة }: السفاهة كالسّفَه هو خِفّة العقل، وقلّة الإِدراك والحلم.

{ أمين }: لا أخونكم ولا أغشكم ولا أكْذِبُكم، كما أني مأمون على رسالتي لا أفرط في إبلاغها.

{ بسط }: أي طولاً في الأجسام، إذ كانوا عمالق من عظم أجسادهم وطولها.

{ آلاء الله }: نعمه واحدها أَليً وإلىً والْيٌ وإلْوٌ والجمع آلاء.

{ تفلحون: بالنجاة من النار في الآخرة، والهلاك في الدنيا.

معنى الآيات:

هذا هو القصص الثاني، قَصَصُ هود عليه السلام مع قومه عاد الأولى التي أهلكها الله تعالى بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام. قوله تعالى { وإلى عاد } أي وأرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم من النسب هوداً فماذا قال لهم { قال يا قوم اعبدوا الله } أي وحدوه في العبادة ولا تعبدوا معه آلهة أخرى. وقوله: { ما لكم من إله غيره } أي ليس لكم أي إله غير الله، إذ الله هو الإِله الحق وما عداه فآلهة باطلة، لأنه تعالى يخلق وهم لا يخلقون ويرزق وهم لا يرزقون ويدبر الحياة بكل ما فيها وهم مدبَّررون لا يملكون نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً فكيف يكنون آلهة. ثم حضهم على التقوى وأنكر عليهم تركهم لها فقال عليه السلام لهم: { أفلا تتقون } أي الله ربّكم فتتركوا الشرك وتوحدوه؟ فأجاب الملأ الذين كفروا من قومه، بأسوأ إجابة وذلك لكبريائهم واغترارهم فقالوا: { إنا لنرك في سفاهة } أي حمق وطيش وعدم بصيرة بالحياة وإلا كيف تخرج عن إجماع قومك، وتواجههم بعيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، { وإن لنظنك من الكاذبين } فيما جئت به أي من الرسالة، ودعوت إليه من التوحيد ونبذ الآلهة غير الله تعالى، فأجاب هود عليه السلام راداً شبهتهم فقال: { يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين } أي أني لست كما تزعمون أن بي سفاهة ولكني أحمل رسالة أبلغكموها، وأنا في ذلك ناصح لكم مريد لكم الخير أمين على وحي الله تعالى إلي، أمين لا أغشكم ولا أخونكم فما أريد لكم إلا الخير. ثم واصل دعوته فقال { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربَّكم } أي أكذبتم برسالاتي وعجبتم من مجيئكم ذكر من ربكم { على رجل منكم لينذركم } أي عواقب كفركم وشرككم، أمن مثل هذا يتعجب العقلاء أم أنتم لا تعقلون؟

ثم ذكرهم بنعم الله تعالى لعلّها تُحدْثُ لهم ذكراً في نفوسهم فيتراجعون بعد عنادهم وإصرارهم فقال: { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح } أهلكهم بالطوفان لإِصرارهم على الشرك { وزادكم في الخلق بسطة } أي جعل أجسامكم قوية وقاماتكم طويلة هذه نعم الله عليكم { فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون } لأنكم ذكرتموها ذكرتموها بقلوبكم شكرتموها بأقوالكم وأعمالكم، وبذلك يتم الفلاح لكم، وهو نجاتكم من المرهوب ظفركم بالمحبوب وذلك هو الفوز المطلوب.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- الدعوة إلى عبادة وترك عبادة ما سواه وهو معنى لا إله إلا الله.

2- مشروعية دفع الإِتهام، وتبرئة الإِنسان نفسه ما يتهم به من الباطل.

3- من وظائف الرسل عليهم السلام البلاغ لما أمروا بإبلاغ لما أمروا بإبلاغه.

4- فضيلة النصح وخُلُق الأمانة.

5- استحسان التذكير بالنعم فإن ذلك موجب للشكر والطاعة.

{ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ }

شرح الكلمات:

{ ونذر }: أي نترك.

{ بما تعدنا }: أي من العذاب.

{ رجسٌ }: سخطٌ موجبٌ للعذاب.

{ أتجادلونني }: أي أتخاصمونني.

{ من سلطان }: أي من حجَّة ولا برهان يثبت أنها تستحق العبادة.

{ دابر }: دابر القوم آخرهم لأنه إذا هلك آخر القوم هلك أولهم بلا ريب.

معنى الآيات:

ما زال السياق في قصص هود عليه السلام، فهاهم أولاء يردُّون على دعوة هود بقول الملأ منهم { أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا } وتهددنا إن نحن لم نترك عبادة آلهتنا، { فأتنا بما تعدنا } به من العذاب { إن كنت من الصَّادقين } في دعواك فرد هود عليه السلام على قولهم هذا قائلاً قد وقع عليكم رجس أي سخط وغضب من الله تعالى وأن عذابكم لذلك أسبح متوقعاً في كل يوم فانتظروا ما سَيَحِلُّ بكم { إني معكم من المنتظرين } قال تعالى { فأنجيناه والذين معه برحمة منّا } أي بعد إنزال العذاب، ومن معه من المؤمنين برحمة منا خاصة لا تتم إلا لمثلهم، { وقطعنا دابر القوم الذين كذبوا بآياتنا، وما كانوا مؤمنين } أهلكناهم بخارقة ريح تدمر كل شيء بأمر بها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، وكذلك جزاء الظالمين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- احتجاج المشركين على صحَّة باطلهم بفعل آبائهم وأجدادهم يكاد يكون سنّةً مطَّردةً في الأمم والشعوب، وهو التقليد المذموم.

2- من حمق الكافرين استعجالهم بالعذاب، ومطالبتهم به.

3- آلهة الوثنيين مجرّد أسماء لا حقائق إذ إطلاق المرء اسم إله على حجر لا يجعله إلهاً ينفع ويضر، ويحيى ويميت.

4- قدرة الله تعالى ولطفه تتجلَّى في إهلاك عاد وإنجاء هود والمؤمنين.

{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }

شرح الكلمات:

{ وإلى ثمود }: أي أرسلنا إلى ثمود، وثمود قبيلة سميت باسم جدها وهو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح.

{ أخاهم صالحاً }: أي في النسب وصالح هو صالح بن عبيد بن آسف بن كاسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود.

{ آية }: علامة على صدقي في أني رسول الله إليكم.

{ وبوأكم في الأرض }: أنزلكم في منازل تحبون فيها.

{ وتنحتون }: تنجرون الحجارة في الجبال للتخذوا منازل لكم لتسكنوها.

{ آلاء الله }: نعم الله تعالى وهي كثيرة.

{ ولا تعثوا }: أي لا تفسدوا في الأرض مفسدين.

{ استكبروا }: عنوا وطغوا وتكبروا فلم يقبلوا الحق ولم يعترفوا به.

معنى الآيات:

هذا القصص الثالث قصص نبي الله صالح عليه السلام قال تعالى { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } أي وأرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحاً نبياً أرسلناه بما أرسلنا به رسلنا من قبله ومن بعده بكلمة التوحيد قال { قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره } وهذا مدلول كلمة الإِخلاص التي جاء بها خاتم الأنبياء " لا إله إلا الله " { قد جاءتكم بينة من ربكم } تشهد بأنه لا إله إلا هو، وأني رسوله إليكم، هذه البينة ناقة تخرج من صخرة في جبل، { هذه ناقة الله لكم آية } علامة وأية علامة على صدقي في إرسال الله تعالى لي رسولاً إليكم لتعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً، فذروا هذه الناقة تأكل في أرض الله { ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم } ، فكانت الناقة ترعى في المرج، وتأتي إلى ماء القوم فتشربه كله، ويتحول في بطنها إلى لبن خالص فيَحْلِبون ما شاءوا وقال لهم يوماً هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم، ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم، ووعظهم عليه السلام بقوله: { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد } أي بعد هلاكهم، وكانت ديار عاد بحضرموت جنوب الجزيرة العربية وديار ثمود بالحجر شمال الجزيرة بين الحجاز والشام. وقوله { وبوأكم في الأرض } أرض الحِجْر تتخذون من سهولهاقصوراً تسكنونها في الصيف، وتنحتون من الجبال بيوتاً تسكنونها في الشتاء، { فاذكروا آلاء الله } أي نعمه العظيمة لتشكروها بعبادته وحده دون ما اتخذتم من أصنام، وحذَّرهم من عاقبة الفساد فقال { ولا تَعْثَوْا في الأرض مفسدين } أي لا تنشروا الفساد في الأرض بالشرك وارتكاب المعاصي وإزاء هذه الدعوة الصادقة الهادفة إلى هداية القوم وإصلاحهم لينجوا من عاقبة الشرك والشر والفساد { قال الملأ الذين استكبروا من قومه } أي قوم صالح، قالوا { للذين استضعفوا لمن آمن منهم } أي لمن آمن من ضعفاء القوم: { أتعلمون أن صالحاً مرسلٌ من ربه } ،وهو استفهام سخرية واستهزاء دال على صلف القوم وكبريائهم،فأجاب المؤمنون من ضعفة القوم قائلين { إنا بما أرسل به مؤمنون } قالوها واضحةً صريحةً مُعْلنةً عن إيمانهم بما جاء به رسول الله صالح غير خائفين، وهنا ردّ المستكبرون قائلين: { إنا بالذي آمنتم به كافرون } وإمعاناً منهم في الجحود والتكبّر، لم يقولوا إنا بما أرسل به كافرون حتى لا يعترفوا بالرسالة ولو في جواب رد الكلام فقالوا { إنا بالذي آمنتم به كافرون }.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- اتحاد دعوة الرسل في الإِيمان بالله والكفر باطاغوت أي في عبادة الله وحده.

2- تقرير إرسال الرسل بالآيات وهي المعجزات وآية صالح أعجب آية وهي الناقة.

3- وجوب التذكير بنعم الله إذ هو الباعث على الشكر، والشكر هو الطاعة.

4- النهي عن الفساد في الأرض ولاشرك وارتكاب المعاصي.

5- الضعفة هم غالباً أتباع الأنبياء: وذلك لخلوهم من الموانع كالمحافظة على المنصب أو الجاه أو المال، وعدم إنغماسهم في الملاذ والشهوات.

{ فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّاصِحِينَ }

شرح الكلمات:

{ فعقروا الناقة }: نحروها بعد أن عقروا قوائمها أي قطعوها، والناقة هي الآية.

{ وعتوا عن أمر ربهم }: تمردوا عن الأمر وعصوا فلم يطيعوا.

{ الرجفة }: المرة من رجف إذا اضطرب، وذلك لما سمعوا الصيحة أخذتهم الرجفة.

{ جاثمين }: باركين على الركب كما يجثم الطير أي هلكى على ركبهم.

{ فتولى عنهم }: بعد أن هلكوا نظر إليهم صالح وهم جاثمون وقال راثياً لحالهم { يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي } إلى قوله { ولكن لا تحبون الناصحين } ثم أرعض عنهم وانصرف.

معنى الآيات: ما زال السياق في قصص صلاح عليه السلام فإنه بعد تلك الدعوة الطويلة العريضة والمستكبرون يردونها بصلف وكبرياء، وطالبوا بالآية لتدل على صدقه وأنه من المرسلين وأوتوا الناقة آية مبصرة ولجوا في الجدال والعناد وأخيراً تمالؤوا على قتل الناقة وعقروها
{ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها }


قوله تعالى في الآية الأولى { فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم } يخبر تعالى أن قوم صالح عقروا الناقة قطعوا أرجلها ثم نحروها وهو العقر، وعتوا بذلك وتكبروا متمردين عن أمر الله تعالى حيث أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله ولا يمسوها بسوء فإذا بهم يعقرونها تحدياً وعناداً، { وقالوا يا صالح } بدل أن يقولوا يا رسول الله أو يا نبي الله { ائتنا بما تعدنا } أي من العذاب إن مسسنا الناقة بسوء فقد نحرناها فأتنا بالعذاب إن كنت كما تزعم من المرسلين قال تعالى { فأخذتهم الرجفة } وهي هزة عنيفة اضطربت لها القلوب والنفوس نتيجة صيحة لملك عظيم صاح فيهم صباح السبت كما قال تعالى
{ فأخذتهم الصيحة مشرقين }
ولما هلكوا وقف عليهم صالح كالمودع كما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل القليب ببدرٍ فناداهم يا فلان يا فلان كذلك صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وقف عليهم وهم خامدون وقال كراثي المتحسر { يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين } وتولى عنهم وانصرف.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- حلول نقمة الله تعالى بكل من عتا عن أمره سبحانه وتعالى.

2- مشروعية الرثاء لمن مات أو أصيب بمصاب عظيم.

3- علامة قرب ساعة الهلاك إذا أصبح الناس يكرهون النصح ولا يحبون الناصحين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة الأعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأعراف   سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 5:42 pm

{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } * { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } * { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ }

شرح الكلمات:

{ ولوطاً }: أي وأرسلنا لوطاً هو لوط بن هاران ابن أخي ابراهيم عليه السلام. ولد في بابل العراق.

{ الفاحشة }: هي الخصلة القبيحة وهي اتيان الرجال في أدبارهم. { من العالمين }: أي من الناس.

{ من الغابرين }: الباقين في العذاب.

{ وأمطرنا }: أنزلنا عليهم حجارة من السماء كالمطر فأهلكتهم.

{ المجرمين }: أي المفسدين للعقائد والأخلاق والأعراض.

معنى الآيات:

هذا هو القصص الرابع قصص نبي الله تعالى لوط بن هاران ابن أخي ابراهيم عليه السلام فقوله تعالى { ولوطاً.... } أي وأرسلنا لوطاً إلى قومه نم أهل سذوم، ولم يكن لوط منهم لأنه من أرض بابل العراق هاجر مع عمه إبراهيم وأرسله الله تعالى إلى أهل سذوم وعمورة قرب بحيرة لُوطٍ بالاردن.

وقوله إذ قال لقومه الذين أرسل إليهم منكراً عليهم فعلتهم المنكرة: { أتأتون الفاحسة } وهي اتيان الرجال في أدبارهم { ما سبقكم بها من أحد من العالمين } أي لم يسبقكم إليها أحد من الناس قاطبة، وواصل إنكاره هذا المنكر موبخاً هؤلاء الذين هبطت أخلاقهم إلى درك لم يهبط إليه غيرهم فقال: { إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء، بل أنتم قوم مسرفون } وإلا فالشهوة من النساء هي المفطور عليها الإِنسان، لا إدبار الرجال، ولكنه الإِجرام والتوغل في الشر والفساد والإِسراف في ذلك، والإِسراف صاحبه لا يقف عند حد.

وبعد هذا الوعظ والإِرشاد إلى سبيل النجاة، والخروج من هذه الورطة التي وقع فيها هؤلاء القوم المسرفون ما كان ردهم { إلا أن قالوا أخرجوهم } أي لوطاً والمؤمنين معه { من قريتكم } أي مدينتكم سدوم، معللين الأمر بإخراجهم من البلاد أناس يتطهرون من الخبث الذي هم منغمسون فيه قال تعالى بعد أن بلغ الوضع هذا الحد { فأنجيناه وأهله } من بناته وبعض نسائه { إلا امرأته كانت من الغابري } حيث أمرهم بالخروج من البلاد ليلاً قبل حلول العذاب بالقوم فخرجوا، وما إن غادروا المنطقة حتى جعل الله تعالى عاليها سافلها وأمطر عليها حجارة من سجين فأهلكوا أجمعين.

وقوله تعالى في ختام هذا القصص { فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } فإنه خطاب عام لكل من يسمع هذا القصص ليعتبر به حيث شاهد عاقبة المجرمين دماراً كاملاً وعذاباً أليماً.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- شدة قبح جريمة اللواط.

2- أول من عرف هذه الجريمة القذرة هم قوم لوط عليه السلام.

3- الكفر والإِجرام الاعتدال في الأقوال والأفعال يتولد عنه كل شر وفساد.

4- من أتى هذه الفاحشة من المحصنين يرجم بالحجارة حتى الموت.

{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

شرح الكلمات:

{ وإلى مدين آخاهم شعيباً }: مدين أبو القبيلة وهو مدين بن إبراهيم الخليل وشعيب من أبناء القبيلة فهو أخوهم في النسب حقيقة إذ هو شعيب بن ميكائيل بن يشجر بن مدين.

{ ولا تبخسوا الناس أشياءهم }: أي لا تنقصوا الناس قيم سلعهم وبضائعهم، إذ كانوا يفعلون ذلك.

{ صراط توعدون }: طريق وتوعدون تخيفون المارة وتأخذون عليهم المكوس أو تسلبونهم أمتعتهم.

{ وتبغونها عوجاً }: أي تريدون سبيل الله -وهي شريعته- معوجةً حتى توافق ميولكم.

{ المفسدين }: هم الذين يعملون بالمعاصي في البلاد.

{ يحكم بيننا }: يفصل بيننا فينجي المؤمنين ويهلك الكافرين.

معنى الآيات:

هذا هو القصص الخامس في سورة الأعراف وهو قصص نبي الله شعيب مع قومه أهل مدين، فقوله تعالى: { وإلى مدين أخاهم شعيباً } أي وأرسلنا إلى أهل مدين أخاهم شعيباً. فماذا قال لهم لما أرسل إليهم؟ { قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره } أي قولوا لا إله إلا الله، ولازم ذلك أن يصدقوا برسول الله شعيب حتى يمكنهم أن يعبدوا الله بما يحب أن يعبد به وبما من شأنه أن يكملهم ويسعدهم في الدارين وقوله رقد جاءتكم بينة من ربكم } أي آية واضحة تشهد لي بالرسالة وبما أن آمركم به وأنهاكم عنه هو من عند الله تعالى إذاً { فأوفوا الكيل والميزان } أي بالقسط الذي هو العدل، رولا تبسخوا الناس أشياءهم } بل أعطوهم ما تستحقه بضائعهم من الثمن بحسب جودتها ورداءتها { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } أي في البلاد بعد إصلاحها، وذلك بترك الشرك والذنوب ومن ذلك ترك التلصص وقطع الطرق، وترك التطفيف في الكيل والوزن وعدم بخس سلع النسا وبضائعهم ذلكم الذي دعوتكم إليه من الطاعة وترك المعصية خير لكم حالاً ومآلاً إن كنتم مؤمنين وقوله: { ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله نم آمن به وتبغونها عوجاً } ينهاهم عليه السلام عن أبشع الإِجرام وهو أنهم يجلسون في مداخل البلاد، وعلى أفواه السكك، ويتوعدون المارة بالعذاب إن هم اتصلوا بالنبي شعيب وجلسوا إليه صرفاً للناس عن الإِيمان والاستقامة، كما أنهم يقطعون الطرق ويسلبون الناس ثيابهم وأمتعتهم أو يدفعون إليهم ضريبة خاصة.

وقوله { واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم } يذكرهم عليه السلام بنعمة الله تعالى عليهم وهي أنهم أصبحوا شعباً كبيراً بعدما كانوا شعباً صغيراً لا قيمة له ولا وزن بين الشعوب وقوله: { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين } يعظهم ببيان مصير الظلمة المفسدين من الأمم المجاورة والشعوب حيث لحت بهم نقمة الله ونزل بهم عذابه فهلكوا يعظهم لعلهم يذكرون فيتركوا الشرك والمعاصي، ويعملوا بالتوحيد والطاعة.

وأخيراً يخوفهم بالله تعالى ويهددهم بان حكماً عدلاً هو الله سيحكم بينهم وعندها يعلمون من هو المحق ومن هو المبطل فقال: { وإن كان طائفة منكم } أي جماعة { آمنوا بالذي أرسلت به } من التوحيد والطاعة وترك الشرك والمعاصي، { وطائفة } اخرى { لم يؤمنوا } وبهذا كنا متخاصمين نحتاج غلى من يحكم بيننا إذاً { فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- دعو الرسل واحدة في باب العقيدة إذ كلها تقوم على أساس التوحيد والطاعة.

2- حرمة التطفيف في الكيل والميزان، وبخس الناس أشياءهم، ويدخل في ذلك الصناعات وحرف المهن وما إلى ذلك.

3- حرمة الفساد في الأرض بالمعاصي لا سيما البلاد التي طهرها الله بالإسلام وأصحلها بشرائعه.

4- حرمة التلصص وقطع الطرق وتخويف المارة.

5- حرمة الصد عن سبيل الله بمنع الناس من التدين والإلتزام بالشريعة ظاهراً وباطناً.

{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } * { قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ }

شرح الكلمات:

{ الملأ }: أشراف القوم الذين يملؤون المجلس إذا جلسوا، والعين إذا نظر اليهم.

{ استكبروا }: تكفلوا الكبر وهم حقيرون، تى لا يقبلوا الحق.

{ من قريتنا }: مدينتنا.

{ في ملتكم }: في دينكم.

{ على الله توكلنا }: أي فوضنا امرنا واعتمدنا في حمايتنا عليه.

{ ربنا افتح بيننا }: أي يا ربنا احكم بيننا.

{ وأنت خير الفاتحين }: أي وأنت خير الحاكمين.

معنى الآيتين:

ما زال السياق الكريم في قصص شعيب مع قومه أهل مدين فبعد أن أمرهم ونهاهم وذكرهم ووعظهم { قال الملأ الذين استكبروا من قومه } مهددين موعدين مقسمين { لنخرجنك يا شعيب ولاذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا }. هكذا سنة الطغاة الظلمة إذا غلبوا بالحجج والبراهين يفزعون إلى القوة فلما أفحمهم شعيب خطيب الأنبياء عليهم السلام، وقطع الطريق عليهم شهروا السلاح في وجهه، وهو النفي والإِخراج من البلاد أو العودة إلى دينهم الباطل، رلنخرجنك يا شعيب ولاذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا } ورد شعيب على هذا التهديد بقوله: { أولو كنا كارهين } أي أنعود في ملتكم ولو كنا كارهين لها { قد افترينا على لاله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها } ووجه الكذب على الله إن عادوا إلى ملة الباطل هو شعيباً أخبرهم أن الله تعالى أمرهم بعبادته وحده وترك عبادة غيره، وأنه تعالى أرسله إليهم رسولاً وأمرهم بطاعته إنقاذاً لهم من الباطل الذي هم فيه فإذا أرتد وعاد هو ومن معه من المؤمنين إلى ملة الشرك كان موقفهم موقف من كذب على الله تعالى بأنه قال كذا وكذا والله عز وجل لم يقل. هذا ثم قال شعيب { وما يكون لنا أن نعود فيها } ليس من الممكن ولا من المتهيء لنا العودة في ملتكم أبداً، اللهم إلا أن يشاء ربنا شيئاً فغن مشيئته نافذه في خلقه، وقوله: { وسع ربناكل شيء علما } فإذا كان قد علم أنا نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله، فسوف يكون ما علمه كما علمه وهو الغالب على أمره.

ثم قال عليه السلام بعد أن أعلمهم أن العودة إلى دينهم غير واردة ولا ممكنة بحال من الأحوال إلاّ في حال مشيئة الله ذلك، وهذا مما لا يشاءه الله تعالى قال: { على الله توكلنا } في الثبات على دينه الحق، والبراءة نم الباطل ثم سأل ربه قائلاً: { ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق } أي احكم بيننا وبينهم بالحق { وأنت خير الفاتحين } أي الحاكمين، وذلك بإحقاق الحق وإبطال الباطل.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان سنة بشرية وهي أن الظلمة والمتكبرين يجادلون بالباطل حتى إذا أعياهم الجدال وأفحموا بالحجج بدل أن يسلموا بالحق ويعترفوا به ويقبلوه، فيستريحوا ويريحوا يفزعون إلى القوة بطرد أهل الحق ونفيهم أو إكراههم على قبول الباطل بالعذاب والنكال.

2- لا يصخ من أهل الحق بعد أن عرفوه ودعوا إليه أن يتنكروا ويقبلوا الباطل بدله.

3- يستحب الاستثناء في كل ما عزم عليه المؤمن مستقبلاً وإن لم يرده او حتى يفكر فيه.

4- وجوب التوكل على لاله عند تهديد العدو وتخويفه، والمضي في سبيل الحق.

5- مشروعية الدعاء وسؤال الله تعالى الحكم بين أهل الحق وأهل الباطل، لأن الله تعالى يحكم بالحق وهو خير الحاكمين.

{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ }

شرح الكلمات:

{ لئن اتبعتم شعيباً }: أي على ما جاء به من الدين والهدى.

{ الرجفة }: الحركة العنيفة كالزلزلة.

{ جاثمين }: باركين على ركبهم ميتين.

{ كأن لم يغنوا فيها }: أي كأن لم يعمروها ويقيموا فيها زمناً طويلاً.

{ الخاسرين }: إذ هلكوا في الدنيا وادخلوا النار في الآخرة.

{ آسى }: أي أحزن أو آسف شديد الأسف.

معنى الآيات:

ما زال السياق في قصص شعيب مع أهل مدين فإنه بعد أن هدد الظالمون شعيباً بالإِبعاد من مدينتهم هو والمؤمنون معه أو أن يعودوا غلى ملتهم فرد شعيب على التهديد بما أيأسهم من العودة إلى دينهم، وفزع إلى الله يعلن توكله عليه ويطلب حكمه العادل بينه وبين قومه المشركين الظالمين كأن الناس اضطربوا وأن بعضاً قال اتركوا الرجل وما هو عليه، ولا تتعرضوا لما لا تطيقونه من البلاء. هنا قال الملأ الذين استكبروا من قومه مقسمين بآلهة الباطل: { لئن اتبعتم شعيباً } اي على دينه وما جاء به وما يدعو إليه من التوحيد والعدل ورفع الظلم { إنكم إذاً لخاسرون } قال تعالى: { فأخذتهم الرجفة } استحابة لدعوة شعيب فأصبحوا هلكى جاثمين على الركب. قال تعالى: { الذين كذبوا شعيباً كأن لم يغنوا فيها } أي كأن لم يعمروا الديار ويقيموا بها زمناً طويلاً، وأكد هذا الخبر وهو حكمة في المكذبين الظالمين فقال: { الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرون } أما الذين صدقوا شعيباً فهم المفلحون الفائزون وودعهم شعيب كما ودع صالح قومه قال تعالى: { فتولى عنهم } وهم جاثمون هلكى فقال { يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم } فأبيتم إلا تكذيبي ورد قولي والإِصرار على الشرك والفساد حتى هلكتم رفيكف آسَى على قوم كافرين } أي لا معنى للحزن والاسف على مثلكم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- ثمرة الصبر والثبات النصر العاجل أو الآجل.

2- نهاية الظلم والطغيان والدمار والخسران.

3- لا أسىً ولا حزناً على من أهلكه الله تعالى بظلمه وفساده في الأرض.

4- مشروعية توبيخ الظالمين بعد هلاكهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل القليب وكما فعل صالح وشعيب عليهما السلام.

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } * { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

شرح الكلمات:

{ في قرية }: القرية: المدينة الجامعة لأعيان البلاد ورؤسائها وهي المدينة.

{ بالبأساء }: بالشدة كالقحط والجوع والحروب.

{ والضراء }: الحالة المضرة كالأمراض والغلاء وشدة المؤونة.

{ يضرعون }: يدعون الله تعالى ويتضرعون إليه ليكشف عنهم السوء.

{ مكان السيئة الحسنة }: أي بدل الغلاء الرخاء، وبدل الخوف الأمن، وبدل المرض الصحة.

{ حتى عفوا }: كثرت خيراتهم ونمت أموالهم، وأصبحت حالهم كلها حسنة.

{ أخذناهم بغتة }: أنزلنا بهم العقوبة فجأة.

معنى الآيتين:

على إثر بيان قصص خمسة أنبياء ذكر تعالى سنته في الأمم السابقة ليكون ذلك عظة لكفار قريش، وذكرى للمؤمنين فقال تعالى: { وما أرسلنا في قرية } أي في أهل والمراد بالقرية الحاضرة والعاصمة من كبريات المدن حيث الكبراء والرؤساء من نبي من الأنبياء والمرسلين فكذبوه قومه وردوا دعوته مصرين على الشرك والضلال إلا أخذ الله تعالى أهل تلك المدينة بألوان من العذاب التأديبى كالقحط والجوع وشظف العيش، والأمراض والحروب المعبر عنه بالبأساء والضراء. رجاء أن يرجعوا إلى الحق بعد النفور منه، وقبوله بعد الإِعراض عنه ثم يغير تعالى ما بهم من بأساء وضراء إلى يسر ورخاء، وعافية وهنا فتكثر أموالهم وأولادهم ويعظهم سلطانهم، ويقولون عندما يوعظون ويذكرون ليتوبوا فيؤمنوا ويتقوا: { قد مس آباءنا الضراء والسراء } أي الخير والشر وما هناك ما تخوفوننا به إنما هي الأيام هكذا دول يوم عسر وآخر يسر وبذلك يحق عليهم العذاب فيأخذهم الجبار عز وجل فجأة { وهم لا يشعرون } فيتم هلاكهم ويمسون حديث عبرة لمن بعدهم عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة وعذاب الآخرة أشد وأبقى.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- بيان سنة الله تعالى في الأمم السابقة.

2- تخويف كفار قريش بما دلت عليه هذه السنة من أخذ الله تعالى المصرين على الكفر المتمردين على الحق.

3- التذكير والوعظ بتاريخ الأمم السابقة المنبىء عن أسباب هلاكهم وخسرانهم ليتجنبها العقلاء، كما قال تعالى: { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب }.

{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }

شرح الكلمات:

{ آمنوا واتقوا }: أي آمنوا بالله ورسوله ووعد الله ووعيده واتقوه تعالى بطاعته وعدم معصيته.

{ بركات من السماء والأرض }: جمع بركة وهي دوام الخير وبقاؤه والعلم والإِلهام والمطر من بركات السماء والنبات والخصب والرخاء والأمن والعافية من بركات الأرض.

{ يكسبون }: من الشرك والمعاصي.

{ بياتا }: أي ليلاً وهم نائمون.

{ مكر الله }: استدراجه تعالى لهم بإغداق النعم عليهم من صحة الأبدان ورخاء العيش حتى إذا آمنوا مكره تعالى بهم أخذهم بغتة.

{ أو لم يهد لهم }: أي أو لم يبين لهم بمعنى يتبين لهم.

{ بذنوبهم }: أي بسبب ذنوبهم.

معنى الآيات:

بعدما بين تعالى سنته في الأمم السابقة، وهي أخذ الأمة بعد تكذيبها عصيانها بالبأساء والضراء، ثم إذا هي لم تتب واستمرت على كفرها وعصيانها أغدق عليها الخيرات حتى عفت بكثرة مالها وصلاح حالها أخذها بغتة فأهلكها، وتم خسرانها في الدارين، فتح الله باب التوبة والرجاء لعباده فقال: { ولو أن أهل القرى } المكذبين ككفار مكة والطائف وغيرهما من المدن { آمنوا } أي بالله ورسوله وبلقاء الله ووعده ووعيده، { واتقوا } الله تعالى في الشرك وفي معصيته ومعصية رسوله لفتح عليهم أبواب السماء بالرحمات والبركات، وفتح عليهم كنوز الأرض ورزقهم من الطيبات ولكن أهل القرى الأولين كذبوا فأخذهم بالعذاب بما كانوا يكسبون، وأهل القرى اليوم وهم مكذبون فإما أن يعتبروا بما أصاب أهل القرى الأولين فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا، وإما أن يصروا على لاشرك والتكذيب فينزل بهم ما نزل بمن قبلهم من عذاب الإِبادة والاستئصال، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (96) وهي قوله تعالى { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون } أما الآيات الثلاث بعدها فإن الله تعالى ينكر على أهل القرى غفلتهم موبخاً لهم على تماديهم وإصرارهم على الباطل معجباً من حالهم فيقول: { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياناً وهم نائمون؟ } أي أجهلوا من نزل بمن قبلهم فأمنوا أن يأتيهم عذابنا ليلاً وهم نائمون؟ { أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا } أي عذابنا { ضحى وهم يلعبون؟ } أي أو غفل أهل القرى وأمنوا أن يأتيهم عذابنا ضحى وهم في أعمالهم التي لا تعود عليهم بخير كأنها لعب أطفال يلعبون بها { أفمنوا مكر الله }؟ أغرهم إمهالنا لهم واستدراجنا إياهم فأمنوا مكر الله؟ إنهم في ذلك خاسرون إذ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، وقوله تعالى في الآية الخامسة (100) { أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبنانهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون } أي عمى الذين يرثون الأرض من بعد أهلها ولم يتبين لهم بعد ولم يعلموا أنا لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا الذين ورثوا ديارهم بذنوبهم { ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون } أي ونجعل على قلوبهم غشاوة حتى لا يعوا ما يقال لهم ولا يفهموا ما يراد بهم حتى يهلكوا كما هلك الذين من قبلهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- عرض الرحمن تبارك وتعالى رحمته على ولم يطلب منهم أكثر من الإِيمان والتقوى.

2- حرمة الغفلة ووجوب الذكر واليقظة.

3- حرمة الأمن من مكر الله تعالى.

4- إذا أمنت مكر الله تهيأت للخسران وحل بها لا محالة.

5- وجوب الاعتبار بما أصاب الأولين، وذلك بترك ما كان سبباً لهلاكهم.

{ تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ }

شرح الكلمات: { تلك القرى }: الإِشارة إلى قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب.

{ من أنبائها }: أي من أخبارها.

{ بالبينات }: بالحجج والبراهين الدالة على توحيد الله وصدق رسله.

{ من قبل }: أي من قبل خلقهم ووجودهم، إذ علم الله تعالى تكذيبهم فكتبه عليهم في كتاب المقادير.

{ وما وجدنا لأكثرهم من عهد }: أي لم نجد لأكثرهم وفاء بعهودهم التي أخذت عليهم يوم أخذ الميثاق.

معنى الآيتين:

يخاطب الرب تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم قائلا { تلك القرى نقص عليك من أنبائها } أي من أخبارها مع أنبيائها كيف دعتهم رسلهم إلى الإِيمان والتوحيد والطاعة، وكيف ردت تلك الأمم دعوة الله واستكبرت على عبادته، وكيف كان حكمنا فيهم لعل قومك يذكرون فيؤمنوا ويوحدوا. وقوله تعالى { ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات } أي بالحجج الواضحات على صدق دعوتهم، وما جاءتهم به رسلهم من امر ونهي من ربهم. وقوله { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } اي لم يكن أولئك الهالكون من أهل القرى ليؤمنوا بما كذبوا به في لعلم الله وقدره إذ علم الله أنهم لا يؤمنون فكتب ذلك عليهم فلذا هم لا يؤمنون، وقوله تعالى: { كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين } أي كما كتب على الهالكين من أهل القرى أنهم لا يؤمنون ولم يؤمنوا فعلاً فأهلكهم، يطبع كذلك على قلوب الكافرين فلا يؤمنون حتى يأخذهم العذاب وهم ظالمون بكفرهم. وهذا الحكم الإِلهي قائم على مبدأ ان الله علم من كل إنسان قبل خلقه ما يرغب فيه وما يؤثره على غيره ويعمله باختياره وارادته فكتب ذلك عليه فهو عند خروجه إلى الدنيا لا يعمل إلا به. ليصل الى ما كتب عليه، وقدر له أزلاً قبل خلق السموات والأرض، وقوله تعالى { وما وجدنا لأكثرهم من عهد } أي لم نجد لتلك الأمم التي أهلكنا وهم قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب. لم نجد لأكثرهم وفاء بعهدهم الذي أخذناه عليهم قبل خلقهم من الإِيمان بنا وعبادتنا وطاعتنا وطاعة رسلنا، وما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين عن أمرنا خارجين عن طاعتنا وطاعة رسلنا، وكذلك أحللنا بهم نقمتنا وأنزلنا بهم عذابنا فأهلكناهم أجمعين.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- تقرير الوحي الإِلهي وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه ما قُصَّ من أنباء الأولين لا يُتَلَقَّى إلا بوحي إلهي ولا يتلقى عن الله تعالى إلا رسول أَعِدَّ لذلك.

2- وجود البينات مهما كانت قوية واضحة غير كاف في إيمان من لم يشأ الله هدايته.

3- المؤمن من آمن في الأزل، والكافر من كفر فيه.

4- الطبع على قلوب الكافرين سببه اختيارهم للكفر والشر والفساد وإصرارهم على ذلك كيفما كانت الحال.

{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ }

شرح الكلمات:

{ ثم بعثنا من بعدهم }: أي من بعد نوح وهود صالح ولوط وشعيب.

{ موسى }: هو موسى بن عمران من ذرية يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم عليه السلام.

{ بآياتنا }: هي تسع آيات: العصا، واليد، والسنون المجدبة، والدم، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والطمس على أموال فرعون.

{ إلى فرعون }: أي بعث موسى الرسول إلى فرعون وهو الوليد بن مصعب بن الريان، ملك مصر.

{ وملئه }: أي أشراف قومه وأعيانهم من رؤساء وكبراء.

{ فظلموا بها }: أي ظلموا أنفسهم بالآيات وما تحمله من هدى حيث كفروا بها.

{ بينة من ربكم }: حجة قاطعة وبرهان ساطع على أني رسول الله إليكم.

{ ونزع يده }: أخرجها بسرعة من جيبه.

معنى الآيات:

قوله تعالى { ثم بعثنا من بعدهم موسى } هذا شروع في ذكر القصص السادس مما اشتملت عليه سورة الأعراف، وهي قصص موسى عليه السلام مع فرعون وملئه. قال تعالى وهو يقص على نبيه ليثبت به فؤاده، ويقرر به نبوته، ويعظ امته، ويذكر به قومه { ثم بعثنا من بعدهم } أي من بعد نوح وهود صالح ولوط وشعيب موسى بن عمران إلى فرعون وملئه من رجالات ملكه ودولته، وقوله بآياتنا. هي تسع آيات لتكون حجة على صدق رسالته وأحقية دعوته. وقوله تعالى { فظلموا بها } أي جحدوها ولم يعترفوا بها فكفروا بها وبذلك ظلموا أنفسهم بسبب كفرهم بها، واستمروا على كفرهم وفسادهم حتى أهلكهم الله تعالى بإغراقهم، ثم قال لرسوله { فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } أي دماراً وهلاكاً وهي عاقبة كل مفسد في الأرض بالشرك والكفر والمعاصي. هذا ما دلت عيله الآية الأولى (103) وأما ال " آيات بعدها فإنها في تفصيل أحداث هذا القصص العجيب. وأتى موسى فرعون وقال { يا فرعون إني رسول الله من رب العالمين، حقيق } أي جدير وخليق بي { أن لا أقول على الله إلا الحق، قد جئتكم ببينة من ربكم } دالة على صدقي شاهدة بصحة ما أقول { فأرسل معي بني إسرائيل } لأذهب بهم إلى أرض الشام التى كتب الله لهم وقد كانت دار آبائهم. وهنا تكلم فرعون وطالب موسى بالآية التي ذكر أنه جاء بها فقال { إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين } أي فيما تدعيه وتقول به وتدعوا إليه. وهنا ألقى موسى عصاه أي أمام فرعون المطالب بالآية { فإذا هي ثعبان مبين } أي حية عظيمة تهتز { فغذا هي بيضاء للناظرين } بيضاء بياضاً غير معهود مثله في أيدي الناس. هذا ما تضمنته هذه الآيات الخمس في هذا السياق.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان سوء عاقبة المفسدين بالشرك والمعاصي.

2- تذكير موسى فرعون بأسلوب لطيف بأنه ليس رباً بل هناك رب العالمين وهو الله رب موسى وهرون والناس أجمعين.

3- تقرير مبدأ الصدق لدى الرسل عليهم السلام.

4- ظهور آيتين لموسى العَصَا واليد.

{ قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } * { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ }
شرح الكلمات :

{ ساحر عليم }: أي ذو علم بالسحر خبير به ليس مجرد مدّع .

{ من أرضكم }: أي من بلادكم ليستولي عليها و يحكمكم.

{ فماذا تأمرون }: أي أشيروا بما ترون الصواب في حل هذا المشكل.

{ أرجه }: أي أمهله و أخوه لا تعجل عليه قبل اتخا\ ما يلزم من الاحتياطات.

{ في المدائن }: مدن المملكة الفرعونية.

{ حاشرين }: رجلاً يجمعون السحرة الخبراء في فن السحر للمناظرة .

معنى الآيات :

مازال السياق في تفصيل قصص موسى مع فرعون فبعد أن تقدم موسى بما طلب فرعون منه من الآية فأراه آية العصا ، و اليد ، و شاهد الملأ من قوم فرعون الآيتين العظيمتين قالوا { إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } و ذلك لما بهرتهم الآيتان تحول العصا إلى حية عظيمة و اليد البيضاء من غير سوء كالبرص بل بياضها عجب حتى لكأنها فلقة قمر أي قطعة منه ، و اتهموا موسى فورا بالسياسة و أنه يريد إخراجكم من بلادكم ليستولي عليها هو و قومه من بني إسرائيل ، و هنا تكلم فرعون و قال : { فَمَاذَا تّأْمُرُون } أي بم تشيرون عليّ أيها الملأ و الحال كما ذكرتم ؟ فأجابوا قائلين { أَرْجِهْ وَ أَخَاه} أي أوقفهما عندك { و أَرْسِلْ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِين} أي رجالا من الشرط يحشرون أي يجمعون أهل الفن من السحرة من كافة أنحاء الإيالة أي الإقليم المصري ، و أجر معه مناظرة فإذا انهزم انتهى أمره و أمِنّا من خطره على بلادنا و أوضاعنا . هذا ما دلت عليه الآيات الأربع في هذا السياق.

هداية الآيات :

من هداية الآيات :
1-جهل الملأ بالآيات أدى بهم إلى أن قالوا إن موسى ساحر عليم .
2- مكر الملأ و خبثهم إذ اتهموا موسى سياسياً بأنه يريد الملك و هو كذب بحت و إنما يريد إخراج بني إسرائيل من مصر حيث طال استعبادهم و امتهانهم من قبل الأقباط و هم أبناء الأنبياء و أحفاد إسرائيل و إسحاق و إبراهيم عليهم السلام .
3- فضيحة فرعون حيث نسي دعواه للربوبية ، فاستشار الملأ في شأنه، إذ الرب الحق لا يستشير عباده فيما يريد فعله لأنه لا يجهل ما يحدث مستقبلاً.
4- السحر صناعة من الصناعات يتعلم و يبرع فيها المرء ، و يتقدم حتى يتفوق على غيره .
5- حرمة السحر و حرمة تعلمه ، و وجوب إقامة الحد على من ظهر عليه و عرف به.

{ وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } * { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } * { قَالَ أَلْقَوْاْ فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }

شرح الكلمات:

{ السحرة }: جمع ساحر وهو من يتقن فن السحر ويؤثر في أعين الناس بسحره.

{ إن لنا لأجراً }: أي ثواباً من عندك أي أجراً تعطيناه إن نحن غلبنا.

{ نحن الملقين }: لعصيّنا.

{ سحروا أعين الناس }: حيث صار النظارة في الميدان يشاهدون عصي السحر وحبالهم يشاهدونها حيات وثعابين تملأ الساحة.

{ واسترهبوهم }: أي أدخلوا الرهب والرعب في قلوب الناس من قوة أثر السحر في عيونهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في الحوار الدائر بين موسى عليه السلام من جهة وبين فرعون وملئه من جهة أخرى، فقد جاء في الآيات السابقة أن الملأ أشارواعلى فرعون بأن يحبس موسى وأخاه هارون ويرسل شرطة في المدن يأتون بالخبراء في فن السحر لمناظرة موسى عيسى أن يغلبوه، وفعلاً أرسل فرعون في مدنه حاشرين يجمعون خبراء السحر، وها هم أولاء قد وصلوا قال تعالى { وجاء السحرة فرعون } وعرفوا أن الموقف جد صعب على فرعون فطالبوه بالأجر العظيم إن هم غلبوا موسى وأخاه فوافق فرعون على طلبهم، وهو معنى قوله تعالى: { وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين؟ قال نعم } وزادهم أيضاً أن يجعلم من خواصه ورجال قصره فقال { وإنكم لمن المقربين } أي لدينا. وهنا تقدموا لموسى وكأنهم على ثقة في قوتهم السحرية وان الجولة ستكون لهم، تقدموا بإلقاء آلاتهم السحرية أو تقدم موسى عليهم فقالوا { يا موسى إما أن تلقي، وإما أن نكون نحن الملقين } أي الق عصاك أو نلقى نحن عصينا فقال لهم موسى { ألقوا } فألقوا فعلاً فسحروا أعين الناس وجاءوا بسحر عظيم كما أخبر تعالى الأمر الذي استرهب النظارة حتى إن موسى عيه السلام أوجس في نفسه خيفة فنهاه ربه تعالى عن ذلك وأعلمه أن الغالب بإذن الله تعالى جاء هذا الخبر في سورة طه.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- مشروعية طلب الأجرة على العمل الذي يقوم به الإِنسان خارجاً عن نطاق العبادة.

2- مشروعية الترقيات الحكومية لذي الخدمة الجُلى للدولة.

3- تأثير السحر على أعين الناس حقيقة بحيث يرون الشيء على خلاف ما هو عيله إذ العصي والحبال استحالت في أعين الناس إلى حيات وثعابين.

{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } * { فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ } * { وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } * { قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }

شرح الكلمات:

{ تلقف }: تأخذ بسرعة فائقة وحذق عجيب.

{ ما يأفكون }: ما يقلبون بسحرهم وتمويههم.

{ فوقع الحق }: ثبت وظهر.

{ صاغرين }: ذليلين.

{ ساجدين }: ساقطين على وجوههم سجداً لربهم رب العالمين.

معنى الآيات:

ما زال السياق في المناظرة أو المباراة بين موسى عليه السلام وسحرة فرعون، فبعد أن ألقى السحرة حبالهم وعصيهم في الساحة وانقلبت بالتمويه السحري حيات وثعابين ورهب الناس من الموقف وظن فرعون وملأه أنهم غالبون أوحى الله تعالى إلى موسى أن يلقي عصاه فألقاها { فإذا هي تلقف ما يأفكون } أي تأخذه وتبتلعه وبذلك وقع الحق أي ظهر وثبت واستقر { وبطل ما كان يعملون } أي السحر والتمويه وقوله تعالى { فغلبوا } أي فرعون وملأه وقومه { هنالك } أي في ساحة المباراة والمناظرة { وانقبلوا } إلى ديارهم { صاغرين } أي ذليلين مهزومين. وقوله تعالى { وألقي السحرة ساجدين } أي إنهم بعد أن شاهدوا الآية الكبرى بهرتهم فخروا ساجدين كأنما ألقاهم أحد على وجه الأرض لا حراك لهم وهم يقولون { آمنا برب العالمين رب موسى وهرون } وضمن ذلك فقد كفروا بربوبية فرعون الباطلة، لأن الإِيمان بالله سيلزم الكفر بما عداه، ولذا قالوا { آمنا برب العالمين رب موسى وهارون } تلويحاً بكفرهم بفرعون الطاغية وبكل إله غير الله.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان سنته تعال في أن الحق والباطل إذا التقيا في أي ميدان فالغلبة للحق دائماً.

2- بطلان السحر وعدم فلاح أهله ولقوله تعالى في سورة طه { ولا يفلح الساحر حيث أتى }.

3- فضل العلم وأنه سبب الهداية فإيمان السحرة كان ثمرة العلم، إذ عرفوا أن ما جاء به موسى ليس سحراً وإنما هو آية له من الله فآمنوا.

4- مظهر من مظاهر القضاء والقدر فالسحرة أصبحوا كافرين وأمسوا مسلمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة الأعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأعراف   سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 5:44 pm


{ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } * { وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ }

شرح الكلمات:

{ آمنتم به }: أي صدقتموه فيما جاء به ودعا إليه.

{ مكر مكرتموه }: أي حيلة احتلتموها وتواطأتم مع موسى على ذلك.

{ من خلاف }: بأن يقطع اليد اليمنى مع والرجل اليسرى أو العكس.

{ ثم لأصلبنكم }: التصليب: الشد على خشبة حتى الموت.

{ منقلبون }: أي راجعون.

{ وما تنقم منا }: أي وما تكره منا وتنكر علينا إلا إيماننا بآيات ربنا لما جاءتنا.

{ أفرغ علينا صبراً }: أي افض علينا صبراً قوياً حتى نثبت على ما توعدنا فرعون من العذاب ولا نرتد بعد إيماننا.

معنى الآيات:

ما زال السياق في أحداث قصص موسى وفرعون ففي الآيات قب لهذه تمت المناظرة بين موسى والسحرة بنصر موسى عليه السلام وهزيمة فرعون النكراء حيث سحرته بعد ظهور الحق لهم واضحاً مكشوفاً آمنوا وأسلموا وسجدوا لله رب العالمين. وفي هذه الآيات يخبر تعالى عن محاكمة فرعون للسحرة فقال عز من قائل { قال فرعون } أي للسحرة { آمنتم به } أي بموسى رقبل أن أذن لكم } أي في الإِيمان به، وهي عبارة فيها رائحة الهزيمة والحمق، وإلا فهل الإِيمان بتأتى فيه الإِذن وعدمه، الإِيمان إذعان باطني لا علاقه له بالإِذن إلا من الله تعالى، ثم قال لهم { إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها } أي إن هذا الذي قمتم به من ادعاء الغلب لموسى بعدما اظهرتم الحماس في بداية المباراة ما هو إلا مكر إخراجكم الناس من المدينة واستيلائكم عليها. ثم تهددهم وتوعدهم بقوله { فسوف تعلمون } ما أنا صانع بكم. وذكر ما عزم عليه فقال مقسماً { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } يريد بقطع من كل واحد منهم يده اليمنى ورجله اليسرى، ثم يربطهم على أخشاب في ساحة معينة ليموتوا كذلك نكالاً وعبرة لغيرهم. هذا ما أعلنه فرعون وصرح به للسحرة المؤمنين فما كان جواب السحرة { قالوا إنا إلى ربنا منقلبون } أي راجعون فقتلك إيانا لم يزد على أن قربنا من ربنا وردنا إليه ونحن في شوق إلى لقاء ربنا، وعليه فحكمك يقتلنا ما هو بضائرنا، وشيء آخر هو أنك { ما تنقم منا } يا فرعون أي ما تكره منا ولا تنكر شيء لا مذمة فيه علينا، ولا عاراً يلحقنا، فلذا
{ اقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا }
ثم أقبلوا على الله ورفعوا أيديهم إليه وقالوا ضارعين سائلين { ربنا أفرغ علينا صبراً } حتى نتحمل العذاب في ذاتك { وتوفنا مسلمين } ، ونفذ فرعون جريمته ولكن احدث ذلك اضطراباً في البلاد ولم يكن فرعون ولا ملأه يتوقعون دل عليه الآيات التالية.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- القلوب المظلمة بالكفر والجرائم أصحابها لا يتورعون عن الكذب واتهام الأبرياء.

2- فضيلة الاسترجاع أن يقول { إنا لله وإنا إليه راجعون } حيث فزع إليها السحرة لما هددهم فرعون إذ قالوا { إنا إلى ربنا منقلبون } أي راجعون فهان عليهم ما تهددوا به.

3- مشروعية سؤال الصبر على البلاء للثبات على الإِيمان.

4- فضل الوفاة على الإِسلام وأنه مطلب عال لأهل الإِيمان.

{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } * { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }

شرح الكلمات:

{ قال الملأ }: أي لفرعون.

{ أتذر }: أي أنترك.

{ وقومه }: اي بني إسرائيل.

{ ليفسدوا في الأرض }: أي في البلاد بالدعوة إلى مخالفتك، وترك طاعتك.

{ وآلهتك }: أصناماً صغاراً وضعها ليعبدها الناس وقال أنا ربكم الأعلى وربها.

{ نستحيي نساءهم }: نبقي على على نسائهم لا تذبحهن كما تذبح الأطفال الذكور.

{ ويستخلفكم في الأرض }: أي يجعلكم خلفاء فيها تخلفون الظالمين بعد هلاكهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في أحداث قصص موصى وفرعون انه بعد انتصار موسى في المباراة وإيمان السحرة ظهر أمر موسى واتبعه ستمائة ألف من بني إسرائيل، وخاف قوم فرعون من إيمان الناس بموسى وبما جاء به من الحق قالوا لفرعون على وجه التحريض والتحريك له { أتذر موسى وقومه } يريدون بني إسرائيل { ليفسدوا في الأرض } أي أرض مصر فإفساد خدمك وعبيدك { ويذرك وآلهتك } أي ويترك فلا يخدمك ولا يطيعك ويترك آلهتك فلا يعبدها إذ كان لفرعون أصنام يدعو الناس لعبادتها لتقربهم إليه وهو الرب الأعلى للكل. وبعد هذا التحريش الإِغراء من رجال فرعون ليبطش بموسى وقومه قال فرعون { سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم } كما كان يفعل قبل عند أخبر بأن سقوط ملكه سيكون على يد بني إسرائيل { وإنا فوقهم قاهرون } هذه الكلمة من فرعون في هذا الظرف بالذات لا تعد وأن تكون تعويضاً عما فقد من جبروت ورهبوت كان له قبل هزيمته في المبارة وإيمان السحرة برب العالمين رب موسى وهارون. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (127) وهي قوله تعالى { وقال الملأ من قوم فرعون: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض، ويذرك وآلهتك. قال سنقتل طأبناءهم ونستحيي نساءهم، وإنا فرقهم قاهرون } وكان رد موسى عليه السلام على هذا التهديد والوعيد الذي أرعب بني إسرائيل وأخافهم ما جاء في الآية الثانية (128) { وقال موسى لقومه } أي من بني إسرائيل { استعينوا بالله } على ما قد ينالكم من ظلم فرعون، وما قد يصيبكم من أذى انتقاماً لما فقد من علوه وكبريائه { واصبروا } على ذلك، واعلموا { ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين } فمى صبرتم على ما يصيبكم فلم تجزعوا فترتدوا، واتقيتم الله ربكم فلم تتركوا طاعته وطاعة رسوله أهلك عدوكم وأورثكم أرضه ودياره، وسبحان الله هذا الذي ذكره موسى لبني إسرائيل قد تم حرفياً بعد فترة صبر فيها بنو إسرائيل واتقوا كما سيأتي في هذا السياق بعد كذا آية، وهنا قال بنو إسرائيل ما تضمنته الآية الأخيرة (129) { قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا } بما أتيتنا به من الدين والآيات، وذلك عندما كان فرعون يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم للخدمة { ومن بعدما جئتنا } وهذه منهم كلمة الآيس المهزوم نفسياً لطول ما عانوا من الاضطهاد والعذاب من فرعون وقومه الأقباط.

فأجابهم موسى عليه السلام قائلا: محيياً الأمل في نفوسهم وإيصالهم بقوة الله التى لا تقهم { عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } وهذا الذي رجاه موسى ورجاه بني إسرائيل قد تم كاملاً بلا نقصان والحمد لله الكريم المنان.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- خطر بطانة السوء على الملوك والرؤساء تجلت في إثارة فرعون ودفعه إلى البطش بقولهم { أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض... الخ }.

2- بيان فضيلة الصبر والتقوى أنها مفتاح النصر وإكسير الكمال البشري.

3- النفوس المريضة علاجها عسير ولكن بالصبر والمثابرة تشفى إن شاء الله تعالى.

4- بيان صدق ما رجاه موسى من ربه حيث تحقق بحذافيره.

5- استحسان رفع معنويات المؤمنين بذكر حسن العاقبة والتبشير بوعد الله لأوليائه أهل الإِيمان والتقوى.

{ وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }

شرح الكلمات:

{ أخذنا آل فرعون بالسنين }: أي عاقبناهم بِسِنِيى الجدب والقحط.

{ ونقص من الثمرات }: بالجوائح تصيبها، وبعدم صلاحيتها.

{ الحسنة }: ما يحسن من خصب ورخاء وكثرة رزق وعافية.

{ سيئة }: ضد الحسنة وهي الجدب والغلاء والمرض.

{ يطيروا بموسى }: أي يتشاءمون بموسى وقومه.

{ الطوفان والضفادع }: الطوفان الفيضانات المغرقة، والجراد معروف بأكل الزرع والثمار، والقمل جائز أن يكون القمل المعروف وجائز أن يكون السوس في الحبوب، والضفادع جمع ضفدعة. حيوان يوجد في المياه والمستنقعات.

{ والدم }: والدم معروف قد يكون دم رعاف أو نزيف، أو تحول الماء ماء الشرب الى دم عبيط في أوانيهم وأفواههم آية لموسى عليه السلام.

{ فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين }: حيث لم يؤمنوا بهذه الآيات. أي مفسدين حيث حكم بإهلاكهم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في قصص موسى مع آل فرعون انه لما شاهد فرعون وآله آية العصا وانهزام السحر أمامهم وإيمان السحرة خملهم الكبر على مواصلة الكفر والعناد فأصابهم الرب تعالى بجفاف وقحط سنوات لعلهم يذكرون، ولم يذكروا فحول الله تعالى جدبهم الى خصب، وبلاءهم إلى عافية فلم يرجعون وقالوا في الرخاء هذه لنا نحن مستحقوها وجديرون بها، وقالوا في القحط والبلاء قالوا هذه من شؤم موسى وبني إسرائيل، قال تعالى { ألا أنما طائرهم عند الله } وذلك لأنه مدبر الأمر وخالق كل شيء وجاعل للحسنة أسبابها وللسيئة أسبابها ولكن أكثرهم لا يعلمون فلذلك قالوا اطيرنا بموسى ومن معه وأصروا على الكفر ولجوا في المكابرة والعناد حتى قالوا لموسى { مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين } ولو علموا ما أصروا على الكفر ولما قالوا ما قالوا فأسباب الحسنة الإِيمان والتقوى، وأسباب السيئة الكفر والمعاصي، إذ المراد بالحسنة والسيئة هنا: الخير والشر. وهنا وبعد هذا الإِصرار والعناد والمكابرة رفع موسى يديه إلى ربه يدعوه فقال: يا رب إن عبدك فرعون علا في الأرض وبغا وعتا، وأن قومه قد نقضوةا العهد فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة، ولقومي عظة، ولمن بعدهم آية، فاستجاب الله تعالى دعاءه فأرسل عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم فأخذهم الطوفان أولاً فكادوا يهلكون بالغرق فجاءوا موسى وطلبوا منه أن يدعو ربه ليرفع عنهم هذا العذاب فإن رفعه عنهم آمنوا وأرسلوا معه بني إسرائيل فدعا ربه واستجاب لله تعالى فأخذوا شهراً في عافية فطلب منهم موسى ما وعدوه به فتنكروا لوعدهم وأصروا على كفرهم فأرسل الله تعالى عليهم الجراد فأكل زروعهم وأشجارهم وثمارهم حتى ضجوا وصاحوا وأتوا موسى عنهم ذلك فلبثوا مدة آمنين من هذه العاهة وطالبهم موسى بوعدهم فتنكروا له، وهكذا حتى تمت الآيات الخمس مفصلات ما بين كل آية وأخرى مدة تقصر وتطول فاستكبروا عن الإِيمان والطاعة وكانوا قوماً مجرمين مفسدين لا خير فيهم ولا عهد لهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- من تدبير الله تعالى أخذه عباده بالشدائد لعلهم يذكرون فيتعظون ويتوبون.

2- بطلان التطير مطلقاً، وإنما الشؤم في المعاصي بمخالفة شرع الله فيترتب على الفسق والعصيان البلاء والعذاب.

3- الجهل سبب الكفر والمعاصي وسوء الأخلاق وفساد الأحوال.

4- عدم إيمان آل فرعون مع توارد الآيات عليهم دال على أن إيمانهم لم يسبق به القدر.

كما هو دال على أن الآيات المعجزات لا يتستلزم الإِيمان بالضرورة.

5- التنديد بالإِجرام وهو إفساد النفس بالشرك والمعاصي.

{ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ ٱلرِّجْزُ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } * { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } * { فَٱنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } * { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }

شرح الكلمات:

{ الرجز }: العذاب وهو الخمسة المذكورة في آية (133) الآنفة الذكر.

{ إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون }: المراد من الأجل أنهم كانوا إذا سألوا موسى أن يدعو ربه ليرفع عنهم العذاب ويعدونه بالإِيمان وإرسال بنس إسرائيل معه فيرفع الله عنهم العذاب فيمكثون زمنا ثم يطالبهم موسى بالإِيمان وإرسال بني إسرائيل فيأبون عليه ذلك وينكثون عهدهم.

{ فانتقمنا منهم }: أي أنزلنا بهم نقمتنا فأغرقناهم في اليم الذي هو البحر.

{ الذين كانوا يستضعفون }: هم بنو إسرائيل.

{ مشارق الأرض ومغاربها }: هي أرض مصر والشام.

{ وتمَّت كلمة ربك الحسنى }: هي وعدة تعالى لهم في قوله { ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين } - من سورة القصص -.

وما كانوا يعرشون: أي يرفعون من مباني الدور والقصور العالية.

معنى الآيات:

ما زال السياق في قصص موسى مع فرعون وقومه، وهذه هي الآيات الأخيرة في هذا القصص. إنه لما وقع عليهم الرجز وهو العذاب المفصل الطوفان فالجراد، فالقمل، فالضفادع، فالدم { قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك } أي من كشف العذاب عنا إن نحن آمنا بك وبما جئت به وبما تطالب به من إرسال بني إسرائيل معك وحلفوا وقالوا { لئن كشفت عنا الرجز } { لنؤمن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل } قال تعالى: { فلما كشف عنهم الرجز } أي العذاب إلى أجل هم بالغوه } إلى وقت ينتهون إليه { إذ هم ينكثون } عهودهم ولم يؤمنوا ولم يرسلوا بني إسرائيل وكان هذا ما بين كل آية وآية حتى كانت الخمس الآيات، ودقت ساعة هلاكهم قال تعالى { فأغرقناهم في اليم } وهو البحر الملح أي أغرق فرعون وجنده ورجال دولته وأشراف بلاده، ثم ذكر تعالى علة هذ الهلاك الذي حاق بهم ليكون عبرة لغيرهم وخاصة قريش التي ما زالت مصرة على الشرك والتكذيب، فقال تعالى { بأنهم كذبوا بآياتنا وكانا عنها غافلين } كما هي الحال في قريش ومشركي العرب وكفارهم. وختم تعالى هذا القصص قصص موسى مع فرعون بقوله { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون } وهم بنو إسرائيل حيث استعبدهم فرعون الظالم وآله زمناً غير قصير { مشارق الأرض ومغاربها } وهي أرض مصر والشام إذ الكل مما بارك الله تعالى فيه إلا أن أرض الشام أولاً ثم أرض مصر ثانياً، إذ دخل بنو إسرائيل أرض فلسطين بعد وفاة موسى وهارون حيث غزا بهم يوشع بن نون العمالقة في أرض فلسطين وفتح البلاد وسكنها بنو إسرائيل وقوله تعالى { وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا } والمراد من كلمة الله قوله في سورة القصص
{ ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض، ونري فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون }

وقوله تعالى { ودمرنا ما كان يعرشون } ويرفعون ويعلون من صروح عالية، وحدائق أعناب زاهية زاهرة وأورث أرضهم وديارهم وأموالهم قوماً أخرين غيرهم، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. إلى هنا انتهى قصص موسى عليه السلام مع فرعون وملائه وكانت العاقبة له والحمد لله.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- ضعف الإِنسان يظهر عند نزول البلاء به حيث يفزع إلى الله تعالى يدعوه ويضرع إليه وعند رفعه حيث ينسى ما نزل به ويعود إلى عاداته وما كان عليه من الشرك والمعاصي إلا من آمن وعمل صالحاً فإنه يخرج من دائرة الضعف حيث يصبر عند البلاء ويشكر عند النعماء.

2- سبب العذاب في الدنيا والآخر التكذيب بآيات الله بعدم الإِيمان والعمل بها، والغفلة عنها حيث لا يتدبّر ولا يفكر فيها وفي ما نزلت لأجله.

3- مظاهر قدرة الله، وصادق عنده، وعظيم منته على خلقه، وحسن تدبيره فيهم فسبحانه من إله عليم حكيم، رؤوف رحيم.

{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { قَالَ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

شرح الكلمات:

{ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر }: أي قطعنا بهم فاجتازوه إلى ساحله.

{ يعكفون على أصنام لهم }: يجلسون إلى تماثيل بقر منحوته من حجر.

{ اجعل لنا إلهاً }: أي معبوداً يريدون تمثالاً كالذي شاهدوه.

{ تجهلون }: أي أنَّ العبادة لا تكون إلا لله تعالى.

{ متبرما هم فيه }: هالك خاسر لا يكسبرهم خيراً ولا يدفع عنهم شراً.

{ وإذ نجيناكم }: أي واذكروا نعم الله عليكم بإنجائه إياكم من آل فرعون.

{ يسومونكم سوء العذاب }: يوردونكم موارد الردى والهلاك بما يصيبونكم به من عذاب.

{ بلاء من ربكم }: أي اختبار وامتحان قاسٍ شديد.

معنى الآيات:

هذا بداية قصص جديد لنبي الله تعالى موسى مع قومه من بني إسرائيل إنه بعد هلاك فرعون وجنوده في اليم، انتهى الكلام على دعوة موسى لفرعون وملئه، وبذلك استقبل موسى وأخوه هارون مشاكل جديدة مع قومهما انه بعد أن جاوز تعالى ببني إسرائيل البحر ونزلوا على شاطئه سالمين مرّوا بأناس يعكفون على تماثيل لهم وهي عبارة عن أبقار حجرية منحوته نحتاً يعبدونها وهم عاكفون عليها وما إن رأى بنو إسرائيل هؤلاء العاكفين على الأصنام حتى قالوا لموسى يا موسى اجعل لنا إلها كما لهؤلاء آلهة، وهي كلمة دالة على جهلٍ بالله تعالى وآياته. فما كان من موسى عليه السلام حتى جابههم بقوله: { إنكم قوم تجهلون } وواصل تأنيبه لهم وإنكاره الشديد عليهم فقال { إن هؤلاء } أي العاكفين على الأصنام والذين غرتكم حالهم { متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون } أي إنهم وما هم عليه من حال في هلاك وخسار، ثم قال لهم منكرً متعجباً { أغير الله أبغيكم إلهاً } أي غير ربي عز وجل أطلب لكم إلهاً تعبدونه دون الله ما لكم أين يذهب بعقولكم، وهو سبحانه وتعالى فضلكم على العالمين وشرفكم على سائر سكان المعمورة أهكذا يكون شكركم له بطلب إله غيره، وهل هناك من يستحق العبادة غيره؟ وقوله تعالى في الآية الأخيرة (141) { وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب } إياكم من فرعون وآله وهم الذين كانوا على منهجه في الظلم والكفر من رجال حكمه وأفراد شرطه وجيوشه { يسومونكم سوء العذاب. يقتلون أبناءكم } حتى لا تكثروا، { ويستحيون نساءكم } للامتهان والخدمة، وفي هذا التعذيب والإِنجاء منه { بلاء من ربكم عظيم } يتطلب شكركم لا كفركم، فيكف تريدون أن تعبدوا غيره، وتشركوا به أصناماً لا تنفع ولا تضر، إن أمركم لجد مستغرب وعجب فاتقوا الله وتوبوا إليه.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- طلب بني إسرائيل من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلهاً يعبدونه دال على جهل تام في بني إسرائيل ولذا قال لهم موسى { إنكم قوم تجهلون } فالعلة في هذا الطلب العجيب هي الجهل بالله تعالى وأسمائه وصفاته، يشهد لهذا أن مسلمة الفتح لما خرج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حينين مروا بسدرة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم أجعلها لنا ذات أنواط ننيط بها فعجب الرسول من قوله وقال " سبحان الله ما زدتم أن قلتم كما قال بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة " فجهل القائلين هو الذي سهل عليهم أن يقولوا مثل هذا القول، ويشهد لذلك أن آلاف الأشجار والمزارات في بلاد المسلمين تزار ويتبرك بها وتقدم لها القرابين ولا علة لذلك سوى جهل المسلمين بربهم عز وجل.

2- إنكار المنكر عند وجوده والعثور عليه بالأسلوب الذي غيره.

3- استحباب التذكير بأيام الله خيرها وشرها لاستجلاب الموعظة للناس لعلهم يتوبون.

4- الرب تعالى يبتلى بالخير والغير، وفي كل ذلك خير لمن صبر وشكر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة الأعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأعراف   سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 5:45 pm


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }

شرح الكلمات:

{ ميقات }: الميقات: الوقت المعين.

أخلفني في قومي: أي كن خليفتي فيهم.

{ المفسدين }: أي كن خليفتي فيهم.

{ استقر مكانه }: الذين يعملون بالمعاصي.

{ خرّ }: سقط على الأرض.

{ أفاق }: ذهب عنه الإِغماء وعاد إليه وعيه.

{ اصطفيتك }: أخرتك.

معنى الآيات:

ما زال السياق في ذكر أحداث موسى مع بني إسرائيل انه لما نجى الله تعالى بني إسرائيل من فرعون وملئه، وحدثت حادثة طلب بني إسرائيل من موسى أن يجعل لهم إلهاً كما للمشركين إلهاً وقد أنبأهم موسى وأدبهم عن قولهم الباطل واعد الله تعالى موسى أن يناجيه بجبل الطور وجعل له الموعد الذي يلقاه فيه شهراً ثلاثين يوماً وكانت شهر القعدة وزادها عشراً من أول الحجة فتم الميقات أربعين ليلة. وعند خروجه عليه السلام استخلف في بني إسرائيل أخاه هارون وأوصاه بالإِصلاح، ونهاه عن اتباع آراء المفسدين هذا معنى قوله تعالى { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } وكان ذلك من أجل أن يأتي بني إسرائيل بكتاب من ربهم يتضمن شريعة كاملة يساسون بها وتحكمهم ليكملوا ويسعدوا عليها.

وقوله تعالى { ولما جاء موسى لميقاتنا } أي في الموعد الذي واعدنا والوقت الذي حددنا وكلمه ربه بلا واسطة بينهما بل كان يسمع كلامه ولا يرى ذاته، تاقت نفس موسى لرؤية ربه تعالى، فطلب ذلك فقال { ربّ أرني أنظر إليك } فأجابه ربه تعالى بقوله إنك لن تراني أي رؤيتك لي غير ممكنة لك، ولكن إذا أردت أن تتأكد من أن رؤيتك لي في هذه الحياة غير ممكنة فانظر إلى الجبل " جبل الطور " فإن استقر مكانه بعد أن أتجلى له، فسوف تراني { فلما تجلى للجبل جعله دكاً وخر موسى } عند رؤية الجبل { صَعِقا } أي مغشياً عليه { فلما أفاق } مما اعتراه من الصعق { قال سبحانك } أي تنزيهاً لك وتقديساً { تبت إليك } فلم أسألك بعد مثل هذا السؤال { وأنا أول المؤمنين } بك وبجلالك وعظيم سلطانك وأنا عبدك عاجز عن رؤيتك في هذه الدار دار التكليف والعمل.

وها أجابه ربه تعالى قائلا { يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك } من هذا الكمال والخير والعظيم { وكن من الشاكرين } لي على إنعامي لأزيدك وذلك بطاعتي والتقرب إلى بفعل محابي وترك مكارهي. وقوله تعالى { وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء } أي كتبنا له في ألواحه من كل شيء من أمور الدين والدنيا موعظة لقومه من أمر ونهي وترغيب وترهيب، وتفصيلا لكل شيء يحتاجون إلى بيانه وتفصيله.
وقوله { فخذها بقوة } أي وقلنا له خذها بقوة أي بعزم وجد وذلك بالعمل بحلالها وحرامها فعلاً وتركاً، { وأمر قومك } أيضاً { يأخذون بأحسنها } أي بما هو عزائم فيها وليس برخص تربية لهم وتعويداً لهم على تحمل العظائم لما لازمهم من الضعف والخور دهراً طويلاً. وقوله تعالى { سأريكم دار الفاسقين } يتضمن النهي لبني إسرائيل عن ترك ما جاء في الألواح من الشرائع والأحكام فإنهم متى تركوا ذلك أو شيئاً منه يعتبرون فاسقين، وللفاسقين نار جهنم هي جزاؤهم يوم يلقون ربهم، وسيريهم إياها، فهذه الجملة تحمل غاية الوعيد والتهديد للذين يفسقون عن شائع الله تعالى بإهمالها وعدم العمل بها، فليحذر المؤمنون هذا فإنه أمر عظيم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- المحافظة على المواعيد أمر محبوب للشارع مرغب فيه وهو من شمات الصادقين.

2- جواز الاستخلاف في الأرض في مهام الأمور فضلاً عما هو دون ذلك.

3- مشروعية الوصية للخلفاء بما هو خير.

4- امكان رؤية الله تعالى وهي ثابتة في الآخرة لأهل الجنة.

5- استحالة رؤية الله تعالى في الدنيا لضعف الإِنسان على ذلك.

6- وجود الامة القابلة لأحكام الله قبل وجود الشرع الذي يحكمها.

{ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآُخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

شرح الكلمات:

{ سأصرف }: سأبعد.

{ يتكبرون }: يعلون ويترفعون فيمنعون الحقوق ويحتقرون الناس.

{ سبيل الرشد }: طريق الحق القائم على الإِيمان والتقوى.

{ سبيل الغي }: طريق الضلال القائم على الشرك والمعاصي.

{ وكانوا عنها غافلين }: لا يلتفتون إليها ولا ينظرون فيها ولا يتفكرون فيما تدل عليه وتهدي إليه.

{ حبطت أعمالهم }: فسدت فلا ينتفعون بها لأنها أعمال مشرك والشرك محبط للعمل.

معنى الآيتين الكريمتين:

هاتان الآيتان تحملان تعليلاً صحيحاً صائباً لكل انحراف وفساد وظلم وشر وقع في الأرض ويقع إلى نهاية هذه الحياة وهذا التعليل الصحيح هو التكذيب بآيات الله والغفلة عنها، وساء كان الحامل على التكذيب الكبر أو الظلم، أو التقليد أو العناد، إلا أن الكبر أقوى عوامل الصرف عن آيات الله تعالى لقوله عز وجل في مطلع الآية الأولى (146) { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق } ومن صرفه الله حسبت سنته في صرف العباد لا يقبل ولا يرجع أبداً، وقوله { وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلاً } هذا بيان لعامل من عوامل الصرف عن آيات الله، وهو أن يعرض على العبد سبيل الرشد فيرفضه، ويرى سبيل الغي فيتبعه ويتخذه سبيلاً، وقوله تعالى { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا } التي جاءت بها رسلنا { وكانوا عنها غافلين } غير مبالين بها ولا ملتفتين اليها هذا هو التعليل الصحيح الذي نبهنا إليه فليتأمل، وقوله تعالى في الآية الثانية (147) { والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم } تقرير المراد به تأكيد خسران أولئك المصروفين عن آيات الله تعالى، إذ أعمالهم لم تقم على أساس العدل والحق بل قامت على أساس الظلم ولاباطل فلذا هي باطلة من جهة فلا تكسبهم خيراً، ومن جهة أخرى فهي أعمال سوء سوف يجزون بها سوءاً في دار الجزاء وهو عذاب الجحيم، ولذا قال تعالى { هل يجزون الا ما كانوا يعملون } أي ما يجزون إلا ما كانوا يعملون من السوء، وعدالة الله تعالى أن من جاء بالسيئة فلا يجزى إلى مثلها وهم لا يظلمون.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان سنة الله تعالى في صرف العباد عن آيات الله حتى يهلكوا كما هلك فرعون وآله.

2- من أقوى عوامل الصرف عن آيات الله الكبر.

3- التكذيب بآيات الله والغفلة عنها هما سبب كل ضلال وشر وظلم وفساد.

4- بطلان كل عمل لم يسلك فيه صاحبه سبيل الرشد التي هي سبيل الله التي تحدد الآيات القرآنية وتبين معالمها، وترفع أعلامها.

{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } * { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

شرح الكلمات:

{ من حليهم }: جمع حلى وهو ما تتحلى به المرأة لزوجها من أساور ونحوها من ذهب.

{ عجلاً جسداً }: العجل ولد البقرة والجسد أي ذاتا لا مجرد صورة على ورق أو جدار.

{ له خوار }: الخوار صوت البقر كالرغاء صوت الابل.

{ ولما سقط في أيديهم }: أي ندموا على عبادته لأنها عبادة باطلة.

معنى الآيات:

هذا عود إلى قصص موصى عليه السلام مع قومه من بني إسرائيل، فقد كان السياق مع موسى في جبل الطور وطلبه الرؤية وتوبته من ذلك ثم اعترض السياق ببيان القاعدة العظيمة في تعليل هلاك العباد وبيان سببه وهو التكذيب بآيات الله المنزلة والغفلة عنها، ثم عاد السياق لقصص موسى مع بني إسرائيل فقال تعالى { واتخذ قوم موسى من بعده } أي من بعد غيبته في جبل الطور لمناجاة ربه وليأتي بالكتاب الحاوي للشريعة التي سيسوسهم بها موسى ويحكمهم بموجبها ومقتضى قوانينها اتخذوا { من حليهم } التي حلي نسائهم { عجلاً جسداً له خوار } وذلك أن السامري طلب من نسائهم حليهم بحجة واهية: أن هذا الحلي مستعار من نساء الأقباط ولا يحل تملكه فاحتال عليهم وكان صائغاً فصهره وأخرج لهم منه { عجلاً جسداً } أي ذاتاً { له خوار } أي سوت كصوت البقر، وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى فاعبدوه ولم يقل وإله هارون لأن هارون كان معهم خليفة فخاف أن يكذبه هارون فلم ينسبه إليه، وقوله تعالى { ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلاً } توبيخ لهم وتقريع على غباوتهم وجهلهم، وإلا كيف يعتقدون إلهاً وهو لا يتكلم فيكلمهم ولا يعقل فيهديهم سبيل الرشد إن ضلوا وقد ضلوا بالفعل ثم قال تعالى { اتخذوه } أي إلهاً { وكانوا ظالمين } في ذلك، لأن الله رب موسى وهارون والعالمين لم يكن عجلاً ولا مخلوقاً كائناً من كان فما أجهل القوم وما أسوأ فهمهم وحالهم. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (148) وأما الآية الثانية (149) فقد أخبر تعالى عن حالهم بعد انكشاف الامر لهم، وبيان خطئهم فقال تعالى { ولما سقط في أيديهم } أي ندموا ندماً شديداً ورأوا أنهم بشركهم هذا قد ضلوا الطريق الحق والرشد، صاحوا معلنين توبتهم { لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا } أي هذا الذنب العظيم { لنكونن من الخاسرين } في الدار الآخرة فنكون من أصحاب الجحيم.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين:

1- بيان سنة من سنن الكون وهي أن المرء يتأثر بما يرى ويسمع، والرؤية أكثر تأثيراً في النفس من السماع فإن بني إسرائيل رؤيتهم للأبقار الآلهة التي مروا بأهل قرية يعكفون عليها وطلبوا من موسى أن يجعل لهم إلهاً مثلها هو الذي جعلهم يقبلون عجل السامري الذي صنعه لهم، ومن هذا كان منظر الأشياء في التلفاز وشاشات الفيديوا مؤثراً جداً وكم أفسد من عقول ولوث من نفوس، وأفسد من أخلاق.

2- تقبيح الغباء والجمود في الفكر، وذلك لقول الله تعالى { ألم يروا أنه لا يكلمهم }.

3- إذا أراد الله بعبده خراً ألهمه التوبة بعد المعصية فندم واستغفر.

{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }

شرح الكلمات:

{ ولما رجع موسى }: أي من جبل الطور بعد مرور أكثر من أربعين يوما.

{ أسفاً }: أي حزيناً شديد الحزن والغضب.

{ أعجلتم أمر ربكم }: أي استعجلتم.

{ برأس أخيه }: أي هارون شقيقه.

{ قال ابن أم }: أصلها يا ابن أمي فقلبت الياء ألفاً نحو يا غلاماً، ثم حذفت وهارون شقيق موسى وإنا ناداه بأمه لأنه أكثر عطفاً وحناناً.

{ فلا تشمت بن الأعداء }: أي لا تجعل الأعداء يفرحون بإهانتك أو ضربك لي.

{ اتخذوا العجل }: أي إلهاً عبدوه.

{ المفترين }: الكاذبين على الله تعالى بالشرك به أي بجعل شريك له.

{ ولما سكت عن موسى الغضب }: زال غضبه وسكنت نفسه من القلق والاضطراب.

{ أخذ الألواح }: أي من الأرض بعد أن طرحها فتكسرت.

{ وفي نسختها }: أي وفي ما نسخه منها بعد تكسرها نسخة فيها هدى ورحمة.

{ يرهبون }: يخافون ربهم ويخشون عقابه فلا يعصونه.

معنى الآيات:

ما زال السياق في أحداث قصص موسى مع بني إسرائيل ففي هذا السياق الكريم يخبر تعالى أن موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه من مناجاته وقد اخبره ربه تعالى أنه قد فتن قومه من بعده وأن السامري قد أضلهم فلذا رجع { غضبان أسفاً } أي شديد الغضب والحزن، وما إن واجههم حتى قال { بئسما خلفتموني من بعدي، أعجلتم أمر ربكم؟ } أي استعجلتم فلم تتموا ميعاد ربكم أربعين يوماً فقلتم مات موسى وبدلتم دينه فعبدتم العجل { والقى الألواح } اي طرحها فتكسرت
{ وأخذ بلحية }
هارون ورأسه يؤنبه على تفريطه في مهام الخلافة فاعتذر هارون فقال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي هذا وارد في سورة طه وأما السياق هنا فقد قال { يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يتقلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين } وهم الذين ظلموا بعبادة العجل، ومعنى { لا تشمت بي الأعداء } لا تؤذني بضرب ولا بغيره إذ ذاك يفرح أعاءنا من هؤلاء الجهلة الظالمين، وهنا رق له موسى وعطف عليه فقال { رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين } توسل إلى الله تعالى في قبول دعائه بقوله { وأنت أرحم الراحمين } هذا ما تضمنته الآية الأولى (150) والثانية (151) أما الآية الثالثة فقد أخبر تعالى بأن الذين اتخذوا العجل أي إلهاً { سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا } وكما جزاهم بالغضب المستوجب للعذاب والذلة المستلزمة للإِهانة يجزي تعالى المفترين عليه الكاذبين باتخاذ الشريك له وهو برىء من الشركاء والمشركين، هذا ما دلت عليه الآية الثالثة (152) أما الآية الرابعة فقد تضمنت فتح باب الله تعالى لمن أراد أن يتوب إليه إذ قال تعالى { والذين عملوا السيئات } جمع سيئة وهي هنا سيئة الشرك { ثم تابوا من بعدها } أي تركوا عبادة غير الله تعالى وآمنوا ايماناً صادقاً فإن الله تعالى يقبل توبتهم ويغفر لهم ذنوبهم ويرحمهم فيدخلهم جنته مع الصالحين من عباده، هذا ما دلت عليه الآية الرابعة (153) أما الآية الخامسة (154) فقد تضمنت الإِخبار عن موسى عليه السلام وانه لما سكت عنه الغضب أي ذهب أخذ الألواح التي ألقاها من شدة الغضب وأخبر تعالى أن في نسخة تلك الألواح { هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون } وهم المؤمنون المتقون وخصوا بالذكر لأنهم الذين يجدون الهدى والرحمة في نسخة الألواح، لأنهم يقرأون ويفهمون يعلمون وذلك لإِيمانهم وتقواهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- الغضب من طباع البشر فلا يلام عليه المرء ومهما بلغ من الكمال كالأنبياء، ولكن أهل الكمال لا يخرج بهم الغضب إلى حد أن يقولوا أو يعملوا ما ليس بخير وصلاح.

2- مشروعية الاعتذار وقبول العذر من أهل المروءات.

3- مشروعية التوسل بأسماء الله وصفاته.

4- كل وعيد الله تعالى توعد به عبداً من عباده مقيد بعدم توبة المتوعد.

5- كل رحمة وهدى ونور في كتاب الله لا ينتفع به إلا أهل الإِيمان والتقوى.

{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ } * { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

شرح الكلمات:

{ واختار موسى قومه سبعين رجلاً }: أخذ خيار قومه وهم سبعون رجلاً.

{ لميقاتنا }: أي للوقت الذي حددناه ليأتينا مع سبعين رجلاً.

{ أخذتهم الرجفة }: الصاعقة التي رجفت لها القلوب.

{ السفهاء }: جمع سفيه: وهو الذي لا رشد له في سائر تصرفاته.

{ إن هي إلا فتنتك }: أي ما هي إلا فتنتك أي اختبارك لأهل الطاعة من عبادك.

{ أنت ولينا }: أي المتولي أمرنا وليس لنا من ولي سواك.

{ هدنا إليك }: أي رجعنا إليك وتبنا.

{ الأمي }: الذي لا يقرأ ولا يكتب.

{ المعروف، والمنكر }: ما عرفه الشرع والمنكر: ما أنكره الشرع.

{ ويحرم عليها الخبائث }: أي بإذن الله والخبائث جمع خبيثة: كالميتة مثلاً.

{ ويضع عنهم إصرهم والأغلال }: الإِصرار: العهد والأغلال: الشدائد في الدين.

{ عزروه }: أي وقروه وعظموه.

{ واتبعوا النور الذي أنزل معه }: القرآن الكريم.

{ هم المفلحون }: الفائزون أي الناجون من النار الداخلون الجنة.

معنى الآيات:

ما زال السياق في أحداث موسى مع بني إسرائيل فإنه بعد الحدث الجلل الذي حصل في غيبة موسى وذلك هو عبادة بني إسرائيل العجل واتخاذهم له إلهاً فإن الله تعالى وقت لموسى وقتاً يأتيه فيه مع خيار بني إسرائيل يطلب لهم التوبة من الله سبحانه وتعالى. قال تعالى { واختار موسى قومه سبعين رجلاً } ولما انتهى بهم إلى جبل الطور وغشيت الجبل غمامة وأخذ موسى يناجي ربه تعالى وهم يسمعون قالوا لموسى لن نؤمن لك بأن الذي كان يكلمك الرب تعالى حتى نرى الله جهرة أي عياناً وهنا غضب الله تعالى عليهم فأخذتهم صيحة رجفت لها قلوبهم والأرض من تحتهم فماتوا كلهم، وهو معنى قوله تعالى { فأخذتهم الرجفة } وهنا أسف موسى عليه السلام لموت السبعين رجلاً وقد اختارهم الخير فالخير فإذا بهم يموتون أجمعون فخاطب ربه قائلا { رب لو شئت أهلكتهم من قبل } أي من قبل مجيئنا إليك { وإياي } وذلك في منزل بني إسرائيل حيث عبدوا العجل { أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } أي بسبب فعل السفهاء الذين لا رشد لهم، وهم من عبدوا العجل كما سألوا رؤية الله تعالى، وقوله عليه السلام { إن هي إلا فتنتك } أي إلا اختبارك وبليتك { تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء، أنت ولينا } فليس لنا سواك { فاغفر لنا } أي ذنوبنا { وارحمنا } برفع العذاب عنا { وأنت خير الغافرين } { واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة } بأن توفقنا لعمل الصالحات وتتقبلها منا، { وفي الآخرة } تغفر ذنوبنا وتدخلنا جنتك مع سائر عبادك الصالحين، وقوله { إنا هدنا إليك } أي إنا قد تبنا إليك فأجابه الرب تعالى بقوله { عذابي أصيب به من أشاء } أي من عبادي وهم الذين يفسقون عن أمري ويخرجون عنطاعتي { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } وبهذا القيد الوصفي، وبما بعده خرج إبليس واليهود وسائر أهل الملل ودخلت أمة الإِسلام وحدها إلا من آمن من أهل الكتاب واستقام على دين الله وهو الإِسلام.
وقوله { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي } هو محمد صلى الله عليه وسلم { الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإِنجيل } وذلك بذكر صفاته والثناء عليه وعلى أمته، وقوله { يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات } أي التي كانت قد حرمت عليهم بظلمهم { ويحرم عليهم الخبائث } الخمر ولحم الخنزير والربا وسائر المحرمات في الإِسلام، وقوله { ويضع عنهم أصرهم } أي ويحط عنهم تبعة العهد الذي أخذ عليهم بالعمل فيما في التوراة والإِنجيل بأن يعملوا بكل ما جاء في التوراة والإِنجيل، وقوله { والأغلال التي كانت عليهم } أي الشدائد المفروض عليهم القيام بها وذلك كقتل النفس بالنفس إذ لا عفو ولا دية وكقطع الثوب للنجاسة تصيبه وغير ذلك من التكاليف الشاقة كل هذا يوضع عليهم إذا أسلموا بدخولهم في الإِسلام وقوله تعالى { فالذين آمنوا به } أي بمحمد صلى الله عليه وسلم { وعزروه } أي وقروه وعظموه { ونصروه } على أعدائه من المشركين والكافرين والمنافقين { واتبعوا النور الذي أنزل معه } وهو القرآن الكريم { أولئك هم المفلحون } أي وحدهم دون سواهم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- وجوب التوبة من كل ذنوب، ومشروعية صلاة ركعتين وسؤال الله تعالى عقبها أن يقبل توبة التائب ويغفر ذنبه.

2- كل سلوك ينافي الشرع فهو من السفه المذموم، وصاحبه قد يوصف بأنه سفيه.

3- الهداية والإِضلال كلاهما بيد الله تعالى فعلى العبد أن يطلب الهداية من الله تعالى ويسأله أن لا يضله.

4- رحمة الله تعالى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا تنال اليهود ولا النصارى ولا غيرهم.

5- بيان شرف النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.

6- بيان فضل تزكية النفس بعمل الصالحات وإبعادها عن المدسيات من الذنوب.

7- بيان فضل التقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

8- وجوب توقير النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ونصرته واتباع الكتاب الذي جاء به والسنن التي سنها لأمته.

{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } * { وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ٱسْكُنُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيۤئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ }

شرح الكلمات:

{ لا إله إلا هو }: أي لا معبود بحق إلا الله.

{ النبي الاسي }: المنبىء عن الله والمنبأ من قبل الله تعالى، والأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب. نسبة إلى الأم كأنه ما زال لم يفارق أمه فلم يتعلم بعد.

{ يؤمن بالله وكلماته }: الذي يؤمن بالله ربا وإلهاً، وبكلماته التشريعية والكونية القدرية.

{ تهتدون }: ترشدون إلى طريق كمالكم وسعادتكم في الحياتين.

{ أمة يهدون بالحق }: أي جماعة يهدون أنفسهم وغيرهم بالدين وبه يعدلون في قضائهم وحكمهم على أنفسهم وعلى غيرهم انصافاً وعدلا لا جور ولا ظلم.

{ أسباطاً }: جمع سبط: وهو بمعنى القبيلة عند العرب.

{ استسقاه قومه }: أي طلبوا منه الماء لعطشهم.

{ فانبجست }: فانفجرت.

{ المن والسلوى }: المن: حلوى كالعسل تنزل على أوراق الأَشجار، والسلوى: طائر لذيذ لحمه.

{ اسكنوا هذه القرية }: هي حاضرة فلسطين.

{ وقوله " حطة " }: أي احطط عنا خطايانا بمعنى الإِعلان عن توبتهم.

{ رجزاً من السماء }: أي عذاباً من عند الله تعالى.

معنى الآيات:

بعد الإِشادة بالنبي الأمي وبأمته، وقصر الفلاح في الدارين على الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه قد يظن ظان أن هذا النبي شأنه شأن سائر الأنبياء قبله هو نبي قومه خاصة وما ذكر من الكمال لا يتعدى قومه فرفع هذا الوهم بهذه الآية (158) حيث أمر الله تعالى رسوله أن يعلن عن عموم رسالته بما لا مجال للشك فيه فقال { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً } وقوله { الذي له ملك السموات والأرض } وصف لله تعالى وقوله { لا إله إلا هو } تقرير لألوهية الله تعالى بعد ذكر قدرته وسلطانه وملكه وتدبيره لذا وجب أن لا يكون معبود إلا هو وهو كذلك إذ كل معبود غيره هو معبود عن جهل وعناد وظلم. وقوله { فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي } أمر الإِله الحق إلى الناس كافة بالإِيمان به تعالى رباً وإلهاً، وبرسوله النبي الأمي نبياً ورسولاً، وقوله { الذي يؤمن بالله وكلماته } صفة للنبي الأمي إذ من صفات النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم أنه يؤمن بالله حق الإِيمان وأوفاه ويؤمن بكلماته أي بكلمات الرب التشريعية وهي آيات القرآن الكريم، والكونية التي يُكوَّن الله بها ما شاء من الأكوان إذ بها يقول للشيء كن فيكون كما قال لعيسى بتلك الكلمة كن فكان عيسى عليه السلام وقوله { واتبعوه لعلكم تهتدون } هذا أمر الله إلى الناس كافة بعد الأمر بالإِيمان به وبرسوله النبي الأمي أمر باتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم رجاء هداية من يتبعه فيما جاء به فيهتدي إلى سبيل الفوز في الدارين هذا ما تضمنته الآية الأولى (158) أما الآية الثانية (159) فقد تضمنت الإِخبار الإِلهي بأن قوم موسى وإن ضلوا أو أجرموا وفسقوا ليس معنى ذلك أنه لم يكن فيهم أو بينهم من هم على هدى الله فهذه الآية كانت كالاحتراس من مثل هذا الفهم، إذ أخبر تعالى أن { من قوم موسى أمة } أي جماعة تكثر أو تقل { يهدون بالحق } أي يعملون بالحق في عقائدهم وعباداتهم ويدعون إلى ذلك وبالحق يعدلون فيما بينهم وبين غيرهم فهم يعيشون على الإِنصاف والعدل، ولم يذكر تعالى أين هم ولا متى كانوا هم؟ فلا يبحث ذلك، إذ لا فائدة فيه، ثم عاد السياق إلى قوم موسى يذكر احداثهم للعظة والاعتبار وتقرير الحق في توحيد الله تعالى وإثبات نبوة رسوله وتقرير عقيدة البعث والجزاء أو اليوم الآخر.

فقال تعالى في الآية الثالثة (160) { وقطعناهم } أي بني إسرائيل { اثنتيى عشرة أسباطاً أمماً } أصل السبط ابن البنت وأريد به هنا أولاد كل سبط من أولاد يعقوب عليه السلام، فالأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب كل قبيلة تنتسب إلى أبيها الأول، وأتت لفظ اثنتي عشرة لأن معنى الأسباط الفرق والفرقة مؤنثة، وقوله: { وأوحينا إلى موسى إذا استسقاه قومه } أعلمناه بطريق الوحي وهو الإِعلام الخفي السريع، ومعنى { استسقاه } طلبوا منه السقيا لأنهم عطشوا لقلة الماء في صحراء سيناء. { أن اضرب بعصاك الحجر } هذا الموحى به، فضرب { فانبجست } أي انفجرت { منه اثنتا عشرة عيناً } ليشرب كل سبط من عينه الخاصة حتى لا يقع اصطدام أو تدافع فينجم عنه الأذى وقوله تعالى { قد علم كل أناس مشربهم } يريد عرف كل جماعة ماءهم الخاص بهم وقوله تعالى { وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى } هذا ذكر لإِنعامه تعالى على بني إسرائيل وهم في معية موسى وهارون في حادثة التيه، حيث أرسل تعالى الغمام وهو سحاب ابيض بارد يظلهم من الشمس حتى لا تلفحهم، وأنزل عليهم المن وهي حلوى كالعسل سقط ليلاً كالطل على الأشجار، وسخر لهم طائراً لذيذ اللحم يقال له السلوى وهو طائر السمانى المعروف وقلنا لهم { كلوا من طيبات ما رزقناكم } وقوله تعالى { وما ظلمونا } بتمردهم على أنبيائهم وعدم طاعتهم لربهم حتى نزل بهم ما نزل من البلاء، { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }. هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الآية الثالثة (161) فقد تضمنت حادثة بعد أحداث التيه في صحراء سيناء وذلك أن يوشع بن نون بعد أن تولى قيادة بني إسرائيل بعد وفاة موسى وهارون وانقضاء مدة التيه وكانت أربعين سنة غزا يوشع ببني إسرائيل العمالقة في أرض القدس وفتح الله تعالى عليه فقال لنبي إسرائيل ادخلوا باب المدينة ساجدين أي منحنين خضوعاً لله وشكراً على نعمة الفتح بعد النصر والنجاة من التيه، وقوله اثناء دخولكم الباب كلمة " حطة " الدالة على توبتكم واستغفاركم ربكم لذنوبكم فإن الله تعالى يغفر لكم خطئياتكم، وسيزيد الله المحسنين منكم الإِنعام والخير الكثر مع رضاه عنكم وادخالكم الجنة، هذا معنى قول تعالى { وإذا قيل لهم اسكنوا هذه القرية } أي مدينة فلسطين { وكلوا منها حيث شئتم } لما فيها من الخيرات { وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين }.

أما الآية الرابعة (162) فهي قد تضمنت الإِخبار عن الذين ظلموا من بني إسرائيل الذين أمروا بدخول القرية ودخول الباب سجداً. حيث بدلوا { قولاً غير الذي قيل لهم } فبدل حطة قالوا حنطة، وبدل الدخول منحنين ساجدين دخلوا يزحفون على أستاههم، فلما رأى تعالى ذلك التمرد والعصيان وعدم الشكر ان أنزل عليهم وباء من السماء كاد يقضي على آخرهم هذا معنى قوله تعالى { فبدل الذين ظلموا منهم قولاًغير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون }.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- عموم رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لكافة الناس عربهم وعجمهم أبيضهم وأصفرهم.

2- هداية الإِنسان فرداً أو جماعة أو أمة إلى الكمال والإِسعاد متوقفة على اتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

3- إنصاف القرآن للأمم والجماعات فقد صرح أن في بني إسرائيل أمة قائمة على الحق، وذلك بعد فساد بني إسرائيل، وقبل مبعث النبي الخاتم أما بعد البعثة المحمدية فلم يبق أحد على الحق، إلا من آمن به واتبعه لنسخ سائر الشرائع بشريعته.

4- إذا أنعم الله على عبد أو أمة نعمة ثم لم يشكرها تسلب منه أحب أم كره وكائناً من كان.

{ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } * { وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

شرح الكلمات:

{ حاضرة البحر }: أي على شاطئه وهي مدينة من مدن أرض القدس.

{ يمدون في السبت }: أي يعتدون وذلك بالصيد المحرم عليهم فيه.

{ يوم سبتهم }: أي يوم راحتهم من أعمال الدنيا وهو يوم السبت.

{ شرعاً }: جمع شارع أي ظاهرة بارزة تغريهم بنفسها.

{ كذلك نبلوهم }: أي نمتحنهم ونختبرهم.

{ بما كانوا يفسقون }: اي بسبب ما أعلنوه من الفسق وهو العصيان.

{ معذرة الى ربكم }: أي ننهاهم فإن انتهوا فذاك وإلا فنهينا يكون عذراً لنا عند ربنا.

{ فلما نسوا ما ذكروا به }: أي أهملوه وتركوه فل يمتثلوا ما أمروا به ولا ما نهوا عنه.

{ عن السوء }: السوء هو كل ما يسيء إلى النفس من سائر الذنوب والآثام.

{ بعذاب بئيس }: أي ذا بأس شديد.

{ فلما عنوا عما نهوا عنه }: أي ترفعوا وطغوا فلم يبالوا بالنهي.

{ قردة خاسئين }: القردة جمع قرد معروف وخاسئين ذليلين حقيرين اخساء.

معنى الآيات:

ما زال السياق في بني إسرائيل إلا أنه هنا مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ويهود المدينة فالله تعاىل يقول لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام أسألهم أي اليهود { عن القرية التي كانت حاضرة البحر } أي قريبة منه على شاطئه وهي مدينة من مدن أرض القدس والشام، أي أسألهم عن أهلها كيف كان عاقبة أمرهم، أنهم مسخوا قردة وخنازير جزاء فسقهم عن أمر ربهم، وفصل له الحادث تفصيلاً للعبرة والاتعاظ فقال { إذ يعدون في السبت } أي يعتدون ما أذن لهم فيه إلى ما حرم عليهم، اذن لهم أن يصيدوا ما شاءوا إلا يوم السبت فإنه يوم عبادة ليس يوم لهو وصيد وطرب، { إذ تأتيهم حيتانهم } أس أسماكهم { يوم سبتهم شرعاً } ظاهرة على سطح الماء تغريهم بنفسها { يوم لا يسبتون } أي في باقي أيام الأسبوع { لا تأتيهم } إذا هم مبتلون، قال تعالى { كذلك } أي كهذا الابتلاء والاختبار { نبلوهم بما كانوا يفسقون } أي بسبب فسقهم عن طاعة ربهم ورسله، إذا ما من معصية إلا بذنب هكذا سنة الله تعالى في الناس. هذا ما تضمنته الآية الأولى (163) وهي قوله تعالى { وأسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون }.

وأما الآية الثانية (164) فالله تعالى يقول لرسوله اذكر لهم أيضاً إذ قالت طائفة منهم أي من أهل القرية لطائفة أخرى كانت تعظ المعتدين في السبت أي تنهاهم عنه لأنه معصية وتحذرهم من مغبة الاعتداء على شرع الله تعالى قالت { لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً } وهذا القول من هذه الطائفة دال على يأسهم من رجوع أخوانهم عن فسقهم وباطلهم، فأجابتهم الطائفة الواعظة { معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون } فيتوبوا ويتركوا هذا الاعتداء، قال تعالى { فلما نسوا تركوا ولم يلتفتوا الى وعظ إخوانهم لهم ووصلوا اعتداءهم وفسقهم، قال تعالى { أنجينا الذين ينهون عن السوء } وهم الواعظون لهم ممن ملّوا ويئسوا فتركوا وعظهم، وممن واصلوا نهيهم ووعظهم، { وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس } أي شديد البأس { بما كانوا يفسقون } عن طاعة الله ربهم، إذ قال تعالى لهم { كونوا قردة خاسئين } فكانوا قردة خاسئين ذليلين صاغرين حقيرين، ثم لم يلبثوا (مسخاً) إلا ثلاثة أيام وماتوا.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- تقرير الوحي والنبوة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إذ مثل هذا القصص الذي يذكر لبني إسرائيل لن يتم إلا عن طريق الوحي، وإلا فكيف علمه وذكر به اليهود أصحابه وأهله، وقد مضى عليه زمن طويل.

2- إذا أنعم الله على أمة نعمة ثم اعرضت عن شكرها تعرضت للبلاء أولاً ثم العذاب ثانياً.

3- جدوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد نجى الله تعالى الناهي عن المنكر وأهلك الذين باشروه ولم ينتهوا منه دون غرهم.

4- إطلاق لفظ السوء على المعصية مؤذن بأن المعصية مهما كانت صغيرة تحدث السوء في نفس فاعلها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة الأعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأعراف   سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 5:46 pm

{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ ٱلْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ }


شرح الكلمات:

{ تأذن }: أعلم وأعلن.

{ ليبعثن }: أي ليسلطن.

{ من يسومهم سوء العذاب }: أي يذيقهم ويوليهم سوء العذاب كالذلة والمسكنة.

{ وقطعناهم }: أي فرقناهم جماعات جماعات.

{ بلوناهم بالحسنات والسيئات }: اختبرناهم بالخير والشرك أو النعم والنقم.

{ فخلف من بعدهم خلف }: الخلف بإسكان اللام خلف سوء وبالتحريك خلف خير.

{ ورثوا الكتاب }: أي التوراة.

{ عرض هذا الأدنى }: أي حطام الدنيا الفاني وهو المال.

{ يمسكون بالكتاب }: أي يتمسكون بما في التوراة فيحلون ما أحل الله فيها ويحرمون ما حرم.

معنى الآيات:

ما زال السياق في شأن اليهود فقد أمر تعالى رسوله أن يذكر إعلامه تعالى بأنه سيبعث بكل تأكيد على اليهود إلى يوم القيامة من يذلهم ويضطهدهم عقوبة منه تعالى لهم على خبث طواياهم وسوء أفعالهم، وهذا الإِطلاق في هذا الوعيد الشديد يقيد بأحد أمرين الأول بتوبة من تاب منهم ويدل على هذا القيد قوله تعالى في آخر هذه الآية { إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم } أي لمن تاب والثاني بجوار دولة قوية لهم وحمايتها وهذا مفهوم قوله تعالى من سورة آل عمران
{ ضربت عليهم الذلة والمسكنة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله }
وهو الإسلام
{ وحبل من الناس }
، وهو ما ذكرنا آفنا. هذا ما دلت عليه الآية الأولى في هذا السياق (167) وهي قوله تعالى { وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم } وأما الآية الثانية (168) فقد تضمنت بيان فضل الله تعالى على اليهود وهو أن الله تعالى قد فرقهم في الأرض جماعات جماعات، وأن منهم الصالحين، وأن منهم دون ذلك وأنه اختبرهم بالحسنات وهي النعم، والسيئات وهي النقم تهيئة لهم وإعداداً للتوبة إن آثروا التوبة على الاستمرار في الإِجرام والشر والفساد. هذا ما تضمنته الآية الثانية وهي قوله تعالى { وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون } وأما الآية الثالثة (169) فقد أخبر تعالى أنه قد خلف من بعد تلك الأمة خلف سوء ورثوا الكتاب الذي هو التوراة ورثوه عن أسلافهم ولم يتلزموا بما أخذ عليهم فيه من عهود على الرغم من قراءتهم له فقد آثروا الدنيا على الآخرة فاستباحوا الربا والرشا وسائر والمحرمات، ويدعون أنهم سيغفر لهم، ولكما أتاهم مال حرام أخذوه ومنوا أنفسهم بالمغفرة كذباً على الله تعالى قال تعالىن موبخاً لهم { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق } وقد قرأوا هذا في الكتاب وفهموه ومع هذا يجترئون على الله ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم، ثم يواجههم تعالى بالخطاب مذكراً لهم واعظاً فيقول { والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون؟ } ويفتح الله تعالى باب الرجاء لهم في الآية الرابعة في هذا السياق فيقول { والذين يمسكون بالكتاب } أي يعملون بحرص وشدة بما فيه من الأحكام والشرائع ولا يفرطون في شيء من ذلك { وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين } ، ومعنى هذا أنهم مصلحون إن تمسكوا بالكتاب وأقاموا الصلاة، وان الله تعالى سيجزيهم على إصلاحهم لأنفسهم ولغيرهم أعظم الجزاء وأوفره، لأنه تعالى لا يضيع أجر المصلحين.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1- بيان موجز لتاريخ اليهود في هذه الآيات الأربع.

2- من أهل الكتاب الصالحون، ومنهم دون ذلك.

3- التنديد بإيثار الدنيا على الأخرة، وبتمني المغفرة مع الإِصرار على الإجرام.

4- تفضيل الآخرة على الدنيا بالنسبة للمتقين.

5- الحث على التمسك بالكتاب قراءة وتعلماً وعملاً بإحلال حلاله وتحريم حرامه.

6- فضل اقام الصلاة.

{ وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

شرح الكلمات:

{ وإذ نتقنا الجبل }: أي رفعناه من أصله فوق رؤوسهم.

{ واقع بهم }: أي ساقط عليهم.

{ خذوا ما آتيناكم بقوة }: التزموا بالقيام بما عهد إليكم من أحكام التوراة بقوة.

{ واذكروا ما فيه }: أي لا تنسوا ما التزمتم به من النهوض بأحكام التوراة.

{ من ظهورهم ذريتهم }: اي أخذهم من ظهر آدم عليه السلام بأرض نعمان من عرفات.

{ أشهدهم على أنفسهم }: أي بأنه تعالى وإلههم ولا رب لهم غيره ولا إله لهم سواه.

{ المبطلون }: العاملون بالشرك والمعاصي إذ كلها باطل لا حق فيه.

{ نفصل الآيات }: نبينها ونوضحها بتنويع الأساليب وتكرار الحجج وضرب الامثال وذكر القصص.

معنى الآيات:

الآية الأولى في هذا السياق هي خاتمة الحديث على اليهود إذ قال تعالى لرسوله { وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة } أي اذكر لهم ايها الرسول إذ نتقنا أي رفعنا فوقهم جبل الطور من أصله وصار فوقهم كأنه ظلة { وظناو أنه واقع بهم } أي ساقط عليهم وقلنا لهم { خذوا ام آتيناكم بقوة } والمراد ما آتاهم أحكام التوراة وما تحمل من الشرائع وأخذها العمل بها والالتزام بكل ما أمرت به ونهت عنه وقوله تعالى { واذكروا ما فيه } أي في الذي آتيناكم من الأوامر والنواهي، ولا تنسوه فإن ذكره من شأنه أن يعدكم للعمل به فتحصل لكم بذلك تقوى الله عز وجل، هذا ما دلت عليه الآية الأولى وهي خاتمة سياق الحديث عن اليهود. أما الآية الثانية (172) وهي قوله تعالى { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم } فإنها حادثة جديرة بالذكر والاهتمام لما فيها من الاعتبار، إن الله تعالى أخرج من صلب آدم ذريته فأنطقها بقدرته التي لا يعجزها شيء فنطقت وعقلت الخطاب واستشهدها فشهدت، وخاطبها ففهمت وامرها فالتزمت وهذا العهد العام الذي أخذ على بني آدم، وسوف يطالبون به يوم القيامة، وهو معنى قوله تعالى { وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا } أي أنك ربنا { أن تقولوا } يوم القيامة { إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون } والعبرة من هذا أن الإِنسان سرعان ما ينسى، ويعاهد ولا يفي، وما وجد من بني اسرائيل من عدم الوفاء هو عائد إلى أصل الإِنسان، وهناك عبرة أعظم وهى أن التوحيد أخذ به العهد على كل آدمي، ومع الأسف أكثر بني آدم ينكرونه، ويشركون بربهم وقوله تعالى { وكذلك نفصل الآيات لعلهم يرجعون } وكذها التفصيل الوارد في هذه السورة وهذا السيقا وهوتفصيل عجيب نفصل الآيات تذكيراً للناس وتعليماً ولعلهم يرجعون إلى الحق بعد إعراضهم عنه، وإلى الإِيمان والتوحيد بعد انصرافهم عنهما تقليداً واتباعاً لشياطين الجن والإِنس.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان نفسيات اليهود وأنها نفسية غريبة وإلا كيف وهم بين يدي الله يتمردون عليه ويعصونه برفضهم الالتزام بما عهد إليهم من أحكام حتى يرفع فوقهم الطور تهديداً لهم، وعندئذ التزموا ولم يلبثوا إلا قليلاً حتى نقضاو عهدهم وعصوا ربهم.

2- عجيب تدبير الله تعالى في خلقه.

3- الكافر كفر مرتين كفر بالعهد الذي أخذ عليه وهو في عالم الذَّر، وكفر بالله وهو في عالم الشهادة، والمؤمن آمن مرتين، فلذا يضاعف للأول العذاب ويضاعف للثاني الثواب.

4- تقرير مبدأ الخلقية، ومبدأ المعاد الآخر.

{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } * { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

شرح الكلمات:

{ واتل عليهم نبأ }: إقرأ عليهم.

{ فانسلخ منها }: كفر بها وتركها وراء ظهره مبتعداً عنها.

{ فأتبعه الشيطان }: لحقه وأدركه.

{ من الغاوين }: من الضالين غير المهتدين الهالكين غير الناجين.

{ أخلد الى الأرض }: مال إلى الدنيا وركن إليها وأصبح لا هم له إلا الدنيا.

{ يلهث }: اللهث: التنفس الشديد مع إخراج اللسان من التعب والإِعياء.

{ ساء }: قبح.

{ مثلاً }: أي صفة.

معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم { واتل عليهم } أي اقرأ على قومك وعلى كل من يبلغه هذا الكتاب من سائر الناس { نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } أي خبر الرجل الذي اعطيناه آيتنا تحمل الأدلة والحجج والشرائع والأحكام والآداب فتركها وابتعد عنها فلم يَتْلُهَا ولم يفرك فيها ولم يعمل بها لا استدلالا ولا تطيبقا { فأتبعه الشيطان } أي لحقه وأدركه وتمكن منه إبليس، لأنه بتخيله عن الآيات وجد الشيطان له طريقاً إليه { فكان من الغاوين } أي الضالين الفاسدين الهالكين { ولو شئنا لرفعناه بها } أي بالآيات إلى قمم المجد والكمال، والى الدرجات العلا في الدار الآخرة، { ولكنه أخلد إلى الأرض } أي مال إليها وركن فأكب على الشهوات والسرف في الملذات، وأصبح لا هم له إلا تحصيل ذلك { واتبع هواه } وترك عقله ووحي ربه عنده، فصار مثله أي صفته الملائمة له { كمثل الكلب } أي في اللهث والإِعياء، والتبعية وعدم الاستقلال الذاتي { إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث } فحيرته وتعبه لاينقطعان أبداً. وقوله تعالى { ذلك مثل القوم الذي كذبوا بآياتنا } أي هذا المثل الذي ضربناه لذلك الرجل الي آتيناه آيتنا فانسلخ منها وكان من أمره ما قصصان عيك مثل القوم الذين كذبا بآياتنا في كل زمان ومكان، وعليه { فاقصص } يا رسولنا { القصص لعلهم يتفكرون } أي لعل قريشاً تتفكر فتعتبر وترجع إلى الحق فتكمل وتسعد، وقوله تعالى { ساء مثلاً القوم الذين كذبا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون } اي قبح مثلاً مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فجحدوا بها حتى لا يوحدوا الله تعالى { من يهد الله فهو المهتدي } أي من وفقه الله تعالى للهداية فآمن وأسلم واستقام على منهاج الحق فهو المهتدي بحق ومن خذله الله لشدة إعراضه عن الحق وتكبره عنه فضل بإضلال الله تعالى له فأولئك هم الخاسرون الخسران الحق المبين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- خطر شأن هذا الخبر الذي أمر تعالى رسوله أن يتلوه على الناس.

2- ترك القرآن الكريم بعدم تلاوته والتدبر فيه، وترك العمل به مفض بالعبد الى أن يكون هو صاحب المثل في هذه الآية، فأولا يتمكن منه الشيطان فيصبح من الغواة وثانيا يخلد إلى الأرض كما هو حال الكثيرين فلا يكون لأحدهم هم إلا الدنيا. ثم يتبع هواه لا عقله ولا شرع الله، فإذا به صورة لكلب يلهث لا تنقطع حيرته واتباعه لغيره كالكلب سواء بسواء وهذه حال من أعرضوا عن كتاب الله تعالى في هذه الآية فليتأملها العاقل.

3- لا رفعة ولا سيادة ولا كمال إلا بالعمل بالقرآن فهي الرافعة لقوله تعالى { ولو شئنا لرفعناه بها } أي بالآيات التي انسخ منها والعياذ بالله.

4- الهداية بيد الله ألا فليطلبها من أرادها من الله بصدق القلب وإخلاص النية فإن الله تعالى لا يحرمه منها، ومن أعرض عن الله اعرض الله عنه.

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } * { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }

شرح الكلمات:

{ ذرأنا لجهنم }: خلقنا لجهنم أي للتعذيب بها والاستقرار فيها.

{ لا يفقهون بها }: كلام الله ولا كلام رسوله.

{ لا يبصرون بها }: آيات الله في الكون.

{ لا يسمعون بها }: الحق والمعروف.

{ كالأنعام }: البهائم في عدم الانتفاع بقلوبهم وأبصارهم وأسماعهم.

{ الغافلون }: أي عن آيات الله، وما خُلقوا له وما يراد لهم وبهم.

{ ولله الأسماء الحسنى }: الأسماء جمع اسم والحسنى مؤنث الأحسن، والأسماء الحسنى لله خاصة دون غيره فلا يشاركه فيها أحد من مخلوقاته.

{ وذروا }: اتركوا.

{ يلحدون }: يميلون بها إلى الباطل.

{ وممن خلقنا }: أي من الناس.

معنى الآيات:

على إثر ذكر الهدى والضلال وإن المهتدى من هداه الله، والضال من اضله الله أخبر تعال أنه قد خلق لجهنم كثيراً من الجن والإِنس، علما منه تعالى بانهم يرفضون هدايته ويتكبرون عن عبادته، ويحاربون أنبياءه ورسله، وإن رفضهم للهداية وتكبرهم عن العبادة عطل حواسهم فلا القلب يفقه ما يقال له، ولا العين تبصر ما تراه، ولا الأذن تسمع ما تخبر به وتحدث عنه فأصحبوا كالآنعام بل هم أضل لأن الأنعام ما خرجت عن الطريق الذي سيقت له وخلقت لأجله، وأما أولئك فقد خرجوا عن الطريق الذي امروا بسلوكه، وخلقوا له ألا وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له لينجوا من العذاب ويسعدوا في دار النعيم، وقوله تعالى { أولئك هم الغافلون } تقرير لحقيقة وهي أن استمرارهم في الضلال كان نتيجة غفلتهم عن آيات الله التنزيلية فلا يتدبروها فيعلموا أن الله هو الحق هو الله وحده بما شرع لهم في كتابه وسنة نبيه. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (179) وأما الآية الثانية في هذا السياق (180) وهي قوله تعالى { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بأن الأسماء الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون } فقد أخبر تعالى فيها بأن الأسماء الحسنى له تعالى خاصة لا يشاركه فيها أحد من خلقه، وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مائة اسم إلا اسما أي تسعة وتسعون إسماً ووردت مفرقة في القرآن الكريم، وأمر تعالى عباده أن يدعوه بها يا الله، يا رحمن يا ريحم يا رب، يا حي يا قيوم، وذلك عند سؤالهم اياه وطلبهم منه ما لا يقدرون عليه، كما أمرهم ان يتكروا أهل الزيغ والضلال الذين يلحدون في أسماء الله فيؤلونها، أو يعطلونها، أو يشبهونها، أمر عباده المؤمنين به يتركوا هؤلاء له ليجزيهم الجزاء العادل على ما كانوا يقولون ويعملون. لأن جدالهم غير نافع فيهم ولا مجد للمؤمنين ولا لهم.

هذا ما دلت عليه الآية أما الثالثة (181) وهي قوله تعالى { ومن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } إنه لما ذكر أنه خلق لجهنم كثيراً من الجن والإِنس ذكر هنا أنه خلق للجنة خلقاً آخر من الإِنس والجن فذكر صفاتهم التي يستوجبون بها الجنة كما ذكر صفات أهل جهنم التي استوجبوا بها جهنم، فقال { وممن خلقنا } من الناس { أمة } كبيرة { يهدون } أنفسهم وغيرهم { بالحق } الذي هو هدى الله ورسوله وبالحق يعدلون في قضائهم وأحكامهم فينصفون ويعدلون ولا يجورون، ومن هذه الأمة كل صالح في أمة الإِسلام يعيش على الكتاب والسنة اعتقاداً وقولاً وعملاً وحكماً وقضاء وأدباً وخلقاً جعلنا الله منهم وحشرنا في زمرتهم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- تقرير مبدأ ان السعادة والشقاء سبق بها قلم القضاء والقدر فكل ميسر لما خلق له.

2- هبوط الآدمي إلى درك أهبط من درك الحيوان، وذلك عندما يكفر بربه ويعطل حواسه عن الانتفاع بها، ويقصر همه على الحياة الدنيا.

3- بيان أن البلاء كامن في الغفلة عن آيات الله والإِعراض عنها.

4- الأمر بدعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى نحو يا رب يا رحمن، يا عزيز يا جبار.

5- حرمة تأويل أسماء الله وصفاته وتحريفها كما قال المشركون في الله، اللات، وفي العزيز العزى سموا بها آلهتهم الباطلة، وهو الإِلحاد الذي توعد الله أهله بالجزاء عليه.

6- أهل الجنة الذين خلقوا لها هم الذين يهدون بالكتاب والسنة ويقضون بهما.

{ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } * { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

شرح الكلمات:

{ كذبوا بآياتنا }: أي بآيات القرآن الكريم.

{ سنستدرجهم }: أي نستميلهم وهم هابطون إلى العذاب درجة بعد درجة حتى ينتهوا إلى العذاب، وذلك بإدرار النعم عليهم مع تماديهم في التكذيب والعصيان حتى يبلغوا الأجل المحدد لهم ثم يؤخذوا أخذة واحدة.

{ وأملي لهم إن كيدي متين }: أي أمهلهم فلا أعجل بعقوبتهم حتى ينتهوا إليها بأعمالهم الباطلة وهذا هو الكيد لهم وهو كيد متين شديد.

{ ما بصاحبهم من جنة }: صاحبهم هو محمد صلى الله عليه السلام، والجنة الجنون والمتحدث عنهم كفار قريش.

{ ملكوت السموات }: أي ملك السموات إلا أن لفظ الملكوت أعظم من لفظة الملك.

{ فبأي حديث بعده }: أي بعد القرآن العظيم.

{ ونذرهم في طغيانهم }: أي نتركهم في كفرهم وظلمهم.

{ يعمهون }: حيارى يترددون لا يعروفن مخرجاً ولا سبيلا للنجاة.

معنى الآيات:

يخبر تعالى أن الذين كذبوا بآياته التي أرسل بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فلم يؤمنوا بها وأصروا على الشرك والضلال معرضين عن التوحيد والهدى يخبر تعالى أنه سيستدرجهم بالأخذ شيئاً فشيئاً ودرجة بعد درجة حتى يحق عليهم العذاب فينزله بهم فيهلكون ويخبر أنه يملى لهم أيضا كيداً بهم ومكراً، أى يزيدهم في الوقت ويطول لهم زمن كفرهم وضلالهم فلا يعاجلهم بالقعوبة بل إنه يزيد في إرزاقهم وأموالهم حتى يفقدوا الاستعداد للتوبة ثم ثأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ولذا قال { وأملي لهم ان كيدى متين } أي قوي شديد. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (183) أما الآية الثانية فإنه تعالى يوبخهم على إعراضهم عن التفكير والتعقل فيقول { أو لم يتفكروا } في سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم وتصرفاته الرشيدة الحكيمة فيعلموا أنه ما به من جنة وجنون كما يزعمون، وإنما هو نذير لهم من عذاب يوم أليم إن هم استمروا على سلوك درب الباطل والشر من الشرك والماصي، ونذارته بينه لا لبس فيها لا غموض لو كانوا يتفكرون. وفي الآية الثالثة (185) يوبخهم على عدم نظرهم في ملكوت السماوات والأرض وفي ما خلق الله من شيء وفي أن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم، إذ لو نظروا في ملكوت السموات والأرض وما في ذلك من مظاهر القدرة والعلم والحكمة لعلموا أن المستحق للعبادة هو خالق هذا الملكوت، لا الأصنام والتماثيل، كما أنهم لو نظروا فيما خلق الله من شيء من النملة إلى النخلة ومن الحبة الى القبة لأدركوا أن الله هو الحق وأن ما يدعون هو الباطل كما أنه حرى بهم أن ينظروا في ما مضى من أعمارهم فيدركوا أنه من الجائز أن يكون قد اقترب أجلهم، وقد اقترب فعلا فليعجلوا بالتوبة حتى لا يؤخذوا وهم كفار أشرار فيهلكون ويسخرون خسراناً كاملاً.

ثم قال تعالى في ختام الآية { فبأي حديث } بعد القر آن يؤمنون فالذي لا يؤمن بالقرآن وكله حجج وشواهد وبراهين وأدلة واضحة على وجوب توحيد الله والايمان بكتابه ورسوله ولقائه ووعده ووعيده فبأي كلام يؤمن، اللهم لا شيء، فالقوم إذاً أضلهم الله، ومن أضله الله فلا هادي له ويزرهمفي طغيانهم يعمهون حيارى يترددون لا يدرون ما يقولون، ولا أين يتجهون حتى يهلكوا كما هلك من قبلهم. وما ربك بظلام للعبيد.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- عظم خطر التكذيب بالقرآن الكريم حتى أن المكذب ليستدرج حتى يهلك وهو لا يعلم.

2-أكبر موعظة وهي أن على الإِنسان أن يذكر دائماً أن أجله قد يكون قريباً وهو لا يدري فيأخذ بالحذر والحيطة حتى لا يؤخذ على غير توبة فيخسر.

3- من لا يتعظ بالقرآن وبما فيه من الزواجر، والعظات والعبر، لا يتعظ بغيره.

4- من أعرض عن كتاب الله مكذباً بما فيه من الهدى فضل، لا ترجى له هداية أبداً.

{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ }

شرح الكلمات:

{ من نفس واحدة }: هي نفس آدم عليه السلام.

{ وجعل منها زوجها }: أي خلق منها زوجها وهي حواء خلقها من ضلع آدم الأيسر.

{ ليسكن إليها }: أي ليألفها ويأنس بها لكونها من جنسه.

{ فلما تغشاها }: أي وطئها.

{ فمرت به }: أي ذاهبة جائية تقضى حوائجها لخفت الحمل في الأشهر الأولى.

{ فلما اثقلت }: أي أصبح الحمل ثقيلاً في بطنها.

{ لئن آتيتنا صالحاً }: أي ولداً صالحاً ليس حيواناً بل إنساناً.

{ جعلا له شركاء }: أي سموه عبد الحارث وهو عبد الله جل جلاله.

{ فتعالى الله عما يشركون }: أي أهل مكة حيث أشركوا في عبادة الله أصناماً.

{ وإن تدعوهم إلى الهدى }: أي الأصنام لا يتبعوكم.

معنى الآيات:

يقول تعالى لأولئك السائلين عن الساعة عناداً ومكابرة من أهل الشرك هو أي الله { الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها } الإِله المستحق للعبادة لا الأصنام والأوثان، فالخالق لكم من نفس واحدة وهي آدم وخلق منها زوجها حواء هو المستحق للتأليه والعبادة. دون غيره من سائر خلقه. وقوله { ليسكن إليها }: علة لخلقه زوجها منها، إذ لو كانت من جنس آخر لما حصلت الألفة والأنس بينهما وقوله { فلما تغشاها } أي للوطء ووطئها { حملت حملاً خفيفاً، فمرت به } لخفته { فلما أثقلت } أي أثقلها الحمل { دعوا الله } أي آدم وحواء ربهما تعالى أي سألاه قائلين { لئن آتيتنا صالحاً } أي غلاماً صالحاً { لنكونن من الشاكرين } أي لك. واستجاب الرب تعالى لهما وآتاهما صالحاً. وقوله تعالى { فلام آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما } حيث سمته حواء عبد الحارث بتغيرير من إبليس، إذ اقترح عليهما هذه التسمية، وهي من الشرك الخفي المعفو عنه نحو لولا الطبيب هلك فلان، وقوله { فتعالى الله عما يشركون } عائد إلى الكفر قريش الذين يشركون في عبادة الله أصنامهم وأوثانهم، بدليل قوله بعد { أيشركون ما لا يخلق شيئاً } أي من المخلوقات { وهم } أي الأوثان وعبادها { يخلقون، ولا يستطيعون لهم نصراً } إذا طلبوا منهم ذلك. { ولا أنفسهم ينصرون } لأنهم جمادات لا حياة بها ولا قدرة لها وقوله { وإن تدعوهم } أي وإن تدعوا أولئك الأصنام { إلى الهدى } وقد ضلوا الطريق { لا يتبعوكم } لأنهم لا يعقلون الرشد من الضلال ولذا فسواء عليكم { أدعوتموهم أم أنتم صامتون } أي لم تدعوهم فإنهم لا يتبعونكم ومن هذه حاله وهذا واقعه فهل يصح أن يعبد فتقرب له القرابين ويحلف به، ويعكف عنده، وينادى ويستغاث به؟؟ اللهم لا، ولكن المشركين لا يعقلون.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- بيان أصل خلق البشر وهو آدم وحواء عليهما السلام.

2- بيان السر في كون الزوج من جنس الزوج وهو الألفة والأنس والتعاون.

3- بيان خداع إبليس وتضليله للإِنسان حيث زين لحواء تسمية ولدها بعبد الحارث وهو عبد الله.

4- الشرك في التسمية شرك خفي معفو عنه وتركه أولى.

5- التنديد بالشرك والمشركين، وبيان جهل المشركين وسفههم إذ يعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يجيب ولا يتبع.

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَٱدْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } * { إِنَّ وَلِيِّـيَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى ٱلصَّالِحِينَ } * { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلاۤ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }

شرح الكلمات:

{ عباد أمثالكم }: أي مملوكون مخلوقون أمثالكم لمالك واحد هو الله رب العالمين.

{ شركاءكم }: أصنامكم التى تشركون بها.

{ ثم كيدون }: بما استطعتم من أنواع الكيد.

{ فلا تنظرون }: أي فلا تمهلون لأني لا أبالى لكم.

{ إن وليي الله }: أي المتولي أموري وحمايتي ونصرتي الله الذي نزل القرآن.

{ وتراهم ينظرون }: أي وترى الأصنام المنحوتة على شكر رجال ينظرون إليك وهم لا يبصرون.

معنى الآيات:

هذه الآيات الخمس في سياق ما قبلها جاءت مقررة لمبدأ التوحيد مؤكدة له منددة بالشرك مقبحة له، ولأهله فقوله تعالى { إن الذين تدعون } أي دعاء عبادة أيها المشركون { هم عباد أمثالكم } أي مملوكون لله، الله مالكهم كما أنتم مملوكون لله مربوبون. فكيف يصح منكم عبادتهم وهم مملكون مثلكم لا يملكون لكم ولا لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، وإن شككتم في صحة هذا فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين في زعمكم أنهم آلهة يستحقون العبادة. إنكم لو دعوتموهم ما استجابوا، وكيف يستجيبون وهم جماد ولا حياة لهم { ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها، أم لهم آذان يسمعون بها } إنه لا شيء لهم من ذلك فكيف إذاً يستجيبون، وبأي حق يعبدون فيدعون ويرجون وهم فاقدوا آثار القدرة والحياة بالمرة.

ثم أمر الله تعالى رسوله أن يعلن لهم أنه لا يخفاهم ولا يعدهم شيئاً إذا كانوا هم يعبدونهم ويخافونهم فقال له قل لهؤلاء المشركين { ادعوا شركاءكم ثم كيدون } أنتم وإياهم { فلا تنظرون } أي لا تمهلونى ساعة، وذلك لأن { وليى الله الذي نزل الكتاب } أي القرآن { وهو يتولى الصالحين } فهو ينصرني منكم ويحميني من كيدكم إنه ولي وليّ المؤمنين. أما أنتم { والذين تدعون من دونه } أي من دون الله من هذه الأوثان { لا يستطيعون نصركم ولاأنفسهم ينصرون } وشيء آخر وهو أنكم { إن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا } فضلاً عن إن تدعوهم إلى الضلال فكيف تصح عبادة من لا يجيب داعيه في الرخاء ولا في الشدة. وأخيراً يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، { وتراهم } أي ترى أولئك الآلهة وهي تماثيل من حجارة { ينظرون إليك } إذا قابلتهم لأن أعينهم مفتوحة دائماً، والحال أنهم لا يبصرون، وهل تبصر الصور والتماثيل؟.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- إقامة الحجة على المشركين بالكشف عن حقيقة ما يدعون أنها آلهة فإذا بها أصنام لا تسمع ولا تجيب لا أيد لها ولا أرجل ولا آذان ولا أعين.

2- وجوب التوكل على الله تعالى، وطرد الخوف من النفس والوقوف أمام الباطل وأهله في شجاعة وصبر وثبات اعتماداً على الله تعالى وولايته إذ هو يتولى الصالحين.

3- جواز المبلاغة في التنفير من الباطل والشر بذكر العيوب والنقائص.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hany1
المشرف العام
المشرف العام



عدد المساهمات : 129
تاريخ التسجيل : 30/09/2011

سورة الأعراف Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الأعراف   سورة الأعراف Emptyالخميس أكتوبر 20, 2011 5:47 pm


{ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } * { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } * { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ }

شرح الكلمات:

{ العفو }: ما كان سهلاً لا كلفة فيه وهو ما يأتي بدون تكلف.

{ بالعرف }: أي المعروف في الشرع بالأمر به أو الندب إليه.

{ وأعرض عن الجاهلين }: الجاهلون: هم الذين لم تستنر قلوبهم بنور العلم والتقوى، والإِعراض عنهم بعدم مؤاخذتهم على السوء قولهم أو فعلهم.

{ نزغ الشيطان }: أي وسوسته بالشر.

{ فاستعذ بالله }: أي قل أعوذ بالله يدفعه عنك إنه أي الله سميع عليم.

{ اتقوا }: أي الشرك والمعاصي.

{ طائف من الشيطان }: أي ألم بهم شيء من وسوسته.

{ وإخوانهم يمدونهم في الغي }: أي إخوان الشيطاطين من أهل الشرك والمعاصي يمدونهم في الغي.

{ ثم لا يقصرون }: أي لا يكفون عن الغي الذي هو الضلال والشر والفساد.

معنى الآيات:

لما علّم تعالى رسوله كيف يحاج المشركين لإِبطال باطلهم في عبادة غير الله تعالى والإِشراك به عز وجل علمه في هذه الآية أسمى الآداب وأرفعها، وأفضل الأخلاق وأكملها فقال له: { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } أي خذ من أخلاق الناس ما سهل عليهم قوله وتيسر لهم فعله، ولا تطالبهم بما لا يملكون أو بما لا يعلمون وأمرهم بالمعروف، وأعرض عن الجاهلين منهم فلا تعنفهم ولا تغلظ القول لهم فقد سأل صلى الله عليه وسلم عن معنى هذه الآية جبريل عليه السلام فقال له: (تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك) وقوله { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ } أي أثار غضبك حتى لا يتلتزم بهذا الأدب الذي أمرت به { فاستعذ بالله } بدفعه عنك إنه سميع لأقوالك عليك بأحوالك. ثم قال تعالى مقرراً حكم الاستعاذة مبيناً جدواها ونفعها لمن يأخذ بها. { إن الذين اتقوا } أي ربهم فلم يشركوا به أحداً ولم يفرطوا في الواجبات ولم يغشوا المحرمات هؤلاء { إذا مسهم طائف من الشيطان } بأن نزغهم بإثارة الغضب أو الشهوة فيهم تذكروا أمر الله ونهيه ووعده ووعيده { فإذا هم مبصرون } يرون قبح المعصية وسوء عاقبة فاعلها فكفوا عنها ولم يرتكبوها. وقوله تعالى: { وإخوانهم } أي إخوان الشياطين من أهل الشرك والمعاصي { يمدونهم } أي الشياطين { في الغي } أي في المعاصي والضلالات ويزيدونهم في تزيينها لهم وحملهم عليها، { ثم لا يقصرون } عن فعلها ويكفون عن ارتكابها.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- الأمر بالتزام الآداب والتحلي بأكمل الأخلاق ومن أرقها العفو عمن ظلم وإعطاء من حرم، وصلة من قطع.

2- وجوب الاستعاذة بالله عند الشعور بالوسوسة أو الغضب أو تزيين الباطل.

3- فضيلة التقوى وهي فعل الفرائض وترك المحرمات.

4- شؤم أخوة الشياطين حيث لا يقصر صاحبها بمد الشياطين له عن الغي الذي هو الشر والفساد.

{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ ٱجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يِوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }

شرح الكلمات:

{ قالوا لولا اجتبيتها }: أي اخترعتها واختلقتها نم نفسك وأتيتنا بها.

{ هذا بصائر من ربكم }: أي هذا القرآن حجج وبراهين وأدلة على ما جئت به وادعوكم إليه فهو أقوى حجة من الآية التي تطالبون بها.

{ فاستمعوا له وانصتوا }: أي اطلبوا سماعه وتكلفوا له، وانصتوا عند ذلك أي اسكتوا حتى تسمعوا سماعاً ينفعكم.

{ وخيفة }: أي خوفاً.

{ بالغدو والآصال }: الغدو: أول النهار، والآصال: أواخره.

{ من الغافلين }: أي عن ذكر الله تعالى.

{ إن الذثين عند ربك }: أي الملائكة.

{ يسبحونه }: ينزهونه بألسنهم بنحو سبحان الله وبحمده.

معنى الآيات:

ما زال السياق في توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه الرد على المشركين خصومه فقال تعالى عن المشركين من أهل مكة { وإذا لم تأتيهم } يا رسولنا { بآية } كما طلبوا { قالوا } لك { لولا } أي هلا { اجتبيتها } أي اخترعتها وأنشأتها من نفسك ما دام ربك لم يعطها قل لهم إنما أنا عبد الله ورسوله لا أفتات عليه { وإنما اتبع ما يوحى إليّ من ربي } وهذا القرآن الذي يوحى إلى بصائر من حجج وبراهين على صدق دعواي وإثبات رسالتي، وصحة ما أدعوكم إليه ن الإِيمان والتوحيد وترك الشرك والمعاصي، فهلا آمنتم واتبعتم أم الآية الواحدة تؤمنون عليها والآيات الكثيرة لا تؤمنون عليها أين يذهب بعقولكم؟ وعلى ذكر بيان حجج القرآن وأنواره أمر الله تعالى عباده المؤمنين إذا قرىء عليهم القرآن أن يستمعوا وينصتوا وساء كان يوم الجمعة على المنبر أو كان في غير ذلك فقال تعالى { فإذا قرىء القرآن فاستمعوا له } أي تكلفوا السماع وتعمدوه { وانصتوا } بترك الكلام { لعلكم ترحمون } أي رجاء أن ينالكم من هدى القرآن رحمته فتهتدوا وترحموا لأن القرآن هدى ورحمة للمؤمنين.

ثم أمر تعالى رسوله وأمته تابعة له في هذا الكمال فقال تعالى { واذكر ربك في نفسك } أي سراً { تضرعاً } أي تذللاً وخشوعاً، { وخيفة } أي وخوفاً وخشية { ودون الجهر من القول } وهو السر بأن يسمع نفسه فقط أو من يليه لا غير وقوله { بالغدو والآصال } أي أوائل النهار وأواخره، ونهاه عن ترك الذكر وهو الغفلة فقال { ولا تكن من الغافلين } وذكر له تسبيح الملائكة وعبادتهم ليتأسى بهم، فيواصل العبادة والذكر ليل نهار فقال { إن الذين عند ربك } وهم الملائكة في الملكوت الأعلى { لا يستكبرون عن عبادته } أي طاعته بما كلفهم به ووظفهم فيه { ويسبحونه وله يسجدون } فتأس بهم ولا تكن من الغافلين.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1- القرآن أكبر آية بل هو أعظم من كل الآيات التي أعطيها الرسل عليهم السلام.

2- وجوب الإِنصات عند تلاوة القرآن وخاصة في خطبة الجمعة على المنبر وعند قراءة الامام في الصلاة الجهرية.

3- وجوب ذكر الله بالغدو والآصال.

4- بيان آداب الذكر وهي:

1- السرية.

2- التضرع والتذلل.

3- الخوف والخشية.

4- الإِسرار به رفع الصوت به، لا كما يفعل المتصوفة.

5- مشروعية الأئـتـساء بالصالحين والاقتداء بهم في فعل الخيرات وترك المنكرات.

6- عريمة السجود عند قوله { وله يسجدون } وهذه أول سجدات القرآن ويسجد القارىء والمستمع له، أما السامع فليس عليه سجود، ويستقبل بها القبلة ويكبر عند السجود وعند الرفع منه ولا يسلم وكونه متوضأً أفضل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سورة الأعراف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞♥ஜ منتدى صعوبات التعلم- عسر قراءة وكتابة ஜ♥۞  :: ♥القسم الاسلامى♥ :: أسلاميات-
انتقل الى: